vendredi 24 mai 2024

صمويل هنتنڤتون، أخطأ وأصاب في نظريته "صِدامُ الحضاراتِ" ! تأليف أمين معلوف، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 

 

نص أمين معلوف:

أصاب هنتنڤتون خاصة في صدام الأديان (1996). نظريتُه، ورغم فضاعتها فقد أيدتها الأحداث المتتالية سريعًا في أوائل القرن 21م.

أخطأ كثيرًا عندما تنبأ بأن هذا الصدام سوف يقع بين "دار الكفر" و"دار الإسلام" (التسميات بين معقّفين من عندي، معلوف كتب: Les différentes aires culturelles)، وسوف يعزز اللحمة بين المنتسبين لكل دارٍ.

يبدو أن العكس هو الذي حصل: ما يميز عالمنا اليوم ، ليس انصهار المجموعات الصغيرة داخل المجموعات الكبيرة (العالم الغربي، العالم العربي-الإسلامي، إلخ.)، بل العكس أي السعيُ الحثيثُ لتجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم في جو مشحون بالرداءة والخساسة والعنف والحِدّة والفظاظة والحِقد والإقصاء والكراهية والتمييز والعنصرية.

نحن نرى اليوم أن ظاهرة العنف والتجزئة في "دار الإسلام" أصبحت ظاهرة للعيان ولا تحتاج إلى تحليلٍ أو برهان. يبدو لي أننا قد أخذنا عهدًا على أنفسنا بتجميع كل مساوئ هذا الزمن الرديء وضخمناها إلى حد العبثية. نجحنا والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه، نجحنا في تشويه صورتنا في عيون غير المسلمين ومن فرط ذكائنا لم نغفل عن تشويهها في عيوننا نحن، أقصدُ المسلمين الوسطيين غير المنتمين للإسلام المتزمّت أو الإسلام العنيف. أشعلناها وبأيدينا، أشعلنا حروبًا أهلية، دموية، ضارية، شديدة، عنيفة، وفتَّاكة في أفغانستان ومالي ولبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن ونيجيريا والصومال والسودان.

(إضافة مواطن العالم: والبلدان الإسلامية - التي سَلِمَت من الحرب الأهلية - أصابها التهريب والفساد والإرهاب والهوانْ، مثل مصر وتونس والجزائر والمغرب والأردن وباكستانْ. انفردنا بالحالة القُصوى ولم نر لحالنا مثيلا، لا في الغرب ولا في الصين ولا في الهند ولا في برّ بني عريانْ).

أما الحالة الأدنى من التقسيم فنجدها أيضًا في العالَم غير الإسلامي، في أسكتلندا وإيرلندا المملكة المتحدة، كاتلونيا أسبانيا، كورسيكا فرنسا، كوزوفو سربيا، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، دول الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي سابقًا، إلخ.

يبدو لي أن بوادر الانقسام بدأت تبرز وتكثر في كل مجتمع وعلى مستوى الإنسانية جمعاء، وفي المقابل بدأت عوامل الوحدة تتناقص. يبدو أن العالم كان مربوطًا بأسمنتٍ مغشوشٍ.

(إضافة مواطن العالم: جاكلين الشابي، عالِمة الأنسنة والإسلاميات - Anthropologue et islamologue - قالت: "الدين يخلق مجتمعًا، والمجتمع يخلق دينَه".

عالمنا العربي-الإسلامي، عالمٌ مربوطٌ بأسمنتٍ مغشوشٍ، أسمنت "تديّن أغلبية المسلمين المعاصرين": الإسلام جاء رحمة للعالمين، دين التوحيد جاء للسلام والتوحيد بين الحضارات والأمم، ونحن جعلنا منه عاملَ تفريقٍ وفتنةٍ وعنفٍ وإرهابٍ. أقصينا من رحابه غير المسلمين، وكأنهم ليسوا من مخلوقات الله ولا يستحقون رحمته سبحانه. ظلمنا أنفسَنا وما ظلمنا أحدٌ، "جَنَتْ على نفسها براقش". الرسالة المحمدية وحّدت بيننا وخَلقت منا أمة واحدة وحضارة واحدة بعد ما كنا أممًا متعددة وحضارات مختلفة - عرب، أمازيغ، فرس، أتراك، منغول، تتار، أوروبيون، هنود، إلخ -  ونحن خلقنا دينًا على مقاس أنانيتنا وجشعنا وشهواتنا البهيمية، دينًا لا يمت لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم بصلة، ليس بسبب تعدد مذاهبه بل بسبب تناحر مذاهبه وتقاتل مريديها من شيعة وسنّة وسلفية).

إمضاء مواطن العالَم:

الهُوية هُويّات، أنا مواطن العالَم، كشكاري، ڤَصْرِي-شِتْوِي، حَمَادِي، جمني، حمّام-شطي، تونسي، شمال إفريقي، أمازيغي، عربي، وطني، قومي، أُمَمِي، مسلم، عَلماني، يساري غير ماركسي، عربي اللسان، فرنكفوني، محافظ، حداثي. كل هُوية تُضافُ إليّ، هي لشخصيتي إغناءُ وكل هُوية تُقمَعُ فيّ هي لشخصيتي إفقارُ.

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

Référence: Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, mars 2019, 332 p, 22 €, p. 245 .

 

فلسفةٌ كونيةٌ رحبةٌ خرجت من رحمٍ إسلاميٍّ ؟ تَصَوّر واحدا جمعَ صفاتًا أربعَ، صفاتًا يراها بعض الإسلاميين أكبرَ خطرٍ على الإسلام: أممي ويساري وعلماني وفرنكوفوني.

"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن).

تفسير الطبري: "ولا تمش في الأرض مختالا مستكبرا (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ)، إنك لن تقطع الأرض باختيالك، (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) بفخرِك وكِبْرِك...".

آياتٌ رائعاتٌ ذكّرتني بطفولتي، فاستحضرتُ صورةَ "رجُلَيْ دين"، شيخانٍ من جمنة مسقط رأسي، جارُنا عمي علي بن عبد الله (لا تربطني به أي صلة قرابة) والهاشمي بكّار إمامُ جامعِنا القديمِ الوحيدِ (اليوم أصبحوا ستة جوامع والسابع في الطريق، فهل زادت التقوى في جمنة ؟). كيف كانا يمشيان ؟ جسمانِ نحيفانِ، كانا يمشيانِ وكأنهما خائفانِ على أديمِ الأرضِ من التمزّقِ. وجهانِ نيّرانِ مضيئانِ مشرقانِ دومًا مبتسِمَانِ رغم قساوة الطقسِ. كانا يتلوانِ القرآنَ والدعاءَ بخشوعٍ وتهدّجٍ وارتعاشٍ حتى بلغ حدّ البكاءْ.

تصوّرٌ رومنطيقيٌّ عن "رجال الدين" المسلمين، طبعاه في مخيّلتي، تصوّرٌ يسرّني كلما تذكّرتُه ولن أرضى له بديلا !

أما اليومُ، فلِبعضِ "رجالِ الدين" الإسلاميين الشباب صورةٌ منفِّرةٌ منبتّةٌ مخالِفةٌ: لِحيةٌ شعثاءُ، وجهٌ مكفهِرٌّ، هندامٌ مستورَدٌ، بِنيةُ مصارعِ ثيرانٍ، تسمعُ أنينَ الأرض تحت أقدامهم من بعيدٍ، ينظُرون إلي الخلقِ شَزَرًا. إذا تقاطعتْ سُبُلُنا، أهرعُ إلى الرصيف الموازي. سِيمَاهُمْ فِي لباسِهم ونعالِهم المستوردَةِ، في عيونِهم، في مِشيتِهم، في نظرتِهم، في حِقدِهم مِنْ أَثَرِ الغِلِّ الذي في نفوسِهم ! الله يُجِيرُنا منهم ويَحمينا من غضبِهم !

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire