mardi 5 avril 2022

رأيٌ ضد السائد حول الإبستمولوجيا

 

قال: "أتابع مقالاتك وأفهمها جيدًا إلا كلمة إبستمولوجيا"، جملة قالها لي في جمنة صديقي عبد المجيد بالحاج منذ سنوات. عبد المجيد فلاحٌ مثقفٌ. ثِقوا أنني لا أجامله بنعته بالمثقف والدليل على موضوعية كلامي تجدونه موثقًا بالصوت والصورة في وسائل الاتصال الاجتماعي التي أرّخت ملحمة  نشاطه البارز في الدفاع عن قضية جمنة "هنشير ستيل"، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لـ"جمعية حماية واحات جمنة".

بعد مرور سنوات على هذه الجملة-الحادثة، سمعتُ الفيلسوف ميشيل سارّ على اليوتوب يقول الآتي: "أكثر الناس يجهلون معنى كلمة إبستمولوجيا. المفارقة أن أكثر الناس أصبحوا فعليًّا إبستمولوجيين، أي أصبح لهم رأيٌ ونقد حول المعرفة العلمية : جل الناس ينتقدون السلاح النووي والاحتباس الحراري والتلوث البيئي. جل الناس أصبحوا إبستومولوجيّين دون أن يشعروا بذلك!

La vaccination anti-Covid-19 et ses opposants, les médicaments et leurs effets secondaires, la pollution et ses catastrophes sur le climat régional comme celle du Groupe Chimique de Gabès (GCT-ICM).

بعد سماع هذا الشرح لكلمة "إبستمولوجيا" على لسان الفيلسوف ميشيل سارّ، هاتفتُ مباشرة صديقي عبد المجيد، الفلاحٌ المثقفٌ، وقلتُ له: "ابشِرْ يا صديقي فقد أصبحتَ أنتَ نفسك "إبستمولوجيًّا" دون أن تشعر وهذا بشهادة عالِم الإبستمولوجيا نفسه الفيلسوف ميشيل سارّ". ضحك وقال: "لن أقول لك بعد اليوم أنني لا أفهم كلمة إبستمولوجيا !".

حسب الفيلسوف ميشيل سارّ إذن،  أصبح كل الناس أو جلهم على الأقل مثقفين وإبستمولوجيين لكنهم  "مثقفون وإبستمولوجيون في المهد" (des intellectuels et des épistémologues en herbe)، وذلك بفضل تكاثر وسائل التواصل الاجتماعي وتنوعها في القرن 21 (فيسبوك، تويتر، يوتوب، ﭬوﭬل، ويكيبيديا، إلخ.)، قرن انتشار المعرفة العلمية في العالم أجمع.  معرفة أصبحت اليوم في متناول كل من يطلبها، متعلّمٌ أو أمّي، مبصر أو بصير، غني أو فقير، كبيرٌ أو صغير، داخل أسوار الجامعة أو خارجها، في المدن أو في الأرياف.

ولشرح وجهة نظري أكثر حول المثقف والإبستمولوجي، أعطي بعض التعريفات المتنوّعة لكلمة "إبستمولوجيا" وكلمة "مثقف":

تعريفات متنوّعة لكلمة "المثقف":

-         المثقف يُعرَّف عندي بمدى إلمامه باختصاصه وبغير اختصاصه.

-         المثقّفُ هو المطَّلِع على ثقافاتٍ أخرى: الرسول صلى الله عليه وسلم كان أمّيًّا لكنه كان مثقّفًا، والأمة الإسلامية اليوم خليطٌ من الثقافات.

-         المثقفون نوعان، المنتج والمستهلك، النزيه والانتهازي، والصغير فيهم مثلي يرى بعيون الكبير فيهم مثل أمين معلوف وميشيل سارّ وهنري أتلان وميشيل أنفري وألبير جاكار.

-         السياسي والمثقف، الأول يبيع الأوهام والثاني يحطمها، واحد يمدح سلعته مهما كانت رديئة والآخر ينقد إنتاجه مهما كان جيدا. خطان متوازيان غالبًا ما لا يلتقيان ونادرًا ما يلتقيان.

-         السياسي والمثقف، الأول يتكلم لغة خشبية أو لا يكون، والثاني يتكلم لغة عقلانية أو لا يكون، واحدٌ يُغلّف الحقائق الموجعة والآخر يُعرّيها.

-         أعجبُ من مثقفٍ يُعجَبُ بسياسي مهما كان لون هذا السياسي. المثقف "لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب"، لا لأنه متكبّرٌ بل لأنه طموحٌ.

-         ويلٌ للسياسي إن لم يَرْضَ عن نفسه، وويلٌ للمثقف إن رضي عن نفسه. السياسي يعيش في قلب المجتمع والمثقف على هامشه.

-         السياسي شر إذا فكر في مصلحته فقط وخير إذا فكر في مصلحته والمصلحة العامة. المثقف خير إذا فكّر في مصلحة الآخرين لا في مصلحته.

-         الفيلسوف سارتر، 1967: "يبقى الباحثُ يُسمى باحثا ما دام يساهم في تطوير العلم، يصبح مثقفًا حالَما يبدأ يحتج ضد توظيفه السيء (أينشتاين نموذجًا، باحث ثم مثقف)".

-         مات المثقف الذي يدّعي أنه يفكر للآخرين. مات النائب الذي يدّعي أنه يمثل ناخبيه. كل إنسان حر، عليه أن يفكر بنفسه ولا يمثل إلا نفسه متفاعلاً إيجابيًّا مع الآخرين.

-         مالك بن نبي عرّف الثقافة بأنها ما يميّز أمّة عن أخرى، وذلك تمييزا عن العلم: داخل العيادة، طبيب مسلم أو غير مسلم، لا فرق، لكن خارجها هنالك فروقٌ ثقافية كبيرة ؟

-         مثقفون حداثيون تونسيون يجهلون تاريخ الإسلام/يحفظون تاريخ المسيحية، يحقّرون لغتهم/يمجدون الفرنسية، يزدرون تقاليدهم/يقلدون الغربيين.

-         بفضل التعليم الانفصالي، أصبحت نخبة العالَم مقسّمةً بين "مثقفين جهلة بالعلم" (خرّيجو كليات العلوم الإنسانية والفلسفة والقانون، حُكّام العالَم) و"علماء غير مثقفين" (خرّيجو كليات العلوم الصلبة، "الصحيحة" والتجريبية، مغيّرو العالَم) !

-                    من الكبائر التي يرتكبها المثقف، مساندته للسلطة ! عرّفه جان بول سارتر: "يعيش على هامش المجتمع أو لا يكون". عرّفه ميشيل سارّ: "يكون ضد الرأي العام (opinions) أو لا يكون !".

-         المثقف، أعرّفه أنا: "لا يعجبه العجب ولا حتى الصيام في رجب، لا لأنه عنيد بل لأنه يتمتع بذهن ناقدٍ، ثاقبٍ، واستشرافي ويَطمح دومًا إلى الأفضل.".

-         واهمٌ، المثقف الذي يعتقد جازمًا أن إيديولوجيته -ماركسية كانت أو قومية أو إسلامية- قادرة على الإجابة عن كل تساؤلاته. أكيد يحتاج إلى غيرها.

-         المثقفُ الذي يقرأ لإيديولوجية واحدة، كالفلاح الذي يزرع كل عام نفس النوع في نفس الأرض. الثاني يُفقِّرُ أرضَه، والأول يُفقّرُ عقله !

-         المثقف هو شخصٌ نزيه (désintéressé) أو لا يكون، أي لا يخدم أجندة على حساب أخرى، ولا يدّعي أنه جاء ليثقف الآخرين بل جاء ليتعلم من تجاربهم. مَثَلُه كمثل مَن يعشق امرأة مستحيلة المنال، يضحّي من أجل إرضائها بِجد وإخلاص دون طمع منها في جزاء أو شكور. هو الذي يعتبر غير المثقفين مشاريع مثقفين أو مثقفين بالقوة (des intellectuels en puissance) ويحسن الظن بهم ويخاطبهم كمثقفين ولا ييأس منهم. هو الذي لا يَردّ على الشتيمة بشتيمة مماثلة، تجنبا للعنف اللفظي. هو الذي يحرص على عدم المساس بشعور محاوره دون التخلي عن جوهر الخلاف العلمي. المثقف يجامل والعلم لا يجاملُ.

-         المثقف هو الذي يَعرِف أن لا وجود لفكرة صائبة 100% وأخرى خاطئة 100% فلا يطلب إذن من مخالفه التخلي عن فكرته بل يدعوه إلى تجريبِ وجهة نظر أخرى.

-         لا وجود لمثقف عابر للمكان والزمان، هو ابن بيئته أو لا يكون، والمُنبتّ لا يمكن أن يكون مثقفًا.

-         المثقفون صنفان، الكبار (امين معلوف، جيلبير النقاش، ميشيل أونفري، إلخ.) والصغار، منتجون ومستهلكون، الصنف الأول يرى العالَم بـ"جومال" والصنف الثانٍ يرى العالَم بعيونِ الصنف الأول  !

-         أنا ملتزم بالثقافة   فهي الوسيلة الوحيدة القادرة على ما لم يقدر عليه داروين، ألا وهو تحويل الحيوان فينا إلى إنسان.

-         إنما الأمم المثقفون ما بَقُوا، فإن  هُمُ  ذهبوا ذهبت. في تونس ذهب المثقفون إلى وجهتين، الانتهازيون في الواجهة والنزهاء مهمَّشون.

-         L’Intellectuel, c’est une création du XIXe siècle qui disparaîtra à la fin du XXe ou du XXXe parce qu’il est fait pour disparaître. L’homme qui pense pour les autres, cela n’a pas de sens. Tout homme qui est libre ne doit être commandé par personne que par lui-même (Le philosophe français jean-Paul Sartre).

تعريفات متنوّعة لكلمة "إبستمولوجيا":

-         الإبستومولوجيا (نقد المعرفة أو معرفة المعرفة أو فلسفة العلوم أو تاريخ العلوم): معناها أن تخرج من جلدك وترى جلدك من الخارج بواسطة مكبّر اسمه النقد، ونقد المعرفة يحتاج إلى معرفة معمّقة.

-         "النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ "، هدّامٌ للتصورات غير العلمية والخرافات والأساطير.

-         قرار عدد 1 في الإصلاح التربوي الموعود: "إدراج تدريس الإبستومولوجيا في كل الجامعات وفي كل شعب العلوم الصحيحة والتجريبية والإنسانية".

ملاحظة عابرة: من المفروض أن لا يُنتدَبَ في التعليم الثانوي والعالي أي أستاذ علوم لم يدرُسْ أكاديميّاً إبستمولوجيا اختصاصه. لماذا ؟ دون إبستمولوجيا، "لن يفهم الأستاذ لماذا تلامذته لا يفهمون"، كما قال ﭬاستون باشلار (الإبستمولوجي الفرنسي العظيم، صاحب المفهوم-المفتاح المسمَّى "القطيعة الإبستمولوجية"). لو طُبِّقَ هذا الشرط سنة 1974 (تاريخ انتدابي أنا كأستاذ علوم الحياة والأرض)، لَما انتُدِبتُ أنا نفسي، لأنني درّست 24 سنة دون معرفة إبستمولوجيا اختصاصي، لم أدرُسها أكاديميّاً إلا سنة 1998، تاريخ تسجيلي بالجامعة مرحلة ثالثة سنة أولى دراسات معمقة (la didactique a failli s’appeler épistémologie de l’enseignement).

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire