lundi 18 avril 2022

حَفرٌ إبستمولوجيٌّ في نِضالِيةِ أستاذ ثانوي ؟

 

 

زميلُ فيزياء متقاعد  يدّعي انه نقابي، هَرَمٌ من أهراماتِ تدريسِ الساعاتِ الخصوصيةِ في "الڤاراجات"، رافقني في مظاهرة الأساتذة بشارع بورڤيبة بالعاصمة يوم الأربعاء 12 ديسمبر 2018. أنا أمشي جنبَه صامتًا، لكنني وكلما ردّدَ شعارًا إلا وحفرتُ خلفَه بِفأسِي الإبستمولوجيةِ.

-         غرَّد مع الجوقةِ، أطربني، رفع صَوْتهَ الجهوري بالغناءِ -والصوت لا يكبُرُ مع السنِّ-، تفوّهَ وقال: "الأستاذ يريدْ... عدالة جبائيَّة". توجّهتُ إلى حضرتِه، نظرتُ في عينَيه، خِفتُ، تردّدتُ، فرّ الدمُ من وجهي إلى عضلاتي تحسّبًا لأي طارئٍ قد يطرأ، تسمّرتُ في مكاني، لملمتُ ما تبقيَ في جعبتي من شجاعة عضلية، وما بقيَ فيها إلا القليلُ القليلُ، ثم نَطَقْتُ: تطالِبُ المتهرّبينَ بالقيامِ بواجبِهم ودفعِ ضرائبِهم بالكاملِ، وهل دفعتَها أنت - حتى بالناقص - على ما كسبته خلال عقودٍ مقابل "لِيتِيدْ"

(l`Étude) 

-         لم يسمعني، عَمِلَ "وِذْنْ عْروسْ"، ثم تابعَ الجوقةَ بِصوتٍ أعلى: "التعليمْ موش للبِيعْ.. يا حكومة التجويعْ". ومَن أشطَرُ منك في بيعِ العلمِ، سَلْعَنْتَهُ، عَلَّبْتَه، ودون "أومْبَلاّجْ"  في الدكاكين العفِنة عرضتَه (دون تغليفٍ) ؟

-         واصلَ رفيقي مُتَخَمِّرًا وكأنني لم أنبِسْ بِبِنتِ شفةٍ: "مدرسة شعبيَّة... تعليم ديمقراطيّ.. ثقافة وطنيَّة". ومَن بَلانا بالطبقية، وقضى على ديمقراطيةِ التعليم، ودفن وصلى على جنازةِ مدرسة الجمهورية 

(L`école républicaine de Bourguiba, la Nôtre

 وهي مَن هي، هي ولا غيرَها، كانت الضامِنُ الوحيدُ لمبدأ تكافئِ الفُرَصِ والمساهِمُ الوحيدُ في التحريكِ الاجتماعي (Le brassage social) والمدافعُ الوحيدُ على قيمةِ "النجاحُ استحقاقٌ"، والمحرّكُ الوحيدُ لـلمِصعدِ الاجتماعي، مصعدُ مَن لا مِصعدَ له من التونسيين الفقراء والمحتاجين والمهمّشين، وما أكثرهم في بلدي، والحمد لله الذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواه.

-         تمادى وكانه شامتٌ: " قُصْ نْهارْ... قُصْ شْهَرْ... الأستاذ دِيما حرْ". أنا هو الحر، تحملتُ ضَنَكَ العيش، ضِيقَهُ وعُسْرَهُ من أجل هذه اللحظة الحرّةِ، أما أنت فلم تَرَ منه إلا يُسْرَهُ، تغيبُ عنك شهريةٌ، تجني من  "لِيتِيدْ" ثلاثةً، قلتَها لي سابقًا بِعظمةِ لسانِك.

-         "حق الأستاذْ... واجبْ... حق التلميذْ... واجبْ". الله لا يحقّ لك حقًّا، أنانيتُك وجَشَعُك وكُبرُ "كَرشِك" (المعدة) لم يتركوا في المدرسة أي حق لأي مستحِق، لا الأستاذَ ولا التلميذَ.

-         "وزارة الفسادْ هيَّ هيَّ... والتلميذْ هو الضحيَّة". وهل يوحدُ في البلادِ أفسدَ منك يا تاجر القِيْمْ، يا عديم المروءةِ وفاقد الشهامةِ ومُحطِّم الأمَمْ.

 

خاتمة: "هَيَّ يِزّيكْ اليُومْ، صعبت عليَّ بالمصري"، تذكرتُ مزايا الشرفاء منكم، الذين تصدّقوا عليَّ مشكورين بساعات تدريس خصوصية لأولادي الثلاثة مجانًا، خجلتُ من نفسي وأعتذر منهم على ما أتاه السفهاءُ منهم وهم قلة، قلةٌ تقارب العشرة في المائة على أقصى تقديرٍ. أحيّى عدم الجشعينَ منهم الذين يكتفون بالقليل لمحاربة الفقر، هذا حلال محلل، وهم منا وفينا وإلينا، لحمنا ودمنا، نحن معشر الأساتذة، رُسُلِ أشرفِ مهنةٍ في التاريخِ والوجودِ على الإطلاقِ. مع الإشارة الهامة والمهمة أنه -وحسب قانون وزارة التربية- يحق لأي أستاذ أن  يمارس هذا النشاط التربوي (Étude) بمقابل معقول (غير مُشِطٍّ) خارج المعهد على شرط أن لا يزيدَ العددُ على 12 تلميذ موزّعينَ على ثلاث مجموعات، كل واحدة تضم أربعة تلاميذ، ويدرُسون في ظروفٍ صحيةٍ وبيداغوجيةٍ طيبةٍ، وأن لا يكونوا من تلامذةِ الأستاذ المعنِي المباشرينَ.

تعليق محتمَل: مقامةٌ همذانيةٌ، سيناريو خياليٌّ، حوارٌ مختلقٌ ومحضُ تشويهٍ وشيْطنةٍ وتَشنيعٍ وافتراءٍ على القاعدةِ الأستاذيةِ الشريفةِ في نضالها المشروع. افتراءٌ نابعٌ من أستاذٍ فاشلٍ، تَشنيعٌ يقطرُ غيرةً وحسدًا، وحتى إن وُجِدَ هذا الصنفُ من الأساتذة فهم قلّةٌ، "كانْ طارَتْ واحد وَلَّ اثنينْ في كل ولاية"، والشاذُّ يُحْفَظُ ولا يُقاسُ عليه، والظاهر أنك هرمتَ وخَرِفتَ يا سي كشكار، أعلِمُكَ أن الجسمَ الأستاذيَّ جسمٌ معافَى مائة بالمائة، سليمٌ من كل ما ذكرتَ، وهو كالثوبِ الأبيضِ لا يأتيه الدنسُ لا من الخلفِ ولا من الأمام، والأساتذة -جميعهم ودون استثناءْ- أشرفُ من الشرفِ نفسِه، يا عديم الولاءْ وقليل الوفاءْ !

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire