الحكمة الأولى: حزب يساري من الجبهة الشعبية يعرض برنامجا يساريا على رئيس
جمهورية يميني وحكومة مرتقبة يمينية وينتظر منهما تطبيقه. مثَلُه كمثَل قِطٍّ يطلب
من فأرٍ أن يقول "مِيييووو" !
الحكمة الثانية: حزب يساري من الجبهة الشعبية يثق في رئيس جمهورية يميني
(السبسي) سبق وأن غدره (تحالف مع النهضة) بعد ما سانده في الانتخابات بقطع الطريق
عن خصمه (المرزوقي).
الحكمة الثالثة: حزب يساري من الجبهة الشعبية يريد أن ينقذ حكومة يمينية
بتِعِلّة إنقاذ البلاد وهو يتجاهل أن إنقاذ البلاد من وجهة نظر يسارية يكمن في
إسقاط الحكومات اليمينية وليس إنقاذها. كيف يسقطها ؟ الديمقراطية تمنحك خيارين لا
ثالثة لهما: الخيار الأول: التوجه إلى الشعب وإقناعه بالنضال القاعدي المكثف
والشعبي المباشر وحثه على التظاهر السلمي والمطالبة بإسقاط الحكومة (ألستِ صاحبة
تجربة أيتها الجبهة في إسقاط الحكومات سلميا: اعتصام باردو)، والشعب هو صاحب
السيادة، يهبها بالصندوق مؤقتا لمن يشاء وينزعها ممن يشاء بالصندوق أو بالمظاهرات
السلمية. الخيار الثاني: التوجه إلى القاعدة أي الشعب وعوض تسوّل القمة، الشروع في
فضح فشل اليمين في الحكم (ولكِ من الحجج بالبالة) تحضيرا للانتخابات القادمة.
بالله عليكم هل سمعتم مرة أن حزبًا معارضًا (يعني فاشل في الانتخابات) يمد يده
لإنقاذ حزب يميني في السلطة ؟ وإن فعلها، وها قد فعلها في بلاد العجائب، فهو إذن حزب
لا يقرأ تجارب الآخرين ولا يتعظ من تجاربه هو مع اليمين الغادر. يبدو لي أن من حق
اليمين أن يغدر باليسار سياسيا لكن ليس من حق اليسار أن يُلدغ من جحر اليمين مرتين
متتاليتين ومتقاربتين ؟ وهذا الحزب بالذات (حزب العمال) لا يتجه فعليا بنضاله إلى
الشعب ولا ينظم اجتماعات عامة ولا ندوات فكرية مفتوحة في مقراته المنتشرة في معظم
المدن. قد يكمن السبب في رجال الجهاز (Les hommes d`appareil) الذين
يجمّدون النشاط القاعدي لغرض في أنفسهم، أو في أنفس القاعدة الجبهاوية نفسها التي
تطمح عادة للتماثل مع نمط حياة الطبقة البورجوازية وتترفع عن العامل التي تدّعي
النضال من أجله (جل مناضلي الجبهة ليسوا عمالا ولا فلاحين ولا معطلين بل مثقفين
موظفين بورجوازيين صغار). وهل يُعقل أن نصدق أن هنالك طبقة تنطوع للنضال من أجل
مصلحة طبقة أخرى ؟ صَدَقَ ماركس عندما وصف المناضلين اليساريين البورجوازيين
الصغار بالفئة المترددة المتذبذبة غير الصادقة وغير الشجاعة.
حمام الشط، الثلاثاء 21 جوان 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire