وأخيرًا،
المستقبل... لا وجود له بتاتًا !!! : سوف يؤبَّد الحاضر المأزوم. هذا
المصير الحزين للإنسانية جمعاء، يبدو أن المتسببَ الأولَ فيه هو الديمقراطية
الليبرالية الغربية وطموحها المغشوش لتحقيق المساواة في نشر اللامساواة الذي يقوّض
الأسس المتينة للتعايش السلمي بين البشر دون تمييز طبقي أو ديني أو عِرقي ويقودنا
من ناصيتنا مكرَهين إلى نظام التفاهة (La
médiocratie, Alain Deneault) وسلطة التافهين، أعني بهم الرأسماليين الغربيين الذين ليس لهم ما
يقدّمون للإنسانية سوى قِيم الاستهلاك المفرِط والجشع المضرّ بالصحة والبيئة، وما
كارثة ارتفاع درجة الحرارة غير العادي هذا الصيف (2023) إلا علامة سيئة من
علاماته.
ماذا
ننتظر من هذا العالَم عندما تكون لنا غايات تختلف عن غايات الرأسماليين الغربيين
التافهين. في مثل هكذا عالَم يستحيل أن تكون نبيًّا بشيرًا ولا بطلاً ملحميًّا.
يستحيل عليك أن تؤمن بأي قضية مهما كانت عادلة نظرًا للنتائج الكارثية التي
أوصلَنا إليها التاريخ الحديث للحضارة الغربية المهيمِنة والسائدة عالميًّا:
استعمارٌ وحروبٌ استباقية ظالمة وإبادةٌ جماعيةٌ لشعوبٍ بأكملِها (شعب الهنود
الحمر في أمريكا الشمالية، شعب الأنكا في أمريكا الجنوبية، شعب السكان الأصليين في
أستراليا وكندا، محرقة اليهود في ألمانيا النازية، تهجير قسري وجماعي في روسيا
الستالينية، محاكم التفتيش المسيحية في أسبانيا بعد سقوط الأندلس الإسلامية، مجزرة
سطيف 8 ماي 1945 في الجزائر، القنبلتين النوويتين الأمريكيتين في اليابان في نفس
السنة، (إضافة سنة 2024: الإبادة الجماعية
لسكان غزة من قِبل الجيش الإسرائيلي المحتل) وقائمة
الجرائم ضد الإنسانية للحضارة الغربية أطول من نهر النيل). لم يَبْقَ لنا، نحن
معشر المعذبين في الأرض، إلا المللُ والقلقُ الوجوديُّ السارتريُّ واضطرابُ
الروحِ، بقي لنا فقط الحنينُ إلى زمن كان الفرد الصغير فيه يستطيع أن يطمح لتحقيق
غايات أكبر من حجمه بكثير، لذلك أقول: "عندما يأتي يومٌ وتتعلّق همّة الإنسان
بما وراء العرش، سوف أطلب تجنيسي إنسانًا بين الإنسيين".
القضايا
الفريدة التي يمكن الدفاع عنها اليوم هي القضايا الخاسرة مسبقًا، لكنها هي الوحيدة
التي يمكن أن نسترجع بواسطتها معانى التعالي والسمو والرفعة والتجاوز والتفوق
ونناضل من أجلها ضد سلعنة الروح والقِيم والدين. نضالٌ يتجسّم في إحياء وإعلاء
قِيم الشرف والكرامة والمقدّس والاستمتاع بمُتع الحياة دون إلحاق أي ضررٍ بالنفس
أو بالغير تحت نظام مجتمعي، حر وعادل في آن، يسمح بذلك، وكل ما عدا ذلك لا يستحق
منّا إلا السخطَ والازدراءَ.
خاتمة:
ألا يُعَدُّ كل هذا التشدّد في التأنّق الأرستقراطي (un
dandysme aristocratique) سوى حلم كلاسيكي لِـمثقف بورجوازي صغير من أمثالي وأمثالك،
وَهُمُ في هذا الزمن الأغبر كثيرون والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه.
يبدو لي أن هذه الديمقراطية الليبرالية الغربية لن تقودنا إلا إلى انحطاط الفرد
والمجتمع، انحطاط لن نستطيع تفاديه مهما فعلنا إلا إذا رجعنا إلى تفعيل قِيم
إنسانية كونية نبيلة قتلتها الديمقراطية الليبرالية الغربية تحت شعار المساواة في
نشر اللامساواة.
Source : Le Monde
diplomatique, août 2023.
حمام الشط في 12 أوت 2023.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire