"الكل يتشكل قبل ست
سنوات"، ترجمة البشير الهاشمي لمقولة "Tout se joue avant six ans"،
صدرت كعنوان لكتاب مترجَم للفرنسية للكاتب "Dr Fitzhugh Dodson"
(Traduit de l`anglais par Ivon geffray, marabout, 1991).
في كتابها "أيها الطفل مَن
أنت؟" (جرّوس براس، لبنان، طرابلس، 1991)، قالت د. كريستين نصّار:
"كلمة حق تُقال: الطفل هو مرآة المجتمع بمعنى أن أي مجتمع يستطيع إدراك صورته
المستقبلية من خلال أطفاله وفيهم. بعبارة أخرى تُوضع الدعامات والقواعد الأساسية
التي يُبنَى عليها التنظيم العام لشخصية الراشد (L`adulte) خلال السنوات الأولى من حياة
الصغير, مِن هنا تُسمَّى الخمس أو الست سنوات الأولى من حياة الطفل بالسنوات
التكوينية حسب اتفاق جميع العاملين في هذا الميدان نظرًا لأهميتها القصوى في تشكيل
أساس الشخصية عند الفرد".
لقد سبق لي وأن شاركتُ في أعمال
اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية التونسية المنبثقة من الاتحاد العام
التونسي للشغل، فلم ألاحظ اهتمامًا يُذكر بالتربية ما قبل الدراسة. وبالنسبة
للمدرّسين، وكأن الطفلَ يُولد وعمره ست سنوات وأن التربية تبدأ من هذه السن وأن ما
اكتسبه الطفل قبل ذلك غير مهم والبرامج تُعد على هذا الأساس.
الأساس والبناء
بعض علماء النفس يشبّه الست سنوات
الأولى من عمر الطفل بالأساس الذي يُقام عليه البناء. وإذا كان هذا الأساس مَعدًّا
بدقة وهندسة ناتجتين عن تصور واعد، فإن
هذا البناء سيكون ثابتًا أمام العوامل الطبيعية ويوفّر الراحة والحماية لساكنيه.
وإذا كان الأساس غير ذلك فإن البناء سيكون هشًّا تتكاثر فيه الشقوق وسوف يتأثر
سلبًا بالعوامل الخارجية. كذلك تُبنى الشخصية "السليمة" للفرد ويجب
متابعة الإنجاز يومًا بعد يومٍ. وبما أن مراحل نمو الطفل من الولادة إلى
المراهقة مرتبطة ببعضها البعض حيث تتأثر كل مرحلة بسابقتها وتترك أثرًا في
لاحقتها، فإن توفير الظروف والمعطيات الضرورية
لنمو صحي ومعرفي يؤسس لبناء شخصية الراشد يُعتبر من أوكد الضرورات، وهذا
التأسيس يبدأ منذ بداية تكوّن الجنين، مما يستدعي إعداد برنامج
بيداغوجي-بيولوجي-نفسي-اجتماعي يهدف لتثقيف الرجل والمرأة وخاصة الحامل.
Louise
Bates Ames (Gesel Institute of child developpement, USA) postule que « Comme le fait remarquer
Dodson, faire un enfant ne nous donne pas automatiquement la sagesse et
l`efficacité nécessaires à l`art d`être parent. Pour bien exercer cet art, il
est essentiel de savoir comment les enfants grandissent. Beaucoup acquièrent
cette connaissance par expérience au prix de nombreuses erreurs. Or certaines
de ces erreurs peuvent être évitées si l`on est quelque peu informé à l`avance
du chemin que tous les enfants doivent parcourir jusqu`à leur complet
développement ».
المؤسسات التربوية ما قبل المدرسية
1. مِحضنة الأطفال
(La
crèche)
بِحكم تغيّر نمط العيش في المجتمع التونسي
وخاصة خروج المرأة للعمل، أصبحت محاضن الأطفال ضرورة حياتية بالنسبة لعدد متزايد
من العائلات، يرتادها الأطفال من سن ثلاثة أشهر إلى سن ثلاث سنوات. هذه المرحلة
المهمة تستدعي اهتمامًا ومتابعة مبنية على معرفة مراحل النمو البيولوجي والنفسي للطفل حيث يجب على المربي أن يتسلح
بمعارف علم نفس الطفل حتى يضمن لتلامذته نموًّا سليمًا ويساعدهم على تجاوز هذه
المرحلة بأقل ما يمكن من الأضرار الجسدية والنفسية.
2.
روضة
الأطفال (Le
jardin d`enfants)
يقضي الطفل في هذه المؤسسة مرحلة 3-6 سنوات. مرحلة صعبة ومفصلية، تستدعي كسابقتها إطارًا تربويًّا متكونًا في علوم التربية مع ثقافة عامة واسعة الخيال (L`imagination). حسب فرويد، يعيش الطفل في هذه المرحلة عقدة أوديب ومنها تنطلق الحياة الاجتماعية بعد خروجه من محورِيته
(L`égocentrisme)
عبر تسؤلات ضمنية وعلنية عن الحياة والعلاقات بين الجنسين ونمط عيش
المجتمع فتنشط المقارنة ويزيد الرفض (Le “non” à la place de “oui”
habituel).
هي مرحلة لَعِبية بالأساس (اللعب مهنة الطفل) وهي لا تُعِدّ للمدرسة بل تُعد
للحياة بصفة عامة. لكن المتابعَ لما يجري في رياض الأطفال (أستثني التابعة للبلدية منها) يلاحظ أن جلها يفتقر إلى أغلب شروط النمو
"السليم" للطفل من حيث توفير الفضاء المناسب (أغلبها مُعَدة للسكن وليس
لتربية مجموعة من الأطفال) والإطار التربوي الكفء والتجهيزات المتلائمة في
مقاساتها مع قامة الطفل والبرامج البيداغوجية البنائية.
Montessori: « Aide-moi à faire seul ».
Piaget: « Laisse-moi auto-construire mon savoir
en interagissant avec mon environnement ».
Vygotski: « Aide-moi à auto-construire mon savoir
en interagissant avec mon environnement et mes pairs ».
أما الإطار التربي
المكوّن فيفتقر إلى أقل شروط التكوين العلمي بما فيهم المتخرجون من المعهد العالي
لإطارات الطفولة بدرمش لمحدودية تكوينهم الأساسي ولأنهم لا يخضعون بعد التخرج
لتكوين متواصل يواكب تطور المجتمع والعلوم الحديثة والمتجددة في الاختصاص. ثم إن
وضعهم المهني من حيث الأجور وساعات العمل والعمل القار والتغطية الاجتماعية غير
مناسب تمامًا مقارنة بزملائهم في القطاع العمومي الحاصلين على نفس الشهائد العلمية
ونحن نعي أن "المربي عادة ما يمرر حالته قبل أن يمرر معلومته". أما
التجهيزات فهي مشابهة لتجهيزات قاعات المدرسة مما يعيق الطفل في نموه
الحسي-الحركي. وسائل اللعب أيضًا محدودة ومعهودة لدى الأطفال ولا تَستجيب للبرنامج
بل تُؤخذ من السوق وتُستعمل مباشرة دون مراقبة والأفضل أن تكون من تصميم المربي
نفسه المتابع لميولات التلميذ أو من صنع الطفل نفسه بعد أن نوفر له المستلزمات
الضرورية ونضعها في محيطه. كمتفقد، لاحظتُ أن البرنامج رغم نواقصه غير مطبّق من
قِبل المنشطين، ربما لم يقرؤوه أصلاً.
التربية ما قبل المدرسية:
يُعد المدرس عادة ليعلّم لا ليربي. جل المدرسين لم يدرسوا علم نفس الطفل والمراهق، خلل تكويني قد يعيقهم في أداء مهمتهم التربوية المكملة لمهمتهم المعرفية. أسوق مثالا حيًّا من قسم سنة أولى ابتدائي: يفرح المعلم بالتلاميذ الذين يأتون وهم يعرفون الكتابة والقراءة (تعلموها في الروضة في غير وقتها على حساب فترة لَعِبية مهمة جدا في توازن شخصية الطفل وتطوّر ذكائه واكتساب كفاءات في التفاعل الاجتماعي مع الأتراب والأقران)، ولا ينتبه عادة إلى مشاكل النمو الحسي-الحركي التي قد تصيب التلميذ ويهمل ذكاءه المحتمل وقدرته على التعلم الذاتي بمساعدة أقرانه. يأتي طفل الروضة وقد أنهى برنامج السنة أولى ابتدائي فيجد معلمه يعيد على مسامعه أشياءً لا جديد فيها مما قد يتسبب له في ملل أو إحباط. هنا تتنزل نظرية عالم البيداغوجيا الروسي فيڤوتسكي
(ZPD: Zone Proximale de Développement)
والتي تقول الآتي: اعطِ للتلميذ
معرفة لا تقل عن معرفته وفي نفس الوقت لا تساويها ولا تفوقها كثيرا، تكون أعلى
بقليل لتجذب اهتمامه وتشحذ تطلعه لاكتشافها وتَمَلُّكِها واكتسابها بشغف كبير ودون
ملل. هنا أيضًا يتنزل مفهوم الذكاء المحتمل (L`intelligence potentielle)
لنفس العالِم: عادة ما نقيس ذكاء التلميذ باستعمال سُلم (QI: Quotient intellectuel)
وننسى أو نتناسى الذكاء الكامن والمحتمل ظهوره لو تغير كل محيط التلميذ أو بعضه
(معلم وأقران وأدوات تعلّميّة وتجهيزات بيداغوجية حديثة كالحاسوب والتبلات
والسبورة التفاعلية والمجهر وغيرها). ورغم أن القسم التحضيري (خمس سنوات) يُعد من
مشمولات وزارة التربية سواءً وقع في مؤسسة عمومية أو خاصة، فإن متفقدي الابتدائي
البيداغوجيين لا يتفقدون أقسام التمهيدي. ألاحظ ما يشبه القطيعة بين التربية ما
قبل الدراسة والتربية في التعليم الابتدائي وأحمّل وزارة التربية تداعيات هذه
القطيعة.
منذ سنة 2002، تم إلحاق مؤسسات
الطفولة عشوائيًّا بوزارة شؤون المرأة والأسرة بعد أن كانت تابعة إلى وزارة
الشباب. ومنذ هذا التاريخ هُمِّش قطاع الطفولة وتم التفويت في أغلب رياض البلدية
للخواص الذين لا هَم لهم سوى الربح السريع مما تسبب في تدني مستوى الخدمات
التربوية والصحية والغذائية داخل هذه الرياض الخاصة (غير العمومية).
بناءً على ما سبق أعلاه، فإن عزل
التربية ما قبل الدراسة عن التربية المدرسية، وبقائها تحت إشراف وزارة شؤون المرأة
والأسرة، يُعتبر تقصيرًا من وزارة التربية. أطالب بإلحاق قطاع الطفولة (من سن 3
سنوات إلى ست سنوات) بوزارة التربية حتى نُنشِئ طفلا تونسيًّا متوازنًا عاطفيًّا
ونفسيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا.
المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك
وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص. ص. 453-458).
إلى المنشغلين والمنشغلات
بمضامين التعليم: نسخة
مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط
التسلم في مقهى الشيحي بحمام الشط (23139868)، أو نسخة رقمية لمَن يرغب
فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire