مقدمة:
يبدو لي أن المعارفَ
الضرورية لأداء وظيفة المدرس على أحسن وجه هي الاختصاصات التالية: التعلّمية أو
فلسفة التعليم (La Didactique ou épistémologie de l’enseignement)، علم التقييم (La docimologie)، علم نفس الطفل (La psychologie de l'enfant)، الإبستومولوجيا (L'Épistémologie) و"إدراك عملية
الإدراك" (La Métacognition). أما علوم الحاسوب (TICE) فهي أداة تكنولوجية عاجزة بذاتها وحدها ولا يمكن
تفعيلها دون اكتساب وتوظيف الاختصاصات المذكورة قبلها. وزارة التربية تحرص على
التكوين في علوم الحاسوب فقط وتهمل الاختصاصات الأخرى فمَثَلُها إذن يصبح كمَثَلِ "من يهدي نظارات طبية لضرير".
سأذكّر زملائي أولا
والوزارة ثانيا بأهمية الاختصاصات المذكورة سابقًا لعل الذكرى تنفع المتعلمين:
1.
الديداكتيك
أو التعلّمية (La
Didactique) هي نوع من الإبستمولوجيا التي تهتم بالمعرفة
وعلاقتها بالتلميذ والمدرس، أما البيداغوجيا فهي علمٌ يهتم أكثر بطرق التدريس.
الديداكتيك، هذه المعرفة الجديدة نسبيًّا (ظهرت حوالي سنة 1970) تركّز خاصة على
كيفية تعلم المتلقي وتُعلِّمه كيف يتعلّم. يبدو لي أن عدم إلمام المدرسين بهذه
المعرفة يفسر مقولة العالِم الابستومولوجي الفرنسي باشلار: " المدرسون لا
يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون".
2
علم التقييم
(La docimologie) هو علمٌ قائمٌ الذات ويُدرّس عادة في الجامعات. تسمح آليات هذا
العلم بتقييم مكتسبات التلميذ قبل الدرس وأثناءه وبعده. مخرجاتُه تساعد على تحسين
مردود المعلم والمتعلم. مَثَلُ المدرس الذي لم يدرس أكاديميا علم التقييم كمَثَلِ
"تاجرٍ يقدّر سلعة دون ميزان".
3.
علم نفس الطفل (La psychologie de l'enfant)، علمٌ يفتح عيون المدرسين على عالم الطفولة
والمراهقة ويكشف لهم "ما خفي من جبل الجليد النفسي عند التلميذ"،
فتتوضّح الرؤيا لديهم ويظهر لهم أن "اللامعقول في تصرفات التلميذ هو في صلب
المعقول النفسي"، حينئذ قد يعذرون التلميذ ويفهمون أسباب وعمق بعض السلوكيات
التلمذية العنيفة أو الخارجة عن المألوف ويكفّون عن التعامل مع التلميذ كما يتعامل
عالِم النفس السلوكي مع فأر التجارب حيث يحدد له مسبقًا مَدخل المتاهة ومَخرجها.
4. الإبستومولوجيا (L'Épistémologie)، وما أدراك ما الإبستومولوجيا، هي "مبحث نقدي في مبادئ العلوم وفي أصولها المنطقية"، مبحث يهدف إلى الكشف عن الآليات والمفاهيم التي تعتمدها الثقافة في نقد المعرفة وإنتاجها. هي "معرفة المعرفة أو نظرية المعرفة العلمية". يحتاج لهذا العلم كل مدرّس يدرّس العلوم معلما كان أو أستاذا. عندما يَعرف المدرس أن العلم لم يولد علمًا كاملاً بل تكوّن على مراحل وبعد أخطاء جسيمة ارتكبها العلماء العظام, حينئذ قد يعذِر ويتسامح ويفهم أخطاء التلميذ ولا يحمّله ما لم يقدرْ عليه كبار العلماء، ألا وهو الفهم السريع للمسائل المعقدة في الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض. لو كان القرارُ قراري لقلتُ: لا يُنتدب في التعليم مَن لم يدرُسْ جامعيًّا إبستومولوجيا اختصاصه في الرياضيات والعلوم التجريبية وحتى الإنسانية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire