mercredi 28 février 2024

قبل أن ننقد الدولة على ما لم تفعله، علينا أولا أن ننقد أنفسنا على ما في وسعنا أن نفعله ولم نفعله !

 

 Le micro-pouvoir & Le macro-pouvoir

أحدد المفهومَين باختصار واختزال شديدين خوفا من الوقوع في الخطأ الذي قد يجرني إليه تواضع اطلاعي:

أقصد بالـ(Le macro-pouvoir)، سلطة الرئيس ومستشاريه والحكومة ووزرائها والبرلمان ونوابه والدولة وجميع كبار مسؤوليها من رئيس المركز ورئيس البلدية إلى الوالي والمندوبين وغيرهم من القائمين على تنفيذ سياسة الدولة حتى لو كانت ضد قناعاتهم الشخصية أو الإيديولوجية.

أقصد بالـ(Le micro-pouvoir)، سلطة المدرّس في المدرسة والموظّف في الإدارة والشرطي في المركز وفي الطريق العام والميكانيكي في الورشة والطبيب في المستشفى أو في العيادة الخاصة والتاجر في المغازة والعامل في المصنع أو في الحقل أو في مقاولة البناء.

ملاحظة منهجية: التركيز في هذا المقال على نقد الـ(Le micro-pouvoir) لا يعني البتة إغفال أو إهمال نقد الـ(Le macro-pouvoir) فالاثنان تربطهما علاقة جدلية ولكن لكل مقام مقال.

أوحَى إليّ بهذا المقال ما سمعته اليوم في المقهى من أستاذ جامعي، قال: "على الدولة أن تغلق نهائياً جل المعاهد العليا التي توجد داخل الجمهورية وخارج العاصمة". ثم أضاف: "لقد سبق لي ودرّستُ في واحد منها وشعرتُ بأن الإدارة والطلبة لا يتركوننا نتعمق في اختصاصنا ويجرّوننا جرّا إلى تضخيم الأعداد (gonfler les notes) حتى يحققوا أعلى نسبة نجاح، على عكس ما يقع في كلية العلوم بالعاصمة التي درّستُ فيها أيضاً".

تعليقي الذي لم أقله للأستاذ (يئست من زملائي لأن جل مَن خاطبتُ منهم لا يقبل النقد الذاتي):

"لو درّستَ يا أستاذ في هذه المعاهد العليا بنفس الجدية التي درّستَ بها في كلية العلوم لَما أصبح التعليم العالي في الداخل على ما هو عليه اليوم من تسيّب يتحمل مسؤوليته الأستاذ قبل الطالب. أنا درّستُ 38 عاماً في الثانوي في تونس والجزائر ولم يفرض عليّ أحدٌ يوماً كيفية إسناد الأعداد أو كيفية التدريس. فما بالك بالأستاذ الجامعي في تونس ؟ أنا أعرف أنه "بَايْ زمانه" ويحكم بأحكامه لذلك أرجوك، فقبل أن تنقد وزارة التعليم العالي على التسيّب الذي قد تكون تسببتْ فيه في المعاهد العليا الداخلية بصورة غير مباشرة، عليك أولا أن تنقد نفسك على ما تسببتَ أنت فيه، وبصورة مباشرة، من عدم تعمق في اختصاصك ومن تضخيم مقصود في الأعداد".

كل فئة قطاعية تتهم غيرها بالفساد وترى في نفسها الفرقة الوحيدة الناجية:

-  المدرّسون يُحمّلون مسؤولية تردّي التعليم في تونس للوزارة والإدارة والميزانية والبنية التحتية والبنية الفوقية والأولياء والرأسمالية والليبرالية والإمبريالية، لكنهم دائمًا يستثنون أنفسهم من النقد. إنني لا أنكر أن كل هذه العناصر لها ضِلعٌ في ما وصلنا إليه اليوم من تخلف علمي لكن كلها تُعدُّ خارج عن نطاق نفوذ الأستاذ. ماذا يفعل المدرّس إذن في مثل هذه الحالة ؟ حسب رأيي يبدأ بإصلاح نفسه ولا ينتظر إصلاح المنظومة وكذلك يفعل المواطن الواعي الناقد أو يستحي ويصمت، طبيبًا كان المتحدث أو تاجرًا أو مهندسًا أو ممرضًا أو موظفًا أوفلاّحًا أو عاملاًǃ

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه التلامذة وأولياؤهم، ووجهوا خلاله النقدَ للمدرسين والقيمين والإداريين ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه المرضى وأولياؤهم، ووجهوا خلاله النقدَ للأطباء والممرضين والإداريين ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه اليساريون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ لأحزاب يسارية ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الإسلاميون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ لحزب حركة النهضة ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الليبراليون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ لأحزاب يمينية ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه المسلمون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ لبعض مظاهر التدين الشائع والسائد منذ 14 قرناً ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الشيوعيون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ لبعض تجارب الماركسية في القرن العشرين ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه النقابيون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ للنظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل ؟

-  قتلنا التعصب الأعمى للوطن والإيديولوجيا والقطاعية السخيفة (Le corporatisme).

-  هل سمعتم يوماً صاحب مهنة ينقد في وسائل الإعلام أداءه أو أداء زملائه أو منتمياً ينقد حزبه أو إيديولوجيته ؟

أنا من جانبي فعلتُها بما تيسر لي من معرفة، نقدتُ علنا سيرتي المهنية والنقابية والفكرية وكثيرا من المثقفين التونسيين فعلوها قبلي وأحسن منّي.

ماركس وَعَدَ بها عند كتابة "البيان الشيوعي" ويبدو لي أنه لو قام اليوم لأنكر على الماركسيين الأرتدوكسيين أرتودكسيتهم (رأيهم هو الصراط الوحيد المستقيم).

كان محمد صلى الله عليه وسلم مجددا ويبدو لي أنه لو قام اليوم لأنكر على المسلمين السلفيين سلفيتهم الشكلية.

الفيلسوف سارترْ تمنى وتنبأ بانقراض مهنة المثقف الذي يفكر للآخرين.

فوق وقبل هؤلاء جميعا بـ14 قرنًا، فعلها القرآن الكريم ونقل لنا حرفيا حجج الشيطان في عصيان أوامر ربّه وحُجَجِ غير المصدقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

بعد حِفظ مقام القرآن الكريم، تصور اليوم مثلا جريدة "الضمير" السابقة لحزب حركة النهضة تخصص صفحة حرة لنقاد الحركات الإسلامية أو جريدة "صوت الشعب" السابقة لحزب العمال تخصص صفحة حرة لنقاد الأحزاب الشيوعية أو جريدة حزب حركة الشعب السابقة تخصص صفحة حرة لنقاد عبد الناصر وصدامǃ  ما أحوجنا لمثل هذا في زمننا هذا ǃ

 

إمضائي

يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدّقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداءً بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيّد، لا بالعنف اللفظي.

Ma devise principale : Faire avec les conceptions non scientifiques (elles ne sont pas fausses car elles offrent pour ceux qui y croient un système d`explication qui marche) pour aller contre ces mêmes conceptions et simultanément aider les autres à auto-construire leurs propres conceptions scientifiques.

Mon public-cible: les gens du micro-pouvoir (Foucault) comme les enseignants, les policiers, les artisans, les médecins, les infirmiers, les employés de la fonction publique, etc.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire