mardi 18 juin 2024

مشروع فكري لتأسيس يسار جديد، أعرضه على اليسار التونسي ؟

 

 

يساري غير ماركسي وعلماني على الطريقة الأنـﭬلوساكسونية المتصالحة مع كل الأديان وحداثي ناقد للحداثة وما بعد الحداثة غير منبهرٍ بهما ومسلم لا يتحدث إلا بلغة مجتمعه المسلم. مواطن العالَم

1.  تحذير: 

إنه مشروعٌ عسيرُ الهضمِ، طويلُ المدى وكله جِهادٌ ضد النفسِ المعتدّةِ بماركسيتها أكثر من ماركس نفسه. ماركس ليس ماركسيّاً بالمعنى اللينيني للكلمة، لأن "الإيديولوجيات، كل الإيديولوجيات، هي حرية في بداية تَشكّلها، قمعٌ في نهاية تَشكّلها" كما قال الفيلسوف اليساري سارتر منذ 1948.

2.            مقدمة: 

مشروعٌ ينطلق من أربع مسلّمات (المسلّمة هي الفرضية التي لا يمكن البرهنة على صحتها لكنها ضرورية للبرهنة على وجاهة هذا المشروع). مشروع يتوجه إلى كل اليساريين التونسيين الذين يريدون أن يفعلوا في مجتمعهم التونسي أي يريدون تغييره إلى الأفضل، أكانوا رجالَ ونساءَ سياسةٍ أو رجالَ ونساءَ ثقافةٍ، أما اليساريون التونسيون الذين لا يريدون أن يفعلوا في مجتمعهم التونسي ولا يعنيهم تغييره، هؤلاء يكفرون أو يؤمنون هم أحرار ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون:

  • المسلّمة الأولى: الاعتراف والإقرار سرّاً وعلانيةً بأن المجتمع التونسي مجتمعٌ ذو هوية أمازيغية-عربية-إسلامية ولا هوية جامعة له غيرها. 
  • المسلّمة الثانية: الفكر اليساري فكرٌ مستورَدٌ ودخيلٌ على ثقافتنا الأمازيغية-العربية-الإسلامية، وأسماؤه فقط تدل على ذلك: الماركسية، اللينينية، الستالينية، التروتسكية، الماوية.
  • المسلّمة الثالثة: اليسار التونسي اليوم يمثل أقلية ضئيلة عدديّاً في المجتمع التونسي، كذلك كان منذ قرن (عام 1920، هو تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي التونسي) وكذلك سيبقى لقرنٍ آخرَ أو أكثرَ أو إلى الأبد، الله أعلم.
  • المسلّمة الرابعة: "لا أحد مُجبرٌ على التماهي مع مجتمعه (indigénisation) لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه" (الفيلسوف عبد الله العروي، يساري مغربي). والإسلامُ هو لسانُ مجتمعنا التونسي ومنطقُه ولا لسانَ ولا منطقَ له غيرهما، في الحاضر والمستقبل القريب على الأقل، أما المستقبل البعيد فعلمه عند الله ولا أحد يعلمه إلا هو. 

لو ذهبتَ إلى ألمانيا وأنت لا تتكلم لغتهم فستجد صعوبة في التفاهم معهم، ولا دخل للغتك الخاصة، تكون عربيا أو فرنسيا أو صينيا فلغتك لن تنفعك في مثل هذا المأزق. الحل الأسلم يتمثل في تعلم الألمانية، هذا لا يعني أن تتنكر للغتك، تستطيع أن تحتفظ بها وتصونها وتتحدث بها مع أبناء قومك.  

كذلك لو كنتَ تعيش في مجتمعٍ مسلم لغته الإسلام وأنت تؤمن بإيديولوجية لا علاقة لها بالإسلام فستجد صعوبة في التفاهم مع المسلمين، ولا دخل لإيديولوجيتك الخاصة، تكون شيوعيا أو قوميا أو ليبراليا فإيديولوجيتك لن تنفعك في مثل هذا المأزق. الحل الأسلم يتمثل في تعلم الإسلام، هذا لا يعني أن تتنكر لإيديولوجيتك، تستطيع أن تحتفظ بها وتصونها وتتحدث بها مع أبناء حزبك.  

Modèle d’inspiration : l’expérience de l’indigénisation de la gauche latino-américaine.

3.            مواصفات المشروع (المعروضة للدحض أو التعديل):

لقد حذّرتُ في أول المقال وقلتُ إنه مشروعٌ عسيرُ الهضمِ، طويلُ المدى وكله جِهادٌ ضد النفسِ المعتدّةِ بماركسيتها أكثر من ماركس نفسه:

  • مشروعٌ عسيرُ الهضمِ: مشروعٌ ينتظر منكم تربية أنزيمات مستحدثة لهضمه. أنزيمات تتمثل في مراجعات نقدبة للتجربة اللينينية-الستالينية على المستويَين، النظري والتطبيقي.
  • مشروعٌ طويلُ المدى وكله جِهادٌ ضد النفسِ المعتدّةِ بماركسيتها أكثر من ماركس نفسه: مشروعٌ يطلب من الماركسي التونسي التخلي إراديّاً وإستراتيجيّاً عن حلم الوصول للسلطة ولو إلى حين، جيلٌ أو ثلاثة أجيال على أقل تقدير أي قرناً من الزمن. هذا لا يعني الركون إلى الراحة أو رفع راية الهزيمة أمام الخصوم السياسيين (الإسلاميين والقوميين والدساترة والليبراليين عامة)، بل يعني تأسيس وبناء قاعدة جماهيرية تحمل هذا اليسار التونسي الجديد المتماهي مع مجتمعه. حِمْلٌ ثقيلٌ وحَمْلٌ قد يطولُ ولكنه حُلمٌ غيرُ مستحيلٍ.

3. كيف أفهم مفهوم تماهي اليساري التونسي مع مجتمعه التونسي ؟: 

- نحن اتفقنا على أن المجتمع التونسي مجتمعٌ ذو هوية أمازيغية-عربية-إسلامية ولا هوية جامعة له غيرها، فالمطلوب إذن عدم المساس لا من بعيد ولا من قريب بمقدّساته الثلاثة: الله والقرآن الكريم والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا كنتَ يساريّاً ملحدًا فاحتفظْ أرجوكَ بإلحادك لنفسك. مالك بن نبي قال: "الإسلام وحيٌ من عند الله (القرآن)، أما الحضارة الإسلامية فهي من صُنع البشر". البشر هم  الإسلاميون والقوميون والدساترة واليساريون، والحضارة الأمازيغية-العربية-الإسلامية هي حضارتك أنتَ أيها اليساري التونسي، و"طولك وطول عصاك" اليسارية النقدية، قَوِّمْ ما تراه فيها أنتَ معوجّاً، فهي ليست مقدسةً وأرِنا فيها شطارتك.

  • مجتمعنا مجتمعٌ مريضٌ وأمراضه متنوعة ومتعددة: فساد، رشوة، انتهازية، خطاب مزدوج، جهل، فقر، تخلف، تقليد، غزو ثقافي، انبتات، تديّن مزيّف، انحطاط أخلاقي، إلخ. قالوا: "ليس من علامات الصحة التماهي مع مجتمع مريض". وأنا، لا ولن أطلبَ منك ذالك، لن أطلب منك تماهياً ناتجاً عن خوفٍ أو طمعٍ، بل أطلب منك تماهياً واعياً بأمراض مجتمعه، أطلب منك ابتكارَ دواءٍ من صُنع يديك، دواءٍ من حضارتك (فيها كنوز مغطاة أو مهملة)، دواءٍ أصله من بيئتك حتى ولو كان معجوناً بيساريتك المتونسة، دواءٍ لم يكتبه لك ماركس ولا ستالين، فأدويتهم لم تصلح لمجتمعاتهم فكيف تتراءى لك صالحة لمجتمعك، دواءٍ من تلافيف مخك المسلم.

4. رسالة مَحبة وسلام إلى أخي اليساري الماركسي التونسي من أخيك اليساري التونسي غير الماركسي:

أخي اليساري الماركسي التونسي، أنتَ مسلمٌ، رغماً عن أنفك مسلمٌ، مسلمٌ ولو خرجتَ من جلدك، أنتروبولوجيّاً مسلمٌ، حتى ولو كنتَ عقائديّاً ملحداً، فأنت تحيا وستموتَ وتُدفنَ مسلماً، أنتَ ملحدٌ/مسلمٌ، غصباً عنك مسلمٌ ولغتك الإسلامٌ، أنتَ منّا وفينا، أنت لحمنا ودمنا، و"ماناش مْسَلْمِينْ فيك حتى ولو أنت عن جهل سلمت فينا وتنكرت لنا، أنت ابننا والأم لا تفرّط في ابنها ولو هو فرّط فيها".

أخي اليساري الماركسي التونسي، أنتَ في هذه الوضعية مسيّرٌ لا مخيّرٌ (استنتاج فلسفي وليس استنتاجاً دينيّاً): لنفرض جدلاً أنك تخليتَ عن هويتك الإسلامية فأي مجتمع سيقبلك بهوية غير إسلامية (قلتُ هوية ولم أقل عقيدة، أنتَ حرٌّ فيما تعتقده صواباً)، كل المجتمعات غير الإسلامية تصنفك غصباً عنك مسلماً حتى ولو أقسمتَ أمامهم على "الكابيتال"، ونحن على العكس نصنفك مسلما ونقبلك مسلما ونرحب بك مسلما حتى ولو أقسمتَ أمامنا على "الكابيتال" (Le Capital, chef-d’œuvre de Karl Marx).

خاتمة: "الوطنية والعالمية، علينا اليوم الجمع بين هذين المفهومين المتناقضين في الفكر المعقّد: الجمع بينهما يخلق مواطن العالَم" (Edgar Morin)


 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire