قرّر رئيس حكومتِنا
الموقَّر غلقَ ثمانينَ مسجدًا بعد عملية سوسة الإرهابية.
كَــ"مواطن تونسي
عَلماني يساري غير ماركسي ومعارِض للنهضة والنداء"، أعبّر عن معارضتي الفكرية
الواضحة لهذا القرار وذلك بإيجاز للأربعة أسباب التالية التي لا يوجدُ من بينها
سببٌ شخصيٌّ أو إيديلوجيٌّ واحدٌ:
1.
هذا القرار يبدو أنه مخالِفٌ للدستور التونسي
الذي يضمن لجميع المواطنين التونسيين حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية
داخل دُورِ العبادة. يُحكى أن: دولة بريطانيا العُظمى، وبعدَ أخطر أربع عمليات
إرهابية وقعت في لندن سنة 2005 وحصدت أربعين بريطانيا، هذه الدولة العلمانية غير
الإسلامية لم تُغلِق مسجدا واحدا من بين الألف مسجد المنتشرة في ربوعها مع الإشارة
إلى أن كل هذه المساجد كانت ولا تزال خارج السيطرة المباشرة للحكومة البريطانية التي
كانت أسمَى من أن تتدخل في معتقدات مواطنيها المسلمين وأذكَى من أن تُملِي على
أئمتِهم خُطَبَ الجمعة. يبدو لي أن المسلمين الذين يستوطنون الدول العلمانية، يعيشون بكرامة سالمين محترمين ويمارسون شعائرهم
الدينية بكل حرية، أحسن من أشقائهم الذين يعيشون في الدول الإسلامية العربية
والأعجمية. والغريب في الأمر أن جل بني ديني يكرهون ويُعادون العَلمانية
ويصنِّفونها كفرا أو إلحادًا وهي في الواقع نظاما مجتمعيا لا أكثر ولا أقل، نظام
تُصانُ فيه حرية الضمير والمعتقد.
2.
وددتُ لو أصدر حضْرتُه قرارًا يمنع الخطابات
التكفيرية والعنصرية والاستئصالية والاقصائية عموما حيث ما وُجِدتَ: في الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام (المسموعة
والمرئية والمكتوبة ورقيا ورقميا) والمؤسسات التربوية العمومية والخاصة (الروضات
والمدارس والإعداديات والثانويات والجامعات) وفضاءات الدمغجة الدينية
والإيديوليجية وليس دورِ العبادة الإسلامية والمسيحية واليهودية والبهائية وغيرها
من الديانات الأخرى.
3.
قال الفيلسوف الأمريكي التقدمي نعوم شومسكي:
"كل خطاب متطرّف في جهة لا يخدم إلا المتطرّفين في الجهة المقابلة"،
يعني أن رئيس حكومتنا الموقَّر بقراره هذا قد يكون وفّر لخصومه على طبقٍ من ذهبٍ
حجةً قويةً مقنعةً سوف يوظفونها حتما ضده.
4.
ولو أراد رئيس حكومتنا الموقَّر بقراره هذا
أن يجفّف منابع الفكر الإرهابي فأتوجه إلى سيادته وأقول له بكل احترام: "لقد
أخطأت الهدف يا سيدي ! لأن المنظمات الإرهابية أذكى مما تتصور يا سيادة الريِّس
وقد تخلّت جل هذه المنظمات إراديا وتقريبا كليا عن توظيف المساجد لبث فكرها
واستقطاب مريديها، لا خوفًا من بطشِكم، وإنما لأن هذه الطريقة التقليدية والبدائية
والعلنية والمفضوحة والمحلية والأسهل مراقبةً من قِبل البوليس السرّي لم تعد
مُجدية وفاتَها العصر الرقمي بسنين ضوئية وقد وَجَدت هذه المنظمات المحترفة
ضالّتها في فضاء الأنترنات العالمي السرّي على حكومتك فقط وهو الفضاء الأرحب
والأحدث والأسهل تنفيذا والأصعب مراقبةً من قِبل البوليس. لو كنتُ أملك القدرة
وأردتُ تجفيف منابع الفكر الإرهابي في العالم العربي لبدأت بتجفيف جميع آبار النفط
العربي التي لم نجنِ من أرباحها إلا الإرهاب والتبعية والفساد والتخلف والعَمالة
والخيانة والفتنة والحرب والتشرد ولعِلْمِك فقد
وُلِد هذا الفكر ورَضَع البترول
العربي العفِن فتشوّه خُلُقِيًّا وتشيطَن وانتشر في العالم أجمع بفضل مساندة
ورعاية ملوك البتردولار الخليجي العربي منذ سبعينات القرن العشرين. خرجتْ الثروات
البترولية الأحفورية من باطن الأرض فكانت نعمة على غير العرب ونقمة على العرب
أجمعين. كرهتُ النفط وأتمنى أن يأتي يومٌ تحترق فيه آخر قطرة من النفط العربي
فينقرض حينها الفكر الإرهابي العربي ويتوب
آخر إرهابي عربي.
إضافة بسيطة: قلبي مع الحقوقي والمثقف رئيسنا السابق السيد
منصف المرزوقي المحتجز حاليا ظلما في إسرائيل رغم أنني كنت ولا أزال أعارض سياسته
وسياسة حزبه في الحكم وفي المعارضة.
حمام الشط، الثلاثاء 29
جوان 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire