أبدأ بتعريف مفهوم الإرهاب حسب وجهة نظري
المحدودة جدا والانطباعية
جدا وهي أبعد ما تكون على التحليل العلمي الموثق: "الإرهابي هو كل مَن تسبب بصفة مباشرة أو غير مباشرة في ترويع
أو جرح أو قتل مواطن مدني أعزل بغض النظر عن دين المجرم ودين الضحية. والإرهاب
نوعان: الأول والأخطر هو إرهاب الدول مثل الذي مارسه هتلر في أوروبا وموسولوني في
إيطاليا وستالين في الاتحاد السوفياتي السابق وبول بوت في كمبوديا وبوش في
أفغانستان والعراق وساركوزي في ليبيا والملك سلمان في اليمن وصدام في كردستان
وبشار في سوريا والسيسي في مصر وبشير في السودان وطالبان في أفغانستان وغيرهم
كثيرون، عرب وعجم، مسلمون وغير مسلمين. الثاني هو إرهاب المنظمات مثل الذي مارسته
المنظمات اليهودية في الثلاثينات والشيوعية في السبعينات (بادرماينهوف وأخواتها)
والإسلامية في التسعينات (القاعدة وبناتها)".
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالدين الإسلامي فقط لَما
وجدنا إرهابيين يهود وبوذيين وشيوعيين.
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالعرق العربي فقط لَما
وجدنا إرهابيين أوروبيين في داعش وبادرماينهوف.
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالجهل فقط لَما وجدنا
إرهابيين جامعيين في داعش وبادرماينهوف.
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالنظام التربوي المتخلف
فقط لَما وجدنا مئات الإرهابيين الذين درسوا كل مراحل تعليمهم في أمريكا وألمانيا
وفرنسا.
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالفقر فقط لَما وجدنا
إرهابيين من الطبقة الوسطى في داعش وبادرماينهوف.
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالتخلف فقط لَما وجدنا
إرهابيين من الدول المتقدمة مثل بوش الابن وساركوزي أحدث عَرَّابَيْ الإرهاب في العالم العربي.
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالظلم أو القهر فقط
لَكان الألمان واليابانيون أكبر الإرهابيين بعد هزيمتهم في الحرب العالمية
الثانية.
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالاحتلال فقط لَكان
الفلسطينيون والفيتناميون أكبر الإرهابيين في العالم.
لو كان الإرهاب مرتبطًا بالظلم فقط لَكانت
الأنظمة الديكتاتورية فقط تفرّخ الإرهابيين في العالم.
يبدو لي أن الإرهابَ ليس حتميًّا وليس معروفًا
مسبّقًا بل هو انبثاق (Émergence) من تفاعل بعض
الأسباب المذكورة أعلاه فيما بينها فمقاومته إذن متعددة الرؤوس وليست مضمونة العواقب وإنما هي مجرد وقاية تتمثل في القضاء على الأسباب
الموضوعية كالظلم والقهر والاحتلال والجهل والفقر والتخلف وتقسيم الثروات غير
العادل بين الشمال والجنوب. الإرهاب كجبل الثلج نرى الجزء الظاهرَ منه وما خفي كان
أعظمُ.
يبدو لي أن إرهاب الدول أفظع مليون مرة من إرهاب
المنظمات، الأول يقتل من السماء بـ"نظافة" والثاني من الأرض
بـ"وساخة"، الأول بالصواريخ والطائرات والثاني بالكلاشينكوف والأحزمة
الناسفة، الأول يحصد أرواح مئات الآلاف والملايين والثاني العشرات والمئات، الأول
تسنده الشرعية الدولية والثاني تقف ضده الشرعية الدولية، الأول لا تجد له تفسيرا
سوى الجشع والربح والثاني يفسره جزئيا -ولم أقل يبرره- الاحتلال والظلم والفقر والجهل. الأول لا يحق له أن يدين الثاني فهو
الذي أنجبه وأرضعه وكبّره أما أنا فيحق لي أن أدين وبنفس الحماس الأول والثاني
ومَن لم يستنكر الأول لا يحق له أخلاقيا أن يستنكر الثاني.
خلاصة القول: يبدو لي أن للإرهابيين صفتان قارّتان ومشتركتان وهما التعصب
لإيديولوجية أو دين أو عرق معيّن والاعتقاد الجازم بامتلاك الحقيقة كل الحقيقة،
صفتان نجدهما في هتلر وستالين وبوش وساركوزي وكارلوس والبغدادي وليلى خالد
والڤضڤاضي والعبدلّي وزملائهم في العالم أجمع.
إضافة رأيٍ ضد ما هو
سائد عند العرب حول الإرهاب:
أبدأ بتوضيح موقفي من
الرأي القائل بشرعية "مواجهة الإرهابِ بالإرهابِ" ومَثلِي الأعلى في هذا
الباب هما النبيّان غير السماويّين "غاندي" و"مانديلا" اللذان
واجها إرهاب الدولة بالمقاومة السلمية وانتصرا عليه انتصارًا مُبينًا. يبدو لي أن
لا شيءَ يبرّر الإرهابَ حتى لو كان إرهابٌ في سبيل تحرير الأوطان من الإرهاب نفسه،
فإرهاب "حماس"، مثلاً، في المقاهي والشواطئ والحافلات والعُلب الليلية الإسرائيلية
لا يبرره إرهاب إسرائيل في غزة، والاعتداء بالسكاكين الفلسطينية على مواطنين يهود
إسرائيليين مدنيين عُزّل لا يبرره منعُ الصلاة في المسجد الأقصى ولا يبرره حتى
حشرُ عشرة آلاف مقاوم فلسطيني في سجون الاحتلال، وإلا سقطت حجتنا المنطقية القوية
التي تردد وتقول للعالَم أن "إسرائيل دولة دينية عنصرية إرهابية"
وأصبحنا في استعمال وتوظيف الإرهاب نحن وإسرائيل سواسية. أنا لا أؤمن بالمقاومة
المسلحة طريقًا وحيدًا للتحرر من الاستعمار ولي أسوة في الألمان واليابانيين،
هزمتهم أمريكا وذلّتهم وأهانتهم ولم يطلقوا ضدها ولو رصاصة واحدة، ليس جُبنًا بل
اختاروا للتحرر طريقًا أفضلَ حسب رأيي، طريق العلم والعمل، ونجحوا في مسعاهم
نجاحًا منقطع النظير. وفي المقابل لا أدين مَن اختار سبيل المقاومة المسلحة على
شرط أن تكون مقاومة موجهة حكرًا ضد الأعداء المسلحين جنودًا كانوا أو مستوطنينَ، كما
فعل حزب الله اللبناني ضد جنود أمريكا وفرنسا وإسرائيل أما ما يفعله نفس الحزب اليوم
في سوريا فهو إرهابٌ في إرهابٍ سواءٌ كان موجهًا ضد داعش أو ضد المعارضة السورية
الشرعية السلمية أو المسلحة.
حمام الشط، الاثنين 7 ديسمبر 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire