lundi 14 mars 2022

هل غيرت أفكارُ اليساريينَ والإسلاميينَ التونسيينَ من عقليةِ المواطنِ التونسيِّ، وهل غيرت من عقلياتِهم هم أنفسِهم ؟

 

 

يبدو لي -والله أعلم- أن معظم اليساريين والإسلاميين التونسيين يلتقون ويتوحّدون حول الأفكار الإيجابية، الغايات، القِيم الإنسانية، مثل العدالة الاجتماعية، التضامن، التضحية، المساواة في الحقوق والواجبات، الصدق في القول والإخلاص في العمل. كلها أخلاقٌ نبيلةٌ وعاليةٌ، ثمّنها القرآن الكريم قبل ماركس بعشرة قرونٍ أو أكثر قليلاً. للأسف الشديد، هذه الأفكار السليمة بقيت سجينة الكتب، بشريةً كانت أو مقدسةً، لم تترك أثرًا طيّبًا في عقلية المواطن التونسي، ولم تغيّر من سلوكاته وسلوكاتهم (اليساريين والإسلاميين) السيئة شيئًا يُذكَر فيُشكَر.

المفارقة الكبرى تكمن في أن سلوكات المجموعتين السيئة هي التي سادت وانتشرت في مجتمعنا التونسي، مثل الأنانية، المحسوبية، الجهويات، الربح السهل والسريع دون جَهدٍ ولو يَسيرٍ، الفساد، الرشوة، تراجع الضمير المهني، إلخ: تجد اليساري والإسلامي على حد سواء من بين الأساتذة المقاولين تجار المعرفة الجشعين، من بين الموظفين عديمي الضمير، من بين المسؤولين المرتشين، من بين الحِرفيين الغشاشين، من بين الأطباء الجشعين، من بين القضاة والمحامين الفاسدين، إلخ. والتونسي حسب رأيي يبقى تونسيًّا، سواءً يَسّرَ أو يمّن، والطبعُ عادةً يغلب التطبّعَ !

وأعتقد كمختص في إبستمولوجيا التعليم (الديداكتيك) أن الأفكار السلبية، مثلها مثل التصورات غير العلمية، تصمد بقوة ضد التنوير العلمي أو الديني أو الفكري أو الثقافي، لا تنهزم بسهولة، ولا تزول بسرعة. وأعرف أيضًا أن المستوى التعليمي لا يغير آليًّا الأخلاقَ إلى الأفضلِ إلا عند الفيلسوف سقراط حيث تصالحت المعارف والقِيم وترافقتا وتعايشتا وتجسّمتا في شخصِ واحدٍ. لقد كان مستحيلاً لكن سقراط نجح في تطبيق المستحيل على نفسه على الأقل، إذ مات مُضحّيًا بروحه من أجل الصدق والإخلاص، متجرّعًا السم تنفيذًا لحكم الإعدام.

ماذا تَعَلمَ المواطن التونسي من المجموعتين المتخاصمتين على اللاشيء ؟

مِن اليساريين، دون تعميمٍ، تَعَلمَ الخطابَ "الجبهاويَّ" (Le discours frontal) الذي غالبًا ما يوصِل إلى نتيجةٍ عكسيةٍ تتمثل في معاداةَ الحضارة الإسلامية عن جهلٍ بإنجازاتها أو تضخيمٍ لسلبياتها، وتَعَلمَ أيضًا العنفَ اللفظيَّ الذي اكتويتُ بناره شخصيًّا والذي سُلِّطَ عليّ أنا من قِبل عديد الأصدقاء الحميمين وغير الحميمين، أنا ابن العائلة اليسارية، العاقُّ في نظرهم. آه لو يدرون أن تجاهلَهم المقصودَ لأفكاري وأطروحاتي قد أعطاني -عكس ما ينتظرون- طاقةً رهيبةً للكتابةِ والنشرِ والقراءةِ أكثرَ. لن أهضم حق بعض أصدقائي اليساريين، وهم قلة، الذين شجعوني، وأقول لهم شكرًا من القلبِ والعقلِ.

مِنَ الإسلاميين، دون تعميمٍ، تَعَلمَ الإقصاءَ لغير الإسلامي، وتَعَلمَ أيضًا التسرعَ في التكفير وعدمَ الانفتاح على الأفكار غير الإسلامية والتعصبَ الأعمَى المُضِرَّ بالهُوية الإسلامية نفسِها. أما معاملةُ جل مَن عرفتهم من النهضاويين فقد كانت أرقَى بكثيرٍ من معاملة رفاقي، وأما دواخِلُهم فلا يعرف كنهَها إلا الله سبحانه وتعالَى.

 

ما هو مصدر مخزون الكُرهِ المُتَبادَلِ للأسف بين اللائكيّين التونسيّين والإسلاميين التونسيّين ؟

يبدو لي أنه كُرهٌ موروثٌ. كُرهٌ للآخر وَرَثَهُ اللائكيّون التونسيّون عن فِكر الثورة الفرنسية المعادي للمسيحية (Pensée déiste non athée mais anti-théiste)، ووَرَثَهُ النهضاويّون التونسيّون عن فِكر الإخوان المسلمين المصريين المعادي لـ"اللائكية الناصرية".

بكل ودٍّ ولطفِ، أدعو الطرفين إلى حلحلة موقفَيْهما الإقصائيَّين وإلى محاولة كل واحد منهما الاقتراب من خصمه الإيديلوجي التاريخي، هذا لو أرادا التعايش السلمي في كَنَفِ الديمقراطية دون توافقٍ مزيّفٍ كالذي حدثُ في تونس بين النهضة والنداء. وأدعوهم أيضًا إلى التعاملِ مع الواقع كما هو وليس من خلال النصوص النظرية على أهمّيتِها.

على اللائكيّين التونسيّين أن يطّلعوا على التجارب العَلمانية في الدول الأنڤلوسكسونية (أمريكا وبريطانيا وألمانيا) حيث يتعايش اللائكي مع المتدين في كَنَفِ الاعترافِ المتبادَل دون تنازلاتٍ مبدئيةٍ، ومن أجل كسبِ ثقة الناخب الحر، فَلْيتنافس المتنافِسون.

ومن نَكَدِ الديمقراطية على الخصمِ أن يرى خصمًا له ما من التعاون معه مَهْرَبُ !

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire