اِقرأْ،
قُصّْ، لَصِّقْ، اسأل عيّنةً صغيرةً أو لا تسأل واختلق الأجوبة.
رَكِّبْ، رَتِّبْ، صَنِّفْ، لَخِّصْ، استنتجْ، اسرقْ علمًا ولا تَنسِبْ ولا
تُنَسِّبْ. انتهزْ فرصة، استشهدْ ومن عملِ غيرك ودون جهدٍ استنفعْ، أعِدْ بناءَ
عِلمَ العلماء الغربيين ودون تجديدٍ حقيقيٍّ جدّدْ. اجترْ اكتشافاتهم، صُغْها كما
يحلو لك ولصورتِهم العلميةِ شوِّهْ، ولكلامهم دون رقيبٍ ودون ضميرٍ حَرّفْ، ثم ضعْ
كل ما جنيتَ في سلّةٍ جميلةٍ وسمِّها أطروحةً. اعجنْ محتواها، اعصِرْ، جفّفْ
وانشُرْ، وقبل النشرِ لا تغفل على عرضِ بضاعتك المستوردة على المؤطّرِ وأمامه
اِركعْ وسَلِّمْ لعل في طاحونته قد يُصحَّح اجتهادك أو يُهمَلْ، شأن لا يعنيكْ حتى
ولو لم "يُرضِيكْ". هو يُعدّلْ ودون استشارتك يشطِبْ ويُبدّلْ، ومن
عليائه ودون تمحيصٍ يَحذفْ، وبين مطرقة مدير أطروحتك وسندان البحث العلمي،
إرادتَكَ تُطحنْ وعفويتَكَ تُكبَتْ وعبقريتَكَ تُكتَمْ وحريتَكَ تُقمَعْ وشجاعتَكَ
تقتَلْ. أكيدٌ ستنجحْ، زَوِّقْ عملَك زَوِّقْ، وفي النهاية وعلى شكل مسرحيةٍ وأمام
لجنةٍ غير مختصة، مسرحيتَك قدّمْ،
عشرون دقيقة لا أكثر لتقديمِ وشرحِ بحثٍ دام سنوات، وفي كل الحالات لا تخَفْ،
جمهورٌ أبكمٌ لك يصفق، أباطرة علمٍ فيك تمجّد وتشكر. يدخلون الخُلوةَ وأنت تخرجُ،
تُشعِلُ سيجارةً بينما اللجنةُ تقرّرْ، وبعد دقائقَ يدعونك فتهرولْ لتسمع دون
مفاجأةٍ ما على الملأ سيُعلَنُ: مبروك الحج (الدكتورا) يا حاج (دكتور). حاجٌّ لم
يزُرْ مكةَ (مخبر البحث العلمي الذي بعدُ لم يُدَشِّنْ).
نِلتَها وكأن ما نالَها قبلك أحدٌ، نِلتَها دون عناءْ أو بعناءْ لكن دون لذةٍ
وانتشاءْ.
الملخص:
عفوًا أيها السادة الدكاترة العرب، في
بحوثكم لم تكتشفوا شيئًا يُذكرْ فيُشكرْ. شَغَّلتُم أدمغتَكم في الفراغ، استهلكتم
طاقةً وللأسف طاقةٌ لم تُنتِجْ معرفةً ولم يصلْ ولو واحدٌ منكم (المقيمُون
والمشتغِلُون في الدول العربية) إلى جائزة نوبل (نجيب
محفوظ، ومن حُسْنِ طالِعِه، لم يكن باحثًا ولا دكتورًا، كان أديبًا رائعًا وربما
تكون مساندتَه المعنوية للسادات ومبارك المُطَبِّعَين هي التي مهّدت له الطريقَ
إلى ستوكهولم، أما أحمد زويل، فمِن التعسّفِ أن ننسبه إلي جِلدتكم، فهو أمريكي
الجنسية يُقيمُ ويشتغلُ في أمريكا ومع أمريكان.
تترشحُ
لِلتدريس بالجامعة، تُقدّمُ ملفًّا، تُعيد المسرحية وأمام لجنة غير مختصة أيضًا،
وفي جل الحالات بالمعارف والمحسوبية تُنتدَبُ أستاذًا جامعيًّا، وفي غير اختصاصك
غالبًا ما تُعيّن، ولطلبتك نَسخًا تُلقّنْ، ولماكينة إنتاجِ الرداءةِ تؤبّدْ،
وللعلم مثلك مثل أستاذ ثانوي تَنْقُل، وللمعرفة دومًا لا تنتِج، وبترقياتك قبل
البحث تهتمْ ومن أجل تحقيقها تتنازل، تصغرُ، تهرمُ، تذبلُ وتتحطّمْ، إلا مَن
رَحِمَ ربي، وهم في بلادنا قلةٌ قليلةٌ جدًّا. لا أدّعي بطولةً وهميةً ولا أستثني
نفسي، ولو انتُدِبتُ فلن أكون أفضل من زملاء الدراسة لأن "السيستام"
أقوى من إرادة الأفراد ولو قُدّت من حديدٍ.
تصلك
دعوةً للمشاركة في برنامج تلفزي أو إذاعي أو جمعياتي، أي برنامج مع منشطٍ أو مقدمٍ
جاهلٍ باختصاصك، ودون تريثٍ أو سؤالٍ عن الموضوع، بسهولةٍ توافق، يهزك الطمع
المادي أو المعنوي، تحتقرُ الجمهورَ المتعطِّشَ للمعرفةِ من مصادرها، وبشهادتك
مغرورًا تذهبُ مسرِعًا، قديمًا لم تراجِع وجديدًا لم تقرأ وكأن كل الإنتاج َ
العلميَّ توقف يوم نُصِّبتَ أنت دكتورًا. تُفاخِرُ بعلم الغربيين ودون حياءٍ بإنتاجِ غيرك تُقايِضُ وتُتاجِرُ، تَقبِضُ وإلى اصطبلِك، عفوًا إلى مكتبِك، ترجع
مرتاح البال والضمير وكأنك لم ترتكب جرمًا في حقك وفي حق السامعين والمشاهدين وفي
حق المعرفة العارفة، وبِلقبِ دكتور تصولُ، وفي غير اختصاصك ودون تواضع العلماء
تجوبُ وتجولُ، وبسلطتك العلمية في غير محلها تؤكد ودون حجة تقول، فهل أنت دكتورْ أم طرطورْ
؟ على الأقل وفي هذه الوضعية الأخيرة، أنا لم ولن أتصرّف مثلهم، أحترمُ جمهوري،
أحضِّرُ محاضراتي شكلاً ومضمونًا، لا أحاضرُ إلا في اختصاصي الديداكتيك ومجانًا.
حاشا
شهادة الدكتورا أن نحمِّلها ما لا تتحمّل أي ما فعله بها الدكاترة الانتهازيون
منّا، بقصدٍ أو دون قصدٍ، أعني الدكاترة أو العلماء العرب منتحلي صفة، المزيفين
المقيمين في عالمنا العربي ! الدكتورا هي أعلى درجة علمية، تُمنَح ُ في اختصاصٍ
ضيقٍ جدًّا، وهي في الواقع ليست نهاية المعرفة بل هي عبارة عن بطاقة دخول تُخوِّل
لحاملها عن جدارة وُلوجَ مجال البحث العلمي داخل مَخبَرٍ مُختَصٍّ ومُجَهَّزٍ.
الدكتور
خارج اختصاصه هو متعلّمٌ عاديٌّ وهو حسب رأيي لا يصلح تمامًا لشغلِ أي منصَبٍ
سياسيٍّ وذلك لسببٍ أراه جليًّا وهو التالي: السياسيُّ يشتغلُ بالمستقبلِ، يوزعُ
الوعودَ الكاذبةَ، ويزرعُ الأوهامَ الزائفةَ، أما العالِم فيشتغلُ على الواقع،
يبغي تغييره، يحفر في الماضي والحاضر، ويزرعُ الأملَ ويقلعُ اليأس.
للأمانة العلمية: مقال كاريكاتور مستوحَى من نص للفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire