أحب فيك هذا الصمود
والشموخ خلال كامل حياتك دون رَخٍّ أو تواطئٍ أو تنازلٍ رغم الألف جزرة التي حاول
الانتهازيون إغراءك بها لتتخلى عن مبادئك وتصبح مثلهم مُرتدًّا. هؤلاء الذين باعوا
ضمائرهم وقيَمهم لِـ"بن علي" وزبانيّته مقابل ِجزرةٍ واحدةٍ لا غير،
واليوم يُنكِرون رُخْصَهُمُ عندما عُرِف الثمن. بقيتَ وحدك غير قابلٍ للارتشاء
خاصة في عهد المخلوع عندما ساوموك بالتمتع بحريتك مقابل التخلي عن ثوابتك أو
العكس. ضَحَّيْتَ بحريتك وحافظتَ على مبادئك. لا انحناءْ والرخْ لا، ولا تسوية مع
الطغيان ولا حل وسط مع الشيطان: لم يمسسك الفشل وتمسكتَ بخيطٍ رقيقٍ عنوانه الأمل.
اليوم وبعد تحرُّرِ
الإعلام، لا أخفيك - سَيِّدي وتاج رأسي - تَفشِّي التعاطف السخيف مع الموهوبين في
فن النفاق و"قلبان الفيستة". لقد أصبحتْ بلاغةُ الحرباء تُثيرُ إعجابَ
المتفرّجين والسامعين في برامج التافهين والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ
سواه، وفيهم (السامعين) مَن يرى في هؤلاء الإعلاميين موهبة نادرة وفيما ينتجون
إبداعًا، لا بل عبقريّةً. أما مَن صمدوا ضد الديكتاتورية فهم في نظر المواطنين
العاديين مُدْمِنِي معارضة لا يستحقون إعجابًا بل يجلبون السخط والسخرية، لا بل
يقولون عنهم أنهم يعطلون مسيرة الانتقال الديمقراطي بوقوفهم ضد قانون المصالحة مع
الفاسدين المستبدين السابقين في العهد البائد فأصبحت قيمة الإخلاص عندهم محل شك في
الوقت الذي علا فيه شأن المتملقين الباحثين بجشعٍ ولهفةٍ عن مكاسب شخصية على حساب
المصلحة العامة. أما أنتَ فقد اخترتَ الطريق الأصعب وتخليتَ عن أنانيتك منذ نعومة
أظافرك وفي شبابك اطلعتَ على الماركسية وتركتها دون رجعة وخيّرتَ التماهي مع
مجتمعك التونسي وتكلمتَ بمنطقه ونطقتَ بلسانه (المجتمع) فتصالحتَ مع هُويتك
العربية الإسلامية وكرّستَ جهدك لخدمة الغير ولم تأخذ من نصيبك في الدنيا إلا ما
يسد رمقك ورمق عائلتك الضيقة.. يُتبع...
ملاحظة: للأمانة العلمية، نصٌّ مستوحَى من كتاب:
Michel Onfray,
Politique du rebelle Traité de résistance et d`insoumission, Ed. Grasset, 1997
إمضائي
وَ"إذا كانت كلماتي
لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
حمام الشط، الاثنين 22 ماي 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire