mardi 22 mars 2022

شكرا للحركات الإسلامية التي أجبرتنا على العودة إلى الذات


 

كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.

نص هاشم صالح:

صفحة 251: شكرا للحركات الإسلامية التي أجبرتنا على العودة إلى الذات  وعلى طرح المشكلة الحقيقية بدلا من التهرب منها. ثم أجبرت هؤلاء المثقفن المتحررين جدا، والتقدميين جدا، والحداثيين جدا جدا على أن يتنبهوا إلى أنهم في واد والواقع في واد آخر، وأنهم غير ما يدّعون. فالتاريخ يعلّمنا والمنهجية التاريخية تعلّمنا أنه لا يمكن لأي مفكر مهما علا شأنه وكبرت عبقريته أن يتجاوز ما لا يمكن تجاوزه، أي الذات الجماعية (d’après moi, c’est la conscience générale ) التي تحيط به، واللحظة التاريخية التي هو مشروط بها، شاء ذلك أم أبَى.

إضافة المؤلف محمد كشكار:

لو طبقنا هذه المنهجية على واقعنا التونسي الراهن، وتمعّنا في نتيجة انتخابات 23 أكتوبر 2012 الأولى بعد ثورة 2011 رغم أنني أراها لعبة شبه مزيفة بالمال السياسي والماكينة الانتخابية حتى لو لم تكن شكليا مزيفة مثلها مثل الانتخابات في الدول الديمقراطية الغربية، وأرى أن نسبة صفر فاصل لا تعكس الواقع الموضوعي لليسار التونسي، المشارك الأبرز في الثورة  والعاجز عن جني ثمارها في الوقت المناسب (التآمر على جبهة 14 جانفي اليسارية و حلها بسرعة البرق من قبل أطراف يمينية داخلية وخارجية وتعويضها بالهيئة العليا لابن عاشور)، لكن حتى لو كانت ديمقراطية ونزيهة وشفافة مائة بالمائة (وهذا لم  يحصل حتى في أمريكا وأوروبا، لأن الديمقراطية الغربية لعبة بالمعنى الحرفي وليس المجازي للكلمة و"الشاطر" الخبيث المتلون وليس الوطني المخلص الصادق هو الذي يربح، يربح بماله السياسي وبتحالفاته المشبوهة وبوعوده السخية الكاذبة). حتى لو كانت ديمقراطية فلن تزيد نسبة اليسار -حسب تكهناتي غير العلمية- على عشرة في المائة في أقصى تقدير. ومهما كان تقييمنا للانتخابات، مزيفة أو نزيهة، فهي كانت بمثابة الصدمة الكهربائية لليسار حتى يعي حجمه السياسي الحقيقي وليس الوهمي في تونس وفي العالم العربي وعلى ضوء هذه النتيجة بدأ اليسار العربي يراجع مواقفه ويعدّل سياسته ويغيّر خطابه ويتماهى مع مجتمعه العربي المسلم ويتصالح مع هويته العربية الإسلامية.

انتهت إضافة المؤلف محمد كشكار

نرجع إلى نص هاشم صالح

بهذا المعنى، فإن المفكر العربي أو المسلم الحقيقي هو ذلك الذي يعيش اللحظة التاريخية للعرب والمسلمين وينتمي إليها قلبا وقالبا، لا ذاك الذي يعيش اللحظة التاريخية للغرب والغربيين. هذا يعني أنه يمكن للمفكر أن يكون مرتبطا بهموم مجتمعه العربي-الإسلامي حتى وهو في الخارج. فالمفكر الذي يعيش في باريس فكل حياته مثلا سيكون مشغولا بمشاكل الإسلام والمسلمين أكثر من مفكرين عديدين يعيشون في بغداد أو دمشق أو القاهرة... المسألة تخص في نهاية المطاف مدى الارتباط الوثيق بالقدر التاريخي للعرب والمسلمين أو عدمه، مدى الحرص على تخليصهم من وهدة التخلف والانحطاط أو اللامبالاة كليا بهذه المسألة. والواقع أن الشيء المؤلم الآن هو أن المفكرَ مضطرٌّ للعيش خارج مجتمعه لكي يفكر فيه ! فالتفكير في الداخل أصبح مغامرة غير محمودة العواقب. بل إن المضايقات والتهديدات أصبحت تصل حتى إلى المفكرين في الخارج...

هنا يكمن المقياس الحقيقي للإخلاص والخيانة أو إذا شئتم كلمة أخرى أقل حِدّة للارتباط والقطيعة مع القدر التاريخي للعرب. وهذا هو الشرط المسبق والضروري لكي يفعل المفكر في المشكلة، أو يزحزحها عن مواضعها التقليدية. ذلك أن التحرير لن يكون إلا عن طريق الجهد البطيء والمخيب غالبا. هذا الجهد الذي تقوم به الذات على ذاتها وضد ذاتها من أجل أن تنبثق من داخل ذاتها ذاتُ أخرى أكثر شبابا وقدرة على مواجهة التحديات.

 

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire