mardi 22 mars 2022

مقارنة بين التنوير في القرآن وفي أدب روّاد النهضة الأوروبية

 

المصدر: مدخل إلى التنوير الأوروبي، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة.

نص هاشم صالح:

صفحة 95، الفضيحة الأولى: "لورنزو ﭬالا"، أحد النهضويين (نسبة إلى النهضة الأوروبية) والإنسيين في القرن الخامس عشر (1407 م – 1457 م)، قد تجرأ مثلا على الكشف عن زيف الوثيقة الكنسية الشهيرة المدعوة "هبة قسطنطين"...ماذا تقول هذه الوثيقة بالضبط ؟ إنها تزعم أن الإمبراطور قسطنطين وهب البابا سيلفستر حق امتلاك روما وإيطاليا، وعموما حق امتلاك السلطة الزمنية، وليس فقط السلطة الروحية. وعلى الرغم من هذا العمل المضاد للمبدأ الإنجيلي القائل "ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، كما أنه مضاد لكلمة المسيح الشهيرة "مملكتي ليست من هذا العالم"، إلا أن بابوات روما كانوا يستمتعون بهذه السلطة الدنيوية ويحرصون عليها أشد الحرص. وقد وصل بهم الأمر إلى حد خلع الملوك والأباطرة وإخضاعهم لهم، وممارسة السلطة السياسية بكل جبروت واقتدار. وهكذا خرجوا على مبادئ الإنجيل وانتهكوها بعد أن أغرتهم السلطة الدنيوية بكل متعها وأطايبها.

هامش 1 على نفس الصفحة: وهذا ما ينقض الأطروحة الاستشراقية الشهيرة التي تعيب على الإسلام خلطه بين الروحي والزمني في حين أن المسيحية فصلت بينهما منذ البداية كما يزعمون ! ثم شاعت هذه الأطروحة في أوساط بعض المثقفين العرب وتبنوها من دون أي مراجعة أو تفحص حتى أسقطتها تحليلات محمد أركون مؤخرا. فالواقع أن المسيحية مارست السلطة السياسية طيلة عدة قرون مثلما حصل عندنا في الجهة الإسلامية. وكل الثورات الحديثة التي جرت في الغرب كانت تهدف إلى التحرر من رجال الدين، وإعادتهم إلى كنائسهم لكي يهتموا بالشؤون الروحية فقط، ويتركوا السياسة للسياسيين. فتلويث الدين بالسياسة يضر السياسة والدين في آن معا. ولكن الكهنوت المسيحي لم يتخلّ عن السلطة بعد أن ذاق طعمها إلا بعد معارك طاحنة وجهد جهيد.

صفحة 99: إيراسموس زعيم النهضة الأوروبية (1469 م -1532 م)، يمكن اعتبار إيراسموس الشخصية التي جسدت مُثُل عصر النهضة والنزعة الإنسانية في أرقى تجلياتها. ولكن لا يفهمنّ أحد من هذا الكلام أنه كان مضادا للدين. على العكس، لقد كان مؤمنا مستنيرا راسخ الإيمان... كان أبوه كاهنا، ولذا فلم يستطع أن يعترف به، وإنما ظل ولدا غير شرعي. وكانت عادة منتشرة في ذلك الزمان أن يتخذ الرهبان عشيقات وأحيانا يحملن منهم من دون أن يعترفوا بالطفل لأنه وُلِدَ خارج الزواج الشرعي... أفكاره الجريئة والتجديدية كانت تصدم جمهور الرهبان واللاهوتيين، ما عدا المستنيرين منهم أو الإنسيين الذين اطلعوا على فلسفة اليونان وآدابها ومزجوا بينها وبين الدين (إضافة المؤلّف محمد كشكار: نقطة مضيئة حضارية ثقافية غير قرآنية: ونظير إيراسموس عندنا هو ابن رشد، 1126م - 1198م، مُلهِم النهضة الأوروبية في القرن الثاني والثالث عشر)...وكان يلقب هؤلاء الرهبان بـ"البرابرة" الذين يخلطون بين التقى والورع من جهة، وبين الجهل من جهة أخرى. فبقدر ما تكون جاهلا ولا تطرح أي سؤال تكون تقيا ! وكان يزعجه كثيرا رفضهم للثقافة اليونانية والآداب الجميلة.

إضافة المؤلف محمد كشكار:  نقطة حضارية ثقافية غير قرآنية وغير مضيئة: كما يزعجني أنا أيضا رفض بعض علماء الدين الإسلامي وبعض المتدينين المسلمين للثقافة الغربية بغثها وسمينها ويزعجني أكثر عداوة هؤلاء الصارخة -عن جهل- للفنون الجميلة بمسرحها وسينمائها ونحتها ورسمها ورقصها وغنائها ويؤلمني جدا ويحز في نفسي رفض بعضهم للعلوم الغربية الحديثة مثل الأنتروبولوجيا والأركيولوجيا ونظرية التطور والإبستومولوجيا وعلم الألسنية وعلم النفس والاكتشافات العلمية التجريبية في مجال استنساخ الأعضاء والإنجاب بمساعدة طبية وبنك الحيوانات المنوية وزرع البويضات للنساء العاقرات وحرية التعبير المطلقة من كل قيد وشرط إلا ما تمنعه أخلاقيات المهنة وضمير المبدع وحرية النشر في وسائل الاتصال الحديثة مثل الفضائيات الحرة والأنترنات، مدونات وفيسبوك وتويتر.

تابع نص هاشم صالح: قام (إيراسموس) شخصيا بتحقيق الإنجيل من جديد، ونشر نسخة عنه مختلفة كثيرا عن النسخة الرسمية التي تعتمدها الكنيسة (إضافة المؤلّف محمد كشكار: نقطة قرآنية مضيئة عدد1: وهذا ما أكده القرآن الكريم قبله بثمانية قرون عندما قال أن إنجيل المسيحيين المستعمل آنذاك محرّف)...وهكذا أدخل المنهجية النقدية إلى ساحة العلوم الدينية لأول مرة. وسوف يكون لذلك أثر تحريري كبير في المستقبل... في الواقع إن الإنسانيين-النهضويين كانوا أكثر تدينا مما نظن على الرغم من إعجابهم بالحضارة اليونانية وفلسفتها... يقول بما معناه: "إن الدين يسر لا عسر"، ولكن المؤسسات البشرية الصغيرة هي التي أضافت كل تلك القيود والإكراهات التي تضغط علينا وتثقل كاهلنا.

إضافة المؤلف محمد كشكار: نقطة قرآنية مضيئة عدد 2: وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم منذ ثمانية قرون قبل إيراسموس: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ويسّروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلْجَة (والدلجة تعني السير من أول الليل أو سير الليل كله)" ولكن بعض علماء الشريعة عسّروا علينا ديننا الإسلامي، فالرسول الكريم لم يفرض علينا إلا الصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقة وصلة الرحم.

صفحة 157: ومن الأمثلة الأخرى الشنيعة على الظلامية المسيحية ما حصل للفيلسوف "ميشيل سيرفيه" الذي أحرقوه حيا في جينيف بتهمة التشكيك بعقيدة التثليث، وهي من العقائد الأساسية في المسيحية. فبمجرد أن شكك بصحتها ألقي طعمة للنيران ولم يشفع له علمه ولا فلسفته ولا إنسانيته.

صفحة 183: المذهب السوسيني، نسبة إلى سوسين (1540 م - 1604 م)، وهو مصلح بروتستانتي من أصل إيطالي وصل به الأمر إلى حد إنكار التثليث وألوهية المسيح، وهو من أكثر المذاهب عقلانية في المسيحية.

إضافة المؤلف محمد كشكار: نقطة قرآنية مضيئة عدد 3: قال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، جاءت في القرآن منذ القرن السابع ميلادي.

صفحة 159: وأثبت (الأب ألفريد لوازي 1857 - 1940) أن عيسى ابن مريم هو نبي فقط ولا يتصف بصفة الألوهية التي تتجاوز النبوة كما يزعم المسيحيون. ثم أصدر البابا قرار تكفيره وفصله من الكنيسة عام 1908 (إضافة المؤلّف محمد كشكار:  نقطة قرآنية مضيئة عدد 4: قال تعالى: "قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"(. وأصدر البابا بيوس العاشر عندئذ قرارا بإدانة الاشتراكية والليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومجمل الأفكار الحديثة، واعتبرها كفرا ما بعده كفر (إضافة المؤلف محمد كشكار:  نقطة حضارية ثقافية غير قرآنية وغير مضيئة: وهذا ما يفعله السلفيون الجهاديون والوهّابيون اليوم، في القرن الواحد والعشرين في السعودية ومصر و تونس).

صفحة 159: هامش 2: من أهم هذه التنازلات (عام 1962، عندما انعقد المجمع الكنسي الشهير باسم الفاتيكان الثاني... وهكذا اعترفوا لأول مرة بشرعية المنهج التاريخي والتأويل الحديث للدين. كما قدموا تنازلات أخرى عديدة لأفكار وتوجهات العصور الحديثة) نذكر الاعتراف بالحرية الدينية وأنه لا يمكن إجبار أي شخص على الإيمان غصبا عنه. ومنها التعددية الدينية والمذهبية والتخلي عن المقولة اللاهوتية الشهيرة التي استمرت ألفي سنة تقريبا والتي تنص على ما يلي: خارج الكنيسة الرومانية البابوية الكاثوليكية المقدسة لا نجاة للإنسان في الدار الآخرة ولا مرضاة عند الله. وهي مقولة تدين ليس فقط الأديان الأخرى كاليهودية والإسلام وإنما أيضا المذاهب الأخرى غير الكاثوليكية وبخاصة المذهب البرتستانتي.

إضافة المؤلف محمد كشكار: نقطة قرآنية مضيئة عدد 5: قال تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..." وقال: "لكم دينكم ولي دين..."، وقال: " قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ". يبدو لي -والله أعلم- وأنا غير المختص في تأويل الآيات، أننا نستطيع أن نستنتج مما سبق أن القرآن يعترف بحرية المعتقد ويقرّ بتعدد الأديان قبل أن يعترف بها المجمع الكنسي بـ12 قرنًا.

صفحة 190: ولكن الناس جميعا يتهمون "سبينوزا" بالإلحاد في القرن السابع عشر ميلادي (إضافة المؤلّف محمد كشكار: كما اتهم علماء السنّة -و دعاتها- "الحلاج" (858 م- 922م) بالإلحاد )، فما هو سبب ذلك ؟ السبب هو كتابه التالي الذي نشر بعد هذا الكتاب. ونقصد به رائعته الفلسفية المدعوة بـ"الأخلاق". فهذا الكتاب قدم تصورا عن الله يختلف كليا عن تصور اليهود والمسيحيين وجميع أتباع الأديان التوحيدية. فالله أصبح هو الطبيعة أو كلية الوجود ولم يعد هو ذلك الله الخالق، المنفصل عن خلقه، والقابع في أعلى السماوات. أصبح الله على يد سبينوزا هو قوانين الطبيعة والعقلانية المطلقة التي تتحكم بها. أصبح هو الكون بما فيه ومن فيه. أصبح هو القوة الحيوية المنبثَّة في الكون. وربما كان هذا التصور الغريب من نوعه هو الذي دفع أوروبا المسيحية إلى رفض سبينوزا ونبذه على مدار ثلاثة قرون تقريبا. عندئذ اتُّهِمَ بالمادية، والإلحاد، والحلولية، ووحدة الوجود (إضافة المؤلّف محمد كشكار: كما وقع تقريبا بالضبط لـ "الحلاج" قبل 8 قرون خلت، عندما صاح صيحته الشهيرة: "ما في الجبة إلا الله" وقالوا عن قولته "أنا الحق" أنها قولةٌ شِرْكِيّةٌ).

صفحة 200: ثم يرى سبينوزا أن الفلسفة تتوصل إلى نفس الحقائق ولكن عن طريق العقل والبرهان لا عن طريق الإيمان والتسليم. وبالتالي فهناك طريقان إلى الحقيقة أو الخلاص: طريق الفلسفة وطريق الدين. والأول خاص بالمثقفين فقط، أما الثاني فخاص بعامة الشعب الذين لا يستطيعون التوصل إلى الحقيقة عن طريق العقل. وهذا الكلام يشبه كلام ابن رشد (إضافة المؤلّف محمد كشكار: لكن بعده بـ5 قرون). وهناك طريقان لتصور الله بحسب سبينوزا: طريق الدين حيث نجد الله يخاطب خيال البشر وعاطفتهم من خلال موسى وعيسى والأنبياء بشكل عام. وهناك الله المطابق للطبيعة بحسب التصور الفلسفي أو العقلاني. وبالتالي فالكتابات المقدسة لا تستطيع أن تقدم لنا أي شيء عن طبيعة هذا التصور الفلسفي لله، ولا عن صفاته وعلاقاته بالبشر. فهذه أشياء من اختصاص الفلسفة وحدها. هنا يتجاوز سبينوزا ابن رشد بشكل كامل. في الواقع إن سبينوزا كان يهدف من كتابه هذا إلى تقديم تفسير عقلاني للكتابات المقدسة يواجه فيه -أو يحجّم إذا أمكن- التفسير اللاعقلاني لعلماء اللاهوت المتزمتين. وبالتالي فمعركة سبينوزا كانت مفتوحة مع جميع الأصوليين من كل الأجناس والأنواع (إضافة المؤلّف محمد كشكار: بما فيهم الأصوليين الإسلاميين المعاصرين). كانت معركته مع التعصب الديني الأعمى الذي إذا ما خرج من قمقمه أصبح كالمارد الأهوج لا يبقي ولا يذر (إضافة المؤلّف محمد كشكار: كما هو حال السلفيين الجهاديين اليوم في العالم العربي و الإسلامي).

خاتمة

صفحة 161: لذلك أستهجن موقف المثقفين الأوروبيين الذين يتهموننا بالتعصب والتزمت، وينسون كم عانوا هم من تعصب تراثهم ورجال دينهم قبل مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة. من السهل أن تضحك على الآخرين أو تستهزئ بهم بعد أن تكون قد سويت مشكلتك مع نفسك وأصبحت قويا، ناجحا، متفوقا. ولكنني أستغرب في ذات الوقت موقف المثقفين العرب الذين يعتقدون أن بإمكاننا أن نتوصل إلى الحداثة الحقيقية (أو الحريات الديمقراطية والتعددية الروحية والسياسية) من دون أن نخوض معركة الصراحة مع الذات التراثية.

إضافة المؤلف محمد كشكار: وأستهجن أنا بدوري موقف أكثرية الحداثيين العرب، سوى كانوا يساريين أو قوميين أو ليبراليين، الذين يعتقدون أنهم قادرون على تغيير المجتمع العربي الإسلامي دون فهم ميكانيزماته الداخلية وآلياته الإجرائية ومنطقه الخاص به ودون الاطلاع المعمّق على تاريخه وفلسفته وتراثه وثقافته.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire