mercredi 7 août 2024

أفكارٌ تعارضُ السائدَ وقد تحرّكُ الراكدَ



11. يقولون: "عدونا لا يفهم إلا بالقوة".
أقول: جيد، لكن ماذا يوجد في حوزتنا من أسلحة ؟ عندنا صواريخٌ بدائيةٌ وجيوشٌ عربيةٌ أسودٌ على مواطنينا وأشقائنا، نعاجٌ أمام العدو. مقاومتُنا، مقاومةٌ إيديولوجيةٌ موسميةٌ، مقاومةٌ تبحث عن موقعها السياسي في الداخل قبل أن تبحث عن تحرير الأرض المغتصبة (حزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية).
12. يقولون: "ما أُخِذ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالقوة".
أقول: شعارٌ عظيمٌ وسليمٌ ولكن بأي قوة سنواجه إسرائيل ؟ هل هي قوة الانتفاضة الفلسطينية غير المسلحة التي أربكت العدو وكبّدته خسائر في الأرواح والأموال والعتاد وفضحت إرهابه وعنصريته في العالم أجمع وكسبت تعاطفًا في العالم وحتى في داخل إسرائيل نفسها ؟ هل هي قوة العمليات "الاستشهادية" بمعدل عملية كل سنة ؟ هل هي مقاومة حزب الله الشعبية الغنية بالصواريخ والتي لم تطلق رصاصة واحدة منذ أشهر (بين 2006 و2023)؟ أي مقاومة شعبية تحريرية هذه التي تصمت طيلة هذا الوقت ومزارع شبعا اللبنانية ما زالت ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى اليوم 2024 ؟ هل هي المقاومة السورية المقتصرة على التنديد والشعارات والخطب الحماسية الفارغة وهي الدولة التي لم تطلق رصاصة واحدة منذ 47 عاما رغم احتلال "جُولانها" ورغم عديد الاعتداءات الإسرائيلية السافرة على مفاعلها النووي التجريبي وعلى عاصمتها دمشق ؟
أنا أعرف أن عدد المؤمنين باللاعنف، في أمة مستهدفة من الصهيونية والامبريالية الأمريكية والامبريالية الأوروبية، لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة ولا تأثير يُذكر لهم على أرض الواقع العربي والإسلامي لكن يجب أن لا ننسى أن لهؤلاء العرب القلة، المؤمنين باللاعنف، سند وأسوة في غير بني جلدتهم ممن سبقوهم في استنباط أنماط المقاومة القوية غير المسلحة مثل غاندي، فيلسوف اللاعنف، الذي زعزع أركان أعتى إمبراطورية في العالم، إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس في ذلك الوقت، أربكها بِـنمطٍ من المقاومة قد يبدو بدائيا وسأسوق لكم مثالا من هذه المقاومة السلمية: دعا غاندي المواطنين الهنود إلى مقاطعة شراء الملح الذي تحتكر صنعه المصانع البريطانية في الهند وقام بمسيرته الشهيرة في 12 مارس 1930 لانتزاع استقلال الهند عن بريطانيا. وبعد ما قطع 300 كلم مشيا على الأقدام هو وأتباعه، وصل يوم 6 أفريل 1930 على شاطئ المحيط الهندي. تقدّم قليلا في الماء ثم أخذ في يديه حفنة من الملح وبهذه الحركة البسيطة في ظاهرها، العميقة في رمزيتها، شجّع غاندي مواطنيه على إنهاء احتكار توزيع الملح من قِبل الاستعمار البريطاني. المؤمنون باللاعنف لهم أسوة ثانية في مانديلا وحزبه "المؤتمر الوطني" الذي تخلى نهائيا وقبل الاستقلال عن الكفاح المسلح وباشر المقاومة السلمية التي فضحت نظام الميز العنصري ونالت تعاطف العالم شرقيه وغربيه فسقط أقوي نظام في إفريقيا كما تسقط الفاكهة الفاسدة عندما تتخلى عنها مكرهة الشجرة الأم (بريطانيا) وتتحالف ضدها العوامل الخارجية (كل الدول الشرقية والغربية بما فيها أمريكا وكل المنظمات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية).
أنا أعِي بأنني أجدّف ضد التيار وضد الثقافة السائدة وضد الأنا العربي المنتفخ كالطبل لكن سلاحي الوحيد هو صدق نيتي في عرض وجهة نظري الغريبة عنكم ومن اجتهد وهو غير مختص وأصاب فله أجران وأنا يكفيني أجر واحد.
أنا لست داعية سياسي ولا داعية فكري، ولا أظنّ بروحي ولا أبخل بمهجتي لإنقاذ نفس بشرية من بطش الصهيونية وشقيقتيها الامبريالية الأمريكية والامبريالية الأوروبية ولا يدخل في حساباتي دين الضحية أو لونها أو جنسها أو موطنها، عربية أو يهودية غير صهيونية كانت أو نصرانية أو إسلامية أو بوذية أو غير مؤمنة بدين.
أنا مواطن بسيط ومفكر حر صادق مع نفسي، أطالب ذاتي بما أطالب به غيري في وطنه أو غير وطنه فلا تلبسوني عباءة غيري ولا تحمّلوني استسلام عباس والأنظمة العربية فأنا معارض سلمي لسياساتهم وضد تفريطهم في حقوق الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والأردنيين والمصريين والعراقيين والمسلمين والمسيحيين العرب واليهود العرب غير الصهيونيين.
خلاصة القول: أنا لا أدّعي أنني أملك الحقيقة كاملة بل على العكس أنا أشك في رأيي قبل أن أشك في رأي الغير خاصة عندما يكون هذا الغير أمة عربية إسلامية عظيمة وغنية بثرواتها الطبيعية وتراثها وحضارتها ومساهماتها التاريخية في التقدم العلمي، أمة تعد مليار وربع نسمة. ليس من طبعي الوثوق التام مائة بالمائة في سلامة وجهة نظري أمام قوة حجة المنطق المخالف والطاغي على الساحة الإسلامية والعربية. أنا أطرح رأيي المتواضع وفي نفس الوقت أنحني حياءً وأخفض هامتي تذلّلا لكل شهداء الاستعمار الصهيوني والامبريالي الأمريكي والأوروبي وأقول في نفسي: أيمكن أن يكون ما أطرحه ترفا فكريا وأنا ممن لم يذوقوا ويلات الاحتلال والاستيطان وهدم المنازل وحرق الأطفال بالقنابل الفوسفورية وحصار شعب بكامله وتجويعه وحرمانه من أبسط حقوق الإنسان. وأقول في الوقت نفسه: آمنت باللاعنف شريعة، ربما لأنني لم أفقد في الحروب لا أخًا ولا صديقًا ولا قريبًا ولا أصلا ولا فرعًا. رغم كل هذا الوعي بمعاناة الآخرين المعذبين، أنا مصرّ على طرح وجهة نظري الفكرية المعاكسة وثابت على الإيمان بمبدأ اللاعنف لكنني منفتح على تجاربكم وآرائكم ومستعد أن أعدّل رأيي إن اكتشفت فيه خللا نظريا ولكنني لست مسؤولا عمّن سيؤوّل كلامي خطأ. في الآخر أوجّه تحية إكبار وإجلال واحترام لشهدائنا الأبرار ولمقاتلينا الصامدين في الخنادق الأمامية، فدائيين كانوا أو جنودا مرابطين أو نساء مناضلات أو شيوخا صامدين أو أطفال حجارة أبرياء.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire