أنطلق في
هذا الاجتهاد المتواضع من "المنطق الداخلي" لمنظومة الفكر الإسلامي (logique
interne, logique non universelle) فأنا موجود داخلها وفي نفس الوقت موجود
خارجها كوجود العالِم الإبستمولوجي خارج المخبر وداخله.
نص عبد
الوهاب المؤدب في صفحة عدد 47: "يجعل الكاتب (بقصد ابن تيمية) من تطبيق
الحدود الواردة في القرآن والسنّة والفقه معيار الشرع. إن الحدود قليلة، وهي تشمل
قطع يد السارق، قطع أيدي وأرجل قُطّاع الطرق أو صلبهم (إذا ارتكبوا جريمة قتل)، جلد
الزانية، جلد مَن يشهد بالباطل في قضية زنى، جلد شارب الخمرة (...) فالحدود ديْن
لله وحده وحق له، لا يجوز التصرف فيها ولا جدال ولا فدية من مال تعوض عن
إقامتها".
تعليقي: كيف
أفهم تطبيق الحدود ؟
1. ما
دامت الحدود "ديْن لله وحده وحق له" كما أورد أعلاه عبد الوهاب المؤدب
على لسان ابن تيمية وأنا أوافقه فالأحرى أن نتركها لله وحده يستخلصها من عباده يوم
الحساب مع الإشارة المهمة إلى أن معيارَه في العدل، سبحانه، ليس معيارَنا بل أكيد هو
أفضل من معيارِنا. ولا نوكل هذه المهمة الخطيرة في أيدي قضاة بشر ضعفاء خطّائين
خاصة وأن العقوبات البدنية لا يمكن التراجع فيها بعد تنفيذها لو اكتشفنا متأخرًا
دليل براءة جديد في القضية المعنية.
2. الحدود
حاليا لا تُطبّق إلا في إيران والسعودية فهل حُكام البلدَين وقضاتُها هم حكام
وقضاة نزهاء عادِلين ؟ أشك والله أشك ‼
3. المناضلون
الإسلاميون عادة ما نجدهم في المعارضة ونحن نعرف ما تلفّقه السلطة عادة للمعارضين
من تهم باطلة لقمعهم بحلاله وحرامه. فتصوروا ماذا كان سيحدث لو طبّق حكامنا
المستبدون الحدودَ على الإسلاميين أنفسهم الذين يطالبون نظريًّا بتطبيقها حرفيًّا
؟ كانت ستكون كارثة بأتمّ معنى الكلمة.
4. أنا
مع اقتراح الفيلسوف الإسلامي الفرنكوفوني طارق رمضان الذي يقول بتأجيل تطبيق
الحدود (un moratoire).
5. وفي
انتظار العدل الإلهي المطلَق، نطبق عدل البشر الناقص ونحوّل العقوبات البدنية إلى
عقوبات سجنية كما هو معمول به في معظم الدول الإسلامية المعاصرة وكل دول العالم
غير الإسلامي وبذلك نكون غير مخالفين للشريعة ولا للبيان العالمي لحقوق
الإنسان الذي أمضينا عليه والذي يحرّم العقوبات البدنية في أي قضية ويحث على إلغاء
عقوبة الإعدام نفسها.
إمضائي:
مالك بن نبي
(1905-1973)، الفيلسوف الإسلامي الجزائري، قال: "الحضارة العربية-الإسلامية
من إبداع البشر ومثلها مثل باقي الحضارات لو أهملناها سوف تموت، فلا تكفّروا المجتهدين في نقدها حتى ولو تطرّفوا فيه،
وكفّوا عن نهش كل من ينتقدها بموضوعية وصدق، فالنقد يهذّبها وينقّيها".
ملاحظة هامّة: مالك بن نبي حرّرني شخصيًّا من عقدة الشعور
بالذنب عند نقد المسلمين صانعي الحضارة العربية-الإسلامية وأطلقَ يديّ في ممارسة
الإبستمولوجيا هوايتي (وهي نقد المعرفة أو معرفة المعرفة).
المصدر: أوهام
الإسلام السياسي، عبد الوهاب المؤدب، نقله إلى العربية محمد بنيس والمؤلف، دار
توبقال للنشر، الدار البيضاء 2002، 181 صفحة، الثمن: 62 درهمًا.
أيها الغربيون المعادون للإسلام:
لم يبق
للمسلمين المضطهَدين من ملاذٍ إلا الدين يستمدّون منه ثقتهم بأنفسهم، لذلك لو
طلبتم منهم، "أيها الغربيون المعادون للإسلام"، التخلي عنه فكأنما
تطلبون منهم التخلي عن الافتخار بمساهمتهم الوحيدة في تاريخ الحضارة الإنسانية، أي
بصورة أوضح كأنما تطلبون منهم التخلي عن سبب وجودهم أصلاً (leur raison
d‘être).
Source d’inspiration : le dérèglement du monde,
Amin Maalouf, éd. Grasset &Fasquelle, Paris 2009, prix : 7,9 €, 315 pages.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire