أيها الوجهُ
الإسلامَوِيُّ المتشددُ العنيفُ، أنتَ وبالٌ على المسلمينَ وغير المسلمينَ، واللهُ
ربُّ العالَمين رؤوفٌ بعباده رحيمٌ بهِم أجمعين، مسلمسن وغير مسلمين !
هو الإسلام التكفيري
العنيف، إسلام الإكراه في الدين، إسلام القاعدة وداعش وفروعهما، إسلام بعض
الإسلاميين المتشددين العنيفين غير المجتهدين وغير المجددين.
عنفٌ، تطرّفٌ، تشدّدٌ،
إكراهٌ، تكلّسٌ، صِفاتٌ بعيدةٌ كل البُعدِ عن أخلاق الرسول صلى
الله عليه وسلم وإلا لَما اصطفاه الله لِحَمْلِ الرسالةِ وبَعَثَه لإتمام مكارِمِ
الأخلاقِ ورَحمَةً للعالَمين، مسلمينَ وغير مسلمينَ.
1.
هذا التَّوْقُ
المتطرفُ المثالي، المتعالي على الواقع، يمنح معتنقيه شعورًا مفرطًا بقوةٍ دمويةِ
الوسيلة. قديمًا كان الصوفية يحاولون الاستغراق في أحلام اليقظة هروبًا من واقعٍ
لا يُطاق. أما اليوم فالأمر يختلف، يكفي أن ترسم إسلامًا متطرفًا مثاليًّا لحياتك
ومن ثَمَّ تحاول إجبار الناس على الخضوع لمشيئتك ظنا منك أنها مشيئة الله والرسول،
كذلك فعل البغدادي في داعش، وكل مَن يختار لنفسه إسلامًا مسالمًا في هذه الدولة الداعشية
الديكتاتورية يُعتبر مارقًا وزنديقًا وكافرًا وجبت تصفيته جسديًّا بعد التنكيل به
حيًّا وميّتًا. وهكذا تفعل المجتمعات الشمولية (Les sociétés totalitaires)، حيث يُجرّم ويُحرّم الفن في بلاد الفن وتُهدم
الآثار في مدينة تَدْمُرْ بأمرٍ من صاحب الأمرِ خليفة المسلمين والذمّيين أبو بكر
البغدادي. الإسلام الداعشي المتطرف المثالي حيث لا تصوّرَ للإسلام إلا تصوّرُ
الخليفة، تصوّرٌ يشبه قصص الأطفال المرعبة والوعيُ سوف يأتي لا محالة -وشاء الشعب-
مع الثورة القادمة التي لن تُبقِي ولن تَذَر على هذا النمط المتكلس من الإسلام.
والغريب أن بعض رَعايا داعش يخضعون إراديًّا لسلطة الخليفة بابتهاج شديد وذلك لأن
سلطته تُخلِي مسؤوليتهم من تحمّل مصائرهم بأنفسهم وتُريح ضمائرهم من الإحساس
بالعار وبذنب ما اقترفوه من جرائم في حق الإنسانية. أما العيش المشترك وترديد الشعارات
النمطية الموحدة تحت الراية السوداء، فيمنحهم شعورًا عذبًا بالانتماء إلى دولة
الخلافة الإسلامية، انتماء يَقتل فيهم الاختلاف، وبكل صفاقة ووقاحة يَنفِي فيهم
الغَيرِية (L`altérité)، ويُميتُ الإبداع، ويَطرد الحرية من دار الإسلام، ويُهجّر الناسَ
قسرًا من أرض الشام والعراق، وباسم الإسلام تُشوّه قِيمَ الإسلام السَّمحة. وفي
دولة دين "اقرأ" تُحرق الكتب (Les autodafés)،
فيصبح رعاياها لا يقرؤون إلا كتب المتشددين التكفيريين. يبدو لي أن هذا التعصب
الأعمى يقودنا إلى تبنِّي هُوية قاتلة للإسلام والمسلمين وليس نُصرةً لهما كما
تدعي المنظمة الإرهابية التي تُطلِق على نفسها "جبهة النصرة" أو الأخرى
التي تُسمّي نفسها "أنصار الإسلام"، فهم أعداء الإسلامِ وليسوا بأنصاره.
بفضل داعش نحن العرب أصبحنا قَتلَة ودونها نحن بطبيعتنا مسلمين مسالمين، فلتنقرض
داعش غير مأسوفٍ عليها وعلى أمثالها (فكرة هذه الفقرة الأولى مستوحاة من مقال
لِطبيب النفس والأعصاب "بورِيس سيرولْنِيكْ"، صفحة 17 بمجلة
"لوموند لافِي" (Le Monde et La Vie)، عدد خاص 2017، أما التأثيثُ فمِن إنتاجي الخاص).
2.
من حسن حظ
المسلمين وغير المسلمين أن الإسلام أنجب باكِرًا عمر الخطاب رضي الله عنه، رائدُ
المجتهدين والمجددين والإسلام لا زال في فجره، الذي -وخِلافًا للمتشددين جاء رحمة
للمسلمين وغير المسلمين- لم يُطَبِّق وقتيًّا حكم الله بسبب خوفه من الله ورأفة
بعباده وليس طمعًا في منصب أو جريًا وراء إرضاء الناس. لم يقطع يد السارق في عام
المجاعة ولم يطبق أربعة أحكام أخرى يضيق المقام هنا لذكرها جميعًا. تصوّروا معي
هول الكارثة، لو طبّق نظام "بن علي" الحدود الشرعية، فلو فعلها لـحَكَمَ
بعض قُضاتِه الظالمين المرتشين بالإعدام شنقا على الغنوشي والجبالي وديلو والبحيري
وبن سالم بتهمة الخروج على الحاكم المسلم، وبالإعدام رميا بالرصاص على حمة الهمامي
وزوجته راضية النصراوي ومنصف المرزوقي ونجيب الشابي ومصطفى بن جعفر بتهمة
العَلمانية والكفر والإلحاد. قال الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي في هذا المضمار في
برنامج الشريعة والحياة
في قناة الجزيرة، وقد يصبح المعنى -بعد ما صُغته بتصرف غير مطابق حرفيا لما قاله الأستاذ بالضبط:
"وللشريعة في الواقع وجهان: وجه تربوي ووجه ردعي. فلو طوّرنا الوجه الأول فقد
نستغني عن الوجه الثاني لأنه عندما يكبر الوازع الذاتي التربوي الأخلاقي عند الفرد
والمجتمع تنقص عندهما الحاجة للوازع الخارجي الردعي". (إضافتي: و ما أحوجنا
اليوم إلى الوجه التربوي أكثر من حاجتنا إلى الوجه الردعي وربما لن نحتاج في
المستقبل لهذا الوجه الجزائي تماما).
حمام الشط، الخميس 2 مارس 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire