لمّا دفع إليَّ الأستاذ محمد كشكار بمخطوطة كتابه العاشر، "حدّثت جريدة
"لوموند ديبلوماتيك" قالت... (النسخة الفرنسية 2019-2023)"، طالبًا مني
تصديرَه بمقدمة هالني ما طلبه مني واستعصى عليَّ الأمر. ذلك أني منذ اِلْتَقَيْتُه وجالسته ولامست جوانب من شخصيّته تولّدت
لدي عنه صورة جردتني من الموضوعية ومسافة الأمان التي تقتضيها المهمة التي عهد بها
إليَّ. كان
اللقاء الأول بيننا كفيلا بتحويل محمد كشكار من اسم مرسوم على غلاف أحد الكتب التي
طالعتها إلى شخصية فريدة تتمازج فيها متناقضات عادة ما لا تتعايش لكنها أبَتْ إلا أن تلتقي ليكون محمد كشكار. وهذا العمل مطبوع بخصال مؤلفه
وقلّ أن أفصح كتاب عن صاحبه قدر هذا الكتاب. فهو كمثله آخذ من كل علم بطرف سيمة
المثقفين كما كان يعرفهم العرب. متطرق إلى مواضيع شتى في شغف وحرقة يذكيهما فضول
معرفي لا تخبو شعلته. مقبل على المعرفة بتواضع من خبر أعماقها وهاله أفقها
اللامتناهي فجلس بتواضع واستحياء على بابها طالبا الاستزادة منها وقد راعه كم ما
يعوزه فعدّ نفسه من الجاهلين بينما يحسبه الآخرون لوفرة ما اجتمع لديه من المعارف
من العالمين. ذاك هو
محمد كشكار وكذلك جاء كتابه عفويا لا تصنع ولا بهرج يزيفه. تلُفه بساطة من زهد في
الدنيا وسبر عبثها فلا تبهره مظاهرها ولا يكترث لتقلب أحوالها. ولم تجرده النوافذ
الذي يطل من خلالها على العالم ومدنيته من بساطة طباعه الريفية.
ومن المشارف التي يرصد منها
العالم ويتابع من خلالها بحرص ما يعتريه من نوبات جريدة لموند ديبلوماتيك الشهرية.
جريدة أدمن قراءتها ويجد متعة لا تضاهيها متعة في تصفح وتقليب نسختها الورقية.
وككل عاشق لا يفـوّت محمد كشكار عن نفسه فرصة الحديث عنها لمن حوله فترتسم على
سرائره البهجة كلما صادفه من يقاسمه شغفه. ولعل شغفنا المشترك بهذه
الجريدة من الأسباب التي دفعته لتكليفي بصياغة هذه المقدمة. والأرجح أن الكتاب في
حد ذاته جاء متنفسا لحالة العشق ورغبة استبدت بصاحبها في تقاسمها معنا.
وعلى امتداد سنوات ومن خلال مقالات ومواضيع منتقاة يطوف
بنا محمد كشكار في ثنايا المعرفة منتقلا في رشاقة فكرية بين مجالاتها. فصول تخوض
في شتى المحاور من علوم صحيحة وتطبيقية ومواضيع فلسفية واجتماعية وجيوستراتيحية.
ولا تخلو كل محطة من أن يُعمِل فيها الرأي ويداخلها بتعليق.
ملاحظات يسوقها بعفويته المعهودة دون ادّعاء ولا مواربة
لقناعاته الفكرية ومرجعياته الإيديولوجية، جاعلا منها على حدّ تعبير التوحيدي قول
على قول آخر. وصاحبنا لا يدّعي الحياد ولا يلتزم به ولا يعرف له سبيلا بل لعله يعدّه
تخاذلا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن قناعاته الراسخة. قناعات لازمته لعقود فتحولت
من مبادئ عامة إلى سلّم قِيَم يستمدّ منها معنى لحياته. وتحدّد نقاط التقائه وتمايزه
مع ما يحيط به. وعلى
القارئ ألا يتفاجأ بمواقف صاحبنا المحسومة والقاطعة كلما تعلّق الأمر بقضايا
الحقوق والحريات ومناهضة الاستغلال والرأسمالية. ولعله يستدعي بدوره القارئ إلى
الخوض في المسائل المطروحة ويحثه على التدبّر. وكم نحن في حاجة إلى إعمال الفكر في
زمن أصبح فيه الفكر والمعرفة قوالب جاهزة للاستعمال.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire