ملاحظة منهجية: أنا والمؤلف ننتمي إلى
نفس الجيل العربي، هو مولود سنة 1949 وأنا 1952، كِلانا لم يعد ماركسيَّا وفي نفس
الوقت بقي غير معادي للماركسية.
نص المؤلف:
لا أقصد هنا تمجيد الشيوعية رغم أنها فتحت للإنسانية جمعاء آفاقًا
رحبةً لم تُفتح مثلها في أي إيديولوجية وضعية أخرى. فتحتْها
ثم للأسف سريعًا ما خانتْها وأغلقتْها: وظفت طاقات بشرية قيّمة وحامِلة لتطلعات
واعدة لكن في الأخير قادتها كلها إلى طريقٍ مسدودٍ، وكانت نهاياتها على قدر
انحرافاتها عن قِيمها ووعودها ومبادئها هي نفسها، وهي نفسها التي مهّدت الطريق
للإخفاق الذي نشهده اليوم في كل أنحاء المعمورة، إخفاق تسبب في غرق الحضارات
جميعًا دون استثناء.
أندونيسيا، أكبر بلد إسلامي عدديًّا، كانت في الستينيات تضم ثالث
أكبر حزب شيوعي في العالم بعد الصين والاتحاد السوفياتي سابقًا. كان يعدّ ثلاثة
ملايين عضو منتم.
الشرق الأوسط العربي، كانت تشقه حركات شيوعية مهمة في بلدان مثل
السودان، اليمن، العراق وسوريا. قطاع غزة في التسعينيات، كان تحت سيطرة
"الجبهة الشعبية الفلسطينية" قبل أن تسيطر عليه "حركة حماس"،
الفرع الفلسطيني لـ"حركة الإخوان المسلمين العالمية".
أذكر هذه الحقبة التاريخية بشيء من الحنين لأن وجود حركة لائكية
كالماركسية في عالم أغلبية سكانه مسلمون يُعدّ في حد ذاته ظاهرة معبّرة، صحّية
ودالّة، نستطيع أن نقول أننا نتأسف على زواله (تعليق مواطن العالَم: على حد علمي، لم يكن النظام
الستاليني علمانيًّا في الاتحاد السوفياتي سابقا ولم يكن يؤمن بحرية المعتقد ولا
الرأي، بل على العكس تمامًا لقد منع التعددية الحزبية، قنن الإلحاد ودرّسه في
جامعاته، هدم الكنائس، جمع أجراسها، صهرها وصنع من نحاسها سلاحًا).
وبغض النظر عن الواجهة السياسية الصرفة، أتأسف
على الجو الفكري والثقافي الذي كان سائدًا في الشرق الأوسط العربي خلال جزء كبير
من القرن العشرين والذي عايشته بنفسي في بيروت (تعليق مواطن العالَم:
وفي المغرب العربي أيضًا والذي عايشته أنا بنفسي في تونس).
أحن مثلاً إلى النقاشات التي كانت تدور بين الطلبة والطالبات في جامعة
الخرطوم وفي حدائق الموصل أو في مقاهي حلب حيث اعتاد الشبان على تبادل كتب ڤرامشي
ومطالعتها. أحن إلى مسرحيات برتولت براشت التي كانوا يلعبونها ويصفقون لها (تعليق مواطن العالَم: في
سنة 69-70، كنت تلميذًا بياتًا في معهد بوغرارة الفلاحي، 35كم طريق ڤرمدة، ذهبنا
مرة لمشاهدة مسرحية في مدينة صفاقس -
Le Cercle de craie caucasien, une
pièce de théâtre écrite en 1945 et publiée en 1949 du dramaturge allemand
Bertolt Brecht.
أحن إلى أشعار ناظم حكمت وبول إيلوار والأناشيد
الثورية التي كانت تهتز لها قلوبنا. أحن إلى القضايا التي كانت تحركنا مثل حرب
فيتنام واغتيال لوممبا وسجن مانديلا ومعراج يوري ڤرڤارين، رائد الفضاء السوفياتي،
إلى السماء وموت تشي (تعليق مواطن العالَم:
نفس الأجواء عشتها أنا أيضًا في أوساط اليسار الماركسي في تونس السبعينيات).
أكثر من كل هذا، أحن وبعمقٍ إلى ضحكات الطالبات
الأفغانيات واليمنيات التي خلدتها فوتوغرافيا الستينيات ثم أقارن بين أجواء ذلك
العالم وأجواء عالم اليوم، أجواء مظلمة كئيبة وخانقة تعيشها اليوم نفس الفضاءات
الثقافية ونفس الأنهج ونفس المدرّجات الجامعية.
عندما أتذكر تاريخ الشرق الأوسط في القرن الماضي،
ألاحظ أن الحركات السياسية الشيوعية كانت الملاذ الوحيد الذي نجد فيه المسلم
العربي يناضلُ جنب اليهودي العربي والمسيحي العربي.
Référence:Source : Le naufrage des civilisations, Amin
Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €, p. 95.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire