كتاب "ثورات القوة الناعمة في
العالم العربي. من المنظومة إلى الشبكة."، علي حرب، الدار العربية للعلوم
والنشر، الطبعة الثانية 2012، 240 صفحة.
نص علي حرب
صفحة 208: مأزق الهوية الإسلامية:
من حيث العلاقة مع المختلِف في
الداخل، لا يحسن الإسلاميون سوى الإخفاق في ترجمة شعارهم. هنا بيت الداء ومكمن
العلّة، إذ الهوية الدينية تتحول إلى مشكلة لأصحابها بالدرجة الأولى، كما يتجسم
ذلك في الفتن المذهبية الناشبة بين المسلمين والتي هي أشد فتكا من الحروب بينهم
وبين الطوائف الأخرى، وكما تشهد حروب النصوص والأحاديث وخطب الجوامع النارية التي
تأجج الذاكرة وتذكي فتيل الفتنة.
وعلة ذلك أن الإسلام لم يعد واحدا،
بل لم يكن يوما واحدا، منذ وفاة المؤسس. نحن إزاء عالم إسلامي متعدد المذاهب
والمدارس، الفقهية والكلامية، إلى حد التناقض. ولو أخذنا الفرقتين الرئيسيتين،
السنّة والشيعة، نجد أنفسنا أمام شرخ عميق يكاد يتجاوز كونه خلافا بين اجتهادين أو
مذهبين، لكي يتحول إلى خلاف بين ديانتين لكل منهما عالمها ورموزها الخاصة التي هي
عندها أوْلى من الأمر الجامع (الله القرآن، النبي). والدليل هو علاقة النفي المتبادل
بينهما، تكفيرا أو تبديعا، إذ كل فرقة تقدس رموزها الخاصة و تجحد ما عند سواها. من
هنا، من التبسيط الكلام على وجود أمة إسلامية واحدة.
لنعترف بالحقيقة كي نحسن معالجة
المشكلة. فالطوائف الإسلامية، وكذلك المسيحية. كانت تعيش في عوالم منعزلة، وإن
متجاورة، بعد الصراعات الطويلة والحروب الأهلية التي أدت إلى الانشقاق والقطيعة.
وإذا كانت هذه الطوائف قد فكت عزلتها وخرجت من قوقعتها، المجتمعية والفكرية، على
سبيل التواصل والتبادل، فبفضل الحداثة بفضاءاتها وقيمها ومؤسساتها التي أتاحت لها
التعبير عن معتقداتها وممارسة طقوسها في الفضاء العمومي.
صفحة 212: أعرف أن المسلمين ليسوا
كلهم إسلاميين سلفيين أو أصوليين. فالكثيرون منهم يعيشون زمنهم وينخرطون في العالم
الحديث، بالإفادة من منجزاته أو تبنّي قيمه ونظمه في الحرية والديمقراطية، أو في
الاشتراكية والليبرالية، أو في التعددية والشفافية، أو في العولمة والتنمية.
بل إن السلفيين والأصوليين، تأثروا
بمنجزات الغرب واستثمروها، ولو لم يعترفوا
بذلك. واليوم وبعد اندلاع الثورات التي غيرت المشهد وقلبت الموازين، حدث تغير في
مواقف الإسلاميين جعلهم يتخلون عن ثوابتهم ويقبلون بالدولة المدنية والعَلمانية.
بالطبع مع تأكيدهم، بنوع من الالتفاف والخداع، بأن ذلك لا يتعارض مع تعاليم الدين
الإسلامي.
ومن هنا نشأ صراع داخل الجماعات
الإسلامية بين المحافظين والإصلاحيين، بين التيار السلفي الذي لا ينتج سوى منظمات
تكفيرية، وبين التيار الليبرالي المنفتح على حقائق العصر وقيم الحداثة، ويشبه أن
يكون الفرق بين الاثنين كالفرق بين حمادي الجبالي الذي تحدث عن "الخلافة
السادسة"، وبين راشد الغنوشي الذي بدا ذا منزع حداثي ليبرالي في موقفه، على
نحو يقربه من نموذج مهاتير محمد أو رجب أردوﭬان، في موقفه من بعض القضايا المتعلقة
بالحريات، وخاصة في مجال الاقتصاد. فالإسلاميون هم ليبراليون إلى أقصى الحدود في
هذا المجال، وهو الذي يجمعهم مع أميركا والعالم الرأسمالي، كما جمعهم من قبل
عداؤهم المشترك للمعسكر الاشتراكي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire