"أكان ذلك من أجل تطويع
القانون لأغراض فئوية قطاعية أو من أجل التأثير على أصوات الناخبين. الفساد هو وجه
من وجوه التعبير العنيف عن سلطة الأقوياء. لكن هل أهدافُ مقاومِي الفساد تكونُ
دائمًا نبيلة كما يدّعي أصحابُها ؟ وهل دوافِعُهم ودوافِعُ إعلامهم هي حيادية وموضوعية
كما تبدو في ظاهرها ؟ في الأخير، هل تكفي الأخلاق لترشيد الحُكم والحُكّام ؟ وما
هي الأولوية، وعظُ العالَم أو تغييره".
"الفساد
يحدث عادة حتى في الدول الديمقراطية مثل فرنسا وروسيا وبريطانيا والبرازيل وكوريا
الجنوبية وإسرائيل. الكارثة، التي نَعَتَها البابا فرانسوا أخيرًا
بِـ"سرطان" المجتمعات العصرية،
تَقُضُّ مضاجع العالَم إلى درجة أن منظمة الأمم المتحدة أفردتها بيوم تحتفل
فيه الكرة الأرضية بمقاومة الفساد، يوم 9 ديسمبر من كل سنة (...) في أمريكا، بين
2007 و2014، مائتا شركة من أنشط الشركات الأمريكية سياسيًّا، عندما أرادت التأثير
على أصوات الناخبين، لم تكن في حاجة إلى رشوتهم مباشرة (كما يفعل عادة مرشحو دول
العالم الثالث)، بل موّلت جمعيات رياضية مسانِدة لمرشحهم المفضّل: أنفقت عليها 5،8
مليار دولار (حوالي 15 مليار دينار، أي ما يُقارب نصف ميزانية تونس السنوية)، وفي
نفس الحقبة حصدت ما زرعت، أي حصلت من الفائز على هدايا تعادل قيمتُها 4400 مليار
دولار (حوالي 11000 مليار دينار، أي ما يُقارب 350 مرّة ميزانية تونس السنوية)،
هدايا متنوعة: إعانات مالية تشجيعية، تخفيض أو إعفاء من دفع الضرائب (كالذي حصل
عندنا منذ عام أو عامين في أزمة السياحة عندما أعفِيَ أصحاب النزل من خلاص فاتورات
الماء والكهرباء ولم تلتفت الدولة إلى النصف مليون عائلة من ضعاف الحال المتضرّرين
أكثر من كساد السياحة، مثل حِرَفِيِّ الصناعات التقليدية وعمال النزل المرسّمين
والموسميين)".
حدث عندنا ما
حدث في أمريكا، ففي سنة 2014، فعلها سليم الملياردير وموّل "النادي
الإفريقي" قصد شراء ذِمَمِ أحبّاء الإفريقي في الانتخابات التشريعية ونجح
نسبيًّا في مسعاه الانتهازي. رشوةٌ مقنّعةٌ أو تمويلٌ لا سقفَ له ولا يجرّمه
القانون. كَمْ زَرَعَ سْلِيمْ وكَمْ حَصَدَ ؟ لا أملك أرقامًا.
استثناءٌ
إيجابيٌّ، يُذكَرُ فيُشكَرُ: سامية عبّو، عضو برلمان عن حزب "التيار الديمقراطي"
في الانتخابات التشريعية، حصدت هي ايضًا ما زرعت في جمنةن مسقط رأسي. ماذا زرعت
وماذا حصدت ؟ زرعت مساندةً نضاليةً بِـنصرتها القانونية والمبدئية لِـ"جمعية
حماية واحات جمنة" في عركتها المشهورة ضد مبروك كورشيد، وزير أملاك الدولة السابق. حصدت أصوات الناخبين الجمنين في الانتخابات
البلدية الأخيرة لفائدة حزبها الذي فاز برئاسة بلدية جمنة، فاز على حساب "حزب
النهضة"، صاحب الموقف المتذبذب من نفس القضية على المستوى المركزي، لكن والحق
لأصحابه دون مزية يُردُّ، لقد ساند نهضاويو جمنة قضيتهم بقوة وحماسة لا حدود لهما،
أضف إليهم المساندة الشجاعة واللامشروطة لِـصديقتي النهضاوية، البرلمانية ممثلة
ولاية ﭬبلي، السيدة المحترمة محبوبة ضيفلّه، أخت صديقي العزيز الحكيم والمؤرخ
والأستاذ الجامعي محمد ضيفلّه.
خاتمة: في تونس ما بعد الثورة لم يعد الحدّ واضحًا،
وقبلها لم يكن واضحًا أيضًا، لم يعد الحدّ واضحًا بين محاسبة الفاسدين وتبييض
الفاسدين: جاءت العدالة الانتقالية ورَدِيفُها قانون المصالحة ومنحا فرصةً ذهبيةً
للفاسدين لغسل جرائمهم المالية وذلك بخلاص الديون المتخلدة، خلاصٌ مرفوقٌ بغرامةٍ
مالية، غرامة تطهّر بالمال الفاسد أموالَهم الفاسدة، تنظِّف ذِمَمَهم القذرة
وتُوقِف التتبعات القضائية المتعلقة بشركاتهم، وتسوّي نهائيًّا وضعَهم القانوني،
وعفا الله عما سلف، وبوس خوك، وما صار شيء، ولا محاكمة ولا محاسبة ولا هم يحزنون..
لا بل قد يصبح أحدٌ منهما رئيسَنا القادمَ المنتخبَ ديمقراطيًّا. النتيجة: الأغنياء هم ظاهريًّا
مستهدَفون بالحرب ضد الفساد، هم أنفسهم يصبحون بالقُانونِ المائلِ المستفيدون، أما
الفقراء فَفي كل الأحوال وعلى الدوام وفي كل الحروب هُمُ الخاسرون الأوّلون
والأخيرون !
Référence : Le Monde diplomatique, septembre 2019, extraits de l`article «À qui profite la
lutte anticorruption ? Sermonner le monde ou le changer», par Benoit
Bréville et Renaud Lambert, p. 13
حمام الشط في 3 سبتمبر 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire