mardi 19 avril 2022

حَفْرٌ إبستمولوجيٌّ خفيفٌ في نضاليةِ النقابةِ العامةِ للتعليمِ الثانويِّ وفي يساريّتِها ؟ فكرة الماركسي حبيب بن حميدة، فيلسوف حمام الشط، تأثيث المؤلف محمد كشكار

 

 

مقدمة:

صاحب الفكرة والمؤثث، الاثنان يساريان و الاثنان مسئولان نقابيان سابقان فلا تزايدون علينا بالنضالِ، "نضال بُودُورُو"، "نضال الهانة ورْڤودْ الجبّانة"، أو زايدوا إذا اشتهيتم فنحن "شِيّابْ ڤرِمْ، ما يهمّنا قَرْصْ"، الاثنان متقاعدان متفرّغان ولا شغل لنا غير النقد والتنبير. واهمٌ مَن ينتظر منا حلاًّ أو بديلا لأننا ببساطة نؤمن أن البديلَ يُبنى ولا يُهدَى ولا ينزل من السماء، لا نملكه وهو ليس جاهزًا.  كارثتان إبستمولوجيتان نزلتا على رؤوسكم، ابتلاكم بهما العالي، والعالي لا رادَّ لقضائِه. لاتغضبوا أيها الرفاق، أمزحُ معكم، رجاءً استحملوني حتى ولو كان مُزاحي ثقيلاً قليلاً.

إليكم تفاصيل هذا المُزاح الثقيل قليلاً:

يسارٌ لا يجدّد ولا يبتكر هو يسارٌ محافظ رجعي، ونقابتُنا العامةُ الموقرةُ لا تجدّد ولا تبتكر! يسارٌ يؤبّد النظام القائم ولا تغرّكم المظاهر. يسارٌ إقصائيٌّ، قبل الثورة أقصى الإسلاميين المنتمين لحزب النهضة من الترشح لعضوية النقابات الأساسية والجهوية على مدى أربعة عقود، حرّم عليهم تقريبًا دخول دُورِ الاتحادات المحلية والجهوية (على الأقل هذا ما عاينته أنا بنفسي في اجتماعات النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بمقر الاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس خلال الفترة الممتدة من سنة 1990 إلى حدود 14 جانفي 2011، تاريخ هروب بن علي). بعد الثورة،  أقصاهم من المشاركة في الإعداد لمشروع الإصلاح التربوي. كنتُ شاهدًا أخرسَ على العصرِ ، معارضٌ للنهضة لكنني لم أكُ يومًا مُقصيًا أو مُعاديًا لأحدٍ.

يسارٌ يكرّر ويتكرّر، لذلك يسهل على الوزارة تخمينَ مخططاتِ نقابتِنا العامةِ الموقّرةِ، ومَن يُكشَفُ سِرّهُ قبل فعلِه فليس على المريضِ حرجٌ ! ومن كثرة التكرار، أصبحنا نسمي الزيادة في الشهرية زيادة الحاكم، بارك الله في بن علي، وَفَّرَ علينا النضال، خرستْ ألسِنتُنا فصمتْنا وكأن أزمةَ التعليم تتلخصُ في الزيادة في الشهرية، وكذلك فَعَلَ سلفُه، وَفَّرَ علينا بورڤيبة الانتخابات الرئاسية (رئيس مدى الحياة).

نقابتُنا العامةُ الموقّرةُ، لم تطالبْ يومًا بمشاريع سكنية للأساتذة. ولماذا تطالبُ يا تُرى ؟ نقابتُنا العامةُ ساعدت نقابة الشباب والطفولة على فعلها وتحصل بعض أعضائها وبعض حاشيتِها على حصصِهم من الكعكة.

نقابتُنا العامةُ الموقّرةُ، أضربتْ ضد قرار بن علي في استدعاء شارون إلى تونس في قمة المعلومات سنة 2005، يعطيها الصحة، وأضربتُ معها، لكنها لم تخصصْ ولو يوم إضراب واحد من أجل تحسين ظروف العمل أو من أجل بناء قاعة رياضة مغطاة أو من أجل توفير وسائل الإيضاح.

نقابتُنا العامةُ الموقّرةُ، دائمًا تبدأ العام كنقابةٌ ثوريةٌ، تُعبِّئُ القواعدَ، تشحذُهم، تسخّنُهم قبل أن تهِبَّ عليها ريحُ السمومِ من جهة المكتب التنفيذي فتجمِّدُها لفترة قد تطول أو تقصر. وحتى إذا انتصرت 

(Ce n’est qu’une victoire à la Pyrrhus)، 

فدنانيرٌ معدودةٌ، لا تغني ولا تسمن من جوعٍ، ما أنبل رسالتنا وما أرخص كرامتنا، نطلب دومًا لأنفسِنا فما أبشع أنانيتنا. لم نطلب ولو مرة واحدة شيئًا لفائدة التلميذِ، هذا التلميذ-الطفل، محور العملية التربوية، الذي استأمننا والِداهُ على مصيره وأوكل لنا الشعبُ مهمة صُنْعِ مستقبله. للأسفِ، خُنّا الأمانة ولم نكن في مستوى المسئولية التي أنِيطتْ بعُهدتِنا. تبًّا لنا ما أتفهنا ! ولا أستثني نفسي، بل أبدأ بها، نفسي اليساريّةِ اللّعِينةِ، كل يوم أجلدها بِسوطٍ قُدَّ من جِلْدٍ مَضفورٍ.

 

بلا فخرٍ، أنا ابنُ هذا اليسار النقابي، وبلا فخرٍ أيضًا كنتُ جنديًّا مُنضبِطًا من جنودِه، لكنني اليومَ صرتُ له ابنًا عاقًّا. وإليكم ما قدرتُ على فعله خارج دوّامة الإضرابات، وهو قليلٌ قليلُ، فعلته تحت حماية صفة كاتب عام النقابة الأساسية بحمام الشط:

-         في مرة من المرات، وَفَدَ علينا في معهد برج السدرية أستاذ نهضاوي (حزب النهضة الإسلامي المحظور في عهد بن علي) معوِّض مظلوم بعدما كان مرسّمًا، اتصلتُ به واقترحتُ عليه عرضَ مشكلته على الهياكل النقابية العليا، رفضَ  مساعدتي بكل أدبٍ.

-         في مرة من المرات، في المعهد نفسه انقطعت أنترنات، كتبتُ أقصرَ عريضة نقابية في العالم وهذا نصها: "معهد برج السدرية دون أنترنات منذ ست سنوات"، أمضَى فيها كل أساتذة المعهد، أرسلتُها إلى الإدارة الجهوية، فجاءَنا المهدي المنتظرْ في أسرع من لَمْحِ البصرْ، ألا وهم المودام 

(le modem).

-         في مرة من المرات، قمتُ بِجردٍ لجميع قاعات المعهد، كتبتُ تقريرًا، أمضَى فيه كل أساتذة المعهد، أرسلتُه إلى الإدارة الجهوية، جاءت الكراسي والطاولات من حيث لا أدري.

-         في مرة من المرات، استلف المدير حاسوبًا من مخبري المجهّز بعشرة ليستعين به في آخر السنة. تغير المدير، طالبتُ مَن عُيِّن مكانه بإرجاع الأمانة، رفضَ، كتبتُ فيه تقريرًا، بعثتُه إلى الإدارة الجهوية، في ظرف يومين رجع حاسوبي إلى قواعده سالمًا.

-         في مرة من المرات، عام 2000 تقريبًا، اتصلتُ بوزير التربية الأسبق منصر رويسي، طلبتُ منه إدراج نظرية "ما بعد الوراثي" في برنامج العلوم (L`épigenèse, sujet de ma thèse de doctorat)، وحدثتُه حول تدريس العلوم بالحاسوب. قال لي: "أول مرة يتصلُ بي نقابي يطلبُ مصلحة علمية وليس مصلحة مادية". بعد شهرٍ بعثَ إلى معهدنا عشرة حواسيب وتأسسَ أول مخبر علوم في الجمهورية مجهّز بالأنترنات، عملتُ فيه عشر سنوات، هرمتْ الحواسيب وهرمتُ معها، أقفِلَ مباشرة بعد إحالتي على التقاعد (2012) ولم يُجدّد إلى اليوم.

 

خاتمة:

مزايا النقابة عليّ، على المستوى الشخصي، لا تُحصَى ولا تُعدّ، على سبيل الذكر لا الحصر:

-         سنة 1976 طُرِدتُ من التدريس، أرجعتني النقابة في ظرف شهرٍ.

-         سنة 1988-1989، ظلمني متفقدٌ، هبّ لمساندتي كامل أعضاء النقابة الأساسية هبة رجل واحد وهجموا على المدير الجهوي في مكتبه بجندوبة (تحية إلى الكاتب العام صديقي رضا جميلي).

-         النقابة صنعت لي قيمة يهابها كل المديرين وكانت طلباتي عند المديرين أوامرٌ.

-         النقابة أعطتْ منحةً لابنتي الطالبة.

-         باختصار، النقابة أكرمتني وكرّمتني وأشعرتني وكأنني عنتر زمانه.

-         عدّدتُ مزايا النقابة، وما زلتُ أعدّدُ، ودون كلَلٍ أو ملَلٍ سوف أردّد ما حييتُ أفضالَها عليّ شخصيًّا حتى أبرهن للقرّاء أن ما قلته فيها أعلاه في هذا المقال هو بعيد كل البعد على الثأر السخيف ولم يك يومًا تصفية حسابات. ماذا هو إذن ؟ علمٌ درَسته وفي مكانه وظفته. علمٌ الإبستمولوجيا (نقد المعرفة أو معرفة المعرفة)، علمٌ كرّه الناس فيّ. علمٌ مارسته بحبٍّ وطبّقته على نفسي ومحيطي بصدقٍ وصرامةٍ قبل أن اطبّقه على الآخرين، علمٌ للأسف أظهرني أمام رفاقي في مظهر الخائن أو المختل. قدَري لم أخترْه، راضٍ بمرّه وحلوه ! أرجوكم أيها الرفاق، افصلوا بين كشكار النقابي الذي يعشقكم وكشكار الإبستمولوجي الذي يشرّحكم.

-         نقابتِي العامة الموقّرة (أو جامعة التعليم الثانوي كما يسمّونها اليوم)، لن تنالِي ثقتي (أعني الأستاذ عمومًا) ولن أطمئنَّ إليها ما لم تُنجِز مِثلي وعلنيًّا نقدَها الذاتي وتعتذر من قواعدِها الأستاذية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire