mercredi 8 mai 2024

المواطن التونسي الفقير مُجبَرٌ على استهلاك الفساد، أما المسؤول السياسي أو الإداري أو النقابي فهو المُولِّدُ الأول للفسادِ والمستفيدُ الأكبرُ منه. لماذا إذن نعاقِبُ الأولَ وننتخبُ الثاني ؟

 

 

1.    كيف يستفيدُ المواطن التونسيُّ الفقيرُ من الفسادِ وكيف يساهمُ بصفةٍ غير مباشرةٍ في انتشارِه وتَفشيهِ في المجتمعِ التونسيِّ ؟ هو في الآخِرِ مستفيدٌ صغيرٌ من الفسادِ، وفسادُه الصغيرُ هذا لا يضر بغيره، أو لِنقل على الأقل أنه لا ينوي ذلك لكنه يتحمل المسؤولية الجزئية لو حصل ذلك:

-        الاقتصاد الموازي، نصف اقتصادِنا، اقتصادٌ يرتكزُ على التهريب والرشوة والغِش والاحتكار، لكنه في المقابل يشغّلُ آلاف العمال والموظفين ويوفر للفقراء السلع الأرخص في السوق، الروبافيكا ومنصف باي مثالاً ساطِعًا على المفارقة الكبيرة والعجيبة.

-        المواطن التونسيُّ الفقيرُ يشتري السجائرَ المهربةَ لأنها ببساطة أرخص من السجائر غير المهربةِ.

-        يدفع عشرة دنانير رشوةً للشرطي المرتشي لو ضَبَطَه متلبسًا بعدم وضع حزام الأمان تجنبًا للخطية القانونية بأربعين دينارًا.

-        يبعث ابنه للدروس الخصوصية لأن نظامَنا التربوي يُصنفُ الذكاء ويرعى نوعًا واحدًا وحيدًا منه (L`intelligence intellectuelle) ويُهملُ أنواع الذكاء الأخرى كالذكاء الفني والذكاء المهني اليدوي ويشجعُ على الحِفظ دون فهمٍ (Dopage et bachotage) ويتعامل مع التلاميذ كما يتعامل الممرّن مع أحصنة السباق أو كما يتعامل عالم النفس مع فأر مخبر.

-        يشتري الغلالَ من بائعٍ دون رخصة لأنها أرخص من غلال الخضار المرخص له.

-        يبني في غابة حمام الشط غرب القنال لأن المتر المربع فيها أرخص بكثير من أرض AFH القانونية المهيأة.

2.    كيف يستفيدُ المسؤول السياسي أو الإداري أو النقابي من الفسادِ ويساهمُ بصفةٍ مباشرةٍ في انتشارِه وتَفشيهِ في المجتمعِ التونسيِّ ؟ هو في الأولِ والآخِرِ مستفيدٌ كبيرٌ من الفسادِ وفسادُه الكبيرُ هذا يضر بغيره أو لِنقل أنه  خَطَّطَ لذلك ويتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة لأنه واعٍ بذلك:

-        بعض شرطيينا وديوانيينا يخالفون القانون ويشيرون  لحرفائهم بالرشوة ويرحِّبون بها إن قُدِّمت ليكسبوا كسبًا سهلاً سريعًا ومحرّمًا أخلاقيًّا.

-        بعض مدرِّسينا يشجعون تلامذتهم على التسجيل في الدروس الخصوصية ليكسبوا كسبًا سهلاً سريعًا ومحرّمًا أخلاقيًّا.

-        بعض سياسيينا يغضّون الطرف عن الفاسدين والمهربين مقابل رشوة من مالٍ فاسدٍ.

-        بعض نقابيينا، على أكتاف العمال في المسؤولية يتدرّجونْ فيصبحون بمصلحة العمال يلعبون.

-        بعض محامينا يتسابقون للدفاع عن الفاسدين من أجل الكسبِ السهلِ، السريعِ والمحرّمِ أخلاقيًّا.

-        بعض قضاتِنا يرتشون ويبرِّئون الفاسدين والمهربين.

-        بعض رجال أعمالنا يقضون حوائجهم عن طريق موظفين عموميين مرتزقة باعوا ضمائرهم المهنية.

-        بعض مقاولينا يغشون من أجل الكسبِ السهلِ السريعِ والمحرّمِ أخلاقيًّا.

-        بعض تجارنا يبيعون سلعًا مهرّبةً بأسعارٍ باهظةٍ من أجل الكسبِ السهلِ السريعِ والمحرّمِ أخلاقيًّا.

-        بعض فلاحينا وصيادينا وصِناعيينا يبيعوننا خُضَرًا وغلالاً وثمارًا، دجاجًا ولحمًا وسمكًا وسلعًا مجملةً مسَمّنةً مغشوشةً بأسمدةٍ وأدويةٍ كيميائيةٍ من أجل الكسبِ السهلِ السريعِ والمحرّمِ أخلاقيًّا.

-        بعض أطبائنا و بعض صيادلتنا يتاجرون بصحتنا من أجل الكسبِ السهلِ السريعِ والمحرّمِ أخلاقيًّا.

-        بعض حِرفيينا يسلبوننا ثمنًا باهظًا مقابل عملٍ غير متقنٍ.

-        أكبر الفُسّادِ في نظري هو إسلامي الذي لا يخاف الله أو ماركسي لا يخاف ماركس أما الليبرالي الرأسمالي فهو أُسُّ الفسادِ الذي بُنِيت عليه الحضارةُ الغربيةُ الكولونياليةُ والنيوكولونياليةُ.

3.    خاتمة

الفساد يخدم جُلنا لكن بِنِسبٍ متفاوتةٍ في المسؤولية والانتهازية (الفقراء، الأغنياء، السياسيين، الشرطيين، الديوانيين، المحامين، القضاة، المدرسين، الحِرفيين، التجار، المقاولين، رجال الأعمال، السُّواق، الخضّارة، الجزارة، الفلاّحة، الصيادين، العمال، أولياء التلاميذ، المواطنين بالخارج، إلخ،.

الفسادُ، أجزِمُ أنه أخلاقيًّا شرٌّ كله، في المقابل أتفهم أنه عمليًّا ليس شرًّا كله، لذلك يبدو لي أنه ليس صدفةً أن يكون من الصعب بل من المستحيل القضاء عليه دون تغيير جذري للمجتمع، لم أقل ثورة، يئستُ من كل الثورات. اللهم لا أسألك رد الفساد ضربةً واحدةً بل أسألك التخفيفَ في وطأته على الفقراء، على الأقل في المرحلة الانتقالية. أنا متفائلٌ وأومنُ أن عصرَ الخيرِ حتمًا قادمٌ ولا رادَّ لقضاء الله الخيِّرِ.

كل الدول دون استثناء يحكمها الفسادُ ولو بِنِسبٍ متفاوتةٍ، وكل أمجادِ الحضارات، كلها بالفساد شُيّدت، وكلها على الفساد أسِّست (الفينيقية، الإغريقية، الفارسية، الفرعونية، الصينية، الهندية، الأنْكا، الرومانية، الرأسمالية، الشيوعية، اليهودية-المسيحية، الإسلامية، أستثني من الأخيرة فترة الرسول صلى الله عليه وسلم حبًّا في شخصه وتنزيهًا لرسالته)، لذلك لا أتمنى عودةَ أي منها دون استثناء، بل يحدوني أملٌ كبيرٌ في انبعاثِ حضارةٍ جديدةٍ وانبثاقِها من بين مومِيات زميلاتها. حضارةٌ خاليةٌ من العنفِ والأنانية والجشعِ. حضارةٌ يسودُ فيها الخيرُ ويعُم الرخاءُ أرجاءَها. حضارةٌ يحكمها التضامنُ والتراحمُ والحب والمساواةُ. حضارةٌ تُعيدُ للإنسانيةِ بهاءَها ورونقَها، أي إنسانيتَها التي نَخَرَها الفسادُ خلال آلاف السنين (عبوديةٌ، جواري، احتلالٌ، إبادةٌ، تجارةُ عبيدٍ ورقيقٍ، سلاطين متجبرون، قُواد عسكريون دمويون، مثقفون بلاط، تعصبٌ عرقيٌّ ودينيٌّ، تهجيرٌ قسريٌّ، قمعٌ، ظلمٌ، قهرٌ، عُهرٌ، نهبٌ، تدميرٌ مُمَنهجٌ للطبيعةِ، إلى آخر المصائبِ والأهوالِ التي اقترفها الإنسانْ، من كل الإيديولوجياتِ والأديانْ، في حق أخيهِ الإنسانْ).

اللوحةُ ليست قاتمةً كما يوحِي المقالُ بذلك، ورغم كل ما سبق، فأنا متفائلٌ بِغدٍ أفضلَ وسأظلُّ، ومن الجُبنِ أن لا نتفاءلْ !

حمام الشط، الجمعة 13 أفريل 2018.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire