"الصابئة"
(les Sabéens
ou les Mandéens) أقلية دينية تعيش قرب بغداد منذ
القرن الثالث ميلادي وقليل من الناس يعرفها خارج العراق. كان عددهم يقارب الثلاثين
ألف نسمة سنة 2002 وبعد أربع سنوات فقط نزل إلى ستة آلاف جرّاء اعتداءات بعض أبناء
وطنهم من المتطرفين الإسلاميين.
يؤمنون بنبي
اسمه ماني (Mani, les manichéens)، ظهر في العراق في
القرن الثالث ميلادي ولهم طقوسهم الخاصة التي مارسوها تقريبًا في سلام طيلة أربعة
عشر قرنًا تحت الحكم الإسلامي وذلك -على الأقل جزئيًّا- بفضل ما جاء في القرآن
الكريم في شأنهم ﴿إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة:62].
في القرن 21 ميلادي
جاء المتطرفون الإسلاميون الذين لا يحترمون قرآنًا ولا سنة بل شوّهوا مبدأ
التسامح الإسلامي الألفي العريق (millénaire) فقضّوا مضاجعهم : رفتوهم من وظائفهم
وطردوهم من بيوتهم ونهبوا متاجرهم وباعوا بناتهم كالعبيد في سوق النخاسة.
معظم صابئة
العراق هاجروا إلى الغرب وخاصة إلى دولة السويد لكن لغتهم الأصلية أصبحت مهددة
بالانقراض وطقوسهم الدينية سوف تندثر بعد بضع سنوات. ثقافة عريقة عمرها 17 قرنًا
تتلاشى تحت أعيننا دون مبالاة منّا. اخترتُ إثارة مأساتهم هم بالذات، الصابئة، لأنها
مأساة معبّرة عن غرق حضاراتنا المعاصرة وبربرية عصرنا الحالي وخاصة بربرية
العالمَين اللذان أنتمي إليهما ، العالم العربي والعالم الغربي (أمين معلوف، مزدوج
الجنسية والانتماء، لبناني-فرنسي أو عربي-غربي).
العالم
العربي، يبدو اليوم وكأنه لم يعد متسامحًا كعادته 50 سنة إلى الوراء، 100 سنة إلى الوراء أو حتى 1000 سنة إلى الوراء. أما العالم الغربي،
فبربريته لا تتجسم في عدم تسامحه أو ظلاميته بل تتمثل في عقدة تفوق المركزية
الأوروبية وسياسة الكيل بمكيالَين.
ملاحظة
للمقارنة: ما بين القرن 10 و13 ميلادي، أقلية (les Cathares)، دينيًّا مثل صابئة
العراق، كانت تعيش في جنوب فرنسا ثم انقرضت.
خاتمة: يفعل
الجاهل بنفسه ما يفعل العدو بعدوه وهؤلاء المتطرفون الإسلاميون فعلوا بالإسلام
والمسلمين أكثر مما فعله بنا الأعداء. الله يهديهم.
Source d’inspiration : le
dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009,
prix : 7,9 €, 315 pages.
إمضائي:
أعترف أن لا هدف لي مسبقًا ومحدّدًا من وراء الكتابة والنشر سوى المتعة
الفكرية في فترة التقاعد وتحلية مرارة انتظار الأجل كما قال الفيلسوف أبو نواس.
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها
إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران خليل جبران)
تاريخ أول نشر على صفحتي الفيسبوكية: حمام الشط في 15 سبتمبر 2023.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire