-
عادة ما تُفسَّر ظاهرة الزيادات المشطّة في الأسعار
بتفشّي ظاهرة الاحتكار وجشع التجار الوسطاء بين المنتج وبائع التفصيل. لكن الغريب
هو عدم وجود وسطاء في سوق لحوم الدواجن، فهي سلعة تمر من المنتج (الشركات
الصناعية-الفلاحية الكبرى) مباشرة إلى التاجر البسيط (دكاكين
"المزرعة"). ما السبب إذن ؟
-
عادة ما نجرّم التجار الوسطاء ونبرّئ الفلاحين
المنتجين بل ونتعاطف معهم ونقول عنهم مظلومين. يبدو لي أن بعض الفلاحين لم يعودوا
أبرياء ولا مظلومين كما نتصوّر. تصوّرٌ خاطئٌ ورثناه من الحقبة ما قبل العهد
المافيوزي
(عهد
بن علي). أصبحوا اليوم هم أيضًا تجارًا جشعينْ محتكرينْ دون ضميرٍ أو دينْ. يخزنون سلعتهم، يحتكرونها، يتربصون بالمستهلك
ويساهمون في حَمْشِ وتأجيج نار الأسعار. في الحقبة ما قبل العهد المافيوزي، كان
عدد الوسطاء الكبار قليلا وكانت مراقبتهم من قِبل الدولة أيسر وأسهل. أما اليوم
فقد ارتفعت أعدادهم كما ارتفعت أسعار سِلَعِهِم. الربح السهل والسريع أغرى بعض
الفلاحين المنتجين، أغواهم وضلّهم عن الطريق المستقيم. أصبح بعضهم فلاحة-تجار دون
ترخيص (باتيندة)، أي فَلاحة مَعفيين من الضرائب وفي نفس الوقت تجار يربحون من
التجارة الموازية ولا يدفعون الضرائب.
-
أسوق لكم بعض الأمثلة حيث يسود الربح المشط الذي
يؤثمه الإسلام ولا تبيحه قوانين التجارة:
·
المصحات الخاصة باتت وأصبحت ثم أعلنت زيادة بـ30% في
بعض خدماتها المُكْلِفة أصلاً. أيُّ تبريرٍ معقولٍ لمثل هذا الفعل الشنيع في حق
أعز الناس علينا وأحوجهم إلينا، مرضانا، الله يكون في عونهم ويشفيهم ؟
·
الصيدلية المركزية، أكبرُ منتجٍ للأدوية وأكبرُ
مُوَرّدٍ لها، تزيد في الأسعار كما تشاء وهي الخَصْمُ والحَكَمُ في آن.
· الخضّار يشتري السلعة
بثمن معلوم ويبيعها بضِعفه ضاربًا عرض الحائط بقوانين الدولة المحدِّدة لنسبة
الزيادة المشروعة.
خاتمة: يبدو لي -والمختصون في علوم الاقتصاد أعلم- أن رجال
الأعمال وتجار التفصيل وبعض الفلاحين الكبار والمتوسطين، كل هؤلاء أصابهم داء
الجشع والربح السريع والسهل، ويبدو لي أيضًا أن دولتنا تخلت عن دورها التعديلي
للأسعار وعن دورها الرقابي للوسطاء وتجار التفصيل. مَن يُجيرُ العاملَ اليومي
أو الشهّار، المستهلك الأكبر، بعد كل هذا
الظلم المسلَّط عليه ؟ له الله، مُجيرُ مَن لا مُجيرَ لَهْ !
حمام الشط، الخميس
3 ماي 2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire