أصبحت الذاكرة اليوم
تقريبًا غير ضرورية بفعل الاكتشافات العلمية والتطبيقات التكنولوجية. قبل اكتشاف
الكتابة أو قبل انتشارها في بعض المناطق الجغرافية (الجزيرة العربية في فجر
الإسلام)، كانت الذاكرة ضروريةً عند العربِ وساهمت مساهمة كبيرة في حفظِ
الشعرِ والقرآن والحديثِ والسيرةِ النبويةِ وتوارُثِها ، ثم انحصر دورها في المجال
التربوي زمن ازدهارِ المدرسة السكولاستية (التلقين والحفظ واسترجاع المعلومات عند
الامتحان)، منوالٌ تربويٌّ ساد ثم انقرض
في الغرب منذ القرن السادس عشر ميلادي على يدَي ديكارت.
الذاكرةُ المَحشُوّةُ
(Une tête bien pleine)،
تجاوزها الغربُ والحمد
لله وأخرجها من المخ وأسكنها الحاسوبَ
فتحرّر عقلُه من عِبءِ الحفظِ وتفرّغ للتفكيرِ والملاحظةِ والتجريبِ والاكتشافِ
العلميِّ، أما نحن، العربُ المقيمون في الدول العربية، فقد أبينا أن نُخرِجَها من
مخنا، وللأسف ما زلنا في مدارسنا نَنْقُلُ، نلقِّنُ ونَحفَظُ ونُحفِّظُ ونلوكُ
معارِفَ الغربِ كما تلوك البقرةُ العشْبَ، لذلك لم نكتشِفْ شيئًا رغم انتشارِ
التعليمِ في ربوعِنا منذ نصفِ قرنٍ أو أكثرَ. أما العربي المقيم في الدول الغربية فهو
عامل كفء أو أستاذ أو طبيب أو مهندس أو عالِمٌ وباحثٌ ومنتِج معرفة مثله مثل
الغربيين.
أنا لا أحفظُ إلا القليلَ القليلَ
من القرآن الكريمِ والأحاديثِ، لكن وبفضلِ الحاسوبِ والأنترنات لم أعد أشعر بأي
حاجةٍ إلى الذاكرة المخية عندما أكتبُ مقالاتٍ تتطلّب الاستشهادَ بآياتٍ من الذكرِ
الحكيمِ وفي الأثناء أقرأ التفاسيرَ فتكوّنتْ عندي ثقافةٌ إسلاميةٌ متواضعة لم أكن لأحلُمَ بها قبل استعمالِ الذاكرة
الصناعية واستغلالِ الأنترنات وخاصة في المجال الفقهي المكتوب باللغة العربية ويا
ليتها تكون بنفس الجودة في المواقع المنشورة باللغة العربية الأخرى كالنحو والصرف
والعلم والكنولوجيا.
خاتمة: أنظمتنا العربيية السياسية
والتربوية هي المُكبِّلُ والمُجهِّلُ وليس خلايانا المخية.
اللهم ارزقنا بِديكارت مسلم-عربي
يمحو ما تعلمناه ويُفَرْمِتُنا من جديد (Formatage).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire