vendredi 28 juin 2024

الحزب الشيوعي والبوكت والوطد، هم وحدهم تقريبًا الذين يتحمّلون مسؤولية إقصاء اليساريين من الأحزاب اليسارية الثلاثة. فكرة الماركسي فيلسوف حمام الشط، تأثيث مواطن العالَم

 

تقديم حبيب بن حميدة: هل لاحظتم أنني كتبتُ في العنوان "الماركسي فيلسوف" ولم أكتبْ "الفيلسوف الماركسي" لأن صفة فيلسوف لا تحتاجُ إلى نعتٍ يوضّحها بل على العكس فكل نعتٍ قد يشوّهها

Tout adjectif, dans ce cas particulier, est réducteur

مِثل نعوت: ماركسي، إسلامي، مسيحي، ديكارتي، إلخ). هو فيلسوفٌ وكفَاهُ فخرًا، أراه حكيمًا وهو لم يدّعِ يومًا ذلك، لا بل أكثر من ذلك فجل مثقفي حمام الشط المركز يَرَوهُ أيضًا حكيمًا، بِيساريّيهم الماركسيّين الستالينيّين وغير الماركسيّين (أنا) وقوميّيهم وجمهوريّيهم وتجمّعيّيهم وحتى بعض نهضاويّيهم. من وراءِ هذا التقديمِ المقتضَبِ لصاحب الفكرة حبيب بن حميدة، أهدِفُ إلى دعوتكم بكل لطفٍ إلى قراءةِ التوضيحِ التالي بانتِباهٍ كبيرٍ: أرجو من القُرّاء أن لا يعتبروا مقالي هذا تصفيةَ حساباتٍ مع خصومٍ فكريينَ وسياسيينَ، أختلفُ معهم وأحترمُ مَن يحترِمني منهم وهؤلاء يُعَدّون، من سوء طالِعِي، على أصابعِ اليدِ الواحدةِ.

تقديم مواطن العالم: يساري غير ماركسي، صنّفه هؤلاء القوم يساريًّا "مْذَرَّحْ" أي ناقص يسارية، فلا تجزعوا إذن أيها الصفوة الستالينية واطمئنوا، وإذا أتاكم نقدٌ من "ناقصٍ" فهي الشهادة لكم أنكم كُمَّلٌ كُمَّلٌ كُمَّلٌ ! المفارقة الكبرى تكمنُ في أن الماركسي صاحب الفكرة، هو مَن علّمني نقد الماركسية-اللينينية في العمقِ (الستالينية بلغةٍ أوضحَ)، وهو مَن نصحني بقراءة الكتاب الأشدّ نقدًا للماركسيّة

L’opium des intellectuels (Le marxisme) de Raymond Aron, 1955,

لذلك قلتُ عنه "الماركسي فيلسوف" ولم أقلْ "الفيلسوف الماركسي".

موضوع النقد: خطؤهم البِنيوي أو

 (leur péché originel)  

كما سمّاه الفيلسوف نفسُه.

-  هل لاحظتم أيضًا أنني كتبتُ في العنوان "الحزب الشيوعي والبوكت والوطد" ولم أكتب "المسار ولا حزب العمال ولا الموحّد ولا الثوري" تسمبات جديدة ومساحيقٌ لم تُفلحْ في مَحوِ ستالينيتِهم أو نيوستالينيّتِهم، ستالينيّين في أحلامِهم لكنني أقِرُّ بأنهم مسالمون في سلوكياتهم، أي غير مسلّحين بغض النظر عن ما جرى من عنفِ متبادَلِ في الجامعة بينهم وبين الإسلاميين، ستالينية يدعونها وهم ليسوا "أدَّها"، لا في محاسنها (البناء والتشييد) ولا في مساوئها من حسن حظنا (جرائم وإبادة ضد الإنسانية)، ستالينية مشهدية (spectaculaire) لم تجلبْ لهم إلا عداوة جل التونسيين بمحافظِيهم (الإسلاميّين) وتحرّريّيهم (الحداثيّين الليبراليّين واليساريّين غير الستالينيّين).

-  لماذا سميته خطأ بِنيوي؟ على حد قول الفيلسوف هم أناسٌ مقيّدون من الداخل، قيدٌ قُدَّ من حديد اسمه الاكتفاء الذاتي الايديولوجي، والدليل: في العهدين البائدَين، كانوا يبرّرون عدم انتشارهم بسبب سطوةِ الديكتاتورية، فبماذا سيبرّرون انكماشهم في زمن الحرية بعد الثورة ؟

-  عديدٌ من الوطديّين الانتهازيين انضمّوا إلى النظامَين السابقَين (بورڤيبة وبن علي).

Pour en savoir plus sur ce sujet, prière lire la thèse: S’engager en régime autoritaire. Gauchistes et islamistes dans la Tunisie indépendante. Michaël BÉCHIR AYARI, 2009


-  
أما البوكتيّين فوجدوا حيلةً "أشرَفَ" مما أتاهُ رفاقُهم، حيلةً تتمثلُ في التخفّي داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. مِن "وقتاش" كان الستالينيّونَ حقوقيينَ ؟ ماركس نفسُه كان ضد البيان العالمي لحقوق الإنسان، وأنا إلى الآن وفي هذه النقطة بالذات ما زلتُ معه رغم أنني تخليتُ حديثًا عن الماركسية. أليسوا ماركسيين ؟ لماذا وقف ماركس ضد البيان ؟ لأن نواتَه وأول بندٍ فيه هو حُرمة الملكية الرأسمالية الخاصة وماركس بَنى نظريتَه كلها ضد هذا النوع من الملكية. لماذا أقف أنا ضد البيان ؟ لأن ثاني بندٍ فيه هو المساواة بين المواطنين في حرية النشر والتعبير: هل أنا وسامي الفهري متساوون في حرية التعبير ؟ هل أنا والصافي سعيد متساوون في حرية النشر ؟

- اثنانٍ منهم (البوكت والوطد الموحّد) هربا من رحابِ أهلهم اليساريين وكوّنوا جبهةً مع القوميين. ومنذ متى كان الماركسيون التونسيون يَعُدّون القوميةَ يسارًا ؟ اليسارُ، على حد معرفتي به، أمميٌّ أو لا يكون. حتى أنا اليساري "المْذَرَّحْ"" لا أعتبر القوميةَ يسارًا، وهذا لا يعني أنني أكرههم أو أعاديهم، فقط اختلفتُ معهم، وما زلتُ أختلفُ فكريًّا وسياسيًّا وبوضوح، كما اختلفتُ مع الإسلاميين من بعدهم، وما زلتُ أختلفُ وبوضوح أيضًا، لهم دينُهم ولي دينْ   !

-  لاحظتُ وجودَ قطيعةٍ، أظنّها تامّةً وهم أعلم، بين جيل المناضلين اليساريين الأوائل الذين نقدوا تجربتهم النضالية، مثلاً: حضرتُ ندوتَين لهؤلاء، واحدة لجيلبار النقّاش والأخرى لمحمد الشريف الفرجاني، ولم ألاحظ حضورَ مَن أتحدّثُ عنهم، اللهم أنني لم أعرفهم، وهذا بصدقٍ احتمالٌ وارِدٌ جدًّا.

-  ملاحظة أخيرة: ثلاثتهم، تواجدوا بكثافة في هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل ولِعقودٍ متتاليةٍ، وللأسفِ الشديدِ لم ينشروا الفكرَ اليساريَّ النيّرَ وسط العمال، والمتمثل أساسًا في فكرة العدالة الاجتماعية، النواةُ الصلبةُ للاشتركيةِ وعمودُها الفِقريُّ، ضيّعوا مجهوداتهم سُدًى في الصراعات الهُووية مع الإسلاميين، خصومِهم السياسيين، وفي الوقت نفسه إخوانُهم في الهُوية الأمازيغية-العربية-الإسلامية، وهذا باعترافهم هم أنفسهم، على الأقل في تصريحاتِهم العلنيةِ، وأنا لا أملك إلا تصديقَهم إلى أن يأتي ما يُخالِفُ ذلك.

وخاتمتُها مسكٌ إن شاء الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، وأنا - والله - كيساري غير ماركسي أحب لكل اليساريين الماركسيين التونسيين متحزّبين وغير متحزبين ما أحب لنفسي، والدليل، سأدلّهم على طريقٍ، لو سلكوه بصدقٍ فبحول الله لن يضلّوا بعده أبدَا: 1. التخلي علنًا عن الستالينية المجرِمة. 2. نقدُها صراحةً في مؤتمراتِهم وجرائدِهم وأدبياتِهم. 3. تبنِّي نظرية الاشتراكية-الديمقراطية على المنوال الأسكندنافي (طلبٌ في غير محله، ويحك يا كشكار، هم يَرَونها خائنةً، وأنتَ تطلبُ منهم أن يتزوّجوا خائنةً، سامحك الله يا ابن العرب !). 4. التماهِي مع أهلهم ومجتمعهم والتصالحِ بصدقٍ مع الهُوية الأمازيغية-العربية-الإسلامية (يقولون ما لا يفعلون...) 
لو فعلوا ما أطلبه منهم (أنتَ تحلم !) لَتَصالحوا مع أنفسِهم وكان لهم مثلي نفسُ الخطابِ في السرِّ والعَلَنِ، في مقهى الشيحي ومقهى القدس طريق كُشّادة، في العاصمة وفي جمنة، ولَقَبِلَهم المجتمعُ ورحّبَ بهم مثل ما رحّبَ بي دون أن أتخلّى عن عَلمانيتي ويساريتي ما قبل الماركسية-اللينينية، أو على الأقل مثل ما تراءى لي ذلك حتى ولو كان سرابَا أو كما أظن نفسي كذلك أو مثل ما يتهيّأ لي في الفيسبوك ومقهى الشيحي وبعض المنتديات الثقافية غير اليسارية.

إمضائي
بكل شفافيةٍ وبكل تجرُّدٍ واعٍ وتواضعٍ صادقٍ، أعتبرُ نفسي ذاتًا حرةً مستقلّةً مفكِّرةً وبالأساس ناقدةً، أمارسُ قناعاتي الفكرية بصورةٍ مركّبةٍ، مرنةٍ، منفتحةٍ، متسامحةٍ، عابرةٍ لحواجزِ الحضاراتِ والدينِ والعرقِ والجنسِ والجنسيةِ والوطنيةِ والقوميةِ والحدودِ الجغرافيةِ والأحزابِ والأيديولوجياتِ، وعلى كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي، والله يسترني من سِهامِهم السامّةِ.

Aimer, c`est agir. Victor Hugo

حمام الشط، الخميس 25 أكتوبر 2018.

إضافةٌ بمناسبة أول إعادة نشرٍ يوم الأحد 28 أكتوبر 2018: حضرتُ أول أمس ندوةً نظمتها حركة "برسبكتيف" التونسية اليسارية بتمويلٍ من جمعية ألمانية، جمعية المناضلة الماركسية روزا لوكسمبورغ، المناضلة التي أعشقها نكايةً في لينين. "برسبكتيف" تأسست بباريس سنة 1963 على أيدي طلبة مناضلين في الاتحاد العام للطلبة التونسيين (UGET)، ثم انتقلت إلى الجامعة التونسية سنة 1964. عزيز كرشان، أحد مؤسسيها ورئيس ديوان سابق في الرئاسة لدى المرزوقي (استقال في الأثناء)، قال في الندوة: "عاقبَنا بورڤيبة عقابًا قاسيًا على أحلامِنا وليس على أفعالِنا". أقول: وما يزال اليسار التونسي يُعاقَبُ بعد الثورة عقابًا قاسيًا على أحلامه وليس على أفعاله لكنه يُعاقَب اليوم من قِبل المجتمع وليس من قِبل السلطة رغم أدائه الفعليّ الجيد والمحمود إبان الثورة، أعني اليسار بمتحزّبيه (الحزب الشيوعي والبوكت والوطد) ومستقلّيه، بماركسيّيه وغير ماركسيّيه، بستالينيّيه وتروتسكيّيه، وخاصة بنقابيّيه اليساريين، وكمستقلٍّ لا أنكِر دورَ القوميين والإسلاميين والديمقراطيين من غير اليساريين وغير الإسلاميين في التمهيدِ للثورة والمشاركة في تأجِيجِها بِنِسَبٍ متفاوتةٍ ومختلفةٍ في المرحلتينِ.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire