samedi 1 mai 2021

أشياءٌ لا تحدثُ إلا في تونس السبعينيات ويَمَنِ الثمانينات ! المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 


هبطتُ اليوم صباحا فرحا مسرورا من حمام الشط إلى وسط العاصمة مع أنني نادرا ما أفرح ونادرا ما أفارق الأحواز الجنوبية إلا "للشديد الآوي". نزلتُ لأقابل صديق دراسة لم أره منذ تخرجنا من جامعة مونفلوري سنة 1974.

(ENSET-ENPA, transformée aujourd`hui en ENSIT)

 كنت نفسيا مرتاحا جدا وأنا في الطريق إليه، راحة لا تشبهها إلا راحة المواعيد الغرامية أيام الشباب. خِفت أن لا أتعرف عليه.

وأنا في ميترو حمام الأنف، هاتَفتُ صديقا مشتركا بيني وبين مَن أذهبُ للقياه وسألته: كيف لي أن أتعرف على صديق لم أره منذ 41 سنة ؟ قال: "صَلُعَ الرجل وسَمِنَ". صديقي الذي هاتَفتُه كان له أبٌ شغل خطة مدير مدرسة على امتداد أكثر من نصف قرن وكان لهذا الأب الجميل الطريف كل عام ابن أو اثنين يزاول تعليمه في الابتدائي من سنة 1958 إلى سنة 2014، في الجملة 16 بين بنت وولد من زوجتين متلاحقتين ولا زال يأمر وينهى مديرا في الدار بعد ما كان مديرا في المدرسة.  

وصلتُ إلى مقهى باريس وكان لنا فيها في السبعينيات جلسات ونقاشات وصَولات وجَولات، أجمل وأقدم وأرخص مقهى في شارع بورقيبة، تفرّستُ قليلا في الوجوه الجالسة ثم عرفته فقصدته متأكدا، احتضنته واحتضنني وكأننا أولاد عشرين، ضحكنا ومزحنا مزاح الشباب وكأننا لم نفترق يوما وتذكرنا مقهى تونس ومقهى ثلاثة نجوم والاستعراض الذي قام به ثلاثة أبالسة منّا بلباس آدم فوق سطح قاعة الرياضة بمعهد باردو وإضراباتنا التي كنا نملؤها غناءً، ونهج الولي الصالح الذي كنا نزوره بحثا عن الغذاء الروحي. مرّ شريط شقاواتنا التلمذية بسرعة في ساعتين، شقاوات لا يمكن أن يتخيلها ولا يقدر على إيتائها أشقى أشقياء تلامذة اليوم ولذلك كنا من أكثر الأساتذة تسامحا مع تلاميذنا طيلة 38 عام من الكد والجد. لم نربح من التعليم إلا شرف المهنة وفقر الجيب.

روى لي صديقي وزميلي بعض الطرائف الغريبة التي عاينها في يمن الثمانينات عندما كان يعمل فيها كأستاذ متعاقد (في تونس كان يدرّس علوم الحياة والأرض باللغة الفرنسية):

-  في نفس العام الدراسي في اليمن كنت أدرّس الفيزياء باللغة العربية الفصحى خلال الثلاثية الأولى والكيمياء خلال الثلاثية الثانية وعلم الأحياء خلال الثلاثية الثالثة.

-  قِسمي الواحد في الحصة الواحدة كان يضم 110 تلميذ، كلهم مسلحون بالخنجر التقليدي أو المسدس لكنهم كانوا طيبين إلى درجة أنهم كانوا يتقبلون التأديب بالعصا لكنهم يثورون وقد يردّون الفعل بالعنف إذا صفعهم الأستاذ على الوجه. من حسن حظ الأستاذ أن جل التلاميذ لا يرجعون إلى قاعة الدرس بعد أول فسحة راحة صباحية لأنهم يلتحقون بأعمالهم الأصلية اليومية كمعاوني بنّائين (مرمّة) أو سواق تاكسي. أحد تلامذتي في السنة الأولى ثانوي كان عمره 37 سنة وكان أكبر مني في ذلك الوقت.

-  أزف إلى قُرّائي الأعزاء أغرب حكاية حول التعليم سمعتها في حياتي: قال صديقي مسترسلا: تلميذ آخر من تلامذتي في السنة الأولى ثانوي كان بعد الدرس يشتغل مدير مدرسة ابتدائية عمومية في اليمن. والسبب أن كل المدرسين في اليمن أساتذة ومعلمين كانوا متعاونين قادمين من الدول العربية الشقيقة فاضطرّت الحكومة اليمنية مُكرَهة على حصر تعيين المديرين في أصحاب الجنسية اليمنية فقط، وهذا يُعتبرُ نوعٌ من أنواعِ التكريس المشوّه لمبدأَيْ سيادة الدولة وهيبتها.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 405-407).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي بحمام الشط (23139868)، أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire