جمنة
وفخ العولمة
(Supprimer l`article de
lakdhar lahdiri dans la prochaine édition)
د. محمد كشكار مواطن العالم، أصيل جمنة ولادة وتربية
جمنة
وفخ العولمة
فهرس الكتاب
الجزء الأول: في فن العيش قديما
جمنة الخمسينيات نموذجا؟..............8
لماذا
أكتب؟.....................................................................11
مقدمة...........................................................................13
جمنة الخمسينيات والتربية الحديثة............................................17
جمنة الخمسينيات
والطب
النفسي الحديث....................................24
جمنة الخمسينيات
والتنمية
المستدامة.........................................28
مفهوم الجودة: جمنة
نموذجا؟.................................................32
جمنة الخمسينيات
وحفظ الأمانة..............................................37
جمنة الخمسينيات
والجيرة
الطيبة.............................................39
جمنة الخمسينيات
والقلوب
الرحيمة...........................................42
جمنة الخمسينيات، أمهات نموذجيات........................................44
جمنة الخمسينات،
الضريرة
المستنيرة........................................47
جمنة الخمسينيات تركت أثرا واضحا في تربيتي............................52
أثرٌ على الأثرِ (رؤوف
ساسي)..............................................60
وللأطفال نصيبٌ في هذا الكتاب
(التوهامي الشايب)........................70
الجزء الثاني: جمنة والثورة..................................................80
في العاصمة أُسقِطَ مخلوعٌ وفي
جمنة مخلوعانْ!............................84
هكذا تكون لجنة حماية ودعم الثورة أو لا تكون؟............................88
مهام وأهداف "جمعية حماية
واحات جمنة" كما أفهمها شخصيا؟...........91
أهدأ وأسلم وأجمل وقفة
احتجاجية............................................93
"جمعية حماية واحات جمنة" وحماية التنوع
البيولوجي....................95
"المنتزه البيئي بجمنة"
(من وحي الخيال الكشكاري).......................97
حوار حول تجربة جمنة مع الأستاذ طاهر الطاهري
(محمد المثلوثي)....100
كومونة جمنه (طاهر
الطاهري)............................................107
هنشير "المعمر (لخضر لحضيري)
à supprimer dans la
prochaine édition........................................119
المصلحة العامّة قبل الربح الخاصّ (غسان بن
خليفة).....................124
الجزء الأول:
في فن العيش قديما
جمنة الخمسينيات نموذجا؟
إهداء الجزء الأول من هذا الكتاب
إلى روحَي
الفقيدين الساسي بن عمّار وبلڤاسم العريبي
رافقتهما أطفالا
وصادقتهما شبابَا
وفي كهولتي تركاني
وحيدا وغابَا
ما مات مَن
أحَبّ الناس دون تمييزْ
سيظل ذكرهما
في قلبى عزيزْ
أشكر
أصدقائي الجمنين الثلاثة
الخطّاط عمر الجمني على تصميم الغلاف، والأستاذ
عفيف ساسي والدكتور عليّه عليّه على مراجعة النص.
لماذا أكتب؟
إيمانًا
منّي بحرية المعتقد والضمير فإن كل ما كتبته وما سأكتبه إن شاء الله هو تعبيرٌ
نابعٌ من نفسٍ حائرةٍ تطمح إلى الجديدِ المفيدِ وغير المفيدِ أو تحاول أن تتجنب كل
تقليدٍ بليدٍ، فأنا لا أكتب إلا لأنسيها مرارة انتظار الساعة، ولا أكتب إلا ما
أعتقده صدقا خطأ كان أو صوابَا، ولذلك تأتي كتاباتي مرآة نقية تعكس شخصية مضطربة
اضطراب عصرها، شخصية تأبى أن تتقيد بقيود الماضي أو الحاضر أو أن تلبس حُلّةً غير
حُلّتِها.
"الكاتب ليشتنبارغ وصف كتابات
يعقوب بوهام بأنها نوع من رميٍ للكلمات وترك القاريء يضع لها المعاني" (في
كتاب محمد المزوغي "نيتشه والفلسفة"، 2010).
أما
أنا فأرمي الإشكاليات وأترك القاريء يبحث لها عن أجوبة. أحدد الخورَ وأترك القاريء
يجد له بديلاً. أطرح وجهة نظري ولا أهدف من ورائها إلى إقناع القاريء بالحججِ
والبراهينَ وليست لي الرغبة بتاتاً في السطو على وجهة نظره. أكتب لنفسي وأترك
القاريء يقرأ لنفسه والأفضل ما سأقوله على لسان نجيب محفوظ (1994): "أكتب لجمهور مَّا من خلال إرضاء ذاتي أولا، لا
سعيًا للجمهور بأي ثمن وأقدم خير ما عندي بخير ما أملك من قُدرة وإتقان...
فالجمهور هو الذي يعطي شهادة وجود للكاتب، وهو الذي يحدد قيمته"، وفي هذا
الكتاب بالذات أكتب عن طفولتي في مسقط رأسي جمنة (وتحديدا أحكي على شخوص عاشت معي
في الخمسينيات في زنڤة حادة في حي الحمادة، ينتمون إلى عائلات ثمانية بالضبط) وأترك
القاريء يتخيل طفولته في مسقط رأسه.
طَالَ
البعَاد (عبد العزيز جويدة)
طِالَ البعادُ وقلبي ليسَ يَحتَمـِلُ
ما عادَ لي في الهَوَى مِن بُعْدِكُمْ أَمَلُ
لَمٍ يَبقَ لي هاهُنا مِن بَعْدِكُمْ إلا ..
طَيْفٌ جَميلٌ بِهِ عَينايَ تَكْتَحِلُ
ذِكرَياتٌ إذا مَرَّتْ بِخاطِرَتي .. و
هَزَّتْ كِياني ، كَأنَّ الأرضَ تَنْفَعِلُ
وَنَسْمَةٌ حُلْوَةٌ تَأتي بِرائحَةٍ
مِنَ الرُّبوعِ تُذَكِّرُني بِمَنْ رَحَلوا
لَنْ تَستطيعَ سِنينُ البُعْدِ تَمنَعُنا
إنَّ القُلوبَ بِرَغْمِ البُعدِ تَتَّصِلُ
لا القَلبُ يَنسَى حَبيبًا كَانَ يَعْشَقُهُ
ولا النُّجومُ عَنِ الأفْلاكِ تَنْفَصِلُ
كُلُّ القَصَائِدِ قَدْ تَحكِي حِكايَتَنا
أنَا مَا أَضَفْتُ جَدِيدًا لِلذي فَعَلُوا
لَكِنَّ صِدْقي سَيَبْقَى العُمْرَ يَغْفِرُ لِي
بَاقٍ أُحِبُّ إلَى أَنْ يَفرغَ الأجَلُ
مقدمة
الله يرحم
أبا تمام:
نقلْ فؤادكَ
حيثُ شئتَ من الهوى ... ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ
كمْ مـنزل في
الأرضِ يـــألفه الفتى ... وحـــنـــيـــنـــُه أـبــــداً
لأولِ منزلِ
يسعدني أن يكون الجزء الذي ساهمت به في تأليف هذا الكتاب
حول جمنة بمثابة سيرة ذاتية وغير ذاتية وموضوعية وغير موضوعية في الوقت نفسه لأن
الفرد يبقى ابن بيئته عاطفيا وتربويًّا مهما حاول التموقع خارجها أنتروبولوجيًّا
(دراسة ثقافة الإنسان) وإبستمولوجيًّا (دراسة المعرفة) كما فعلتُ في المحور الأول
من هذا المؤَلَّف المعنوَن "فن العيش
في جمنة الخمسينات". هي نظرة بَعدية لفترة حياتي
بجمنة وليست سردا لقصة حياتي الخاصة، وهي تؤرخ لجيلي أو لجزء منه، مواليد الخمسينيات
تحديدا. ومن هذا المنظور
فأبطال القصص القصيرة في هذا الكتاب (أنا، أمي، أختي، جاري، حافظ الأمانة، أعضاء "جمعية حماية واحات جمنة")، يصبحون لا أهمية
لهم في حد ذاتهم، وإنما تكمن أهميتهم في مدى ما تلقيه من ضوء على تحول جمنة المادي
والحضاري. جمنة هنا هي بمثابة الشجرة التي تكشف عن عالم، عالم احتله وحش العولمة
الرأسمالية واغتال فيه الإنسان ودمر قِيَمَه وبِيئَتَه. لذلك استبعدتُ كل الوقائع
والتفاصيل التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتطوري الفكري الشخصي. ولذا
فالكتاب سيرة غير ذاتية.
ومع
هذا فالكتاب يتعرض لحياتي أنا، فأنا الذي عشت قصصه وعايشت أبطاله فردا فردا، وطرحت
ما طرحت من نقد وتساؤلات وإشكاليات حول جمنة، واستوعبت ما استوعبت من دروس من
"جامعة جمنة المفتوحة". فإذا كان هذا الكتاب سيرة غير ذاتية، فهو أيضا
سيرة ذاتية، سيرة مواطن جمني تجاور في فضاء حياته وتفاعل العالَمي بالجمني والعام
بالخاص.
جمنة
قرية جميلة مزروعة في الجنوب الغربي التونسي. أعشقها. ولِدتُ فيها سنة
1952. أول هواء ملأ رئتيَّ الصغيرتين هواؤها، وأول أرض وطئتها قدميَّ
أدِيمُها، وأول قطرة روت عَطَشِي زُلالُها من "العين الجديدة"، وأول
شجرٍ أظلني من حر الشمس ظلُّ نخيلها. لهوتُ في أزقتها وجبتُ واحاتها في القائلة
"الصنڤارية"، شبعتُ من ثمارها وتمرغتُ في ترابها وكبرتُ تحت شمسها، حفظتُ
جزء "عمّ" في كُتّابها وزرتُ زواياها وتبرّكتُ بأوليائها، وأول حرف
كتبتُه كان في مدرستها. تنشقتُ عطرها وتحمّمتُ بتراثها وتنشفتُ بنورها وما زالت
تلاوة البردة في الجامع القديم ترن في أذني وتسكن قلبي حتى الآن. قرية تتمتع
تقريبا بمرافق المدن العصرية، لم تلوّثها المدنية بسلبياتها وما زالت تحافظ على
أخلاق الريف الأصيلة من جيرة طيبة وكرم وصدق ووفاء وعدم رياء، يتميز أهلها بالتزاور والتكافل والتحابب وعدم التكبّر
والبساطة في الملبس والمأكل والمسكن، وبحول الله
سيواصلون نبذ القبلية والعروشية والعصبية الحزبية والإيديولوجية ويحافظون
على قيم التسامح في العلاقات البشرية ويرحبون بالضيف ولا يقصون الآخر مهما كان هذا
الآخر متطرّفا يمينا أو شمالا.
إنه حبٌّ
وجوديٌّ خاص، حبٌّ ربطني بمسقط رأسي جمنة من خلال علاقة حميمة عمودية رفيعة
وذاتية، متميزة بيني وبينها ولوحدنا فقط. قرية ناسها أبرار وحتى مجانينها عقلاء
(الساسي بِنِحْمِدْ، نموذجا)، أما نساؤها فهن على قدر عزيمة رجالها أو أكثر. هي
الأم والموطن والوطن وهي التاريخ والهوية. مَن خانها فكأنما خان وطنه ومَن شتمها
فكأنما نفسه شتم ومَن مجّدها فله ثواب في الدنيا والآخرة. تقرأ تراثها فلا تجد فيه
إلا المآثر. كل ما فيها، على وجه من الوجوه رائع. فيها الفقر والغِنى، والحب
والإيمان، والبِرّ والإحسان، والتوادُد والتضامن، و التسامح والكبرياء، والقناعة والعفة
وفيها أيضا يتعايش بسلام المحافظ والمتحرر، والجمني يبقى في داخله جمني مهما يسَّر
(اليسار) أو يمَّن (اليمين). يَفنى في حبها ولا يبالي، الرجل والمرأة، الطفل
والشيخ، الفتى والكهل. حب عارم. وقد يظن مَن لا يعرفها من القرّاء أنني في رسمها
أجامل، فيكون ظنه كبعض الظن إثما. كاتبكم من أحباء الحياة فهو بالضرورة من عشاق
جمنة. عندما أزورها أستغني عن البصر والبصيرة فتقودني في أزقتها وحدها ذكرياتُ
الشباب والطفولة. منذ سنة 1990، حملتُ حبّ جمنة وانتقلتُ بحملي
للاستقرار نهائيا بحمام الشط.. "والحب إذا بَعُدْ لا يمكن أن يَمْحُه أحَدْ.
لكن عذاب الفراق جعلني أقرّر وأصبر. والصبر دواء، تعلمتُ أن أتجرّع هذا الدواء في
كل الأوقات، وكنتُ أشفَى! سوف أقولها وأرددها بعد الحياة: حَبِلْتُ بحبك مُذ نَزَلْتُ
ولم أضَعْهُ حتى رَحَلْتُ" (من وحي عبد الرحمان منيف، شرق المتوسط، 1993).
جمنة الخمسينيات تعطي درسا في التربية الحديثة
لماذا
نركِّز في تعليمنا على تنمية الذكاء الذهني فقط (رياضيات، آداب، هندسة، تاريخ،
إلخ) ونُهمل أنواع الذكاء الأخرى المرتبطة بباقي أعضاء الجسم (الحِرف اليدوية،
الرسم، الرقص، الموسيقى، الفلاحة، التمريض، المسرح، الطبخ، التعلم من اللعب بكل
حرية مع الأقران، إلخ) وكأن ”الجسم لا يعدو أن يكون إلا مجرد وسيلة نقلٍ للمخ“.
في قرية جمنة تحديدا،
علمتني بيئة الخمسينيات ما يلي:
-
تعلّمتُ نطق اللغة العربية الفصحى عن طريق حفظ جزء
"عَمَّ" من القرآن الكريم في الكُتّاب الوحيد بالقرية.
-
تعلّمتُ عن طريق اللعب مع الأقران دون رقيب كهل. كنا
نصنع لعبنا بأنفسنا. كنا نُمسرِح عاداتنا في عاشوراء (جمل عشوراء). كنا نسهر ليلا
وننصت لرواة حكايات التراث الخيالية، كنا نصدقها وكانت تستهوينا. كنا ننوّع وسائل
لهونا حسب الفصول (خُوطَة، غُمِّيضَة، بِيسْ، مَشَّاية عند نزول المطر، دِرْڤِيلة،
كَرُّوسة، بالُّون ابرِيزُونييه، إلخ).
-
تعلّمتُ فلاحة الأرض وأنا تلميذ في سن 14، قلبت الأرض
وسقيت وزرعت وتسلقت النخيل وقطعـت
العراجين و جنيت التمور.
-
تعلّمتُ تربية الماعز من تشييع وحلب وتغذية.
-
تعلّمتُ الرقص دون خجل على نغمات الحضرة العيساوية.
-
تعلّمتُ صيد العصافير بواسطة مصيَدة من صنع أناملنا
الصغيرة (أعترف أنني لم أكن بارعا في هذا المجال المعادي لحرية الحيوانات البرية).
-
تعلّمتُ الاعتماد على النفس وفي عمر 12 سنة سافرتُ إلى
ڤابس للدراسة دون مرافقة الولي.
-
تعلّمتُ وتحمّلتُ مشقّة العمل اليدوي وعملتُ 12 ساعة
"مرمّة" في اليوم وأنا تلميذ في سن 14 تحت شمس الجنوب التونسي الحارقة
في عطلة الصيف.
-
تعلّمتُ التكفل بمصاريف عائلتي أثناء العطل المدرسية
وأنا في سن 14 ولم أركن إلى الراحة واللهو مثل أترابي.
وفي المقابل ماذا تعلم بيئة اليوم
وفي مدن وقرى تونس:
-
تُعلِّمُ الذهاب يوميا إلى الروضة أو المدرسة أو إلى حصص
المراجعة الخاصة حيث يُستهان بالذكاء التجريبي والجسماني وتُقمع المبادرة الفردية
ويُركّز على الذكاء الذهني وكأن لا وجود لذكاء غيره. لا يتعلم أطفالنا الأعمال
يدوية ولا الرقص ولا النحت ولا الرسم ولا المسرح ولا الموسيقى ولا الطبخ ولا
الخياطة، باختصار لا توجد حياة طبيعية حرة في الروضة ولا في المدرسة.
-
تُعلِّمُ الكسل البدني: لا تسلية في الدار سوى تسلية
المخ بالألعاب الافتراضية أما الجسم فلا عمل له سوى نقل سيده المخ من البيت إلى
المدرسة أو في بعض الأحيان إلى مدينة ألعاب جامدة رغم حركتها الأوتوماتيكية
المبرمجة سلفا لك ولغيرك.
يقول
"بياجي"، عالِم معرفة نمو الطفل السويسري (Épistémologue
génétique de l’enfant، Suisse)،
في مقاربته "البنائية" (Le constructivisme) في اكتساب المعرفة لدى الطفل، أن الطفل يتملك المعرفة عندما
يتفاعل مع محيطه المادي. ويقول "فيڤوتسكي" عالِم البيداغوجيا الروسي،
حسب مقاربته "البنائية الاجتماعية" ( Le
socioconstructivisme
)، أن عامل التفاعل مع المحيط المادي غير كافٍ لاكتساب المعرفة، لذلك يضيف عاملا
ثانيا يتمثل في التفاعل البشري مع الآخرين، أقرانًا وبالغين. أما العالمة
ِالإيطالية ماريا مونتيسوري فتقول: "يجب تهيئة وسط خاص يُوضع فيه الطفل مع
السماح له بالتفاعل مع محيطه التربوي المجهّز بأدوات التعلم المونتيسورية وتحريره
من وصاية المربي حتى يتمكن من التعلم الذاتي (Le maître doit
observer et non juger).
سكان قرية "جمنة
الخمسينات" لم يقرؤوا بيداغوجيا "مونتيسوري" (ساعدني على أن أفعل
وأكتشف بنفسي) ولا بنائية "بياجي" (اتركني أعرف وأكتشف بنفسي) ولا
سوسيوبنائية "فيڤوتسكي" (قدم لي معرفة أعلى قليلا من مستوايَ لكي أعرف
وأكتشف بنفسي) ولا يعرفون شيئا عن نظريات علوم التربية الحديثة ورغم غياب معرفة
النظريات طبق أهالي جمنة ما جاء فيها أحسن تطبيق دون الادعاء الواعي بتملك النظرية
البيداغوجية العلمية: كنا أبناء حي واحد، أطفالا ذكورا صغارا لم نتجاوز سنّ
السادسة. نغادر بيوتنا صباحا دون مرافق كهل. نتجمع بكل حرية في مكان فسيح غير بعيد
عن أهالينا. بستان فيه نخل وظل دون زرع. نبقى فيه بالساعات، نلعب و نلهو كما يحلو
لنا دون رقيب كهل. نتشاجر بعض الأحيان لكن سرعان ما نتصالح لكي يستمر اللعب. نصنع
لعبنا بأنفسنا من معلبات "السردين" ومعلبات معجون الطماطم، نصنع سيارات
وشاحنات مصغرة تنقل الرمل وتفرغه آليا. نتقمص أدوارا متنوعة بالتداول، البائع
والشاري، السارق والحرس، الأب والابن، إلخ. لباسُنا خفيف وأقدامنا حافية وأرضنا
حنون ومناخنا حار. لُمجتنا تنزل دون سابق إعلام من السماء تَمْرًا أخضرَ أو أصفرَ
أو "نرمي من كان عن الأحقاد مرتفعا فتساقط علينا رطبا جنيا" وعندما نجوع
فعلا، نعود إلى ديارنا فنجد أمًّا حنونا في انتظارنا، أمٌّ لا تلومنا ولا تنهرنا
بل تقدم لنا ما جَنَتْ وطَحَنَتْ وطبخت بأيديها الربانيتين، وجبة بيولوجية صحية
خالية من الأغذية المصنعة المغشوشة باهظة الثمن. في المساء، نُعيد الكرّة مع تغيير
"وضعيات التعلم" التي نختارها بأنفسنا مثل صيد الطيور أو الجري وراء
إطار حديدي لعجلة دراجة أو القفز داخل مربعات أو الاحتفاء بسحابة أمطرت في غير
موضعها.
بعد مرور أربعين عاما
على هذا الزمن الطفولي الجمني الجميل،
درستُ علوم تربية في جامعة كلود برنار بفرنسا، فعرفتُ أن هذه الطريقة
الجمنية (وفي جل قرى تونس) في اكتساب المعرفة والمهارات والكفاءات تُسمى
بـ"الفِقْهِ" البنائية الاجتماعية.
في جمنة الخمسينيات، أخذونا صغارا للكتّاب أو "الخلوة"
لتعلم القرآن الكريم في الجامع الكبير. كان الفناء مظلما في النهار والمؤدب جالس
وعصاه تتنقل فوق رؤوسنا برأفة وحنان. نردّد وراءه لساعات ما ينشد من كلام حلو
وموزون. نحفظه عن ظهر قلب دون شرح أو تفسير ونستوعب حسن نطقه وبلاغته ونطرب
لموسيقاه. عرفت بعد خمسين سنة أن هذا النوع من التلقين يسمى: "حمّاما
لغويا" (Bain
de langue)، هذا الحمّام يطهّرك من
الداخل ويغمرك بالمفاهيم ويكسبك في مرحلة الاستيعاب زادا لغويا ثمينا ونطقا سليما
تستثمره في مرحلة الفهم في شرح وتفسير أي أثر مكتوب، قرآنا كان أو نثرا أو شعرا.
في التسعينات هبّت
علينا ريح التحضر والتمدن ويا ليتها ما هبّت! تمدُّنٌ مشوهٌ، انبطحنا لها دون
مقاومة وفتحنا دكاكين، تبيع تربية مشوهة للملائكة، تربية ليست علمية وليست
تقليدية، سميناها رياضا للأطفال وسجنَّا فيها
فلذات أكبادنا داخل فضاء ضيق وحَرمناهم متعة حرية اللعب والتعلم مجانا في مساحات
شاسعة. هل صادفتَ في حياتك مَن يغش أو يتاجر بالملائكة؟ وهل مُغتصِب حرية طيور
الجنة سوف يدخل يا تُرى الجنة؟ تخلى الأولياء عن دورهم التربوي وأوكلوه لـمربين
غير مختصين في التربية، منشطون انقطعوا
مبكرا عن مواصلة تعليمهم العالي أو فيهم مَن ينتظر وظيفة عمومية، كلهم يتقاضون
أجورا زهيدة، فهم إذن ناقمون على أنفسهم وعلى ظروف عملهم، يصبّون جامَ نقمتهم على
أبرياء رضّع أو أكبر قليلا. لا يعلّمونهم شيئا ولا يتركونهم يتعلمون بأنفسهم أو
بمعية أترابهم. يفرضون عليهم نوعا من الانضباط المحبِط للإبداع ليتجنبوا حركيتهم
التلقائية. قتلوا فيهم الخلق والتخيل وزرعوا في قلوبهم الخوف والجبن والامتثال
للأوامر حتى ولو كانت نابعة من ظالم. يعلّمونهم لغة ركيكة فلا يستوعبها الأطفال في
صغرهم ولن تنفعهم في كبرهم. يجهّزون روضاتهم بالرديء والرخيص والمضرّ صحّيا من
اللعب والأدوات المدرسية ويطعمونهم وجبة غير متوازنة، مطهوّة على نار الربح
الحرام. يدرّسون البرنامج الدراسي الرسمي للسنة الأولى أساسي وهم يظنون أنهم
أحسنوا فعلا وقد صح عليهم قول "يفعل المربي غير المختص بتلامذته ما يفعل
العدو بعدوه". في حمام الشط، أردتُ مرة مكرها (كانت زوجتي حينها تعمل 14 ساعة
في اليوم، تقضيها بين المهنة وشؤون البيت) ترسيم ابني في روضة، سألتُ المروضة وما
أوحش هذه الصفة التي توحي بترويض الوحوش في "السرك"، سألتها: هل تلقنون
قرآنا؟ هل تتركون الأولاد يلعبون بحرية؟ أجابتني بالنفي بكل فخر واعتزاز دون أن
تدري أنها تتبرأ من تراثها وثقافتها ودينها. أبشّركم أنه من حسن حظنا ومن محاسن
التخلف الاقتصادي في تونس أن الروضات لم تنجح ولم تتكاثر حتى الآن وهي لا تستوعب
إلا القليل من أبنائنا.
ملاحظة بيداغوجية موجهة لأقراني مواليد الخمسينيات من سكان مسقط رأسي قرية
جمنة بولاية ڤبلي وسكان جميع الأرياف التونسية:
تتلخص نظرية مونتيسوري في
تربية الأطفال قبل الست سنوات في الشعار التالي على لسان الطفل: "ساعدني على التعلم
بنفسي" (“Aide-moi à faire seul”) ونحن أطفال جمنة لم ننتظر اكتشاف النظريات التربوية الحديثة
وطبقنا منذ أجيال - بطريقة عفوية مكتسبة وموروثة ثقافيا - شعارا قد يكون أفضل
تربويا من شعار مونتيسوري وهو التالي: "اتركني أتعلم بنفسي". بمفردنا ودون رقيب كهل مختص أو غير مختص، كنا
نصنع لُعبنا بأيدينا ونتعلم منها ومن المحيط والأقران. عندما أقول "طبقنا
شعارا قد يكون تربويا أفضل"، أنا أعي ما أقول، قلت "تربويا أفضل"
ولم أقل "علميا أفضل" ولهذا انقرضت تقريبا طريقتنا التربوية التقليدية
من جمنة وعوضتها رَوضات أطفال "حداثية". كادت تجربتنا أن تكون علمية
صِرفة لو صاحبتها عينُ رقيبٍ عالِمٍ ميداني (La recherche-action)، عينٌ مسندة بعقل، عقلٌ
يلاحظ ويسجّل ويدوّن ويطوّر طريقتنا في التعلم الذاتي ويستنتج ويقارن وينشر
فربما قد نكون سبقنا علماء الغرب من أمثال مونتيسوري وفيڤوتسكي وبياجي واكتشفنا
"نظرية التعلم البنائي الذاتي" قبلهم جميعا.
خلاصة القول
أنا لا أدعو لرفض
العلم الحديث بل أدعو إلى إحياء عاداتنا الجيدة وإعادة صقلها من جديد وغربلة
تراثنا علّنا نجد فيه ما يتلاءم مع التطور الحقيقي لا المزيف. لم يأت عِلم الغرب
من فراغ أو نزل من السماء ولم يكتشفه العلماء صدفة بل صنعوه بعقولهم وتجاربهم حسب
حاجتهم ووفق ثقافتهم وتراثهم ودينهم فأصابوا وأخطأوا فتعلموا. توصّل
"بياجي" إلى نظريته "البنائية" عبر دراسة نمو أبنائه
البيولوجيين وتوصّل "فيڤوتسكي" إلى "البنائية الاجتماعية" بعد
تجارب عديدة في المدرسة السوفياتية، أما الطبيبة ماريا مونتيسوري فقد أسست نظريتها
البيداغوجية النشيطة للأطفال العاديين بعد دراسات ميدانية أجرتها على ومع الأطفال
المعاقين ذهنيا.
هُبّوا أيها التونسيون
وتعالوا نفعل مثلهم وننفض التراب عن تراثنا وتقاليدنا لنحيِّنها ونطوّرها ونستنبط
منها نظريات في التربية السليمة تتناسب مع واقعنا الاقتصادي ومبادئنا وتتلاءم مع
مناخنا الاجتماعي والطبيعي ولا تتناقض مع ديننا أو تراثنا. دومًا نتعلّم منك يا
جمنة ونحن أصغر من أن نُعلّمك !
جمنة الخمسينيات تعطي درسا في الطب النفسي الحديث:
"الساسي بِنِحْمِدْ"
قرية
جمنة سبقتْ دولة إيطاليا في احتضان مختلِّيها العقليين وتركتهم أحرارا خارج أسوار
المستشفات النفسية (مثل مستشفى الرازي بتونس) وكذلك فعلت كل قرى الريف التونسي.
حدث في إيطاليا سنة 1970:
أغلِق
المستشفى النفسي في ترياست (Trieste)
في أوائل السبعينات من قِبل الدكتور فرانكو بازاڤليا (Franco Basaglia،
1924-1980) أين كان يقيم 1200 "مجنون" ولم تنقرض المستشفات
النفسية في إيطاليا إلا في أواسط التسعينات . ولِد بازاڤليا بطل الطب النفسي
البديل بمدينة البندقية (Venise) وجرّب الإقامة
كـ"مريض" في هذه المستشفيات طيلة شهور بسبب قربه من مجموعة تناضل ضد
الفاشية. تأثر بـنقد ميشال فوكو وفرانز فانون للمؤسسات الاستعمارية. كانت
المستشفات النفسية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية تأوي أكثر من 100 ألف
شخص.
حدث في جمنة الستينات:
مَن
هو "الساسي بن أحمد"؟ هو مواطن عادي يقطن قرية "جمنة"
بالجنوب الغربي التونسي
وهو فنّان بالمعنى الحَرفي للكلمة. تربّع
على عرش الشهرة في قريتنا بلا منافس على مدى نصف قرن. يعشقه كل السكان، الصغار قبل
الكبار. اتحدت في حبه كل "العروش" (القبائل) وكل الأحياء السكنية من
"الحمادة" إلى "الصور". كان يقوم بمفرده بما تقوم به بلدية
جمنة الحالية بجيشها البيروقراطي وآلياتها المتواضعة. شخص يساوي بمؤهلاته مؤسسة
البلدية أو يفوقها في بعض المهمات لكنه لا يكلف المواطن سوى بعض القطع النقدية
الزهيدة، يتبرع بها بعض سكان البلدة في بعض المناسبات. كان يفوق العمدة ورئيس
البلدية في التعرف على جميع متساكني القرية، اسما ولقبا، شابا وكهلا. يتعرف عليهم
بسرعة ولا تعيقه العتمة في تسميتهم. يغني
بإتقان فريد الأطرش وعبد الوهاب وأسمهان وغيرهم. لا تفارق ثغره البسمة
والضحكة المجلجلة في بعض الأحيان. مُعْدِي في سعادته. قمحي البشرة، جميل المحيَّ،
ممشوق القوام، رياضي العضلات، خفيف اللباس صيفا شتاء. ينطق حِكما، لا يشتم ولا يسب
ولا يظلم أبدا. لا يبيع ولا يشتري. مؤنِسٌ في صمته وفي هذيانه. أظن أنه لا يصلي.
إيمانه سِرٌّ بينه وبين خالقه يعاقبه إن شاء أو يسامحه كما يتمنى كل جمني. يشتغل
ليلا نهارا في تنظيف الطرقات والساحات.
من
لا يعرف "الساسي" يظن أنني أبالغ في مدحه ومن عرفه وعاشره يتهمني بأني
مُقَصِّرٌ في حقه.
من
أي جامعة غربية تخرّج هذا المواطن المهذب والفنان يا ترى؟ و مَن عساه يكون؟ عُمدة
البلدة أو مدير المعهد أو عَيْنٌ من أعيان البلاد أو مصلح اجتماعي أو فلاح كبير ومَن لا يصلي لا يمكن أن يكون إماما.
إذا
أخذنا بتعريفات العلوم الغربية الحديثة نستطيع أن نصنّف "الساسي بن
احمد" كمختل عقليا. وإذا طبقنا نصائح الأطباء النفسانيين الأفاضل فسوف نعزله
في مصحة الأمراض النفسية. هو "مهبول" أو "درويش" القرية
بالمعنى الدارج للكلمة لكنه أيضا حكيم القرية: يروي الساسي حكاية طريفة مثل حكايات
سليمان العليم بلغة الحيوان ويقول: هاجم قط يوما قطتي. دافعت عن نفسها بشراسة
وكبرياء. وبين الجولة والجولة كانت تلتفت لي وتقول: "اعْجِبتكشِي يا
خالْ". ويُروى عنه أنه ذات يوم رمَوه الصغار بحجر. تعرّف على أحدهم. وفي الغد
قصد حوش أهله، توقف أمام الباب ثم نادى بأعلى صوته. خرج الجدّ مستفسرا. صفعه
الساسي وقال له: "اضْرِبْ الكِبيرْ يِستِحِي الصْغير"، حكمة يتداولها
الجمنين إلى يوم الناس هذا.
نحن
أولاد بلده "جمنة" لم نصنّفه كمختل أو معتوه ولم نحاكمه ولم نحكم لصالحه
ولا ضده ولم نعزله في أي مكان بل رحبنا به يعيش حرا طليقا بيننا. نكنّ له كل
الاحترام والمحبة والمعاملة بالمثل مثله
مثل أي مواطن "جمني".
لو
دخل مصحة نفسية لَسَمَّمَ الأطباء جسمه بالمهدئات ولَجعلوا منه جسمًا بلا روح،
جسمٌ ينتظر الموت. نحن "الجمنين" أعطيناه أهلاً وأملاً. تحمل تطوُّعًا
مسؤولية نظافة قريتنا. ملأنا حياته حيوية ونشاطا فغمرنا هو بمزاياه ونظّف شوارعنا
وجامعنا الوحيد. أسعدنا بإشعاعه وأعجبنا كبرياؤه. عاش ومات بيننا كالسمكة في الماء
فأقمنا له جنازة لا تضاهيها جنازة في المهابة والحزن والحضور.
هذه
سلوكاتنا وهذه تقاليدنا الوطنية الصادقة، لم نقرأها في كتاب ولم نستوردها من اليابان ولا من الغرب بل على العكس
ندعوهم هم للتعلم من ثقافتنا والنهل من قِيمِنا الإنسانية. أخيرا تفطن علماؤهم
النفسانيون لانعدام الفائدة الصحية من عزل المختلين عقليا في مصحة نفسية وشرعوا في
إطلاق سراح جميع المعتقلين فيها مثل ما فعلنا نحن قبلهم مع "الساسي".
وددتُ
لو قام باحثونا وعلماؤنا بدراسة وتعميق ثقافتنا الوطنية عِوض تقليد الغرب وإعادة
إنتاج ما أبدعه بصورة مشوهة. لو فعلوها لأعطوا دروسا في الطب النفسي الحديث
ولَفازوا بجائزة نوبل للطب النفسي.
تَعُجُّ
رفوف مكتباتنا الجامعية بأطروحات في كل الميادين من علوم صحيحة إلى علوم إنسانية
لكن لا يقرؤها أحد، والناس مُحقّون في عدم الاطلاع عليها. كلها للأسف نسخٌ باهتة
لإبداعات علماء الغرب المنتجين للعلم والمعرفة.
لو
أن أحدَ علمائنا قام ببحث حول "الساسي بن احمد" والبيئة
الاجتماعية-الصحية التي عاش فيها لأنتج نظرية جديدة في العلاج النفسي ولَأسَّسَ
علما قد يُدرّس في أرقى الجامعات الأمريكية ولَهاجَر علماؤهم وقدِموا إلى
"جمنة" وأقاموا فيها مؤتمرات علمية، وقديمًا قِيل "يوجد في النهر
ما لا يوجد في البحر".
جمنة الخمسينيات تعطي درسا في التنمية المستدامة: النظام الغذائي
البيولوجي الجمني نموذجا
في
الستينات وفي قريتنا، لا يوجد جزّار ولا بائع خضر ولا دكان مرطبات ولا طبيب ولا
صيدلية ولا مركز حرس ولا بلدية ولا مغازات لبيع الآلات الكهربائية المنزلية. في
قريتنا بشرٌ وفراشات وقطط وماعز وورد ونخل وزيتون ورمان وهواء نقي وشمس ساطعة
وعمدة اسمه الشيخ ابراهيم، تتمثل مهمة هذا الأخير في التوفيق بين الناس وسَتر عوراتهم والذَود عن
أعراضهم وليس الوشاية بهم لدى السلطة البعيدة في معتمدية قبلي (15كلم). في قريتنا
بيوت آمنة مفتوحة على الدوام وقلوب صافية لا تعرف العنصرية ولا التكبر، ترحّب
بالجار والضيف والبعيد والقريب.
نساؤنا
نساء ورجالنا رجال، يعمل الاثنان جنبا إلى جنب في الحقل والبيت دون تفرقة في الجنس
والحقوق والواجبات. يكفل الجار أيتام جاره وقد يعوض أباهم في الحنان والمسؤولية
والجارة تضاهي الأم في الرقة والحب مع أولاد وبنات جارتها. أطفالنا يحترمون الكبير
وشيوخنا يربّون الصغير. بلادنا يا ناس من أجمل وأروع البلدان. كلمة جزار كلمة
مكروهة في الأخلاقيات البيولوجية وكلمة حرس مكروهة في الأخلاقيات الريفية لاقتران
الأولى بذبح الحيوانات والثانية بالسلطة المفروضة من الخارج. تنتج كل عائلة جمنية
تقريبا كل حاجتها الغذائية أو تأخذها من الجار إعارة أو هِبة. لا نربي خرفانا ولا
أبقارا لأنها تأكل كثيرا وتشرب كثيرا )إنتاج كيلو لحم بقر يحتاج تقريبا إلى عشرة آلاف لتر
من الماء وفي الصحراء يعز الماء
ويندر الكلأ). نربي ماعزا ودجاجا يرعى في حرية من الصباح إلى المساء ويغذي نفسه
بنفسه تقريبا مثل النباتات الخضراء. لا توجد حنفيات في منازلنا، فلا نبذر الماء
ولا نستهلك منه إلا القليل الضروري. يعتمد نظامنا الغذائي على النباتات فنحن
تقريبا نباتيون، لا نذبح العنزة إلا في عيد الأضحى للضرورة الدينية أو عندما تكون
مريضة.
نشرب
حليب العنزة، و نأكل بيض الدجاجة، ونستعمل فضلاتهم سمادا عضوياّ فلماذا نذبحهم يا
ترى؟ لا نعتدي على حيواناتنا الأليفة بالعنف وإلا لماذا نسميها أليفة؟ أليفة لأنها
ألِفت من غدرنا وجشعنا ونَهَمِنا. نأكل الفرع ونحافظ على الأصل. لا نستهلك السكر
الأبيض والحليب الأبيض إلا في الشاي. لا يبيع دكان العطار أي نوع من أنواع الياغورط أو الشكلاطة أو البسكويت أو الجبن،
أراحنا الله من الأغذية المصنعة والملونة والمسرطنة. وجبتنا بسيطة جدا وبيولوجية
مائة بالمائة لأننا لا نستعمل في إنتاج مكوناتها سمادا كيميائيا ولا مبيدات أعشاب
ولا مبيدات حشرات. نكتفي بما تنتجه الطبيعة ونقنع بالقليل لسد الرمق. لا نصنع
حلويات في عيد الفطر لاقتناعنا التقليدي غير الواعي أنها ليست غذاءً بل سموما
عسيرة الهضم تنهك "البنكرياس" والقلب والشرايين. نزرع الحبوب في السهول
فيسقيها مفرّج الكروب، نحصدها بالسواعد والمناجل، نفصل حبات القمح عن سنابلها
بطريقة تقليدية يدوية ونطحنها برحى حجرية
يدوية ونغربلها ونصنفها برغلا وكسكسا وخبزا. مطبخنا فقير لكنه صحّي جدا، لم نكن نستهلك لا مَرَق لوبيا
ولا مرق جلبّان ولا مرق ملوخية ولا بطاطا مقلية ولا "طاجين" ولا أرز
بالفواكه ولا سمك، لا مقلي ولا مشوي. وجبتنا مغذية لكنها ليست لذيذة مثل أطعمة
المدينة.
اللذة
في الطعام يا سادتي يا كرام تصحبها عادة الأمراض: خذ مثلا الأكل المقلي أو الدسم،
يُعَدّ من أشهى الأطعمة لكنه يدمِّر القلب والشرايين، و قد تنخر أطباق الحلويات
المتنوعة الأسنان وترهق "البنكرياس" وتمهّد لمرض السكر، أمّا المصبّرات
المملّحة فقد ترفع مؤشر ضغط الدم. نطبخ
ونأكل في أوانٍ مصنّعة يدويا من الطين وخالية من النحاس والألومونيوم المسرطنين .
نغسل هذه الأواني بالطين الأخضر أو بالصابون الأخضر الطبيعي. لا نستهلك من الطاقة
إلا القليل مما يطرحه نبات النخيل من خشب وجريد جاف. النخلة وما أدراك ما النخلة
في تراثنا وفي وجداننا، مصدر رزقنا وسعادتنا، نسقيها ونمدها بالسماد العضوي فقط.
لا نغشها ولا نسمّمها بالكيميائيات. نربيها سنوات بحب وحنان حتى تثمر على مهلها
"رطبا جنيا"، نأكل منه القليل ونبيع الكثير وما بقي نخزنه في أوعية
خزفية لنستل روحه في لطف وأدب على مدى الفصول الثلاثة الباقية. لا تمثل المعزة في
غذائنا الشيء الكثير ومع ذلك نكرمها ونرحب بها تسكن معنا في نفس المنزل ونعاملها
دون مبالغة كفرد من أفراد العائلة. كانت أمي تستيقظ في أنصاف الليالي عند صياح
معزتها لتراقبها وتقدم لها الماء والغذاء. كان الغائب منا يسأل في رسائله عن
العائلة وعن المعزات. عندما تلِد المعزة، نحتفل بولادتها ونقدم لها أكبر الرعاية
ولا نسرق حليبها الأول المتدفق الغني بالمضادّات الحيوية بل نتركه لابنها. ابنها
الجدي أو ابنتها العناق يعني الذكر أو الأنثى الذي أو التي يملأ أو تملأ ساحة
البيت فرحا وبهجة بقفزاته أو قفزاتها الرشيقة وهذه الصورة الرقيقة ما زالت عالقة
بمخيلتي بعد خمسين سنة وكلما تذكرتها غمرتني سعادة منعشة.
في
الثمانينات، جاءنا المحتل متنكرا في زي التمدن والتحضر فأهلك الحرث والزرع، أصبحت بيوتنا من حجر أصم
مثل قلوبنا. جاءنا الحرس الوطني فأصبح الأخ يشتكي أخاه والجار يشتكي جاره لأتفه
الأسباب فانقرض التسامح وسادت الوشاية. أغلقنا بيوتنا بالمفاتيح فكثر السراق. تخلى
الكبير عن مسؤولياته التربوية فلم يعد يحترمه الصغير. تفشت فينا العنصرية والقبلية
وتهافتنا على السلطة الزائفة.
في
التسعينات، جاءنا الخير الكبير والنخل الكثير والفضائيات العشوائية وأصبح لنا
مليونيرات وسيارات "ديماكس". أتمنى من كل قلبي أن لا يقتصر الغِنى على
الجيوب فقط ويشمل هذا الخير القلوب والنفوس أيضا فنتمسك أكثر بعاداتنا التقليدية
الجيدة ولا نأخذ من غول الحضارة إلا ما يفيدنا في نهضتنا ومأكلنا وتربيتنا
وثقافتنا.
الهوامش:
v جمنة: قرية جميلة في الجنوب الغربي التونسي على أبواب
الصحراء الرملية.
v ديماكس: نوع من السيارات اليابانية المستعملة في النقل
الفلاحي والتجاري والصناعي.
v طاجين: أكلة تونسية دسمة جدا وهي خليط متماسك من البيض والجبن واللحم.
v البنكرياس: غدة في الجسم تنتج الأنسولين وهو هرمون ينقل
السكر إلى الخلايا لحرقه فيخفض نسبته في الدم إلى 1 غرام جليكوز في اللتر الواحد
عند كل صباح.
مفهوم الجودة حسب "المواصفات
العالمية": هل هو وهم كبير أو كلمة حق أُريدَ بها باطل أو هو استعمار غربي
ناعم لدول العالم الثالث؟: جمنة نموذجا؟
سأضرب لكم عدة أمثلة مما عايشتُ:
1. في مسقط رأسي، قرية
جمنة بالجنوب الغربي التونسي، "قرية- مدينة" تقع بين مدينتي قبلي ودوز
وتتميز حسب رأيي بنمط عيش فيه شيء من الرقة والجمال والتحضر والثقافة والسياسة
والتعايش السلمي بين القبائل والعروش المختلفة. كان السكان في الخمسينيات يبنون بيوتهم بـ"الطُّوبْ" أو
"الفَنْكَر" (مواد محلية للبناء تُستخرج من الأرض، حجر رملي متماسك
قليلا وسهل الانكسار وسهل الاستخراج من مقاطع القشرة الأرضية السطحية) ويطلونها
بالجبس أو "الروبي" (L`argile verte). كان سمك الجدار عندنا يبلغ
تقريبا 50 صم. كانت بيوتنا مكيّفة طبيعيا، باردة في الصيف ودافئة في الشتاء لأن
سُمك الجدار يمنع دخول حرارة الشمس في الصيف ويمنع دخول الهواء البارد في الشتاء.
كان البيت التقليدي يعيش أكثر من قرن ولا يكلف صاحبه إلا القليل من المال مقارنة
بالبيوت الأسمنتية الجديدة. تطورنا في هذا الحقل ويا ليتنا ما تطورنا، أصبحنا نبني
منازل بالحديد والأسمنت مثلنا مثل سكان تونس وصفاقس وبنزرت، فأصبح البيت لا يُطاق
في الصيف إلا باستعمال المكيف ولا يُتحمل في الشتاء إلا باستعمال السخّان الغازي
أو الكهربائي. انظر وتمعّن واحسب ماذا ربحنا وكم خسرنا من مال وراحة وطاقة!
والأخطر من هذا هو أن السقف المسلح "الدالّة" لا يصمد طويلا لضربات
الشمس الجنوبية الحارة فتتشقق الدالّة ويصبح السكان في خطر ويصبح البيت المكلف
الغالي الجديد آيلا للسقوط بعد بضع سنوات من تشييده. هذا ما جناه علينا البِناء
"حسب المواصفات العالمية" ولم نجن على أحد. ما بال المواصفات العالمية
وما بالنا، فلترحل كما رحل بن علي وتتركنا في حالنا متعايشين سعداء آمنين مع
"مواصفاتنا الجمنية" في البناء والتشييد!
معلومة: إسرائيل تعيد الآن إحياء واستعمال البناء السكني
التقليدي بـ"الطوب" لتعمير صحراء النقب المحتلة حسب "مواصفات
إسرائيلية" وليست عالمية (حديث: "اطلب العِلمَ ولو في الصين").
1. في مسقط رأسي ثانيا،
وخلافا للمواثيق الدولية و"مواصفات حقوق الإنسان العالمية" التي تحرّم
تشغيل الأطفال حتى من قِبل أوليائهم، يشغّل الوالدان الجمنيان أبناءَهما جنبهما في
الواحة بكل عطف وحب وحنان: واحد يجمع التمور بيسر من تحت جذع النخلة وواحد يقطع
الحشائش الخضراء علفا للماعز والحمار وواحد يوزع كؤوس الشاي على العملة، يشتغل
الأطفال وهم يضحكون ويلعبون دون قهر أو عناء كبير، يشتغلون "حسب المواصفات
الجمنية" التي لا تتنافى في روحها مع "المواصفات العالمية" وتحترم
حقوق الطفل في الصحة والتعليم والترفيه.
2. في مسقط رأسي ثالثا،
وفي الخمسينيات من القرن 20، أيام انعدام وجود الروضات أو "سجون
الأطفال الحديثة الناعمة"، كنا نلعب ونلهو وحدنا دون كهل رقيب، نصنع لعبنا
بأيدينا ونطبق من حيث لا ندري نظرية العلِماء مونتيسوري وبياجي وفيڤوتسكي في
المدرسة البنائية: نبني معرفتنا بأنفسنا بالتفاعل مع محيطنا وأقراننا دون الحاجة
لشراء لعبِ باهظة الثمن ودون التقوقع داخل روضة مُحكمة التسييج الأسمنتي المسلح
تحت إشراف منشط غير مختص في تنشيط الأطفال، منشط لم يتخرج من أي كلية تنشيط. يا
ليتنا لم نتطور هذا التطور السلبي ويا ليتنا لم نضع أولادنا في "جنات
أطفال" أشبه بسجون وأبعد ما يكون عن تربية الأطفال ويا ليتنا حافظنا وطبقنا
"مواصفاتنا الجمنية" في التربية، مواصفات أيّدتها النظريات التربوية
الحديثة وخاصة نظرية مونتيسوري وبياجي وفيڤوتسكي التي تقول أن الطفل قادر على بناء
معرفته بنفسه لو هيأنا له الظروف المناسبة ومن حسن حظنا في جمنة أن ظروفنا
الطبيعية مهيأة دون تهيئة لكثرة الفضاءات الفارغة والآمنة قرب المنازل، امتياز
ريفي تفتقده المدن.
3. في مسقط رأسي رابعا،
وفي الخمسينيات أيام انعدام وجود الروضات، كنا ندخل الكتّاب في سن
الثالثة أو الرابعة لحفظ القرآن وكنا نحفظ منه جزء "عمّ" دون فهم معاني الألفاظ
والسور أو إدراك المجاز القرآني الغني بالحِكمِ والعِبرِ والقِيم الكونية. نتخرج
من هذه الجامعة الصغيرة بزاد لغوي ونطق سليم، زادٌ استوعبناه في الصغر وسوف نستعمله
ونوظفه أحسن توظيف عند مرحلة الفهم. وهذا آخر ما توصلت إليه النظريات العلمية
الحديثة وسمّوه "الحمام اللغوي" وسميناه نحن "حسب المواصفات
الجمنية" "تلقين القرآن الكريم منذ الصغر".
4. في مسقط رأسي خامسا،
وفي الخمسينيات أيام انعدام وجود الفضائيات العربية الرجعية المتخلفة،
كانت حقوق المرأة الجمنية مضمونة "حسب مواصفات جمنية محلية" وليس
"حسب مواصفات عالمية مستوردة". كانت المرأة تعمل في الحقل جنبا إلى جنب
مع الرجل، تحيّي الجيران نساء ورجالا وترد التحية بأحسن منها على جيران الحقل من
الرجال. تخرج يوميا إلى العمل باكرا بعلم زوجها أو دون إذنه إن كان غائبا عاملا
مهاجرا في فرنسا. تستقبل الضيوف من أقاربها وجيرانها ومعارفها، نساءً ورجالاً، في
حضور زوجها أو في غيابه، تقوم بأصول الضيافة التونسية الريفية على أكمل وجه وتقدم
لهم الشاي أو الطعام وتتحدث معهم في شؤون الحياة وتعقد معهم -إن لزم الأمر-
الصفقات في مجالات الفلاحة والبناء. يستشيرها زوجها في الصغيرة والكبيرة، في خطبة
البنت والولد وفي دراستهم الجامعية. لنا نساء معروفات بالحكمة وأخريات بالشدة
والصرامة وأخريات بالطب التقليدي العربي وأخريات بالتجارة وإدارة الأعمال الصغرى.
لنا طبيبات ومحاميات ومهندسات وأستاذات ومعلمات وممرضات وزوجات محصنات وبنات
عازبات يعملن جنبا إلى جنب مع الرجال ويتنقلن في وسائل النقل المختلط إلى فرنسا
وألمانيا وإيطاليا وتونس ودوز وڤبلي في
سيارات الأجرة وحافلات النقل العمومي وشاحنات النقل الريفي المزدوج. يصافحن الرجال
الأقارب والجيران والمعارف باليد أما صاحبات وجارات وقريبات أمي وأندادها، فكنّ
يحضنّني ويحضن أولاد الجيران الشباب العائدين من غربة الدراسة أو غربة فرنسا كما
تحضنني أمي أو أكثر. نساؤنا يتجولن سافرات بين المنازل في حينا الصغير المغلق
(زنڤة حادة). يجلسن على حدَه في الأعراس غير بعيد عن جمع الرجال وفي نفس ساحة
المنزل ويزغردن بالصوت العالي. في عيد الأضحى والعيد الصغير، كنا أطفالا وشبابا،
نطوف نصف البلاد نعيّد بالمصافحة باليد والخد على قريباتنا وجاراتنا ومعارفنا من
أقران أمهاتنا. تنوب الأم زوجها الغائب في فرنسا في كل ما يخص أولادها ولا تحجب
نفسها ولا تهمل تربية أولادها، وللضرورة تخرج إلى الشارع غاضبة صائحة لنجدة صغارها
وحمايتهم من الاعتداءات الجسدية ضد من يكبرهم سنا. مات أبي وأنا في سن الخامسة
عشرة وكان لي في المنزل أخوان وأخت ضريرة، ربتْنا أمي يامنة أحسن تربية وتعبت في
خدمة شؤوننا أكثر مما قد يبذله أعتى
الرجال وكان العُرف السائد في قريتي ألا تتزوج الأرامل غالبا مرة ويتنازلن
بإرادتهن عن حقهن المشروع في ذلك حفاظا على مشاعر الأبناء وتماسك الأسرة.
قرط أمي! قصة قصيرة واقعية
حِفظ
الأمانة: قيمة أخلاقية تونسية
بربرية عربية إسلامية إنسانية، كانت ولا زالت متأصّلة في أخلاقنا وعاداتنا
وتقاليدنا في جمنة، تذكّرتها في هذا الزمن التونسي "الثوري"، الانتقالي
إن شاء الله!
حدثت
هذه القصة الواقعية القصيرة بجمنة (ولاية ڤبلي، جمهورية تونس) في أربعينات القرن
العشرين.
في
أحد الأيام فقدت أمي يامنة أحد قرطيها الذهبيّين وهي راجعة من عرس (لا أتذكر
بالضبط، المهم قطعة ذهبية، "بَدْلَة" أو "شِرْكة" باللهجة
الجمنية). خَشِيَتْ غضب أبي (سي السيد بالمعنى المصري للكلمة) ولم تطلب من منادِ
القرية (البَرَّاحْ باللهجة الجمنية) ما يُطلب منه في مثل هذه المناسبات، يعني أن
يجول في الشوارع ويعلن و يفشي الخبرْ حتى يعثر على الأثرْ.
وَجَدَ
القرط الضائع أحد المواطنين الجمنين (الساسي بن صالح بن بوبكر مغداد حسب ذاكرة أختي
فاطمة)، وهو عامل مهاجر بفرنسا جاء يقضي عطلته السنوية بمسقط رأسه جمنة، أخذ القرط
واحتفظ به في منزله حتى تظهر صاحبته، انتظر شهر العطلة ولم يناد مناد القرية على
شيء ضائع كالعادة. رجع إلى فرنسا.
مرّ
عام على الحادثة وصاحبنا محتفظ بالأمانة لصاحبة الأمانة. وفي أحد أمسيات عمّالنا
بالخارج، روى في فرنسا ما حدث له في جمنة. سمعه صدفة أحد جيراننا فأخبره أن صاحبة
الأمانة موجودة لكنها كتمت خبر ضياع قرطها خوفا من بطش زوجها. وعند عودة بطل قصتنا
إلى القرية بعد عام غربة، سلّم الأمانة سرّا إلى أمي عن طريق زوجته.
ملاحظة:
برّاحُنا في جمنة اسمه
مْحِمَّدْ بن رُمضان وأحيانا يعوّضه الساسي بن حْمِدْ. مُنادينا المرحوم بن رمضان يا
سادة يا كرام كان فنانا موسيقارا. الموسيقار هو مَن ينتج أو يؤدي موسيقى. ومَن مِن
الجمنين في عهده لم يطربه عزفه على مزماره السحري
(الغَيّاطَة باللهجة الجمنية). شخصيا أطربتني موسيقاه في طفولتي كما
أطربتني في شبابي موسيقى بتهوفن في أغاني فيروز.
جمنة الخمسينيات تعطي درسا في الجيرة الطيبة: "كلمة حق في جارٍ
حق"
جارُ
"السَّاسْ"، جارٌ جارَ عليه الزمان، تُوفي ابنه البكر ذو الخمسة وعشرين
ربيعا. بعد الفاجعة الأولى منحه الزمن مهلة فسيحة عاش فيها حياة كريمة سعيدة ثم
غدره الزمن مرة ثانية واختطف منه صديقي وقريني، ابنه الثالث وهو في فجر الشباب.
فجعه الزمان للمرة الثالثة في زوجته المصون وقبل النهاية غَرَسَ فيه الدهر أنيابه
حتى اللثة، فَقَدَ البَصَرْ وأقعده الكِبَرْ.
ككل
أبطال الملاحم الكبرى هزمه الزمن بعد طول جهاد بحلوه ومرّه لكنه في النهاية انتصر
على الزمن بصفاء عقيدته وقوة إيمانه وصلابة التزامه ودوام صلاته وطُهرِ صيامه
وورعه وتقواه حتى اليوم الأخير من حياته بفضل الله ومساعدة الملاك الأرضي زوجة
ابنه وفي الوقت نفسه ابنة أخيه.
كنتُ
أدعوه بكل حب ومودة واختصار "عمِّي نصر". لم يكن لي عمٌّ غيره. لا توجد
صلة قرابة دموية بيني وبينه لكن توجد جيرة طيبة وقرابة ربّانية بيني وبينه، جيرةٌ
ترتقي فوق صلة الرحم بين الابن وأبيه.
مات
أبي وأنا في سن الخامسة عشرة فلم أجد أمامي أبا سواه، جميل المحيىَّ، قمحيَّ
اللون، قويَّ البنية، باسمُ الثغْرٍ، حُلوُ الكلام، عطوفٌ حنونٌ، ينبثق من وجهه
نورٌ كنورِ الملائكة.
لم
أسمع منه يوما كلمة قاسية، لا في حقي ولا في حق أقراني الأطفال. فلاحٌ جنوبيٌّ
يتمتع بأخلاق رقيقة لا تتوفر عادة في رجال الصحراء القساة، رجال ذاك الزمن القاسي
مثلهم.
يزورنا
في المناسبات وكل خريفٍ يعطينا من "دَڤلتِه" عدة عراجين رغم أننا نملك
نصف سانية دڤلة.
في
عيد الأضحى، يمر باكرًا، يذبح الضحية ويسلخها، يأكل قطعة صغيرة مشوية من كبِدِها
ثم يمضي على عجلٍ إلى جارٍ آخر وفي الغداء يجمع كل الجيران حول مائدته، عادة ورثها
عن أبي.
التحق
البطل باللازَمان. رحل هو وبقيَ الزمان يلاحقه ويقضّ في القبر مضجعه. بعد سنوات
معدودات مات ابنه الثاني وبعده ابنه الرابع قبل أن يبلغا الستين. كان المسافر الأخير يعالج مرضه العُضال بدواء مستورد من السماء، دواءٌ ناجع والوحيد الخالي
تماما من التأثيرات الجانبية، كان يقرأ القرآن بصمت لنفسه. بعد سنتين لحقت بقارئ القرآن
زوجته وطارَ الملاك الأرضي إلى الأعلى سبحانه. بقِيَ من البستان زهرة واحدة
وحيدة.. والأحفاد والحفيدات.. والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه.
لو
كان لي نصيبٌ في شفاعة الرسول صلى الله
عليه وسلم لَطلبتُ لعمي نصر
نصيبَين، ولو كانت وازِرَةٌ تَزِرُ وِزْرَ أخرى لَحملتُ عن الملاك الأرضي كل أوزاره لو كان للملائكة أوزارٌ!
يقول النبي: "إذا مات
الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو عِلم
ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". بكل نية طيبة ومع حفظ المقام العالي للرسول،
أعمّم المقاصد من الحديث الصحيح وأضيف: "أو جارٌ وفيٌّ يدعو له" رغم
أنني أعي جيدا أن بعض المفسرين أكدوا أن الولدَ لا يكون بالضرورة من صلبه.
سوف
أذكر "عمي نصر" وأتذكّره دوما وأبكيه كما يبكي الشيعة "الحسين بن
على" لكن دون مغالاة.
"إن المسافة التي تفصلكم عن
جاركم القريب الذي لا تصادقوه أبعد في الحقيقة من تلك التي تفصلكم عمن تحبون، وهو
يقيم وراء الأرضين السبع والسماوات السبع. ذلك أن الأبعاد لا وجود لها في التذكار،
والمسافة الشاسعة إنما تكون في النسيان، وهي مما لا يستطيع صوتك ولا عينك اختصاره" (جبران).
جمنة الخمسينيات
تعطي درسا في الرحمة: سِيدِي المبروك، أبٌ لمَن لا أبَا لَهْ وحبيبُ المحتاجين
حَسَنُ
الوجه، جميل الهندام، يرتدي غالبا جبة بيضاء. مواطن جمني يقطن في مدينة ڤبلي. موظف
بالشركة الجهوية للنقل ڤبلي-ڤابس. يقصده العابرون، صباحًا مساءً ويومَ الأحد ولا
يردّ أحد، القاصي والداني، القريب والبعيد، الكبير والصغير، السليم والمريض،
يرتاحون، يبيتون أو بالقيلولة يكتفون، يشربون، يأكلون، يأخذون أو يقترضون وأكثرهم
لا يُرجعون والبسمة لا تفارق ثغره حتى يفارق ضيفه.
كلما
سافرتُ إلى مدينة ڤبلي لقضاء حاجة في سوق الثلاثاء، لا يفوتني إلا أن أسلّمَ عليه
في داره أو في مقرِّ عمله. في الستينيات، كنتُ تلميذًا بيّاتًا في إعدادية سيدي
مرزوڤ بڤابس وعمري لم يتجاوز خمسة عشر عامًا بعدُ، وعند بداية كل سنة دراسية كان
المبيت يبعث لي قائمة ملابس داخلية إلزامية (Trousseau obligatoire)،
ولقِلّة ذات اليد كانت أمي تحتار في توفير المطلوب فتبعثني دون تردد أو سابق إعلام
إلى سيدي المبروك، أسلِمه القائمة، يرافقني إلى المغازة، أرجع لأمي فرحًا مزهوَّا.
لِسِنينَ
كنتُ أظن أنني الوحيدُ المستفيدُ من هذا المخلوق المسخَّرِ ربّانيًّا لخدمة
الفقراء واليتامَى أمثالي حتى تعرّفتُ على غيري مِمَّن شملهم كرمُه الحاتِمِي.
بلغني مرّةً أن شرطيًّا جمنيًّا تجرأ عليه وصفعه في مركز الشرطة بڤبلي. كانت
تربطني بهذا الشرطي علاقة صداقة طفولة وشباب، تُوُفِّيَتْ صداقتُنا مذ وصلني
الخبر. لكن وبعد مرورِ عقودٍ من الزمن، التقيتُ به صدفةً، سألته عمّا ارتكبه من
جُرمٍ في حق مَن انتدبه التاريخ ليقدّمَ مساعدات مادية عينيّة لوجه الله خالصا لا
ينتظر من وراء صنيعه هذا، لا جزاءً ولا شَكورَا. أجابني: تُقطَع يدَ مَن نَوى أو
فعلْ حتى لو كان أبي أو أخي أو أي رَجُلْ، ثم أردف وكله وَجَلْ: لو كان القائل
مهبولا يكون السامع أعقلْ، بالله عليك هل
تصدّق أنني كنت قادرا حتى ولو أردتُ على أن أصفع مَن معي مثلما معك فعلْ؟ صدّقتُه
وعلِي لا يكذب ولَمْ يومًا يزِلْ.
ماتت
زوجته الصحبيّة الطيبة البهيّة وهو في سن متقدمة نسبيَّا فتزوج وأنجب زوحًا من
الذرِّيّة. قال حسن: لا يحق للشيوخ أن يتزوجوا بعد وفاة زوجاتهم إلا سِيدِي
المبروك، لا لأنه في ذاك السن في الزواج هو الأْفضلُ بل لأن نسلَه في ڤبلي هو
الأجمَلُ.
ارتوتْ
نفسُه بالإيمان وخدم المحتاجينَ جميعًا فسَمَوا به وبهم في العلياء سَمَا.
يا
سِيدِي المبروك، لستُ مِن صُلبِك لكنني أحببتُ وأنا طفل أبوَّتَك، واليوم في شيخوختي
ما زالت ذكراكَ بعد مماتِك تمدّني بنسيمٍ عليلْ، لا أعرف هل هو الحنين إلى جيلْ أو
الاعتراف بالجميلْ.
سيدي
االمبروك وعمتي رڤيّة كانا أحنَّ الأقارب عليَّ بعد والِدَيَّ.
نساء مناضلات في "جمنة" الخمسينيات: أمي
قال المتنبي في جَدَّتِه:
"أحنّ إلى الكأس التي شَرِبتْ
بها--- وأهوَى لمثواها الترابَ وما ضمَّا"
لم
تضربني ولو مرة واحدة في حياتها ولم تنهرني ولم تَصِحْ يوما في وجهي عكس ما كان
يفعل دومًا أبي. لم تلمني على ما فعلت في مراهقتي من تجاوزات في حقها ولم تشكرني
على ما أديت من واجب نحوها. لم تقل لي بتاتا أحبك ولكنني كنت على يقين أنها تحبني
حبا لا يوصف وربما يكون الحب الوحيد في
حياتي.
كنا
خمسة أفراد في الدار عندما مات أبي سنة 1967، أمي وأخت كبرى ضريرة وثلاثة أولاد،
اثنان منهم في التعليم الثانوي وواحد في الابتدائي. عائلة دون عائل. لم تيأس ولم
تمرّر لنا يوما بؤسها ومعاناتها. واصلنا تعليمنا وكأن شيئًا لم يحدث. كانت تقوم
بشؤون البيت والسانية وتشتغل في نسيج "الحولِي" ليلا نهارا، صباحا مساءً
وقبل الصباح وبعد المساء وليس لها يوم أحد. كانت تكسب من عملها ثلاثة دنانير في الشهر في الستينات.
تعطيني منها دينارا واحدا، يكفيني مصروف ثلاثة أشهر في ڤابس. ست مائة ثمن تذكرة
ذهاب وأربع مائة مليم أتمتع بهم أيام الآحاد عند الخروج من المبيت المجاني. أشتري
"كعبة غْرَيْبَة" بـ"دُورُو" أو "حدوڤ لاڤمي"
بـ"دُورُو" أيضا.
لا
أذكر يوما خاصمَت فيه من أجلنا جارا أو جارة. لم تعلّمني أي شيء وعلمتني كل شيء.
أحببتها في حياتها إلى درجة العشق وتقاسمت معها منحتي الدراسية عندما كنت طالبا
وتكفلت بها نهائيا عند التخرج وشاركني أخي الأكبر وأخي الأصغر في إعالتها ورعايتها
في آخر سنوات عمرها. بعد التخرج وعند التعيين اصطحبتها معي إلى جزيرة جربة للعيش
بجانبي. لم تطق الإنبتات من قريتها الجميلة "جمنة" فاحترمت رغبتها. بنيت
لها حجرة محترمة في منزلنا القديم من أجل عيونها.
لا
تكتب حرفا ولا تقرأ كلمة ومن تُربي أجيالا لا يليق بنا أن نطلق عليها صفة أمية. لم
تتأثر لا من بعيد ولا من قريب بالثقافة الأجنبية، فهي تعبير عميق عن ثقافة تونسية
بربرية عربية إسلامية إنسانية وطنية خالصة.
ماتت
الغالية وتركت إرثا كبيرَا، عديلة من سعف النخيل وستة أوتاد منسج حديدية (مْلازِم
مِنْسِزْ). أوصت بثروتها لجارتيها. نفذنا وصيتها حرفيا: العديلة لِـ"لَلْتِ
امنِي" والأوتاد لِـ"لَلْتِ الزينة".
لم تكن
أمي حالة فريدة من نوعها في ذلك الزمن ومثيلاتها والحمد لله بالمئات في قرية
"جمنة" وفي كل مدن وقرى تونس الحبيبة.
الهامش:
المرحومة أمي، اسمها يامْنَه بنت
احْمِدْ بن احْمُودَه.
"جمنة": مسقط رأسي، قرية
جميلة تقع في الجنوب الغربي التونسي.
"الحولِي": نوع من الكساء
الرجالي الصوفي الخارجي الأبيض (يشبه البرنس عندنا)، يُصنع في الجنوب التونسي
ويُصدّر إلى ليبيا.
الضريرة المستنيرة
وُلِدت
سنة 1941 بقرية جمنة بالجنوب الغربي التونسي. كانت ثانية أخواتها، طفلة رقيقة
وذكية تنعم بجميع حواسها، تجري وتقفز وتلهو في المنزل والحي مثل أندادها. أضفتِ
الفرحة والبهجة على والديها وجيرانها. عندما بلغت 6 سنوات من عمرها، أصابها مرض
الرمد، مرض بسيط، لو عُولجت طبيا وبسرعة لشُفيت منه تماما. لم يكن بالقرية آنذاك
طبيب ولا ممرض. كان أبوها غائبا بتونس العاصمة لظروف العمل. أصبحت في يوم معلوم وعينيها
كأنهما مصباحان مُطفآن.. بنتا ضريرة لا تميّز بالنظر بين أمها وأختها ولا ترى من
الدنيا إلا هالة من نور وبعد سنوات يئسنا من شفائها وعرفنا أن ما في "الطِّبْ
العَرْبِي" لم يكن دواءً وبقيت على هذه الحالة طوال حياتها.
رجع
أبوها من السفر وعرف ما حلّ بابنته الصغيرة الجميلة البريئة فحملها فورا إلى تونس
العاصمة وعرضها على الأطباء لكن لا علاج لما أفسده الجهل والتخلف والعادات
البالية. عادت إلى حضن أمها الحنون ورضيت بما كتبه الله لها ولم تنقم على أمها ولا
على المشعوذين الجهلة الذين نصحوا أمها. فقدت البصر ولم تفقد البصيرة. كبرت على
الرضا بالمكتوب والتسليم بالقضاء والقدر بحُلوِه ومُرِّه. لم تشك لحظة في حب أمها
وعاشت تحت جناح أرق وأجمل أم في الدنيا. غمرتها أمها بحب لا يوصف لكنها لم تميزها
على إخوتها وأخواتها لكثرة ما لهذه الأم
من حنان وعطف لو وزعته على أمة محمد لَكَفَاهَا جميعا. وعندما يرق قلب الأم
على أولادها وترتفع بهم
إلى سمائها، لا تخفى رقتها عن ذوي الأبصار المكفوفة فيتبعون خطاها من شذاها. لم
تستسلم لقدرها رغم إيمانها القوي بما كتبه الله لها. كانت تقوم بكل شؤون المنزل من
طبخ وكنس وخياطة رغم فقدان البصر. لا تكل ولا تمل ولا تمن علينا نحن إخوتها
الصغار. كانت محترمة من القريب والجار لفطنتها وذكائها.
لم يُرض هذا العيش الكريم طموحها فالتحقت وهي في
سن الثلاثين بمعهد سيدي ثابت للمكفوفين أين تعلمت القراءة وحرفة النسيج. بعد
التخرج، استقرت مع زميلاتها بمبيت معمل النسيج للمكفوفين بسوسة واشتغلت فيه سنوات
تأكل من عرق جبينها. كانت تعمل ثماني
ساعات في اليوم وتتقاضى أجرا زهيدا يساوي خمسين دينارا في الشهر في الثمانينات
والتسعينات من القرن العشرين. يخصم مدير المعمل من أجرها عشرة دنانير للأكل وعشرة
للسكن. كانت راضية وقنوعة وسعيدة وفخورة بعملها الذي ضمن لها الاستقلالية
والكرامة. كان أصحاب الخير يتبرعون لها و لزميلاتها بين الفينة والأخرى ببعض
المال. يمتاز شهر رمضان في المبيت بطابع خاص، تُنصب فيه موائد الرحمان من عند
الرحمان، فواكه ورمان و عسل و"بنان" وأصناف لذيذة من الطعام من صنع أهل سوسة
الخيّرين. كان المشرفون المتطوعون يشاركونهن يوميا فطورهن ويعدّون لهن طعام السحور.
في
يوم من الأيام المفجعة اندلع حريق هائل في مخزن معملهن فاشتعل القطن الاصطناعي،
المادة الأولية التي يَصنَعْنَ منها المماسح (serpillières Les). حريق من نوع خاص، لا تطفئه خراطيم
المياه، يحترق القطن الاصطناعي ببطء شديد دون انقطاع. لم تستطع الحماية المدنية
إطفاءه. كان مرقد البنات يقع بجوار المخزن المحترق. دام الحريق أياما والحماية
المدنية حاضرة نهارا غائبة ليلا ومن "فرط حرصها" على سلامة المكفوفين
فقد أوصتهم بتبليغها هاتفيا لو زاد اشتعال الحريق. كيف يتأتى لكفيف أن يراقب حريقا
عجزت عن إطفائه مؤسسة مبصرة مختصة في الحرائق؟ ورغم ذلك راقبت الكفيفات الحريق بكل
كفاءة. كان المخزن "قِبلتهم" في الليل وبخشوع المؤمن وقدسية الإيمان، كن
مائة أذن ينصتن بصمت رهيب لصوت احتراق القطن الاصطناعي دون غمضة عين طوال الليل.
تعرفون أن الأعمى يتمتع بحاسة سَمْعٍ مرهفة تفوق بكثير مثيلتها عند المبصر لأن
مرونة مخه (La plasticité cérébrale)
قد نجحت في تحويل وجهة الخلايا العصبية السليمة وغير المستعملة المكوِّنة للمركز
العصبي للإبصار ووظِّفتها واستغلتها لخدمة حاسة السمع واللمس. يقولون: ماذا تشتهي يا الأعمى؟ ردّ قائلا:
قُفّة من العيون! وأنا لو كنتُ مكانه لَقلتُ: قُفّة من الأوذان وأذرُعًا أطولَ
لأسمع أكثر وألمس أكثر لأن عَينيَّ حتى ولو رجعتا فلن تجدا خلايا عصبية بصرية
قادرة على إدراك ما تريانه. عندما يرتفع
هذا الصوت المتربص بحياتهن، يهرعن إلى سماعة الهاتف الموجودة في ساحة المعمل
ويبلغن الحماية المدنية فتأتي سيارة الإطفاء لنجدتهن مؤقتا ثم يرجع العمال
المبصرون إلى ديارهم تاركين البنات الكفيفات تحت رحمة قنبلة قد تنفجر فيهن في أي
لحظة من الليل المظلم. ظلام تعوّدن عليه طوال حياتهن وبفضل إيمانهن بالحياة حوّلنه
إلى نور داخلي يضئ بصيرتهن لكنهن لم يتعودن على مجابهة نور الحريق الكيميائي
المستمر الذي قد يقضي على حياتهن جميعا.
لم
تكن ظروف العيش في المعمل سيئة كما يتخيل المبصرون، كن معا يكوّنّ مجتمعا مغلقا
على الخارج منفتحا على الداخل. يحتوي المعمل على مشغل فيه آلات للنسيج ومشرب
يستقبلن فيه ضيوفهن ومطعما يتناولن فيه وجباتهن. تزوج بعضهن وبَنَينَ أُسرا وأنجبن
أطفالا كالزهور مبصرين لأن فقدان البصر ليس مرضا وراثيا في جل الحالات بل هو مرض
مكتسب نتيجة سوء الظروف الصحية والمعيشية وقد ينتج أيضا عن إهمال مجال الطب
الوقائي عندنا في العالم العربي.
كنت
أزورهن عند مروري بسوسة وكن يرحبن بي بحفاوة كبيرة وكرم حاتمي. كانت بينهن ضريرة
جميلة جدا، عيناها سليمتان وخضراوان (قد يكون الخلل الذي أصابها موجودا في المركز
العصبي للإبصار أو في العصب البصري الذي يربط العين بالمخ)، قوامها رشيق وفكرها
متقد وكبرياؤها في السماء. كنت أحاول مجاملتها والتخفيف عنها بذكر عبقرية طه حسين
الأعمى وكانت ترد علىّ بكل سخرية لاذعة قائلة: طه حسين هو الشجرة التي حجبت الغابة،
غابة معاناة العميان المصريين والتونسيين، طه حسين يمثل حالة محظوظة ومعزولة ولا
يحق لنا تعميمها لخصوصية ظروفها وملابساتها، وجد في طريقه جامعة الأزهر حيث يمكن
التعلم بالسمع دون الحاجة للكتابة ثم احتضنته جامعة السربون ومن حسن حظه عشقته
امرأة فرنسية مثقفة فأعانته على إتمام دراسته وكانت له بمثابة العينين وتفرغت لقراءة
الكتب له وحده.
لقد
كنّ قنوعات بما يسّرت لهن الدولة التونسية
من مؤسسات بما فيها من ايجابيات وسلبيات. كان همهن الوحيد هو التقاعد بعد ما يبلغن
الستين من العمر حين لا يقدرن على العمل ولا يجدن من يعيلهن في كبرهن.
لقد
ناضلن من أجل هذا المطلب. قمن بمظاهرات ومسيرات بتونس العاصمة أمام الوزارة الأولى
وأمام قصر قرطاج للمطالبة بتحسين ظروف العمل وضمان جراية عند التقاعد. فرّقهن
البوليس أمام الوزارة الأولى. استقبلهن ممثل الرئيس في القصر ووعدهن بتبليغ
مطالبهن المشروعة لسيادة الرئيس. كن ينسّقن فيما بينهن في سوسة قبل السفر إلى
التظاهر بتونس العاصمة ثم يلتقين في دار اتحاد المكفوفين بالعاصمة. حضرتُ مرة
لممثلتين منهن يدافعن عن مطالبهن في مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
بالعمران الأعلى بالعاصمة وقد صفق لهن الحضور لفصاحتهن وشجاعتهن.
بعد
نضال مرير دام سنوات تحصلن على حق التقاعد لكن السلطات أغلقت المعمل لأسباب واهية
فرجعت كل بنت إلى أهلها.
كان
أجر التقاعد يساوي مرتين أجرهن أثناء العمل وقد وفر لهن نسبيا عيشا كريما يغنيهن
عن ذل السؤال وفقدان الاستقلال.
فـ"إذا
شاهدتم الأعمى فإياكم أن تقولوا له: إنه هو والليل شيئ واحد" (جبران)
ملاحظة:
الضريرة المستنيرة، التي رويت لكم قصة حياتها باختصار وكل حرف كتبته فيها يرشح حبا
واحتراما وإعجابا بمسيرتها النضالية، هي أختي الشقيقة فاطمة كشكار التي تعيش اليوم
(2016) مع عائلة أخي الأصغر أحمد كشكار تحت رعاية ملاك اسمها عائشة بنت صالح (زوجة
أخي) في قرية جمنة الحبيبة بالجنوب الغربي التونسي.
ما هي العناصر المتوفرة في بيئة
جمنة الخمسينيات التي تركت أثرا واضحا في تربيتي وفي سُلّم قِيمي
الأخلاقية والفكرية؟
كان
الإطار الذي نشأتُ فيه في طفولتي هو إطار الجيرة الممتدة وليس إطار الأسرة الممتدة
كما هو سائد في مثل هذه الأطُرِ الريفية القديمة والمعاصرة. كانت أسرتي نووية
بالمعنى الحديث للكلمة يعني تقتصر على الأب والأم والإخوة والأخوات وعمة وحيدة
حنون في جمنة اسمها "عمتي اِرْڤيَّة" وخالة وحيدة في العاصمة لا ولد لها
لذلك كنا ندعوها "أمي برنية"، لا عم ولا خال. أما جاراتي اللواتي تربيتُ
في أحضانهن -بالمعني الحرفي وليس بالمعنى المجازي للكلمة- وجيراني فهم ليسوا من
عرشي ولا من أقاربي، هم من "عرش الحَوامِد أو الڤصَارَى" أولاد
"سيدي حامد الحشّاني" (عرشي الوراثي يُدْعَى "عرش الشتاوَى"
الذي أعتز به) الذين كانوا
أقرب لي من أقاربي ولم أعرف لي في صِبايَ عرشا غير عرشهم، حُضنٌ أشعَرني وأنا صغير
بِدِفء الانتماء الإنساني السامي غير القبَلي وجنّبني العنصرية العروشية السخيفة
وهيأني في شبابي لتبني المواطنة العالمية عن اقتناع.
كان
الوقت الذي أقضيه في الشارع ليس مجرد لعب كما يعتقد الكهول والشيوخ وإنما كان وقتٌا
مخصصا للتعلم البنائي الذاتي-الاجتماعي (L`auto-socio-constructivisme de Montessori, Vygotsky et Piaget).
كان
كبار حيّنا يراقبون الأطفال وكأنهم أولياء أمورهم. كنت مُحاطا بأفراد كثيرين أكبر
مني، شبابا وكهولا وشيوخا، وكان كل واحد
منهم أو كل واحدة منهن يمثل أو تمثل بالنسبة
لي نموذجا مختلفا، مما أتاح لي فرصة الاختيار فاصطفيت من هؤلاء اثنين، أفضلهن
وأفضلهم في نظري وأحَبهن وأحبهم إلى قلبي،
"أمي يامنة" الغالية وجارنا المرحوم "عمي نصر بالهاني".
لا
توجد في قريتنا آنذاك سلطة "برّانية" ولا مؤسسات، كانت تربطنا شبكة من
العلاقات العائلية وعلاقات الجيرة لذالك لا يتعامل الفرد إلا مع مَن يعرفهم
ويعرفونه. كان بهوُ منزلنا الواسع المسقف الظليل مكانا تحلو فيه القيلولة لجميع
نساء وأطفال الحي الصغير (أو الزنڤة الحادة) وكان حبل غسيلنا المغلف ببكرات
الخياطة الفارغة المكان المفضل لتجفيف ملابس الحي كله وكان أبي يجمع حول مائدته
يوم العيد الكبير جميع الجيران الذكور، كلّ عائلة محمّلة بما طبخته بُرْمَتُهُا
(القِدْر)، عادة ورثها عنه عمي نصر ثم انقرضت بعد موت هذا الأخير، رحمه الله.
كنا
نرفق بالصغير (نتركه يتعلم بنفسه دون رقابة) وكذلك نفعل بالشيخ والعجوز (نحترمهما
ونسمع كلامهما) ونحب الحيوانات الأليفة (قِطَطُنا تعيش معنا وتأكل من قصعتنا،
ماعِزنا لا نذبحها إلا في عيد الأضحى وحمارُنا لا نحمل عليه أكثر مما يتحمل) ولا
نبذّر الماء لندرته (لا نستعمله إلا للوضوء وغسل الوجه واستحمام النساء أما الرجال
فيستحمّون في جابية الماء الجاري الصالح للرَّي والشراب) ونحِنّ على الأرض (لا
نثقل كاهلها ولا نشيد فوقها إلا ما نقطعه من أديمها) ونحافظ على الغطاء النباتي
القليل (لا نقطع منه إلا لماما لقوتِ حيواناتنا أو مصدر طاقتنا للطبخ والتدفئة).
كنا
مجتمعا مغلقا صغيرا، لا غنيَّ فيه ولا فقيرا. مجتمع غير إقطاعي وغير طبقي. مِلكية
مفتتة لم تمكّن أحدا من الغطرسة أو التكبّر. وضع اجتماعي ريفي فقير يضمن الكرامة
لكل أفراده لكنه لا يوفر لهم العيش الكريم لذلك هاجر معظم شبابه المعطل إلى فرنسا.
أتحدث
عن جمنتي، جمنة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. فهل لا زالتِ يا ربِّي كذلك؟
لا
أستطيع أن أسرد سيرتي الفكرية وخطابي في الهوية دون أن أبدأ بذكر قريتي الجميلة
ومسقط رأسي جمنة، قرية تقع بالجنوب الغربي الصحراوي التونسي، حيث ولِدت ونشأت
وترعرعت إلى سن الثالثة عشرة، سنة نجاحي في السيزيام (شهادة ختم الدروس
الابتدائية) وهي أيضا سنة انتقالي للدراسة في إعدادية سيدي مرزوق بڤابس المدينة.
ومنذ ذلك العهد، عام 1962، انقطعت علاقتي اليومية المعيشية بجمنة ما عدى العودة في
العطل المدرسية التي أصر على قضائها جنب أمي.
عام
1988، انقطعت العلاقة تقريبا نهائيا (ما عدا الزيارة أو "المرواح" في
مناسبات نادرة لتقديم التعازي للجيران والأقارب والأصدقاء عند فقدان أحد ذويهم)
واستقررت بموطني الجديد حمام الشط، مدينة جميلة أيضا تقع بالأحواز الجنوبية لتونس
العاصمة.
جمنة،
قرية عاش ويعيش معظم سكانها على فلاحة النخيل والأموال التي يرسلها عمالها
المهاجرون بفرنسا. سكان جمنة كأغلب التونسيين مسلمون يؤدون الفرائض ويقدسون
الأولياء الصالحين ويذبحون لهم الذبائح وينذرون لهم القرابين ويقيمون لهم الولائم
ويحيون لهم الحفلات الطقوسية (الحضرة العيساوية أو الحامدية أو المياحية) حيث
يولِم الناس لغيرهم فيجتمع أهل القرية على
الشطحات الصوفية والاستمتاع بالإنشاد
الصوفي ذي الإيقاع المطرب في مدح الرسول و"سيدي عبد القادر
الجيلاني" و"سيدي بن عيسى" و"سيدي حامد الحشاني،
بوڤبرين". ولا جدال في أن موطني الأصلي قد صنع مخيلتي وصبغها بترابه ومائه
وهوائه وشمسه وريحه ونخله وعنبه وخوخه ورمانه. قريتي تركت على هويتي بصمات لم و لن
تُمحَى أبدا، بصمة اللهجة الجمنية (أنِي، مِي،مِشِي و جِي...إلخ) وبصمة التمدن
الجمني (حب العلم والحث الجاد على تحصيله، واحترام الأكبر منّا سنا، وتعايش الانتماءات
القبلية المتعددة بسلام وقد نجحوا حتى الآن في إدارة صراعاتهم حول ملكية الأراضي
الفلاحية باستبعاد العنف باستثناء ما حصل أخيرا مع جارتنا قرية
"الڤُلعة" وهم بدؤوا بالاعتداء بالعنف والبادئ دائما أظلم، والحمد لله
تدخل عقلاء القريتين وهدأت النفوس). سكّان بلادي، سكّان ونصف، أعشقهم كلهم ولي
ذِكرى طيبة عنهم جميعا دون استثناء وكنت أراهم في الخمسينيات والستينيات بمنظار الطفولة والرومنطقية والشاعرية، أراهم
سكّانا تغلب عليهم البداوة، ولو قارناهم مجازا مع سكان المدن لوجدناهم يعيشون على
الشظف لا على الترف، لذلك ترى أبدانهم أصحّ، وأخلاقهم أسلم، وشرفهم أعلى، وأذهانهم
أثقب، وحريتهم أرحب، وطوِيّتهم أسلم، وخُلقهم أنقى، وحكمتهم أصوب، وكرمهم بالموجود
أكثر، وبالُهُم أوسع، وإيمانهم الفطري أقوى، وعنفهم أقل، وتسامحهم أكثر، ونيتهم
أطيب، وطيبتهم أصدق، وخبثهم إن وُجد يكون عادة خبثا ساذجا غير مؤذٍ.
عشت
طفولتي في قبيلة غير قبيلتي ولم أكن أعرف أنها ليست قبيلتي. تربيتُ على المحبة بين
الجيران مهما كان انتماؤهم القبلي ومهما اختلف لون بشرتهم.
عشت
في هذه البيئة منذ ولادتي ثلاث عشرة سنة من الطفولة دون انقطاع، تنشقت هواءها
ولفحتني شمسها وتبرّدت في مائها ونِمت مرتاح البال في ظل "كالاتوسة بن جبير".
فعلتْ فيَّ جمنة فعلها الجميل ونحتت شخصيتي بأنامل فنان عاشق، ولم أردّ لها الجميل
بعدُ. وكما قال علي حرب حرفيا: "والمرء يأتي من أمكنته وأزمنته، ويحمل أثر
أسمائه ورموزه". بلغتُ فيها أشُدّي ودرجتُ على عادات إسلامية منفتحة ومتسامحة
جدا وتطبّعت بأخلاق ريفية جمنية نبيلة وعالية، وتشكلتْ فيها رغباتي الأولى وأنا
الآن أرغب وأتخيل السعادة وفقا لما نشأتُ عليه في جمنة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
أول
من عيّن هويتي، هو لساني فأنا عربي اللسان منذ ولادتي. بفضل اللغة العربية الدارجة
في تونس، تعلمتُ كيف أُعْرِب عن طلباتي المادية وأعبّر عن أحاسيسي وأترجم
انفعالاتي الداخلية، وبها كنت أتكلم وأرمز وأحلم وأتوهم. كبرتُ وبها أصبحت أنظر
وأفكر. وهي اليوم جزء لا يتجزأ من هويتي. كيف لا، وقد صارت الكتابة بالعربية في
شباب شيخوختي هوايتي المفضلة ومتعتي الفكرية التي لا متعة لي غيرها ولا أقدر ماديا
على غيرها حتى ولو ضعفت نفسي وهفّت إلى غيرها.
نظرتُ
إلى طفولتي فوجدتُ أن ثقافتي الأصلية إسلامية وأنّ رؤيتي للعالم عربية. لقد تربيتُ
على سماع وحفظ القرآن في كتّاب الجامع (نسميها نحن في مسقط رأسي جمنة، الخَلوة)
واختتمت جزء "عمَّ" وأنا بعدُ طفل صغير، وحملتُ لوحي الخشبي المكتوب
وقرعتُ أبواب حيّنا منزلا منزلا، والأمهات المهنئات يمنحنني هدايا متواضعة على شكل
فول مطبوخ وبيض مسلوق. ما زالت ترانيم "البردة" ترن في أذني حتى الآن
وما زالت أدعية القائمين على زوايا الأولياء الصالحين تتردد في داخلي: "اللهم
ارجع الغائب سالما غانما"، "اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، يا رب
العالمين"، "اللهم لا تخيب رجاءنا يا أرحم الراحمين"، "اللهم
اغفر ذنوبنا وضاعف حسناتنا بجاه حبيبك وعبدك محمد أشرف المرسلين".
إيمان
العجائز في الطفولة، حل إثره الشك العلمي الديكارتي في المراهقة وتلته بالضرورة
جميع الثنائيات الديكارتية: ثنائية الخالق والمخلوق، ثنائية الأرض والسماء، ثنائية
الجسد والروح، ثنائية المقدس والزمني، ثنائية الصواب والخطأ، ثنائية الغث والثمين،
ثنائية الموروث الديني والمكتسب الثقافي، ثنائية اليقين والشك، ثنائية التقاليد
والعصرنة، ثنائية الرضوخ والثورة، ثنائية الحرية والمسؤولية، ثنائية الحرام
والحلال، ثنائية اللذة والامتناع، ثنائية الواجبات والحقوق، ثنائية الجنس والحب،
ثنائية الانتماء والانبتات، ثنائية الانتماء الأيديولوجي والاستقلالية، ثنائية
الوطنية والأممية، ثنائية الاغتراب والهوية، ثنائية الوعي والاستلاب، ثنائية
التديّن والتحرّر، ثنائية الأصولية والبحث المتواصل، ثنائية التيولوجيا
والإبستمولوجيا، ثنائية الظلامية والتنوير، ثنائية الإسلام والشيوعية، ثنائية
الإنسان والحيوان، ثنائية الإنسانية والمادية، ثنائية العقلانية والميتافيزيقا،
ثنائية الجهل والعلم، ثنائية الأصالة والحداثة، ثنائية المحدود واللامحدود، ثنائية
الذكر والأنثى، ثنائية النسبي والأزلي، ثنائية المطلق والنسبي، ثنائية الريف
والمدينة، ثنائية جمنة وحمام الشط. كلها في داخلي ثنائيات تتفاعل ولا تتصارع، ومن
خلال تفاعلها تُثري الواحدة منها الأخرى، ولا أعرف متى يحل التوازن الداخلي وأتمنى
أن لا يحل أبدا لأن في حلوله الموت أو نهاية التاريخ.
كنت
أعي أنني أنتمي إلى عائلة فقيرة، يُقال أنها كانت متوسطة أو غنية نسبيا في السابق
بالمقارنة مع سكان القرية. ومن سوء طالعي أنني عشتُ فقرها ولم أذق يومًا غناها.
مات أبي وأنا في سن الخامسة عشرة من عمري، كان قاسيا في تربيتنا كباقي رجال عصره،
لا يشاطرني الحديث ولا يشاطر أحدا من العائلة، كنت أخافه ولا أقترب منه، كان
يتجاهلني ولا يعيرني أي اهتمام بينما كان يدلل أخي الأصغر. ولعل هذه هي طبيعة العلاقة بين الأب والابن في ذلك العصر.
بصراحة أحببتُ أمي أكثر منه.
أثرٌ على الأثرِ. بقلم رؤوف ساسي، أستاذ السيميائية بكلية الآداب 9 أفريل (Sémilogie: Pour F.
de Saussure، science dont l'objet est l'étude de la vie des signes au sein
de la vie sociale.)
"جمنة"
قرية\مدينة تقع في الجنوب الغربي للبلاد التونسية فيها ولد محمد كشكار (الكاتب)
وترعرع طفلا إلى حين انتقاله إلى مدينة ڤابس فإلى حمام الشط المدينة الساحلية
بضواحي تونس العاصمة الجنوبية... هناك استقر الرجل زوجا وأبا لأسرة منذ أكثر من
ربع قرن... هناك خاض المعارك الفكرية والنقابية وتزودت ثقافته بما أتيح له من
أمهات الكتب وأرقاها في شتى مجالات العلم والمعرفة.
بين
كشكار الكاتب ومسقط رأسه علاقة حب لا متناهية فكما حضنته صغيرا وساهمت في صقل
شخصيته على أكثر من صعيد اجتماعيا وروحيا وسياسيا ففيها تدرب على الصعاب وأدرك
المعاني الحقيقية للنضال والمقاومة والصبر والتآزر والتسامح والتحابب، سعى هو
الآخر في الجزء الأول من هذا الكتاب إلى رد الاعتبار إلى هذه الحاضنة المعطاء
بإزالة الغبار عن العديد من وجوهها المغمورة في شتى مجالات الحياة... عطاء بعطاء
وإكرام بإكرام.
ماذا
تعني هذه البيئة الريفية القروية التي أراد الكاتب أن يخرجها للناس ويعرّفها على
أكثر من صعيد؟ إنها بإيجاز العالم القديم الذي ولى وانقضى أو هو في العديد من
وجوهه في طور الانقراض منذ أن أرست دولة الاستقلال بانفتاحها المفرَط على الغرب في
الستينيات وخاصة السبعينيات تحديدا نظمها المختلفة في الاقتصاد والتربية والثقافة
بشكل عام والكاتب في رد اعتباره لجمنة إنما أراد في واقع الأمر أن يصحح العديد من
المفاهيم والمقولات الخاطئة حول العالم الريفي\القروي إلى حدود الخمسينيات وهو
بذلك يواجه أفكار العديد من المثقفين "الحداثيين" الذين يرون في ذلك
العالم مرادفا للتأخر والتقهقر (عادات وتقاليد لا يمكن أن تساير العصر وأن تنصهر
في روحه وفي فلسفته الواعدة بالسعادة الأرضية كما بشر بها روّادها...) ينحو كشكار
منحى معكوسا تماما لهؤلاء ويقدم الدليل على أن الريف أو العالم الريفي القروي
القديم كان قبل أن تطأه أقدام الحداثة الزاحفة نموذجا ذا قيمة عالية جدا في العديد
من المجالات الحيوية الاجتماعية والفكرية والروحية وحتى الصحية والبيئية وغيرها...
يكفي حسب الكاتب أن نزيل الغبار عن هذه البيئة وأن ننظر إليها بعين مغايرة بعيدا
عن الأفكار المسقطة (préjugées) وأن نتسلح أيضا بمقاربات جديدة
تأخذ من شتى أصناف العلوم والمعارف الحديثة حتى ندرك ما لهذا العالم الريفي من
درَرَ وجواهرَ أهمِلت أو أقبِرت عمدا لتضاربها رأسا مع "الفكر الحداثي"
في أساليبه وغاياته.
الطرح الحداثي\Thèse طرح الكاتب\Anti-
المدينة\الإنسانية الموعودة، السعادة الريف\الإنسانية المنجزة، السعادة
الريف\شقاء
الإنسان وبؤسه
المدينة\شقاء الإنسان وبؤسه
فحوى الجزء الأول من هذا الكتاب: الطرح
والطرح المعكوس: نماذج للاستدلال:
في
ثلاث أرباع هذا الجزء تقريبا يقدم كشكار بحكم تكوينه العلمي (التعلّمية Didactique وتعلّمية البيولوجيا بوجه أدق) نماذج يبين من خلالها
مدى ثراء البيئة الريفية\القروية في العديد من المجالات وتحديدا تربية الأطفال قبل
المدرسة والتغذية البيولوجية وجمنة في البابين مدرسة تحقق -حسب رأيه- للفرد تكوينا
تلقائيا طبيعيا يتضارب مع السائد في عالم المدينة من ناحية ويتناغم مع أهم
الاكتشافات الحديثة بل ولعله يفوقها أيضا
(منجزات مونتيسوري وبياجي وفيڤوتسكي) من ناحية أخرى.
في المقال المخصص للتربية الحديثة يشير
كشكار إلى المسافة الإبستيمية (المعرفية) الفاصلة بين عالم القرية الريفي وعالم
المدينة... في جمنة يتعلم الأطفال بالاختبار والتجربة، يدركون الأشياء ومعانيها من
خلال الصعوبات التي تعترضهم دون أي تدخل خارجي مؤطِّر يُبلِّد أذهانهم ويدجنها...
فالحياة بكل ضروبها وألوانها بأهوالها ومسراتها، بأزماتها وآلامها وانفراجاتها
(بحلوها ومرِّها كما يُذكر في الأمثال الشعبية) هي التي تشحذ العقل وتنميه وتجعل
الكهل لاحقا قادرا على البناء والتشييد وخاصة على اجتياز العقبات التي تعترضه
أثناء حياته الطويلة.
إن الطفل المختبر للحياة هو صانع الرجل:
"أبوه" بالمعنى الفرويدي وهذا تحديدا ما أراد الكاتب أن يبرزه من خلال
نماذج حية استقاها من معيشه الخاص... نماذج ما كان له بدونها أن يكون كما أصبح
عليه اليوم.
"تعلمت
عن طريق اللعب..."
"تعلمت
فلاحة الأرض..."
"تعلمت
تربية الماعز..."
"تعلمت
الاعتماد على النفس..."
"تعلمت
وتحملت مشقة العمل اليدوي..."
"تعلمت
التكفل بمصاريف عائلتي..."
"في
المقابل" "تعلم البيئة الحضرية" "الذهاب إلى الروضة أو
المدرسة" (الترويض كشكل من أشكال التدجين) أو إلى حصص المراجعة حيث يُستهان
بالذكاء التجريبي والجسماني وتُقمع المبادرة الفردية ويُركز على الذكاء الذهني...
لا يتعلم أطفالنا الأعمال اليدوية ولا النحت ولا الرسم ولا المسرح ولا الموسيقى
ولا الطبخ ولا الخياطة..." بل يتحول جلهم إلى كائنات مبرمجة (formatés) مكيفة (acclimatés) تصنع ما يراد منها أن تصنع حسب أهواء السوق وبعيدا
عن حاجيات الإنسان الأساسية الطبيعية... والذكاء المبرمج لدى الكاتب لا علاقة له
في خلفياته وأهدافه مع الذكاء التجريبي، الاختباري الذي يجعل من الفرد ذاتا حرة،
مستقلة، منعتقة، (sujet)، لا آلة بين الآلات التي سخرها النظام الرأسمالي (أي
موضوعا objet) لبلوغ أهدافه اللائنسانية.
في باب آخر من "جمنة" وطبقا
لنفس المنطق التحليلي النقدي يشير الكاتب إلى مزايا ومناقب النظام الغذائي
التقليدي الطبيعي في الريف وفي القرى الريفية... فإن كان الإنسان في الحاضنة
الطبيعية "صانع" نفسه وصانع حاجياته بنفسه فإنه على عكس ذلك تماما في
المدينة فهو مهيأ (مروض\مدجن ) منذ صغره بحكم تكوينه المعرفي من المحظنة (Le jardin d`enfants) إلى المدرسة فإلى الجامعة أن يكون عجينة طيعة لما
تريده السوق بكل وسائلها وتقنياتها الدعائية الضخمة، فهو لا يتغذى حسب ما تمليه
عليه تركيبته البيولوجية بل طبقا لمواصفات المختصين الغذائيين (Les nutritionnistes) في عالم الاستهلاك الرأسمالي المحلي والعالمي على
حد سواء.
وإذا ما نظرنا إلى هذين النظامين
التعليمي (نمو الروح والذهن) والغذائي (نمو الجسد) والعلائقي أدركنا حجم الكارثة
التي حلت بالإنسان "المتحضر" في عالم المدينة الفاضلة الموهومة منذ
بدايات الستينيات وأواسط السبعينيات تحديدا...
الطبيعة\جمنة السوق الرأسمالية\المدينة
الإنسان الحر الإنسان
المكبَّل
الذكاء التجريبي الذكاء المبرمج
(Expérimental) (Artificiel)
الغذاء الغذاء
حسب حاجيات الجسم الأولية حسب حاجيات السوق
التواصل مع الآخر كامتداد للأنا التواصل مع الآخر من حيث
في كنف الطبيعة الحاضنة بضاعة أي قيمة تجارية
Valeur
d`usage تناغم Valeur marchande
داخلي
يتعلق
كتاب "جمنة" بآخر حلقات هذه السلسلة المنظومية ليقدم الكاتب من خلال
بلدته القروية الريفية نماذج نيرة ومشرقة من التعامل الإنساني... مشاهد مختلفة من
التآزر والتضامن الاجتماعيين... وآيات في التعاطف والتحابب والكرم والإخلاص
والتفاني في العمل والصدق والتضحية وحفظ الأمانة إلخ... لم يتعلم ابن جمنة هذه
القيم في المدارس والمؤسسات الرسمية للدولة\السلطة وإنما استقاها بوعيه
"الفطري" من حاضنته الطبيعية ومن صميم حياته اليومية وما خاضه فيها من
تجارب... ولعل أهم قيمة فيما ألح عليه الكاتب في خاتمة الجزء الأول من كتابه حول "جمنة"،
الحرية... ففي جمنة يولد الناس أحرارا ويبقوا هكذا إلى مماتهم... فهذه القيمة ليست
مكسبا اجتماعيا أو سياسيا مسَنَّى في قولنين معينة ومحصن بالعديد من الضوابط
والشروط والآليات التطبيقية كما هو الحال في العديد من الدساتير الوضعية بل هي من
وحي الوجود الكوني نفسه والتحام الإنسان به التحاما كليا مطلقا... وليس غريبا أن
يفصح ابن الجريد، الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي عن ذلك مغنيا:
خلقت
طليقا كطيف النسيم
وحرّا كنور الضحى في سماه
تغرد
كالطير أين اندفعت
وتشدو بما شاء وحي الإلاه
إن الحرية في هذا العالم الريفي حاجة طبيعية تسري في أذهان
الناس وأنفاسهم سريان الدم في العروق فلا ضرورة للتذكير بها والاحتفاء بمزاياها
ومناقبها كما تفعل الدولة\السلطة في مؤسساتها...ثم ألا نجد في ما ذكره الكاتب عن
جمنة الحرية أو جمنة الحرة أثرا لذاك التراث الأمازيغي الضارب في القدم والمتأصل
أيضا إلى حد الساعة في عقلية الإنسان الريفي فالأمازيغي اسم على مسمى... حرٌّ أو
لا يكون. ومن تلك القيمة المقدسة استمد الريفي والقروي على حد سواء أجلى وأبهى
معاني وجوده...
أزمة
الحداثة وأزمة الهوية في جمنة
"جمنة" شجرة تخفي غابة من
الطروحات والمقولات حول الحداثة والأصالة... أسئلة عديدة تفرض نفسها بإلحاح منذ
بدايات عصر النهضة في أواسط القرن التاسع عشر وتعممت بشكل درامي مع اللبرالية
الزاحفة والرأسمالية المتسلطة المتجبرة في خمسينيات وستينيات وأواسط السبعينيات من
القرن المنصرم...
إضافة إلى قيمته الوثائقية
الأنتروبولوجية والأكاديمية بشكل عام ينفتح الجزء الأول من هذا الكتاب " في فن العيش قديما جمنة الخمسينيات نموذجا؟" على
بعدٍ آخر، إيديولوجي يحيل الكتاب إلى مأزقين متزامنين لا ندري تحديدا كيف يمكن
تجاوزهما... مأزق الفكر الحداثيي العولمي المتوسل بالعلم والمعرفة والأخلاق أيضا
(حقوق الإنسان وما تبعها) لفرض أنماط من العيش والتعامل بعيدة كل البعد عن عادات
وتقاليد العديد من المجتمعات النامية أو في طور النمو... والعولمة في ممارساتها
المعروفة في شتى مجالات الحياة برهنت بشكل مفضوح وصارخ على مدى لا إنسانيتها مما
دفع بالعديد من المفكرين الغربيين من أمثال شمسكي وإدغار موران وميشال هونفري
وألبار جاكار كل في اختصاصه إلى التفكير في بدائل أخرى تعيد للإنسان إنسانيته
(بدائل ما بعد الحداثة)... عربيا يقدم كشكار النموذج التقليدي(ما قبل الحداثة)
كمسلك من المسالك الممكنة للخروج من الراهن المعفّن، المدنّس، الردي، إلى حياة
أخرى تعيد للإنسان حريته المفقودة وبالتالي إنسانيته وكرامته... لكن كيف؟ وبأي
وسائل عملية ملموسة يتحقق هذا المطمح النبيل؟ رائع أن نحلم بماضينا وبكل وجوهه
النيرة المشرقة لكن أروع أن نجد له السبل الكفيلة لتحقيقه... كيف يمكن لجمنة
كمنظومة من "القيم النبيلة" (Valeurs authentiques)
على حد قول جورج لوكاتش أن تفرض نفسها مجددا على عالم آخر، نقيضها تماما (وجهها
المعكوس)، عالم "القيم المدنّسة" (Valeurs dégradées)… إن الصراع القائم اليوم بين هاتين
الرؤيتين للعالم (Visions du monde) ومدى التصادم بينهما تحت العديد
من المسميات: صراع أجيل، صراع حضارات، صراع ثقافات، صراع جنوب شمال، مستعمِر
مستعمَر، طبقة رأس المال العالمي بكل كمبرادورياته وترساناته المالية والعسكرية
والملتميديائية وعمال العالم في كل الأقطار، إلخ... يفرض في اعتقادنا وبحكم خطورته
نمطا جديدا من التفكير الوسطي البراڤماتي... ولقد ذهب كشكار في هذا المنحى شوطا
فكان همه في كل أبواب كتابه أن يوفق بين جيد القديم وجيد الحديث... وما هذا
التناغم والتلاقي بين ما قدمت جمنة الأصيلة وأحدث الدراسات العلمية التي ذكرنا إلا
دليل قاطع على إمكانية التجاوز دون الوقوع في التطرف تحت أي عنوان باسم الأصالة
كان أو باسم الحداثة وهنا تكمن خصوبة هذا العمل وقيمته المعرفية الأكاديمية.
نعم! يُمْكِنُ كما فعل الكاتب أن نعيد قراءة الماضي لنستفيد
منه مستنيرين بالحاضر كما يجوز لنا أيضا أن ننقذ هذا الحاضر من براثن العولمة
العمياء الطاغية المستبدة مستفيدين من دروس الماضي. وأية دروس!!
وللأطفال نصيبٌ
في هذا الكتاب الموزاييك
قصتان قصيرتان من
وحي التراث الجمني
بقلم التهامي
الشايب
أصيل جمنة
ومتفقد طفولة متقاعد
حكاية القرية والعنب العجيب
في
قرية صحراوية كانت الحياة عادية جدا فكل سكانها مزارعون ولكنهم ليسوا بمزارعين بسطاء.
فمنذ أن وصل النور الكهربائي إلى القرية ودخلها التلفزيون وكل لوازم الحياة
العصرية أصبحت حياتهم تشبه حياة سكان المدن.
في
يوم من أيام الشتاء البارد جدّ في القرية شيء غريب وأصبح حديث السكان كلهم. ذلك أن
أشجار العنب نبتت في كل مكان دون أن يزرعها أحد وملأت كل المنازل والأنهج والأزقة.
فرح
الناس بهذه الأشجار فهي زيادة على غلتها الطيبة ستظلل القرية وتحميهم من شمس الصيف
الحارقة.
في
تلك السنة وعلى غير عادتهم انتظر أهل القرية قدوم الصيف بفارغ الصبر حتى تنضج
عناقيد العنب المتدلية في كل مكان.
جاء
الصيف وأصبحت العناقيد تصفرّ شيئا فشيئا وكانت حباتها أكبر من حبات
العنب التي يعرفها الناس، وصار الفرح يدغدغ جميع الناس في انتظار العنب الناضج
الشهي.
وبعد
انتظار طويل، نضج العنب وكانت المفاجأة بل قُلِ المصيبة التي أهلكت عددا كبيرا من
الناس. فكل الرجال والنساء الذين مدوا أيديهم لقطف العنب ماتوا في الحين. ذلك أن
عقارب كثيرة تخرج من حبات العنب فتلسعهم لسعا قاتلا.
ولكن
وقع أمر غريب آخر، وهو أن أطفال القرية فقط لم تلسعهم تلك العقارب بل إنهم يقطفون
العنب ويأكلونه فيجدونه لذيذا ومغذيا. أما الكبار فبمجرد أن يقترب أحدهم من عنقود
إلا وتتحول كل حباته إلى عقارب تلسعه فيموت.
وبما
أن العناقيد في كل مكان فقد هرب سكان القرية وأقاموا لهم في الخلاء خياما، وكانوا
يرسلون الأطفال ليأتونهم ببعض لوازم الحياة كالمؤونة وأواني الطبخ بعد أن يوصوهم
بعدم إحضار العنب اللعين.
بعد
أيام من هروب الناس ذهب بعض الأطفال إلى القرية فرأوا "الطيب" وهو رجل
مهبول يعيش في القرية ولكنه لا يملك شيئا ولا يهتم بشيء بل تراه دائما يضحك ويأتي
بأفعال وحركات غريبة، وهو يرفض حتى إحسان الناس إليه، يأكل ما يسد رمقه وينام
أينما أصابه النعاس.
سأل "الطيب"
الأطفال عن أهلهم فأخذوه إليهم. وحينما وصل تعجب الناس كيف أن العقارب لم تلسعه،
استفسروه عن ذلك فأخبرهم أنه يعرف سر هذا العنب وقد أكل منه كثيرا ووجده لذيذا.
أخذ يحدثهم قائلا: "إن هذا العنب ينبت عادة في الأرض التي يكثر فيها النفاق
والغش وحب الذات والخداع، وقريتكم مليئة بكل هذا! كان أجدادكم الطيبون يحبون بعضهم
بعضا، وكان الأغنياء منهم يعطفون على الفقراء ويقتسمون معهم لقمة العيش. كانوا
ينامون وقلوبهم صافية، ولا يودون لبعضهم البعض إلا الخير. أما أنتم فقد ساءت
طباعكم وأصبح كل واحد منكم لا تهمه إلا مصلحته الشخصية، احتقرتم
فقراءكم الذين هربوا من القرية بعد أن أضناهم الجوع
وأصبحتم منافقين مخادعين لا تضمرون لبعضكم البعض إلا الشر. لهذا نبت هذا العنب في
أرضكم وإن بقيتم على ما أنتم عليه فسيتبعكم هذا العنب وينبت أينما أقمتم.
ولهذا أنصحكم بالصفاء والمحبة وإضمار الخير لكل الناس وإن لزم الأمر تعلموا من
أطفالكم كل هذه الخصال الطيبة والتي بسببها لم يؤذهم العنب بل غذاهم وأشبعهم. أما أنا
فسأعود إلى القرية لأكل المزيد من العنب".
رجع
"الطيب" إلى القرية وقد ترك أهلها حائرين واجمين. فإما أن يعملوا
بنصيحته أو هلكوا جميعا. (نُشرت بالعدد 13 من مجلة "عرفان" في نوفمبر
1991)
المسحاة الوفية
في
الصباح الباكر جلس حامد قرب الحائط ومسحاته جنبه كعادته كل يوم، لعل أحد الفلاحين
يمر ويطلب منه عزق قطعة أرض وبذلك يحصل على قوته وقوت عياله.
فمنذ
أن شرى راغب جرارا لم يعد أحد يطلب منه عزق أرضه بل أصبح كل الفلاحين يستأجرون
جرار راغب الذي يحرث الأرض بسرعة وبعمق أكبر مما تفعله المسحاة.
بينما
كان حامد جالسا يوما واضعا رأسه بين يديه إذ ناداه صوت:
-
حامد يا حامد
-
نعم، ماذا تريد؟
-
لي أرض أريد عزقها وجرار راغب يحرث أرض فلاح آخر فهل
يمكنك حرثها بمسحاتك؟
فرح
حامد وذهب مع الفلاح وبدأ عمله بنشاط. كانت الأرض واسعة والأجر زهيدا ولكنه أفضل
من البطالة.
عزق
حامد مساحة كبيرة، تعب فذهب تحت شجرة ينال قسطا من الراحة. نهره الفلاح قائلا:
"هل جئت هنا لتنام... اسمع، إذا لم تكمل عزق الأرض كلها هذا اليوم فلن أعطيك
مليما واحدا".
نهض
وعزق مساحة أخرى، أحس بالتعب فترك مسحاته وذهب يتمدد قليلا فغليه النعاس. وعندما
استيقظ لم يصدق عينيه: يا للعجب إن الأرض كلها معزوقة وبطريقة جيدة، لا بل حتى
الأرض التي بجانبها معزوقة أيضا. مَن يا ترى فعل هذا؟
فرح
حامد رغم حيرته وذهب إلى الفلاح ليتسلم أجره وطالبه بأجر عزق الأرض الأخرى.
كان
الفلاح راضيا بل سعيدا بعدما شاهد العمل وسلم حامد أجرا مرتفعا وطلب منه أن يعزق
ضيعته كلها لأن عزقه أحسن من حرث الجرار فحتى الحشائش الطفيلية قد جُمعت والأرض
نظيفة لا تنتظر إلا البذر مع أن تلك المساحة لا يقدر على حرثها الجرار في يوم
واحد.
عاد
حامد إلى منزله ومعه سلة مملوءة بما لذ وطاب، سألته زوجته عن مصدر كل هذا الخير
فأخبرها بما وقع وأظهر لها حيرته.
تمدد
على فراشه ولم ينم لأنه لم يفهم ما حدث.
وبينما
هو في حيرة إذ سمع صوتا خافتا يناديه من خارج الحجرة. خرج يبحث عن مصدر الصوت فلم
يجد أحدا، لكن الصوت ناداه مرة أخرى:
-
حامد يا حامد، أنا مسحاتك.
-
عجبا مسحاتي تتكلم!
-
نعم، اقترب لأخبرك عن سر ما وقع اليوم.
اقترب حامد فأخذت تحدثه قائلة: "اسمع يا حامد، أنا
الذي عزقت الأرض بنفسي وأنت نائم. أنت إنسان طيب تعمل بجد وإخلاص وتحب الخير لكل
الناس ولهذا ساعدتك وسأساعدك. أوصيك فقط ان تحذر الشرير راغب فلن يتركك بسلام.
ولهذا إذا أردت في المستقبل عزق أرض فعليك أن تأخذني ليلا إليها وتضعني فيها وسوف
تجدها بعد لحظات معزوقة نظيفة على شرط أن لا يعلم سري أحد غيرك.
في الغد جاءه كثير من الفلاحين يطلبون منه عزق بساتينهم.
قبل حامد كل الطلبات. كل ليلة بعد أن ينام الناس كان يأخذها ويتجه إلى إحدى
الضيعات فتقوم المسحاة بالعمل وبسرعة فائقة مهما كانت المساحة كبيرة.
انتشر الخبر بين الناس فغضب راغب غضبا كبيرا لأن جراره لم
يعد يستأجره منه أحد. صار كل الفلاحين يستأجرون حامدا ومسحاته فصمم راغب على كشف
سر حامد. أخذ يراقبه حتى عرف ما خفي.
وفي إحدى الليالي هجم راغب وأعوانه على حامد وافتكوا منه
مسحاته العجيبة بعد أن أشبعوه ضربا وتركوه مرميا والدم ينزف منه حتى مات.
منذ ذلك اليوم انقلبت حياة راغب إلى كابوس: أفاق في الغد
فوجد ضيعته الكبيرة خرابا، أشجارها مقطوعة وزرعها مقلوع وأرضها محفرة.
حاول استغلال المسحاة لصالحه فرفضت ولم تحرك ساكنا فرماها
في النهر وحرث الأرض بالجرار ثم أعاد زرع أشجار جديدة فيها وأصبح يحرس الضيعة ليلا
نهارا بنفسه وبمعية أعوانه.
وذات ليلة شاهدوا مسحاة حامد وهي تتلف الزرع والأشجار
وتفسد ضيعة راغب. حاول أعوانه دون جدوى إيقافها فكل من اقترب منه جرحته وبعد أن
أتمت تخريب الضيعة بأكملها، شاهدوها تطير فتبعوها إلى أن أوصلتهم للمقبرة وفي قبر
حامد انغرست وسكنت. أرادوا قلعها أو كسرها، فشلوا في مسعاهم فعادوا إلى منازلهم
مهزومين.
في الغد جاء جميع أهل القرية إلى المقبرة وتجمعوا حول
قبر حامد ووجدوا المسحاة نائمة فوقه. تصدّرهم راغب وقال: "يا حامد أرجوك كف
أذى مسحاتك عني وعن ضيعتي". وكم كان عجب الناس عندما سمعوا المسحاة ترد عليه
وتقول: "يا راغب أنت رجل شرير وطماع وقد انتزعت من الفلاحين الفقراء أراض
كثيرة وبالربا أقرضتهم مالا عجزوا عن تسديده فساءت أحوالهم وزدتهم فقرا على فقر.
ثم إنك تؤجر جرارك اللعين بأثمان مشطة ولم يكفك جشعك هذا فقتلت حامدا ولهذا لن أكف
عنك حتى ترجع الأراضي التي انتزعتها ظلما لأصحابها وتخفض من مقابل كراء الجرار
وتتنازل عن جزء هام من ضيعتك لأرملة حامد
وتحسن من طريقة معاملتك للناس.
قبل راغب كل شروط المسحاة ونفذها بحذافيرها. ومنذ ذلك
اليوم لم ير الناس المسحاة أبدا وأصبحت ضيعة أرملة حامد من أفضل الأراضي وأوفرها
محصولا رغم أنها لم تستأجر يوما عمالا ولا جرارا.
قد
تكون مسحاة المرحوم هي السبب... ولكن لا أحد من الناس شاهدها رغم مراقبتهم للضيعة
24 على 24. (نُشرت بالعدد 23 من مجلة "عرفان" في مارس 1992)
الجزء الثاني:
جمنة والثورة
عندما تنتصر
المصلحة العامة على المصلحة الخاصة
باسمي وباسم أغلبية
المواطنين الجمنين، أتوجه بالشكر إلى أصدقاء جمنة الذين كتبوا البعض من المقالات
المجمعة في هذا الكتاب: محمد المثلوثي، لخضر لحضيري وغسان
بن خليفة.
إهداء الجزء الثاني من
هذا الكتاب إلى أبطال جمنة، المواطنين الصالحين الذين توفرت فيهم
خصال أربع، خصال لا تتوفر عادة إلا في الأنبياء: الصدق والأمانة ونكران الذات
والتطوع لوجه الله دون انتظارِ جزاءٍ ولا شكورٍ. أعضاء "جمعية حماية واحات
جمنة"، المناضلون الآتية أسماؤهم وصفاتهم وصورهم من اليمين إلى اليسار: محمد الطاهر الطاهري (José Bové de la Tunisie): رئيس، بلڤاسم
الشايب: نائب الرئيس، علي حمزة: أمين مال، صالح عبد الجواد: كاتب عام، عبد
المجيد الحاج أحمد: أمين مال مساعد، عليَّه عبد السلام:
كاتب عام مساعد، أعضاء:
أحمد كشكار، منصور بن خليفة،
إبراهيم الخليل، عنتر رحموني، الحسين عبد القادر.
في العاصمة أُسقِطَ مخلوعٌ وفي جمنة مخلوعانْ!
جل المعارضين التونسيين ينقدون السلطة
ويغازلون الشعب لأنهم يسعون إلى السلطة عن طريق الشعب أما أنا فأنقد الشعب ولا
أغازل السلطة لأنني لم أسعَ يوما ولن أسعى البتة لإرضاء الشعب نفاقا ولن أفعلها
لإرضاء السلطة تقرِّبًا وتزلِفًا. أسعى فقط إلى تغيير التصورات غير العلمية حول
العالم بالتعامل معها بحذر لدى من يحملها ومحاولة تعويضها قدر المستطاع بتصورات
علمية بمساعدة من لديه رغبة ذاتية في التحول إلى الأفضل (Changement conceptuel).
يبدو لي أن شعبا لا يعمل ولا يبادر
ولا يشارك ولا يتطوع لحل أزمته، هو شعبٌ واهم كسول ولا يستحق حرية ولا كرامة مع
احترامي للمناضلين الطيبين فيه من كل الحساسيات السياسية دون استثناء أحد وهُم
كُثْرُ. الحرية والكرامة ليستا هديتين تُمنحان من الحكومة أو من الخارج بل هما
قِيمتان تُكتسبان وتُصنعان بعقل عمالنا بالفكر وعرق عمالنا بالساعد.
يقولون وأنا أول المصدقين، أن العامل
الألماني، بعد هزيمة بلاده في الحرب العالمية الثانية، كان يعمل 12 ساعة في اليوم
ويتقاضى أجر 8 ساعات فقط وذلك من أجل إعادة تصنيع بلاده وإعمارها من جديد بسرعة
البرق للحاق بركب الدول الغربية المتقدمة والمنتصرة. كذلك فعَل العامل الياباني
والعامل الكوري الجنوبي.
لماذا لا
نتخذ هذه الشعوب الكادحة قدوة لنا ونصبر ونصابر ونعمل حسب جهدنا ونأخذ حسب حاجتنا حتى
تنهض بلادنا وبعد ذلك نطالب بالزيادة في الأجر وتحسين ظروف العمل؟ لو لم نخلق ثروة
بأدمغتنا وسواعدنا ونراكم رصيدا نقديا في البنوك، فمِن أين سنأتي بالزيادة في
الأجر؟ أمامنا حل واحد لا ثاني له، نأتي بالزيادة إذن من البنوك الأجنبية (صندوق
النقد الدولي والبنك العالمي) وهذا الإجراء يُعتبر في علم الاقتصاد الرأسمالي من
أوهَى الحلول وهو في الحقيقة مجلبة للتبعية وبابٌ للتفريط في كرامتنا والتخلي عن
استقلاليتنا الوطنية.
بِجِدٍّ وحزمٍ وبطريقة استباقية، سأردّ
على كل مَن سيقول لي جدلا أن مقارنتي بين الشعب التونسي والشعب الألماني لا
تجوز: لماذا دَومًا نحتقر أنفسنا ولا نثق في قدراتنا؟ أهُمُ رجال، ونحن رجال
مع تأجيل التنفيذ؟ وها قد حان موعد التنفيذ! نحن في جمنة قررنا ونفذنا ولم ننتظر.
يُقيَّمُ نجاح الثورة بتحقق أهدافها
وتفعيل شعاراتها: في جمنة، تَجسَّمت شعارات الثورة التالية: "التشغيل استحقاق
يا عصابة السرّاق" و"تونس حرة والتجمُّع على برَّة". وفعّلتها جمنة
بالكيفية التالية: أسوق لكم مثالا تونسيا خالصا في الوطنية والتطوع ونكران الذات،
مثال حدث في خضم ثورة 14 جانفي 2011، وقع في جمنة، قرية في ولاية قبلي: اعتصم
أهلها 150 يوما من أجل استرداد حقهم في ملكية واحة تقع في أرضهم، واحة كبيرة تعدّ
تسعة آلاف نخلة نوع "دڤلة نور"، استرجعوها من متسوغ ("عصابة
السرّاق") كان تسوغها بالرشوة وكان يكسب سنويا من ورائها ملايين الدنانير
نهبا وظلما وبهتانا، اعتصموا 150 يوما ولم يقطعوا طريقا ولم يحرقوا شجرة ولم
يقتسموا أرض الواحة ولا نخيلها فوضويا رغم احتياجهم الشديد و كثرة العاطلين في
القرية. تكونت في الإبان "لجنة حماية الثورة" التي تحولت فيما بعد إلى
"جمعية حماية واحات جمنة" فمنعت أولا المتسوغ المخلوع من دخول الواحة
المعنية وثانيا حافظت على نخيل الواحة من الإتلاف والنهب والحرق، بل حسّنته ولقّحت
أزهاره وغلفت عراجينه ضد الأمطار وداوَت ثماره ضد الأمراض وباعت محصوله لِخريف
2011 بمليون دينار، أكثر من العام السابق، وشغّلت ("التشغيل استحقاق")
العشرات من أبناء البلد العاطلين عن العمل (تقريبا 114 عامل قار عوض 8 فقط في عهد
المخلوعَين، السلطة المستبدة مجسمة في المخلوع بن علي وفي رَجلَيْ الأعمال الممثلَيْن
في المخلوعين المتسوغين للواحة) وتعتزم الآن تكوين شركة وبناء مصنع للتمور في نفس
البلدة. تتكون "لجنة حماية الثورة" أو "جمعية حماية واحات
جمنة" لاحقا من أساتذة وعمال وفلاحين وتجار، فيهم القومي والنهضاوي والمستقل
وناطقهم الرسمي نقابي يساري وهو لم يدّع يومًا رئاستهم ولا قيادتهم فكل أعضاء الجمعية كانوا
ولا زالوا بعد خمس سنوات متطوعين ليلا نهارا دون مقابل ولا يوجد فيهم تجمّعي واحد
("تونس حرة والتجمُّع على برَّة"). عملوا متطوعين لوجه الله متضامنين
بصدق وجِدّ وشفافية لمدة خمس سنوات ولا زالوا يسعون لتحقيق أهداف الثورة في سبيل
المحافظة على المصلحة العامة وقد لاقوا المساندة الكاملة من كل الأطياف السياسية
الجمنية دون استثناء، لكن -و للأسف الشديد- لا زالت الحكومة الحالية تماطلهم ولم
تتنازل عن ملكية الأرض لأصحاب الأرض المواطنين الجمنين ولم تفوّت لهم في هذه
الواحة الواقعة على أرضهم بيعًا أو كراءً.
لقد فاق أعضاءُ "جمعية حماية
واحات جمنة" العمالَ الألمان واليابانيين والكوريين في الوطنية والتضحية
ونكران الذات وأصبح بعض أهالي قبلي ينعتونهم باليابانيين الجمنين، عملوا خارج
أوقات عملهم الرسمي ليلا نهارا دون أجر، خالِصِي النية والفعل، ناكرين لذواتهم،
وتبرعوا لموطنهم جمنة بأكثر ما تبرع به العامل الألماني والياباني والكوري
لأوطانهم، خدمة للمصلحة العامة دون أن ينتظروا جزاءً ولا شكورا من أحد.
وبما أنني أصيل هذه القرية العريقة،
جمنة، شاركتُ عن بعد في إنجاح هذا المشروع الثوري الجبار بما أقدر عليه من مجهود
متواضع جدا جدا، ماديا ومعنويا ودعائيا ولا زلت أتابع خطواته وأبارك طموحاته في
إنشاء شركة رسمية تتولى إدارة المشروع ومما أثار إعجابي أكثر بجميع أعضاء
"جمعية حماية واحات جمنة" هو إصرارهم كلهم دون استثناء على عدم الترشح
لتبوّء أي منصب في مجلس إدارة هذه الشركة المحتملة أو شغل أي وظيفة مستقبلية فيها.
وأستغل هذه المناسبة لأتقدم بالشكر
والامتنان لجميع أعضاء "جمعية حماية واحات جمنة" لأنهم وفروا لي فرصة
تجسيم "مواطنتي العالمية" أفضل وأنفع تجسيم قولا وفعلا: لقد ساندهم
معنويا مدير أطروحتي بيار كليمان، الأستاذ المتقاعد من جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا،
بمعية زملائه من عديد الجنسيات وزارهم في جمنة صحبة زميلة له من جينيف بعد ما قدم
لهم في البداية مساندة مادية متواضعة تجسمت في حوالة بمقدار ألف أورو، جمعها من
زملائه الفرنسيين المساندين للثورة التونسية والذين يرون كما أرى أن الثورة
التونسية لم تتحقق على أفضل وجه إلا في جمنة. ويا ليتها تعمّمت بهذا الوجه في
الشمال الغربي بجميع أراضي الطرابلسية وضيعات أزلام النظام القديم التي عُيِّن على
رأس كل واحدة منها مؤتمن عدلي حكومي ولم ترجع لمستحقيها من المواطنين.
هكذا تكون لجنة
حماية ودعم الثورة أو لا تكون؟
هي لجنة دعم وحماية الثورة بجمنة-ڤبلي. نمرّ مباشرة إلى
تعداد أهم إنجازاتها بفضل مجهودات أعضائها
الممثلين لكل الأطياف السياسية والذين يُعتبرون تقريبا من بين أفضل ما
أنجبت جمنة، لجنة فريدة من نوعها دون رئيس أو مرؤوس بل كلهم أعضاء ورؤساء في الوقت
نفسه:
-
في خضم الثورة استرجعت هذه اللجنة مشروع واحة النخيل
"السكاست" (عشرة آلاف نخلة منتجة لنوع "دڤلة النور") الكائن
بأرض بلدية جمنة بعد ما افتكتها ثوريا من رأسمالي أقل ما يُقال فيه أنه مواطنُ فاسدٌ
ماليا، كان هذا الأخير يستأجرها ظلما وبهتانا من وزارة أملاك الدولة سنويا ببعض
آلاف الدنانير ويبيع المحصول السنوي بمليون دينار، مع العلم أن هذا الجشِع استأجر
الهكتار الواحد من أملاك الدولة بثمانين دينار سنويا على أساس أنها أرض بيضاء غير
مغروسة والواقع أن الهكتار الواحد يضم تقريبا مائة نخلة والنخلة الواحدة تنتج
سنويا كمية من التمور بمقدار مائة دينار تقريبا. نجحت اللجنة الموقرة -التي تشتغل
تطوعا دون مقابل- في إدارة شؤون الواحة وسهرت على الري وتلقيح النخيل ثم باعت
المنتوج بما يقارب المليون دينار وهي الآن تعبّر عن استعدادها لأن تسلّم الجمل بما
حمل من ريع الواحة المالي إلى مجلس إدارة قارّ ومنتخب من أهالي جمنة -مجلس لن
يترشح فيه أعضاء اللجنة المعنية- حتى يكمل المشوار بصفة رسمية ومهنية حسب الاتفاق
الذي سوف يُبرم إن شاء الله مع وزارة الفلاحة ووزارة أملاك الدولة.
-
نظمت اللجنة المحترمة ثلاثة انتخابات جمنية جزئية نزيهة
وشفافة وحرّرت أو افتكت من أزلام العهد البائد وبصفة ديمقراطية كل السلطات المحلية
المتواجدة داخل القرية: أولا أجرت انتخابات ديمقراطية لانتخاب عمدتَي البلد، ثانيا
جددت أعضاء الجمعية المسيّرة لمدرسة المعاقين بجمنة وثالثا شاركت في اختيار وتعيين
أعضاء اللجنة الخصوصية المؤقتة لتسيير شؤون البلدية.
-
وفرت اللجنة عشرات مواطن الشغل داخل الواحة المسترجعة.
-
بَنَت قاعتين للتدريس وبيتين للراحة، واحدة من كل صنف بكل
مدرسة من المدرستين الابتدائيتين الكائنتين بجمنة بما قيمته تقريبا ثلاث مائة ألف
دينار.
-
جهزت المستوصف المحلي بجمنة بمكيّفين و حاسوب.
-
قدمت إعانات مادية تشجيعية لعدة جمعيا ثقافية و خيرية
محلية و جهوية.
-
أنهت إنجاز سوق بلدي مغطاة للتمور بجمنة بما قدره تقريبا
أربع مائة ألف دينار.
أعضاء لجنة حماية ودعم الثورة بجمنة، هم مناضلون ثوريون غير منبتّين،
نقابيون وغير نقابيين، متأقلمون مع بيئتهم المحلية الريفية. قرّروا
وآثروا الفعل عوض الجلوس على الربوة، مع الإشارة إلى أن الجلوس على ربوة النقد بعد
ثمانٍ وثلاثين سنة عمل ليس عيبا، و بلا فخر فهو اختصاصي في التقاعد. تكلموا بلسان
المجتمع ونطقوا بمنطقه وخضعوا لقانونه ولا يزالون على العهد ثابتين وعلى الدرب
سائرين، لا يحيدون عنه قيد أنملة.
مهام وأهداف "جمعية حماية
واحات جمنة" كما أفهمها شخصيا؟
1. يقولون: "تجربة
جمنة هي تجربة تسيير ذاتي اشتراكي".
أقول: "هي ليست تجربة تسيير ذاتي وليست تجربة
اشتراكية: هي ليست تجربة تسيير ذاتي لأن المسيّرين، عمال وإداريين ومشرفين، لا يسيّرونها
لمصلحتهم الخاصة بل يسيّرونها لفائدة الصالح العام لكل سكان جمنة. وهي ليست تجربة
اشتراكية لأن مردود الواحة لا تأخذه الدولة الاشتركية بل تستفيد منه قرية جمنة
أولا وولاية قبلي ثانيا وجمهورية تونس ثالثا. تجربة جمنة هي تجربة اجتماعية مبتكرة
وفريدة من نوعها، تَقدَّم فيها بعض الجمنين لخدمة باقي الجمنين وأنكروا ذواتهم من
أجل إنجاز مصالح عامة وأخص بالذكر منهم أعضاء الجمعية المتطوعين مجانيا دون أن
نقلل من دور العمال والإداريين المؤجرين لأن مهمة هؤلاء الأخيرين لا تُقاس بأجر
زهيد يتقاضونه. تجربة جمنة ليست موجهة ضد أحد ولا تنافس ولا تعادي مؤسسات الدولة
بل تساند القطاع العمومي وتعاضده. وحتى إن سهّلت مهمة الدولة فما الضرر؟ هل الدولة
التي تخدمها هي دولة إسرائيل؟
2. يقولون: "جمعية
حماية واحات جمنة لا تقوم بمشاريع مربحة"
أقول: "مربحة لمَن؟ إذا قصدتم مربحة للجمعية فالجمعية
ليست شركة رأسمالية تستغل العمال وتراكم ربحا من وراء عرقهم، أما إذا قصدتم مربحة
لأهالي جمنة فهي فعلا كذلك. شيدت سوقا فلاحية مغطاة بجمنة فربح فلاحو جمنة بعرض
تمورهم في فضاء محمي ونظيف وربح متسوقو التمور من سوق جمنة، جمنين وزوارا، وأصبحوا
يقضون حوائجهم في ظروف مريحة وطيبة. شرَت سيارة إسعاف فربح مرضَى جمنة نقلا سريعا
ومجانيا ولم تربح الجمعية ولو مليما واحدا. جهّزت مستوصف جمنة بمكيّف فربح الجمنين
من مرتادي المستوصف نسمة عليلة في الصيف القائظ. قدمت إعانة مالية لجمعية مرضَى
السرطان بڤبلي فربح أحق الناس بعطفنا وتضامننا وقدمت مثلها لجمعيات ثقافية وخيرية
جمنية وجهوية فربح فقراء الجهة وربحت الثقافة عموما.
3. يقولون: "جمعية
حماية واحات جمنة تخدم ناجي جلول، ووزرة التربية عمومًا، عندما تبني قاعات تدريس
وفضاءً صحيًّا في مدرستَيْ جمنة وقاعة رياضة في معهد جمنة".
أقول: "تلامذة جمنة هم أبناؤنا وبناتُنا وليسوا
أبناء جلول وهم المستفيدون الوحيدون من القاعات والفضاء الصحي وقاعة
الرياضة".
شاركتُ
اليوم صباحا في أهدأ وأسلم وأجمل وقفة احتجاجية
المكان: ساحة القصبة بتونس العاصمة.
الزمان: الاثنين 12 أكتوبر 2015 من الساعة السادسة صباحا إلى
الحادية عشرة صباحا.
الحضور: قرابة 20 مواطن قدموا من جمنة (ولاية ڤبلي، 500 كلم
جنوبا) ومثلهم من زعفران (معتمدية دوز) ومثلهم من توزر + بعض الجمنين المقيمين
بالعاصمة: كاتب المقال وعلية علية (المعروف بــعلية النوري في جمنة) وعفيف المياحي
ومختار بن علي الڤلالي وعيادي حامد ولسعد خليل وأحمد بالحاج +: عبد الله بن عمر (جمني
مقيم بفرنسا في طريقه إلى جمنة) + أذكر بعض المناضلين غير الجمنين الذين قابلتهم
وسلمت عليهم (قد يكون آخرون حاضرين ولم أتعرف عليهم): مناضل من الدهماني لا أعرف
اسمه وحسن الطاهري (الوطد الثوري الماركسي اللينيني) وزهير المغزاوي (نائب برلماني
عن حركة الشعب، أصيل ڤبلي) ولخضر عمارة (الائتلاف الوطني الديمقراطي، أصيل ڤبلي)
ومحمد الكحلاوي (الائتلاف الوطني الديمقراطي، زار مرة جمنة تضامنا) وعبد المجيد
الحواس (عضو سابق في حزب العمال) وطارق شامخ (عضو سابق في حزب العمال، أستاذ وسجين
سابق لمدة عامين ومطرود من العمل لمدة عشرين عاما، رجع إلى التدريس لكنه كما قال
رفض قبض تعويض عن سنوات النضال ضد بورقيبة وبن علي، مبلغٌ يُقدر بـ400 ألف دينار.
وقال: ستة مناضلين تونسيين فقط من بين الآلاف رفضوا التعويض المالي، فيهم إسلاميون
ويساريون. وقال أن حمة الهمامي وعلي العريض أثْرَيا بعد الثورة بفضل التعويض).
أعتذر لمن نسيت ذكر أسمائهم أما الغائبون من جمنين تونس فحججهم معهم لكنني لم أقدر
على كتم رغبتي في معاتبتهم بكل ود ومحبة.
وسائل الإعلام: واحدة لم أتمكن من معرفتها والأخرى "راديو
نفزاوة" التي عرفتها عندما طلب مني منشطها منذر إبراهيم تسجيل
"أنترفيو". قلت له: لماذا اخترتني، هل تعرفني؟ قال: أنت الدكتور؟ قلت:
نعم وأجبته على أسئلته.
سبب الوقفة الاحتجاجية: التحسيس والدفاع سلميا عن حق أهالينا في جمنة وزعفران
وتوزر في الاحتفاظ بواحاتهم النخلية، دڤلة النور (مصنفة أراضي دولية للكراء) التي
استرجعوها في الثورة وافتكوها من متسوغَين جشعَين فاسدَين راشين.
وصف الوقفة الاحتجاجية: لقد كانت بحق أهدأ وأسلم وأجمل وقفة احتجاجية حضرتها في
حياتي: لا شعارات تُرفع بالصوت العالي ولا تدافع ولا تصادم مع البوليس ولا عنف
مادي ولا لفظي. حملَ المحتجون المهذبون لافتاتهم بصمتٍ معبّرٍ ووزعوا مَطوِيّاتهم
على المارّة والمشاركين بكل لياقة وأدب وانفض التجمع سلميا كما بدأ. ظن المحتجون
أن مجلسا وزاريا سينعقد اليوم وللأسف كانت المعلومة خاطئة.
"جمعية حماية واحات جمنة" وحماية
التنوع البيولوجي بهنشير "المعمر"
ماذا
أقصد بمفهوم حماية التنوع البيولوجي في هنشير "المعمر"؟
أعني
به حماية بعض أنواع من النخيل المحلي المسماة "خَلَطْ" من آفة الانقراض
التي تهددها لو لم نحافظ عليها ونجدد غراستها بكثرة ونرعاها.
بماذا
أطالب "جمعية حماية واحات جمنة"؟
للمحافظة
على كنز التنوع البيولوجي بجمنة، أقترح على "جمعية حماية واحات جمنة" تخصيص
عشر المساحة الجملية لهنشير
"المعمر" لغراسة أنواع مختلفة من النخيل (الخَلَطْ والرْطُبْ)
والأشجار المثمرة (خوخ، رمان،
كرموس، برڤوڤ، عنب)، وذلك لحماية هذه الأنواع من الانقراض التدريجي.
حسب
ما قرأت أخيرا في مقال نشره على الفيسبوك الأستاذ لخضر لحضيري: ”هنشير المعمر.. وتقدر مساحته الجملية بحوالي 400
هكتار"، يصبح العشر يقدر بـ40 هكتار، مساحة شاسعة تتسع تقريبا لغراسة 4000
نخلة خلطاية. أولا، قد يساهم هذا التنوع في إنقاذ الصابة لو حصل للدڤلاية
لا قدّر الله مكروه موسمي كالأمراض الجرثومية مثلا. ثانيا، قد يساهم هذا التنوع في
إنقاذ عديد الأنواع من الطيور والحيوانات والجراثيم النافعة التي تتغذى حصريا أو
جزئيا على نخيل الخَلَطْ. ثالثا،
ٍ قد
يساهم هذا التنوع في الاقتصاد في الماء والأسمدة والأدوية والنفقات الفلاحية عموما
لأن النخلة الخلطاية تتأقلم مع البيئة النفزاوية أفضل من الدڤلاية،
لذلك تستهلك الخلطاية ماء أقل من الدڤلاية
وتتطلب عناية أقل وسماد أقل ودواء أقل. الخلطاية سبقت الدڤلاية
تاريخيا في استيطان واحتلال المجال البيئي، ولولا رعاية الفلاح الانتقائية لأسباب
مادية لما صمدت الدڤلاية ولاندثرت ولانتصرت عليها الخلطاية كما سينتصر بعون الله تعالى
المقاوم الفلسطيني المسالم الأصيل المتجذر المتأقلم في وطنه على الإسرائيلي الوافد
المستوطن المسلح غير المتأقلم و المدعوم ظلما من قِبل الإدارة الأمريكية
والأوروبية لأسباب عنصرية، دينية وعرقية وقومية.
وددتُ
لو يشارك في تحقيق هذا الحلم (حماية التنوع البيولوجي في جميع واحات جمنة) جميع فَلاّحِي
جمنة الجدد، لكنني أتفهم سعيهم للربح السريع الذي تجلبه لهم الدڤلاية وتعجز عن توفيره الخلطاية!
En fin je m`adresse à eux et je leur dit : si vous faites de la
polyculture، vous préserverez votre progéniture et
votre culture، et si vous continuez à faire seulement de
la monoculture de deglat ennour، vous perdriez nature، culture et agriculture!
من وحي الخيال الكشكاري: زرت اليوم "المنتزه البيئي بـجمنة"
الحدث: زيارة لـ"المنتزه
البيئي بـجمنة".
المكان: بلدية جمنة ولاية ڤبلي بالجنوب الغربي التونسي.
الزمان: العلم عند الله.
المساحة: 400 هكتار من نخيل دڤلة النور وشجر الرمان، تسرح فيها
حرة طليقة الحيوانات البرّية الصغيرة كالجرابيع والفئران الحُمر والطيور المزركشة
والحشرات والدود والعقارب الصفراء السامّة المسالمة.
الجهة المؤسسة والممولة والراعية
لـ"المنتزه البيئي بـجمنة": "جمعية حماية واحات جمنة" التي تأسست بعد
الثورة واسترجعت هنشير المعَمَّر بجمنة من مغتصبَيه الفاسدَين.
ثمن تذكرة الدخول: مجانا لكل أطفال العالَم ولكل مواطن أرضه محتلة. ثمن
تنازلي حسب بُعد المسافة من جمنة: دينار واحد لسكان بنزرت، ديناران لـلعاصمة،
ثلاثة لـسوسة، أربعة لـصفاقس، خمسة لـڤابس، ستة لـڤبلي، ستة ونصف لـبازمة، سبعة
لـلرحمات و12 دينار لـدوز مطابقة لاسمها (مشاكسة لطيفة موجهة لجيراننا وأحبتنا
المرازيڤ). جمنة أكرم من أن تطلب ثمنا من ضيوفها السياح الأجانب وقد ساندها بعضهم
ماديا في بداية المشروع من أجل تلقيح نخيل هنشير المعمّر وعلى رأسهم صديقي ومدير أطروحتي السابق، أستاذ إبستمولوجيا
التعليم، السيد بيار كليمان. وأكبر من أن تدعو الجمنين إلى دفع مقابل مادي للتنزه
في أرضهم وملكهم.
وصف الزيارة: انطلقت الحافلة من تونس العاصمة على الساعة التاسعة
ليلا. وصلنا جمنة السادسة صباحا. بدأ برنامج اليوم بجولة صحراوية قريبة من المنتزه
تمتعنا خلالها بمشاهدة تجمع قطيع من الماعز قبل خروجه مع السارح للرعي البيولوجي
ودعانا دليلنا السياحي بعدها لمعاينة جحر الجربوع ومن حسن حظنا خرج الجربوع من عشه
تحت الأرض وهرب من ضجيجنا فتابعنا قفزاته الرشيقة. أمرنا الدليل باقتفاء أثر قدميه
الخلفيتين الظاهر على الرمل النديّ، تساءلنا كلنا: لماذا، هل سنلحق به وسرعته من
سرعة البرق؟ قال: تابعوا السير، تنتظركم مفاجأة! لم ننتظر كثيرا لقد اختفى أو
انتهى الأثر. صاح الدليل: وجدته. قلنا: لا نرى شيئا. أشار إلى الأسفل وقال: لاحظوا
معي هذا الرمل الطري المفروش حول فتحة حفرة مغلقة حديثة الجهر، انظروا إنه رملٌ
مقلّبٌ حديثا ومغاير اللون، هذا جحره الجديد ومن الأفضل أن لا نزعجه مرة ثانية.
احترمنا رأيه وقفلنا راجعين إلى المنتزه داخل الواحة الظليلة متعبين من صعوبة
المشي على الكثبان الرملية.
فاجأنا
مرافقنا وعرض علينا الاستحمام في حوض السباحة الملِيء بالمياه المعدنية الجارية
الغنية بـالكبريت والكلور والمانغانيز. أخذنا قسطا من الراحة ثم التحقنا بالمطعم
البيولوجي، ناولَنا النادل قائمة الأطعمة: ملثوث بلحم الڤعود، بركوكش بالڤدّيد،
كسكسي بلحم الماعز، رفيسة بالدڤلة وخبز طاجين مع كأس شنينة، عصيدة بالحريڤة وغيرها
من الأكلات المحلية الشهية. قيّلنا قليلا ثم زرنا متحف البرج المرمّم حديثا
وتفرجنا على فيلم وثائقي يحكي تاريخ
الهنشير وتاريخ جمنة القديم والحديث المتمثل في تجربة التسيير الذاتي وإنجازات "جمعية
حماية واحات جمنة".
في
المساء قمنا بجولة في الواحة صحبة خبير فلاحي محلي عِصامي. أطلعنا على كل أنواع
النخيل وجسّم أمام أعيننا جميع أنواع الأشغال التي يقوم بها عادة فلاح النخيل من
زراعة الغرسة وتلقيح أزهار النخلة الأنثى بأزهار النخلة الذكر وجنْي المحصول بقطع
العراجين الذهبية.
أنهينا
جولتنا على الساعة الرابعة مساءً بالتوجه إلى أرخص سوق دڤلة في العالم، سوق جمنة
الفلاحية المغطاة، سوق من المنتج إلى المستهلك مباشرة دون المرور عبر قنوات التجار
الوسطاء الجشعين. شرى كل واحد منا ما يحتاجه لعائلته وأصحابه وأقاربه. امتطينا
الحافلة ومعنا مدير المنتزه الذي رافقنا إلى الطريق الوطنية رقم واحد مودعا مبتسما.
حييناه بأحسن منها على أمل الرجوع في موسم "الڤطع". رجعنا إلى تونس
فرحين مسرورين بجولتنا ودڤلتنا.
حوار حول تجربة جمنة مع الأستاذ طاهر الطاهري
عضو جمعية حماية واحات جمنة. بقلم صديق جمنة محمد مثلوثي، الأربعاء 28 أكتوبر 2015
في خضم الموجة الثورية
التي شهدتها بلادنا قامت حركة واسعة من استرجاع الفلاحين للأراضي والضيعات سواء
المسماة منها دولية أو تلك التي على ملك رموز النظام السابق وحاشيته وزبانيته وحتى
على ممتلكات بعض المستكرشين الكبار (الدخيلة، الشويڤي، جمنة، منزل بوزيان، هنشير
زعفران، جبنيانة... الخ). كما نظم أهالي عديد المناطق اعتصامات وخاضوا نضالات وصلت
حد المصادمات مع قوات البوليس والجيش مطالبين بتمليكهم الرسمي لتلك الأراضي
باعتبارها ملكية أصلية لجدودهم انتزعها منهم النظام الاستعماري عنوة ثم أسندتها
"الدولة الوطنية" سواء لشركاتها ودواوينها (ستيل، ديوان الأراضي
الدولية..) أو لمستثمرين خواص في شكل كراء.
وإذا كانت أغلب تجارب
استرجاع الأراضي المنهوبة التي شهدتها سنتا 2011 و2012 قد عرفت تعثرا بالنظر لعديد
الأسباب أهمها قوة آلة القمع البوليسي وغياب التنظيم الجماعي لعمليات الاستيلاء
وخاصة العجز عن التقدم في ادارة الانتاج داخل تلك الضيعات بشكل تعاوني متضامن بدل
تقسيم الأراضي وتفتيت ملكيتها بما حال دون القدرة على استثمارها بطريقة منتجة، فإن
تجربة جمنة تبدو متميزة في هذا المجال، حيث أن الأهالي هناك قد واجهوا بشراسة
محاولات إعادة الاستيلاء التي قام بها المستثمر تحت حماية قوات البوليس والجيش،
وحافظوا على وحدة الأرض ومنعوا تفتيتها ثم بادروا بتأسيس لجنة لحمايتها
واستغلالها، وهم الى حد اللحظة، رغم الهرسلة والتهديد، يقومون بإدارتها من خلال "جمعية
حماية واحات جمنة".
ولتسليط الضوء على هذه
التجربة المهمة باعتبار كونها يمكن أن تمثل نموذجا حيا لأسلوب جديد في الانتاج
يستهدف المصلحة الجماعية المشتركة لعموم أهالي المنطقة وتلبية حاجاتهم المتوازنة
والمتضامنة والقطع مع أسلوب الانتاج القائم على تكديس الأرباح لفئة قليلة من
المستثمرين على حساب جهد وقوت المالكين الحقيقيين للأرض. وفي اطار دعم هذه التجربة
ومساندتها والتعريف بها قمنا بهذا الحوار القصير مع أحد أعضاء جمعية حماية واحات
جمنة لعل ذلك يساهم في تطوير تجربة أهالينا في جمنة ويبعث الأمل لباقي فلاحي
المناطق الأخرى.
السؤال الأول: في أحد
نصوصك المنشورة على النات تقول أيها العزيز أنه في 12 جانفي 2011 استرد
"الجمنين" أرضهم. فهل لك أن تصف لنا بالتدقيق هذه العملية، ومَن مِن
"الجمنين" الذين بادروا بذلك؟ هل هم أصحاب الأراضي الأصليين أم عموم
المواطنين؟ وكيف نشأت فكرة تشكيل لجنة للتسيير؟ وهل انبثقت هذه اللجنة عن انتخابات
عامة أو ما شابه؟ وما هي تركيبة هذه اللجنة؟ هل تتركب من فلاحين أم هي مختلطة؟
في انتظار اجابتكم تقبلوا سيدي خالص احتراماتي.
الجواب: سأصف لك العملية
كما حدثت في الواقع، في 12 جانفي 2011 بادر شباب بلدة جمنة بالهجوم على الضيعة،
وكانوا من مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية، من العامل الفلاحي الى الطالب
فالعاطل فالموظف... الخ، وطلبوا من الحارس (وهو قريب المتسوغ) المغادرة وتم منذ
ذلك التاريخ منع دخوله هو والمتسوغ الى الضيعة. العملية برمتها سارت بطريقة سلمية،
وباستثناء بعض التجاوزات الفردية، فلقد تمت المحافظة على تجهيزات الضيعة وحمايتها
من السلب والنهب. هذا طبعا لم يمنع المستثمر من توجيه عديد التهم (الحرق، السرقة،
تشكيل وفاق، تكوين عصابة...) ضد شباب المنطقة لهرسلتهم وتخويفهم وتلهيتهم واستنزاف
طاقاتهم بالملاحقات القضائية. وفي 27 فيفري 2011 استعان هذا المتسوغ بالجيش لإرهاب
شبابنا، عندها تصدينا له وقمنا باعتصام داخل الضيعة واستطعنا
السيطرة على الأرض وفرض الأمر الواقع الجديد.
بعد عملية الاسترجاع الجماعية للضيعة طُرحت
فكرتان: الأولى تقضي بتقسيم الأرض بين المواطنين الذين بادروا بالاستيلاء. أما
الثانية فكانت تقضي بالمحافظة على وحدة الأرض وتمليكها جماعيا لكل أهالي منطقة
جمنة. وبعد جدل كبير استقر الرأي العام على الفكرة الثانية. ومن هنا نشأت ضرورة
بعث هيئة جماعية للتسيير، فكانت "جمعية حماية واحات جمنة" التي تمثل
امتدادا لـ"لجنة حماية الثورة" التي تشكلت تلقائيا أثناء الحراك الثوري
مثل بقية البلدات والأحياء. وفي اجتماع شعبي تم اختيار 6 أعضاء كلجنة مسيرة
للضيعة. وهذه الجمعية مرسمة بالرائد الرسمي في 20 مارس 2012.
السؤال الثاني: حاليا،
مَن يقوم بإدارة أعمال الضيعة ومَن يشرف مباشرة على العمل داخلها؟ وهل كل العمال
في الضيعة هم من متساكني جمنة؟ وكم يتقاضون أجورا؟
الجواب: هنالك
لجنة مصغرة تضم 5 افراد أربعة منهم من أعضاء " جمعية حماية واحات جمنة"
وعنصر خامس من خارج جمعية وهي المسؤولة على التسيير أما الاشراف المباشر على جميع
الاشغال التي تهم الضيعة فيشرف عليها ناظر أشغال عام ويساعده في ذلك ثلاث نظار وهم
عملة يشتغلون بالأجر ومُنتدبون للإشراف على جميع العمال: الحراسة، الري، الفلح،
التلقيح، التدلية، التغليف... نعم، جميع العمال من متساكني جمنة (تبعد عنا
قبلي بـ16 كلم ودوز بـ12 كلم) لكن هذا لا يعني أننا نشغل الجمنين فقط هنالك عدد
وإن كان قليلا من الوافدين الجدد على جمنة أي أنهم ليسوا من أصيلي البلدة. يتقاضى
العامل 14.5د يوميا، أما الناظر فيتقاضى 15د والناظر العام 16د على أن النظار
والناظر العام لهم منحة تسيير شهرية مقدرة بـ30د. لنا أيضا موظفان بالادارة
يتحصلان على جراية قارة بـ500د. العملة، أستاذي، يعملون من الساعة 7 الى منتصف
النهار أي 5 ساعات.
السؤال الثالث: هل تقوم
اللجنة باستشارة الأهالي في كيفية صرف عائدات الضيعة؟
الجواب: في صرف
العائدات المالية، نعم، نعقد اجتماعات عامة بالأهالي ونستشيرهم في مشاريعنا ولكن
أحيانا ننجز ما نراه هاما حتى دون العودة لهم لأن بناء قاعة بمدرسة أو سوقا للتمور
أو إصلاح طريق أو إنجاز ملعب حي يعود بالنفع على الجميع. حتى وإن مارسنا فوقيا في
بعض المرات، فللضرورة. على فكرة، سيدي، نسيتُ أن أشير الى أننا كلجنة تسيير نعمل
مجانا. صدقني طيلة 4 مواسم، لا ولم ولن نتحصل على مليم واحد. دون أن ننسى أيضا
أننا عندما نشتري تجهيزات وآلات ضرورية للعمل بالضيعة فلا نستشير فيها الأهالي مثل
ما شرينا جرارا وصهريجا ومحراثا تكلف بحوالي 75 ألف دينار.
السؤال الرابع: كيف ينظر
أهالي جمنة للضيعة وللجنة التي تسيرها؟ هل يعتبرون الضيعة ملكية جماعية لكل أهالي
المنطقة؟
الجواب: الآن الأهالي
متمسكون بضيعتهم أكثر من أي وقت مضى لأنهم يرون مردوديتها عليهم. لا مجال لعودة المستثمر
لها. حوالي 120 أسرة "فاتحين بيوتهم على الهنشير" ويقولون أنه من غير
الممكن التخلي عنها. الأغلبية المطلقة راضون عن عمل اللجنة. وُجِد في بدايات
الثورة مَن لم يقبل باللجنة لأسباب مختلفة فمِنهم مَن يريد جزءا خاصا به وتفتيت
الملكية، كما وُجِد مَن يعمل لفائدة المتسوغ، وهناك، لأسباب سياسوية، من صارعنا
وهم الراكبون الجدد على الثورة الذين يريدون رتق عذريتهم (كانوا تجمعيين ويريدون
التحصل على صك التوبة النهضاوي أو حتى السلفي ولكنهم عُزِلوا وحَسَمَ الجميع
فيهم). اللجنة تحوز رضاء الأغلبية المطلقة حتى لا أقول الكل والضيعة يعتبرونها ملك
أجدادهم استردوه وهي الآن ملكية عامة.
شكرا أستاذ طاهر أنا
ممتن للتفاعل.
ما الذي تظن أننا نستطيع تقديمه لمساندتكم... ونحن
في الواقع نساند هذه التجربة لأنها تمثل نموذجا صغيرا للبديل الثوري للنظام
الرأسمالي القائم على الربح والمنافسة... طبعا من غير الممكن تحميل هذه التجربة ما
لا تحتمل لكنها في كل الأحوال اختراق مهم للمنظومة الاقتصادية السائدة... لا شك
وأن هذه التجربة وغيرها ستتدعّم في ظروف تطوّر الحركة الثورية عموما وستتحول الى
ظاهرة اجتماعية كاسحة.....
لا شكر على واجب صديقي.
كل ما كتبتُ لك ولغيرك أراه مفيدا لتجربتنا
ونحن مستعدون للتفاعل مع نقد ونصائح وتوجيهات الأصدقاء والرفاق. أما المطلوب منكم
باستثناء الدعم المعنوي فهو القيام بحملة دعائية لفائدة تجربتنا وتفسيرها للرأي
العام في كل المنابر حتى يعلم القاصي والداني بما نُنجز من أجل الوقوف معنا لو
حاول الحاكم "استرجاع" ما ليس له عنوة. نأمل أيضا أن تتصلوا بمن تعرفون
من محامين خاصة لشرح الأمر والنظر في إمكانية إسنادنا قضائيا لعودة الأرض إلى
أصحابها. دمتَ نصيرا لأهلك في جمنة. تحياتي أستاذنا.
ملحق إضافي ببعض
المعطيات والأرقام حول تجربة جمنة:
- تم افتكاك أراضي جمنة من أهاليها من قِبل
المعمرين الفرنسيين وذلك خلال حقبة الاستعمار المباشر.
- بعد خروج المعمرين استولت الدولة على هذه
الأراضي وحولتها الى أراضي دولية، هذا رغم أن الأهالي آنذاك قاموا بشرائها ودفعوا
مقابلها 40 ألف دينار.
- في السبعينات من القرن
الماضي تم التفويت في الواحة الى شركة "ستيل" التي أفلست لاحقا نتيجة
فساد وجشع المسؤولين وسوء التصرف في إدارة الواحة.
- في بداية الألفية الثانية قامت
الدولة بالتفويت في الواحة بعنوان الكراء لمتسوغين من خارج جمنة وبمَعِين كراء
اعتباطي (قيمة الكراء الجملية سنة 2010 تقدر بـ35000د في حين أن مداخيل الواحة
تفوق المليون دينار؟؟؟؟).
- كل السنوات ما قبل 2011 كانت
الواحة تسجِّل خسارة تفوق أحيانا مليون دينار ؟؟
-
منذ أن تَسلم
الأهالي الواحة أصبحت تُوفر مرابيح سنوية بمعدل مليون دينار ؟؟
-
من إنجازات
الجمعية: ملعب حي للشباب، بناءات في المدارس، تجهيزات للمستوصف والمكتبة العمومية،
المساهمة في تهيئة الطرقات وإصلاحها، بناء سوق عصري، ومِن المشاريع قيد الانجاز:
قاعة رياضية بالمعهد....
خاتمة لا بد منها: في
الوقت الذي كان فيه السياسيون بمختلف مشاربهم يتنازعون حول وراثة سلطة بن علي، ويُغرقون
الحركة الثورية للجماهير في أتون صراعاتهم الحزبية والعقائدية والإيديولوجية
العقيمة، كانت الجماهير في جمنة وغيرها من المناطق تخطو خطواتها الأولى نحو التحقيق
الفعلي لأهداف الثورة. أهداف لا تتعلق بوضع هذا الحزب أو ذاك في سدة الحكم، بل
تتعلق بتغيير حقيقي في الوضع المعيشي للناس، في تغيير جذري للأوضاع، في تغيير
أسلوب الانتاج القائم على ملكية فئة قليلة للثروة ووسائل إنتاجها في مقابل تفقير
وتجويع وتهميش أغلبية المجتمع، وذلك بأسلوب إنتاجي جديد هدفه الأول تلبية الحاجات
المتوازنة والمتضامنة لعموم الكادحين. أسلوب تعاوني يقوم على الملكية الجماعية
وعلى التوزيع العادل والمتضامن للثروة الاجتماعية.
ومهما كانت نقائص
تجربة جمنة، ومهما قيمنا درجة نضجها، ومهما انتقدنا بعض أساليب إدارتها، ومهما
تحدثنا عما لم تقم به جمنة بعد وعن محدوديتها، فإن ما تمثله جمنة هو بالضبط روح
الثورة الاجتماعية والمثال الحي والمجسد للبديل الثوري الذي يمكن للجماهير
المسحوقة أن تسترشد به وبدروسه في قادم جولاتها من صراعها المرير ضد مضطهديها.
كومونة جمنه. بقلم طاهر
الطاهري، رئيس جمعية حماية واحات جمنة
اسمحوا
لي أن أستعير عنوانا راقني استعمله الدكتور أيمن حسين على صفحته متحدثا عن تجربة
جمنه: "كومونة جمنه" وإن كنا لا ندعي أننا بلغنا شيئا يذكر من مرحلة
كومونة باريس في 1871 لكن لعلنا نسير على خطى أسلافنا الباريسيين.
قبل
أن أدخل في صلب الموضوع : التسيير والتمويل الذاتي في تجربة جمنة بضيعة ستيل
تحديدا سأقدم بعجالة الضيعة ماضيا وحاضرا وربما مستقبلا:
هي
أقدم و أكبر مظلمة تحوّلت الى قضية فساد إذ تعود جذور المسألة الى سنة 1912 لما
افتك المستعمر أرضا على ملك أهلنا في جمنة ووضع من تصدى له من الأهالي في السجن وافتك
الأرض وحولها بجهد وعرق أبناء جمنة الى ضيعة فلاحية فيها واحة نخيل تنتج أجود
أنواع التمور "دقلة نور" وتمسح
306 هكتار مسجلة أرضا دولية. وفي السنوات الأخيرة قبل الثورة، تسوغ منها
111 هكتار مقاول طرقات و74 هكتار غير مسجلة
تسوغها شقيق أحد العمداء السابقين بالداخلية وحوالي 100 هكتار تسوغها
العملة القدامى لـ"ستيل" ( STIL - الشركة المشرفة سابقا على الهنشير) وعددهم يناهز 60
فردا. تحتوي الضيعة على 5 آبارمرتبطة
بالنور الكهربائي . لما اندحر الاستعمار الذي شاركت فيه الجهة بعديد الوقائع
المثبتة تاريخيا منها معركة البرج في 28ماي 1944
وبعديد قوافل الشهداء، والنصب التذكاري بدوز يحتوي عديد الأسماء رحمهم الله.
اتفق الجمنين مع السلطة الفتية حينها على شراء أرضهم واسترجاعها ودفعوا حينها نصف
المبلغ المتفق عليه أي 40 ألف دينار تونسي وهو نصف المبلغ الجملي المقدر بـ 80 ألف
دينار تونسي وقتها وشكلوا تعاضدية لتسيير الضيعة الا أن السيد والي المنطقة في ذلك
العهد وظف المبلغ المجمّع في مشاريع جهوية، وأسس شركة النقل نفزاوة وشركة التقدم
التجارية ونزل الواحة بڤابس التي كنا
نتبعها ترابيا. بعد الجلاء الزراعي في 12 ماي 1964 وضعت السلطة يدها على الضيعة
وغيرت تسميتها الى أرض دولية ثم في سبعينات القرن الماضي أشرفت عليها شركة ستيل حتى إفلاسها.
بعد
إفلاس ستيل حينها سوّغتها السلطة مراكنة الى مقاولي أشغال عامة وطرقات و كهرباء المشار
إليهما أعلاه، كان ذلك في سنة 2002 بمعين كراء قدره 9 آلاف دينار للمتسوغ الأول، و
5 آلاف دينار للثاني. هذان المتسوغان الاثنان لم يحترما بنود العقد بشهادة لجنة
مشتركة بين وزارتي الفلاحة وأملاك الدولة برئاسة السيدة سلوى الخياري التي زارت
الضيعة في 11 مارس 2011.
استرد
الجمنين أرضهم في 12 جانفي 2011 أي قبل فرار المخلوع بيومين وها هم اليوم يسيرونها
في تجربة تسيير ذاتي واشتراكي وحوكمة محلّية باقتدار ندر وجوده. للدلالة على هذا
بلغ محصول السنة الحالية مبلغ مليون و800 ألف دينار و يشغلون اليوم 137 عاملا دون
اعتبار العملة الموسميين في الضيعة التي تحتوي 10603 نخلة (دون اعتبار الفسائل وهي
في حدود 4000 فسيله والغرس في بداية مرحلة
الإنتاج والمقدر بـ2000 غرسة).
تكمن
المشكلة في أن السلطة السابقة ومحتملا الحالية أيضا، الاثنتان تعلمان بالأمر من راشد
الغنوشي إلى منصف المرزوقي إلى وزراء الفلاحة وأملاك الدولة في حكومات السبسي
والجبالي والعريض. كلهم وعدوا أهلنا بجمنة
بإيجاد حل سياسي لقضيتهم العادلة وللأسف كل وعودهم كانت جوفاء، لا بل المضحك في
الأمر أن بعض المناضلين الذين أطروا الحراك لُفِّقت لهم تهم كيدية و حوكِموا في جرائم حرق وتسور وخلع واستعمال العنف وتكوين عصابة مفسدين
ووفاق قصد الاستيلاء بالعنف على أملاك
الغير رغم أن التهم كانت في البدء التسيير والثلب لكن نائب وكيل الجمهورية
ولعلاقات أسرية بالشاكي هكذا قيل و الله أعلم
أراد توريط مناضلينا أكثر. على كل لن يرهبوننا. أليس "من حقي" وحق أهلي في جمنة التحرك لاسترجاع حقهم المسلوب
منذ حقب.
لعلني
هكذا شرحت للمتعاطفين معنا ومع تجربة جمنة ما لم يفهم في المسألة مع شكرنا
واحترامنا لكل الإخوة والأصدقاء والرفاق الذين تبنوا إشكاليتنا وساندونا إذ بدعمهم
المادي و المعنوي سنواصل حراكنا حتى استرداد حقنا في أرضنا و واحتنا.
أعود إلى الموضوع لأشير إلى أننا
أثناء حراك 17 ديسمبر 14 جانفي وحتى لا نبقى نلاحق الأحداث ملاحقة لأننا نريد
الفعل فيها، أسسنا "لجنة حماية الثورة" وكنا على غير عادة اللجان نرفض
تسمية أفراد للخطط المعروفة من رئيس إلى كاتب عام ... كلنا كنا رؤساء وكلنا كنا
أعضاء ولا نزال نتعاطى بنفس الشاكلة مع "جمعية حماية واحات جمنه" التي
ورثت الملف وإن أجبِرنا لضرورات إدارية على توزيع المهام على الورق.
لما أقدمنا على تسيير الضيعة واسترجاعها يوم 12
جانفي 2011 كنا على أبواب الموسم الفلاحي وما يتطلبه من أموال طائلة لذلك:
-
طالبنا من المواطنين دفع مبلغ 30 دينارا مساهمة في تحضير الصابة
مبلغا لن يُسترد لاحقا أي تبرعا ساهم فيه أهلنا المتواجدون بكل من تونس العاصمة ومن
فرنسا وصل المبلغ المالي إلى حدود 33 ألف دينار.
-
استلفنا من الجمعيات المائية مبلغا جمليا قدره 22 ألف دينار.
-
استلفنا من تاجرَيْ تمور مبلغ 120 ألف دينار (على أننا كلجنة
قررنا تمتيعهما بالأولوية في تخضير الصابة).
-
كما ساهم مجموعة من الأصدقاء الفرنسيين وعلى رأسهم دكتور
التعلمية بيار كليمان، الأستاذ المحاضر الزائر
لعدة جامعات بمبلغ ألفَي دينار وربع (المدير السابق لأطروحة دكتورا ابن جمنة الدكتور محمد كشكار
مؤلف هذا الكتاب). كل هذه الأموال سمحت لنا بإنجاز الأشغال المنوطة بعهدتنا من
تلقيح وتدلية وتغليف وتجريد ... دون أن ننسى أيام عمل تطوعي قام بها بعض شباب
المنطقة. بمعنى آخر بلغت المصاريف، كل المصاريف
335 ألف دينار (سنة 2011).
-
هذا وقد قفزت الأرقام، أرقام المحصول بفضل المجهودات المبذولة
إلى 969 ألف دينار في 2011 و941 ألف دينار في 2012 و847 ألف دينار في 2013 ثم
لتقفز الى ما يقارب المليونَيْ دينارفي 2014.
-
نشغل اليوم ومنذ الثورة المجيدة بمعدل 100 عامل، قد يزيد العدد
وقد ينقص قليلا، مثلا في هذا التاريخ نشغل 137 عاملا بعد أن كان المتسوغان يشغلان
6 أو 7 عمال للري فقط.
-
نضخّ في القرية شهريا بين أجور وشراء معدات وأسمدة و ما لف لفها
معدل 40 الى 50 ألف دينار:
حتى لا
تأخذنا الأرقام والتزاما بالموضوع أعود إلى الحوكمة المحلية والتسيير والتمويل
الذاتي لأقول:
-
قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011، تصرفنا كلجنة حماية ثورة وكنا
نعقد اجتماعات عامة بالمواطنين في ساحة عامة وكانوا يقدمون لنا مقترحاتهم التي قد
ننجزها إن تبين صوابها.
-
أنجزنا كلجنة حماية ثورة انتخابات حرة ونزيهة لاختيار عُمدتَين لجمنة
وقد تكون من أولَى الإنتخابات وطنيا لنعلم الناس الممارسة الديمقراطية.
-
كنا استشرنا حوالي 70 مواطنا كتابيا في اختيار أعضاء النيابة
الخصوصية للبلدية رئيسا وأعضاء وإن لم ننضبط لمقترحات المواطنين فلأن اختيارهم
انصب أساسا على أسماء أعضاء لجنة حماية الثورة الذين تركوا النيابة الخصوصية
لغيرهم.
-
لعِلمكم اعتصمنا بالضيعة
المحاذية للطريق الرئيسي الرابط
بين ڤبلي ودوز 96 يوما لم يقع خلالها أي تجاوز إذ لم نقطع الطريق ولم نقذف
حجرا على سيارة ولم نتواجه مع الجيش الذي كان مرابطا على بعد أمتار لحماية المتسوغَين
إلا أنه انسحب فيما بعد نظرا لإيمانه
بعدالة قضيتنا. هل بعد هذا يوجد تحضرٌ أرقى؟ وتحمل مسؤولية أعظم، طبعا في
الظروف الإستثنائية التي عاشتها تونس أوائل جانفي 2011؟
-
بعد الإنتخابات شكلنا "جمعية حماية واحات جمنة" لتعوض "لجنة حماية
الثورة" التي انتهت مهامها مع الانتخابات. طبعا لسنا من روابط حماية الثورة
التي تورطت في احداث عنف ليس الآن مجال سردها.
من إنجازات الجمعية
في البلدة:
ملعب حي للشباب- بناءات في المدارس-
إعانة الجمعيات الرياضية والثقافية ( فرقة مسرح المدينة وهيئة المهرجان)- إعانات
مادية لمدرسة القاصرين ذهنيا وللمدرسة القرآنية وللمساجد ولجمعية إيثار التي تعطي
منحا شهرية ل15 طالبا - تجهيزات للمستوصف (حاسوب ومكيفات)- بناء سوق فلاحي عصري
-إعانة النيابة الخصوصية في تهيئة الطرقات وإصلاحها- في الضيعة: شراء مجموعة من
التجهيزات ووسائل العمل للضيعة. جرار مضخة وألات مختلفة. إصلاح وصيانة الآبار.
المداواة والقضاء على الأعشاب الطفيلية. تنظيف النخيل. غراسة مئات الفسائل
الجديدة. ترميم بناية إدارية في الضيعة. فلح شبه كلي لكامل أرض الهنشير. حفر بئر
جديدة. ردم عديد الهكتارات داخل الهنشير.
مع جمعيات الجهة: قدمنا إعانات
لجمعيات "توريس" الثقافية وجمعية الطفل المتوحد وجمعية نخلة وجمعية مرضى
السرطان وفرع
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعديد الجمعيات الأخرى، جمعيات ناشطة في مركز الولاية قبلي وبمعتمديات دوز وسوق الأحد
وليس في جمنة.
نعمل حاليا على شراء سيارة إسعاف
ستكون في خدمة محتاجي الجهة عموما كل الجهة وليس جمنة فقط. كما طلبنا من مهندس
معماري إعداد مثال لقاعة رياضية بالمعهد.
نسيت أن أقول ان التصرف المالي مضبوط
بكل شفافية وأن خبيرا محاسبا يمسك بالملف المالي وأن كل مليم يصرف مُفَوتَر وموثق
وأننا حافظنا على الملكية موحدة غير مفتتة وأعدنا بريقا لمبادئ التكاتف والتآزر
والتضامن. كما أننا ننجز سنويا عن طريق مكتب محاسبة تقريرا ماليا نسلم منه نسخا
للمواطنين للإطلاع وإبداء الرأي.
ما هي الدروس المستفادة من تجربة
جمنة؟؟
سأحاول الاجابة
عن السؤال ارتباطا بالعناصر المتداخلة في العملية ككل.
بالنسبة للمواطن: هناك بعض
المناوئين يعملون إن بوعي او بدونه من أجل مصلحة المتسوغ السابق ولا تهمهم إلا
مصلحتهم الذاتية حيث وجد من يريد تفتيت الملكية وتجزئتها ليتحصل على جزء من الأرض وهم أقلية وجب فضحهم
خلال الاجتماعات العامة وقد فعلنا حتى عزلوا هؤلاء هم المتسببون عمليا في حل
الشركة والتي نعتقد أنه لا بديل عنها إن أردنا كراء الضيعة. ولكن نشير الى أن
الأغلبية الساحقة من المواطنين آمنوا بضرورة التكاتف والتآزر والعمل على استرجاع الضيعة وإبقاءها موحدة وشاركوا في الاعتصام المفتوح الأيام
الأولى للثورة متمسكين بأرضهم. كما ساهموا بجهدهم وعرقهم بأيام عمل تطوعى في
الأشهر الأولى للثورة متمسكين بحقهم في استرداد الأرض.
المتسوغ: حاول عبر السلطة الجهوية التي
فاوضتنا دون حضوره جاهدا الخروج ببعض الغنم، ناور، أبدى استعدادا للتنازل عن جزء
من الضيعة، وعد بتشغيل عدد أكبر من العمال، أبدت السلطة استعدادا لحفر بئر
للمواطنين إلا أن رد اللجنة كان واضحا: لا مجال للتنازل حتى عن نخلة واحدة بل سنطالب
بالتعويض جراء تدمير الواحة والإخلالات العديدة التي تسبب فيها المتسوغان السابقان.
السلطة: نسجل عدم إيفاء بالوعود المقطوعة إبان
الحملة الانتخابية من قِبل الجميع مثلما وقعت الإشارة الى ذلك سابقا. جهويا،
تحدثوا نيابةً عن المتسوغين وتبنوا موقفيهما إلا انه أمام حرصنا على هنشيرنا
وعملنا الذي لم ينكره حتى المكابر، أرادوا تكريمنا فرفضنا لأننا لم نقم إلا بما
يمليه علينا واجبنا وضميرنا.
العمال: للأسف عقلية البيليك لا تزال تعشش
عند البعض وإن كانوا أقلية رغم المجهودات
الجبارة التي قاموا بها من أجل تغيير وجه الضيعة. لم نكتفِ في أجورهم بالأجر
الأدنى بل أضفنا لهم بين دينارين أو ثلاثة مقابل منحة الأبناء والتغطية الاجتماعية
التي لم نجد صيغة قانونية لمنحها.
اللجنة: قمنا بعمل تطوعي طيلة 4 سنوات أو 4
مواسم فلاحية تحملنا الكثير ماديا ومعنويا وإن أبدينا رغبة في الانسحاب فلن نسلم الأمانة إلا لخير خلف. أخطأنا في إرساء
الشركة لأننا لم نستشر ولم نختر أسماء
أصحاب الرقاع جماعيا، تصرفنا بشكل فوقي إلا
أن ما يشفع لنا هو أننا لن نتفق على مجموعة محددة وأننا أعلنّا عبر وثيقة ممضاة
ومعرفة بالإمضاء أننا لن نملِّك مليما واحدا للأسماء المكونة للشركة ولا لورثتهم،
وثيقة أمضى عليها الجميع قبل إرساء الشركة ذاتها.
خلاصة القول: نعتبر تجربتنا رائدة وهي رد على دعاة
الخوصصة ونموذج للاقتصاد الاجتماعي التضامني
ومطروح علينا إنجاحها ونجاحها ليس
مسؤولية أصحاب الأرض وحدهم. أنتم أيضا ستساندوننا. في بداية الثورة زار اعتصامنا
مناضلون من جميع قرى الجهة، دعما لاعتصامنا وفي ذلك دعم لنا. لنا صِفر فاصل أخطاء
ولو قدر لنا المواصلة أو أجبِرنا على ذلك، فسنواصل بنفس العزيمة خدمة لمصلحة
أهلنا. أخيرا وللإجابة عن هذا السؤال: ماهي الدروس المستفادة؟ أقول وبأسلوب برقي أن الإستنتاج شخصي و كل منا يستطيع استخلاص
العبر من تجربة أهالينا في جمنة إلا أننا قد نتفق أن:
- الفساد متأصل للأسف بتونس في العهود السابقة ولعل ذلك
منذ زمن مصطفى خزندار الى يوم الناس هذا إلا مَن رَحم ربي...
- أكبر وأقدم قضية فساد جهوية وربما وطنية، هي قضية ستيل جمنة (منذ
الاستقلال) هنالك أيضا ستيل الحسي والطرفاية بالعذارى معتمدية دوز وأستغرب ما آل اليه ملف ستيل العذارى. هنالك أيضا
ستيل الجريد، الضيعة التي تموت موتا بطيئا الآن في بوهلال ومراح الحوار.
- ما ضاع حق وراءه طالب.
- من يفرط في أرضه
يفرط في عرضه.
- نحن ندّعي نجاح الثورة بجمنة في حال نجاحنا في إيصال
ملف هنشير ستيل الى نهايته المرجوة.
- بممارسة الديمقراطية المحلية وعقد اجتماعات شعبية وأخذ
رأي المواطن كنا قادرين على أخذ القرارات الصائبة ولما مارسنا فوقيا وجدنا صعوبات
في تمرير آرائنا.
- بالتكاتف والتآزر يمكن أن نحقق أهدافنا، إذ بوحدتنا
انسحب الجيش الذي سخره المتسوغ لخدمته ولإرهابنا وتراجع القضاء عن محاكمة 4 افراد
تعلقت بهم قضايا رغم أن المتسوغَين عادا لتقديم قضيتين في أشخاص آخرين مثلما أشرت الى ذلك. لقد بلغنا مؤخرا
قرار قاضي التحقيق مشكورا بحفظ التهم في حق المتهمين لانعدام الحجة.
- المصلحة العامة توحِّد الجميع.
- نجاحنا في بقاء الأرض موحدة وفشلنا في تفتيتها.
- بالعمل التطوعي خدمة للمجموعة نفرض احترامنا ويثق
الجميع بنا.
- توصلنا نسبيا إلى الحد من البطالة وذلك بتشغيل البعض
من أبنائنا المعطلين.
- ضرورة العمل على إيلاء الملف الفلاحي ما يتطلبه من
أهمية قصوى بحكم طبيعة المنطقة والاستثمار السليم في القطاع انجاحا للرأسمال البشري
وحفاظا على الموارد المحلية.
- ضرورة التصدي لظاهرة الاستيلاء على الأراضي والتصدي
للمتغولين المتنفذين في العهدين السابقين إذ أن أحد المتسوغَين هو أخ عميد سابق
بالداخلية الذي كان العصا الغليظة للسلطة في قمعها لأهالينا عند أحداث الحوض
المنجمي.
- السلطة القائمة أعجز مما نتصور عن أخذ قرار لفائدة
المواطن.
- نحن مطالبون بالتنسيق مع مواطني الجهات الأخرى التي
تعاني نفس الإشكاليات ولها نفس الأراضي الدولية وما سماه المتسوغون القدامى
استيلاء على أراضيهم لأن المشكل عام والحل واحد للجميع وعند تحرك الجميع قد نجبر
السلطة على إيجاد حل لفائدة الأهالي.
- نحن ورغم الصعوبات والعراقيل سنواصل إنجاز ما نراه
صالحا من أجل الضيعة والقرية وما زلنا نسير متطوعين كالعادة. على أننا نستغرب موقف
الأحزاب الوطنية وخاصة المنضوية صلب الجبهة الشعبيه والتي لم تعطِ للتجربة ما تستحق من عناية لا بل قد يكون خطؤنا
أننا لم نقم بحملة إعلامية كبرى ليصل صوتنا إلى المتسيسين.
- إضافة إلى الجانب الإعلامي والذي فشلنا في إدارته
نسبيا، إذ بقينا حبيسي جهة نفزاوة وبعض الأصدقاء الفيسبوكيين، هناك أيضا الجانب
القضائي والذي لم نطرقه ولعل هذين الملفين يمثلان أهم نقائصنا إذ لا بد من حل
سياسي وهذا مؤكد لأن الضيعة سُلِبت منا بقرار سياسي ولا بد أن تعود بقرار مماثل
ولكن لا بد للقضاء أيضا أن يقول كلمته حتى لا نبقى رهينِي نزوة السياسيين.
- ختاما و حتى أنهي على جانب مُضِيء، أتقدم بالأرقام
التالية مادام الجميع مؤمنا بلغة الأرقام على جفافها أحيانا:
السنة |
المداخيل بالألف دينار |
المصاريف بالألف دينار |
2011 |
1146 |
335 |
2012 |
944 |
846 |
2013 |
851 |
632 |
2014 |
1808 |
983 |
الجملة |
4749 |
2796 |
وهذا ما يعني
أننا وفرنا مرابيح صافية بـ 1953 ألف دينار أي بمعدل 488 ألف دينار كل موسم أما عن تغيير وجه الضيعة نحو الأفضل فمرحبا بكم
على عين المكان خلال موسم التمور على الأقل لتتثبتوا أن تمرنا دڤلة نور حقيقية.
شكرا لكم لأنكم وفرتم لنا الفرصة للتحدث لهامات علمية مثلكم وشكرا لإصغائكم.
هنشير
"المعمر " أو "ستيل جمنة ". بقلم لخضر لحضيري
.
الموقع
يقع هنشير "المعمر" أو "ستيل" جمنة ضمن أراضي
بلدية جمنة من ولاية قبلي ويمتد على مساحة شاسعة شرق وغرب الطريق الوطنية قبلي-دوز
وتقدر مساحته الجملية بحوالي: 400هكتار وهو ملكية مشاعية بين أهالي جمنة كما هو
مثبت في الوثائق المتوفرة لديهم . القطعة الأولى تمسح حولي 111 هكتارا مشجرة كلها
نخيل دڤلة نور من الأنواع الممتازة وتعطي إنتاجا كاملا، أما القطعة الثانية فهي
تمسح 85 هكتارا ونخيلها أقل إنتاجا والباقي أرض بيضاء . ويبلغ عدد أصول النخيل
بالهنشير 9967 نخلة إضافة إلى4376 غرسة جاهزة للبيع.
البداية
قام المعمرون الفرنسيون سنوات الاحتلال بالاستيلاء على أراضي المواطنين
في شمال البلاد وجنوبها وتحويلها إلى ضيعات خاصة بهم بحماية القوات الإستعمارية
ورعايتها . وهكذا بدأت رحلة قصة "هنشير المعمر" بجمنة و التي تصدى فيها
المواطن محمد حنين للمعمر الذي افتُكت أرضه وسُجن 28 يوما. إمتدت هذه الحالة حتى
صدور قانون الجلاء الزراعي في 12 ماي 1964 الذي أعاد أملاك المعمرين إلى الدولة
التونسية التي كونت منها تعاضديات فلاحية وشركات فلاحية دولية وفرّطت في الكثير
منها إلى المتنفذين في السلطة آنذاك ولا زالت بعض الهناشير في شمال البلاد تُنسب
إليهم إلى يومنا هذا ولم يراعَ في ذلك ما إذا كانت هذه الأرض أصلا ملكا للدولة أو
ذات صبغة خاصة .
طالب أهالي جمنة منذ الستينات باستعادة أراضيهم وتمت مراسلات عديدة في
هذا الخصوص منها: مراسلة كاتب الدولة للفلاحة بتاريخ 27 أكتوبر 1964 ووكيل كاتب
الدولة للفلاحة بتاريخ 14 فيفري 1965 كما بادروا باكتتاب مالي (باسم السيد والي
قابس آنذاك باعتبار ڤبلي كانت معتمدية تابعة لولاية ڤابس) لشرء أرضهم أي استرجاعها
وكان المحامي الذي تم تكليفه أخ الوالي المذكور . استُعْمل هذا الأخير المالَ في
بناء نزل الواحة بڤابس وتأسيس شركة نفزاوة للنقل التي سُميت فيما بعد بالشركة
الجهوية للنقل ڤابس مدنين الصحراء وكذلك الشركة التجارية "التقدم" بڤابس
وسُلِّمت لأهالي جمنة رقاع بهذه الشركات. وضاعت القضية .... و بعد إفشال تجربة
التعاضد سوَّغت الدولة "الهنشير" للشركة التونسية لصناعة الحليب
المعروفة باسم "ستيل" سنة 1972 ولمدة 30 عاما .و مع توسع نشاط هذه
الشركة في كامل البلاد
و الفساد الذي نخرها أعلنت إفلاسها وقامت السلطة بتسويغها من جديد إلى بعض
الرأسماليين من الجهة بعقد مؤرخ في 04 افريل 2002.
ملابسات
التسويغ وشبهة الفساد
قام وزير الفلاحة آنذاك وبترتيب من والى الجهة بتسويغ ضيعة شركة
"ستيل" إلى بعض الرأسماليين في ملابسات غامضة رغم عرض التسويغ الذي
قُدِّمَ في هذا الشأن وبتلاعب في ثمن تسويغ الهكتار حيث قُدِّرَ معين كراء الهكتار
بثمن قنطار القمح لا باعتبارها أرضا مشجرة بأجود انواع النخيل "دقلة
نور" وبذلك حُدد السعر بـ80 دينار للهكتار الواحد وبمبلغ جملي أقل من عشرة
آلاف دينار في السنة وإذا عرفنا أن الهكتار
الواحد يحوي مائة أصل دڤلة، يصبح كراء النخلة الواحدة لمدة سنة بثمان مائة مليم.
الثورة
و"هنشير المعمر" أو "ستيل"
انتفض أبناء جمنة بعد الثورة على هذا الواقع مطالِبين باستعادة حقوقهم
في ملكية "الضيعة المسماة "المعمر" واعتصموا عند مداخلها يوم 20
فيفيري 2011 وأمام تعنّت المُسوِّغين وضعف السلطة والفوضى السائدة قرروا أخذ
الأمور بأيديهم في انتظار أن يقول القضاء كلمته في هذا الموضوع . ثم بادروا إلى
تكوين لجنة لتسيير الضيعة والقيام بالأعمال الضرورية: تلقيح النخيل (إذ يصادف ذلك
بداية موسم التلقيح أو الذكار) و الري والصيانة و الحراسة إلخ ...
التسويغ
والفساد المالي
يبدوا أن الفساد داخل السلطة قد كان العامل الأساسي في مسألة التسويغ
ذلك أن مبلغا أقل من 10000 دينار لــ:111 هكتار بها 9967 أصل من دڤلة نور في قمة
عطائها هو مهزلة حقيقية بكل المقاييس (حوالي دينار واحد للنخلة) علما أن إنتاج
الأصل الواحد يقدر بـ100 دينار في السنة . وبعملية بسيطة يمكننا أن نجد أن إنتاج
الضيعة يقارب المليون دينار سنويا إضافة لقيمة ما ينتجه من شعير وقمح وأعلاف
وتربية ماشية. كل ذلك مقابل مبلغ التسويغ الزهيد الذي بلغ مع سنة 2010 العشرين ألف
دينار فقط... يذهب مبلغ المليون دينار أو المليار من المليمات إلى جيوب
الرأسماليين المُتسوِّغين فلا خزينة البلاد انتفعت ولا أهل جمنة المالكين استفادوا...
كما أن السلطة لم تفكر في مصير المئات من شباب جمنة والجهة العاطلين عن العمل ولا
في أموال الدولة إذا اعتبرَت أن "ستيل" من أملاكها... وهكذا نجد أن
الرأسماليين يراكمون الأموال من أرض يراكم أصحابها الفقر والبؤس و القهر.
جمعية
حماية واحات جمنة و لجنة تسيير ضيعة "ستيل"
قام أهالي جمنة بعد اعتصامهم أمام الضيعة بتكوين "جمعية حماية
واحات جمنة" وتفويض لجنة لتسيير ضيعة "ستيل" حتى يتم البت في
وضعيتها قضائيا ...
تتكون اللجنة المسيرة من السادة : 1. محمد الطاهر الطاهري: رئيس، 2. علي
حمزة : أمين مال، 3. صالح عبد الجواد : كاتب عام، 4. عليَّا عبد السلام : عضو، 5.
إبراهيم الخليل :عضو، 6. أحمد كشكار : عضو، 7. عمر الرحموني : عضو، 8. الحسين عبد
القادر : عضو، 9. منصور خليفة : عضو، 10. عبد المجيد الحاج محمد : عضو.
قامت هذه اللجنة بخرص (تخضير) صابة
بمبلغ يقارب المليون دينار سنويا في مواسم 2011 و2012 و2013 كما تقوم أيضا
بالإشراف على كل الأعمال الفلاحية للحفاظ على الضيعة وتنميتها.
التشغيل:
تشغِّل الجمعية الآن 124 عاملا
من أبناء جمنة في حين كان هذا العدد في حدود 7 عمال قارين فقط ويرتفع إلى خمسين في
موسم الذكّار، يجلب أغلبهم المسوغ من مناطق أخرى.
الأجور
والمصاريف
ينتفع العمال من أهالي جمنة منذ تم تكوين الجمعية واللجنة بجرايات
شهرية بلغ مجموعها ما بين 40 ألف دينار وخمسين ألف دينار شهريا مما أمَّن موارد
رزق قارة لعشرات العائلات وبث حركية في النشاط الإقتصادي للجهة.
لقد بلغت كتلة الأجور سنة 2011: 123 ألف دينار إضافة إلى جهد المتطوعين.
أما سنة 2012 فقد بلغت: 256 ألف دينار
وسنة 2013: 343 ألف دينار. كما بلغت مجمل المصاريف (ذكّار، مداواة الأعشاب الضارة،
بلاستيك، ري، حراسة، إلخ.) بما فيها الأجورسنة2011: 335 ألف دينار و سنة 2012 :368
ألف دينار وسنة 2013: 632 ألف دينار.
و نتيجة لهذه النجاحات فقدْ زاد إصرار أهل جمنة على التمسك باسترجاع
أرضهم و استثمار مردودها بما يفيد جمنة والجهة عموما . وكذلك زاد إصرار
الرأسماليين بتقديم قضايا برجال هذه اللجنة لإرهابهم بهدف استمرارهم في الاستيلاء
واستغلال أراضي جمنة كما كان الحال في الماضي. .
هنشير ستيل في جمنة: المصلحة العامّة قبل الربح
الخاصّ. المجتمع المدني، غسان بن خليفة. 11 جويلية 2015
تُعدُّ قضيّة ما يُعرف
بـ”هنشير ستيل” بجمنة مثالاً آخرًا على الأسئلة الصعبة التي نجحت انتفاضة 17
ديسمبر في طرحها، لكن دون أن تستطيع الإجابة عليها. فهنا أيضًا يتعلّق الأمر بصراع
على الأرض بين داود وجالوت. صراعٌ بين مستغلّين خواص كبار تدعمهم الدولة بقوانينها
وسلطاتها المحلّية، ومواطنين يرون أنّهم أولى باستغلال “أرض أجدادهم” والاستفادة،
ومدينتهم، من مداخيلها. هو إذًا نزاع على الأرض يعيد طرح السؤال “الايديولوجي”،
الذي كان يُفترض أن تحسمه “الثورة”، لو نجحت: أيّهما أولى؟ الصالح العامّ أم الربح
الخاصّ؟
تذكير
بالوقائع
يوم
12 جانفي 2011، في عزّ الانتفاضة الشعبيّة ضدّ نظام بن علي ، توجّه العشرات من
سكّان مدينة جمنة إلى ما يطلقون عليه ’هنشير ستيل’ (نسبة إلى الشركة التونسيّة
لصناعة الحليب المعروفة اختصارًا بـ’ستيل’) وسيطروا عليه، ليضعوا بذلك حدًا لـ
“المظلمة التاريخيّة” بحقّهم.
فإلى
حدّ ذلك التاريخ، كانت الدولة تُسوّغ الهنشير (كلمة مجهولة الأصل وتعني الضيعة
الشاسعة)، الواقع على أطراف مدينتهم، على وجه الكراء إلى مستغلّيْن اثنيْن. نجح
أبناء المدينة بسرعة في استعادة “أرض الأجداد” التي طالما حلموا باسترجاعها.
استقدم المتسوّغان، اللذان يتّهمهما أبناء المدينة بالفساد وبالاستفادة من محاباة
السلطة السابقة، الجيش من ثكنة ڨبلّي ليعيد لهما “أرضهما”. إلاّ أنّ القيادات العسكريّة
خيّرت عدم مواجهة المئات من أبناء المدينة الذين اعتصموا قبالة الهنشير طيلة ستٍ
وتسعين يومًا دعمًا لقرار استرجاع الأرض.
وبانسحاب
الجيش، وفي ظلّ غياب قوّات الأمن، استقرّ الأمر للجُمنيّين، بقيادة الرابطة
المحلّية لحماية الثورة، وشرعوا في استغلال الأرض. ومنذ أربع سنوات تُشرف جمعيّة
حماية واحات جمنة – المشكّلة أساسًا من الأعضاء السابقين لرابطة حماية الثورة التي
حلّت نفسها إثر انتخابات 2011 – على استغلال الهنشير بشكل تطوّعي، نيابة عن كلّ
مواطني المدينة. والأهمّ أنّه خلافًا للماضي، صارت المداخيل توزّع بين أجور العمّال،
الذين ارتفع عددهم، وبين تعزيز إنتاجية الأرض ودعم مشاريع تنمويّة لصالح أبناء
جمنة. وهو ما يضعنا أمام أوّل تجربة “تأميم شعبي” في تونس: انتقلت فيها سلطة
استغلال أرض فلاحيّة من يد رأس المال الخاصّ إلى يد المجتمع المدني، وتحوّلت
بفضلها المداخيل من أرباحِ في جيوب حفنة من الأثرياء إلى مشاريع تحسّن حياة عامّة
الناس.
جذور
القضيّة
تعود
مطالبة أبناء جمنة بهنشر ستيل إلى ما قبل دولة الاستقلال. إذ يقول الجمنيون أنّ
المستعمر الفرنسي افتكّ أرضهم، كما حصل في باقي جهات البلاد، ومنحها لأحد كبار
الفلاحين الفرنسيين. وإثر جلاء المستعمر، حاول أهل المدينة استرجاع الأرض، ودفعوا
نصف المبلغ المطلوب منهم (ما يعادل ألف 80 دينار) للوالي الأسبق أحمد بللونة. إلاّ
أنّ الدولة اختارت في منتصف الستّينات أن تحوّل أموالهم إلى مساهمات، لم يغنموا
منها شيئَا، في مشاريع جهويّة أشرفت عليها، مثل شركة نزل “الواحة” وشركة “سكاست”،
التي استغلّت الضيعة، وغيرها. سنة 1975، أجبرت الدولة مجلس الوصاية على أن يفوّت
لها في الأرض، ومن ثمّة استغلالها من شركة ’سوداد’ (الاختصار الفرنسي لـشركة
التطوير الفلاحي والتمور)، وهي فرع لشركة "ستيل".
إلاّ
أنّ المؤسّسة العموميّة أفلست، وقرّرت السلطة سنة 2002، التفويت فيها للخواص على
وجه الكراء لمدّة 15 عامًا.
شبهات فساد
وكان
المنتفع الأوّل من التفويت مقاول البناء عادل بن عمر بالمبروك وأبناؤه، من مدينة
ڨبلّي، الذي اكترى الجزء الأكبر من الضيعة ومساحته 111 هكتار، بمعلوم سنوي يساوي
سعر 333 قن و13 كغ من القمح الصلب بالنسبة للخمس سنوات الأولى (ويضاف إليه كلّ خمس
سنوات قيمة حوالي 125 قنطار أخرى)؛ ما يعني أنّ معلوم كراء السنة الأولى لم يتجاوز
9734 دينار. أمّا المتسوّغ الثاني فكان الهادي شرف الدين (وهو شقيق الزيتوني شرف
الدين، المتفقّد العامّ السابق للحرس الوطني وأحد المتهمّين في قضايا شهداء
الثورة) الذي اكترى بنفس التعريفة قطعة الأرض الأصغر ومساحتها 74 هكتارًا.
تُعدّ
معاليم الكراء المنخفضة من الحجج التي يقدّمها أبناء المدينة للتدليل على الفساد
الذي شاب صفقة الكراء. لكنّ السيّد حسين مقداد المدير الجهوي للشؤون العقاريّة
بولاية ڨبلّي، أكّد لـ ’نواة’ أنّ تلك هي المعاليم المعمول بها، والتي تُضبط
سنويًا بأمر وزاري. وهو يقرّ بأنّ ربطها بأسعار القمح الصلب، كما هو معمول به في
الأراضي الفلاحية بالشمال الغربي، لا يتناسب مع خصوصيّة الجنوب، الذي تنتج أراضيه
التمور، ذات الأسعار المختلفة. ويضيف أنّه ممّن يقترحون تغيير هذا المعيار.
وفي
كلّ الأحوال، لا يتوقّف مواطنو جمنة كثيرًا أمام “قانونيّة” معلوم الكراء. ويدفعون
بعدم مشروعيّة أن يتسوّغ أحدهم أرضًا يمكن لكلّ هكتار فيها أن يتسّع لما يقارب الـ
150 نخلة، وأن تنتج كلّ منها، حسب أعضاء الجمعيّة، ما قد يبلغ قيمته 200 د،
وبالتالي إنتاجًا جمليًا يمكن أن يدرّ سنويًا حوالي 3 ملايين دينار.
من الربح
الخاصّ إلى الصالح العامّ
لم
يكتفِ أبناء جمنة بالتنظير. إذ نجحوا منذ استرجاعهم الضيعة في الترفيع من
انتاجيّتها. بل وضاعفوا الأرباح السنويّة، التي كانت بمعدّل 450 ألف دينار سنويًا،
حسبما أفادنا به السيّد محسن المزغنّي، أحد مساعدي المتسوّغ السابق رضا بن عمر
بشركته للمقاولات، لتصل إلى 1800 ألف دينار بالنسبة لموسم سنة 2014. وذلك حسب ما
ورد في تقرير مدقّق الحسابات الخارجي الذي تكلّفه جمعيّة الدفاع عن واحات جمنة
سنويًا بمراقبة تصرّفها المالي في الضيعة.
إلّا
أنّه، وعلى غير المعتاد، لا يستفيد مستغلّو الضيعة الجُدُد من مداخيلها. بل يقول
أعضاء الهيئة المديرة للجمعيّة، المشرفة على استغلال الضيعة كما لو كانت مجلس
إدارة شركة، أنّهم متطوّعون ولا يتقاضون مقابلاً عن عملهم. أمّا عن أوجه صرف
المال، فإلى جانب ما يتطلبّه العمل من تجهيزات وفواتير مياه الريّ وأجور عمّال
وغيرها، فإنّ الجمعيّة تصرف جزءًا هامًا منه في تمويل مشاريع تنمويّة لصالح أبناء
المدينة. ومن أهمّها، كما عدّدها السيّد علي حمزة أمين مال الجمعيّة: بناء سوق
مُسقّف وسط المدينة؛ بناء وحدات صحّية وتهيئة جزء من الساحة في المدرسة
الابتدائيّة الكبرى بجمنة؛ بناء قاعة مطالعة وقاعة للأساتذة في مدرسة النجاح
الابتدائيّة؛ إنجاز ملعب حيّ؛ دعم للمساجد وللمدرسة القرآنية، دعم مالي لمركز
المعاقين المتخلّفين ذهنيًا؛ دعم المهرجان الثقافي والاعتناء بمقبرة المدينة. وقد
تأكّد فريق موقع ’نواة’ من صحّة هذه المعلومات عبر زيارة عددٍ من هذه المشاريع
والحديث إلى بعض شهود العيان. يُضاف إلى ذلك، دعم عدد من المشاريع الأخرى بالجهة،
خارج جمنة، منها: جمعيّة الطفل المتوحّد بڨبلّي، جمعيّة مرضى السرطان بڨبلّي
والمدرسة الابتدائيّة بڨفصة وغيرها من الأمثلة التي ذكرها لنا أمين مال الجمعيّة.
أمر
ثانٍ يُحسب لأعضاء الجمعيّة: نجاحهم في الترفيع من عدد العاملين بالضيعة. فمن 20
عاملاً قارًا و60 موسميًا بالجزء الأكبر للضيعة (حسب ما أفادنا به محسن المزغنّي)
سنة 2010، صارت الأخيرة، بجزئيها، تشغّل حوال 130 عاملاً أغلبهم قارّين (يتوزّعون
بين إداريين وعمّال فلاحيين إلى جانب 3 نُظّار). كذلك، رفّع أعضاء الجمعيّة من
أجور العمّال. فمن 10 دنانير سنة 2011، ارتفع الأجر اليومي للعامل إلى 13.5 د.
كذلك
يشدّد أعضاء الجمعيّة على أنّهم يعملون على إحياء الأرض واستصلاحها، على عكس
المتسوّغ السابق. فالأخير ” لم يكن يهتمّ سوى بالنخلة والماء، أمّا بقيّة الأعمال
الضرورية من مداواة واقتلاع للأعشاب الطفيليّة فلا يعطيها حقّها”، كما يؤكّد علي،
وهو أحد العمّال القدامى الذين كانوا يشتغلون بالضيعة قبل “استرجاعها”.
يفنِّد
رضا بن عامر، المتسوّغ السابق للضيعة، الاتّهام الموجّه إليه بإهمالها. إذ أكّد،
في اتصال هاتفي مع ’نواة’ (وقد حاولنا أن نسجّل معه مقابلة مصورة لكنّه قال أنّ
أوقاته لا تسمح)، أنّه كان ملتزمًا بتنفيذ ما ورد في الدارسة التي قدّمها لوكالة
التنمية الفلاحيّة، ضمن ملفّ طلب تسوّغ الضيعة. بل وأضاف أنّ الأخيرة كانت تعتبر
ضيعته “نموذجيّة”. إلاّ أنّنا لم نستطع التأكّد من صحّة أقواله رغم اتّصالنا
بالمندوب الجهوي للتنمية الفلاحية بولاية ڨبلّي السيّد فائز مسلم. إذ نفى المسؤول
إطّلاعه على تقارير المراقبة السنويّة التي تشرف عليها لجنة وطنيّة، تتكوّن من
والي الجهة وممثّلين عن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، المندوبية الجهوية
للتنمية الفلاحية ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية. وقد أوضح لنا السيّد مسلم
أنّ “وكالة النهوض” هي المسؤولة الأولى عن مراقبة المستثمرين الفلاحيين لكونها من
تسند إليهم منح الدعم لما ينجزونه من أشغال لتطوير ضيعاتهم. إلاّ أنّنا لم نستطع
الحصول على أيّ معلومة مفيدة تُذكر عند اتّصالنا بالسيّد الهادي بن علي، المسؤول
عن الوكالة بالولاية، بما في ذلك حول معايير إسناد المشاريع التي سألناه عنها. إذ
تحدّث إلينا، كما السيّد مسلم، بتحفّظ شديد، وتعلّل بأنّه عُيّن في منصبة حديثًا
وبأنّ القرار يُتّخذ على مستوى مركزي بالعاصمة. وحول سؤالنا عن مدى التزام
المتسوّغ السابق بما رسمه من أهداف في الدراسة التي قدّمها، لم يوفِ السيّد بن علي
بوعده معاودة الاتصال بـ ’نواة’ لتقديم المعلومات المطلوبة.
العوائق
القانونيّة
يعتبر
رضا بن عامر أنّ أعضاء جمعيّة الدفاع عن واحات جمنة هم مجرّد “عصابة” من اللصوص،
يقودهم رئيسها الطاهر الطاهري (أستاذ متقاعد ومناضل حقوقي يساري)، وقد سبق له أن
رفع ضدّه قضيّة، رفضت محكمة ڨبلّي النظر فيها. وما يزال المتسوّغ السابق
متمسّكًا باسترجاع الأرض أو بأن تعوّضه الدولة عنها، ورفع في الغرض قضيّة ثانية
ضدّ وزارة الشؤون العقاريّة، التي سوّغت له الأرض في عهد الوزير الأسبق رضا ڨريرة.
الاّ أنّ المحكمة ظلّت تؤجّل البتّ فيها المرّة تلو الأخرى. أمّا أعضاء الجمعيّة
(وأغلبهم ناشطون سياسيون من خلفيّات متنوّعة وأساتذة ومعلمّون من أبناء المدينة)
فهم يبدون واثقين من أنّهم سينتصرون “بالقانون” بعد أن انتصروا على الميدان، كما
أكّد على ذلك طارق الرحموني، المسؤول الإداري بهيئة الجمعيّة.
بيْدَ
أنّ الجمعيّة تواجه وضعيّة قانونيّة معقّدة تحول دون حسمها المعركة لصالحها بعد.
فالعقد المُبرم بين المتسوّغيْن السابقيْن والدولة مازال نافذًا حتى مارس 2017.
واذا استثنينا محاولات الوالي السابق إقناع المسيطرين على الأرض بتقاسم استغلالها
مع المتسوّغيْن السابقيْن – وهو ما رفضته الجمعية – فإنّه يمكن استنتاج غياب
الإرادة السياسية لحلّ هذا الملفّ. إذ يتحدّث الطاهر الطاهري بمرارة عن لقاءاته
بوزراء أملاك الدولة المتعاقبين منذ 14 جانفي، وبزعماء سياسيين وعدوه بـ”إرجاع
الأرض بقرار سياسي مثلما افتّكت بقرار سياسي”، منهم المنصف المرزوقي وحمّه
الهمّامي. إذ أنّ جميعهم أكّدوا له مشروعية مطالب أبناء المدينة ووعدوا بالمساعدة
لكنّهم لم يفعلوا شيئًا.
هذه
الوضعيّة منعت الجمعيّة من استغلال الضيعة على أحسن وجه. وأبرز مثال على ذلك عدم
تمكّنها من صرف التغطية الاجتماعيّة لعمّالها، بحكم عدم تمتّعها بالصفة القانونيّة
التي يحصرها القانون في الشركات. لكن أعضاء الجمعيّة تجاوزا نسبيًا هذا الإشكال
عبر إضافة مبلغ 1.9 د إلى الأجرة اليوميّة للعمّال، على أن يقوم هؤلاء بصرفه
مباشرة في حسابهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. كما فشلت محاولة الجمعيّة
تكوين شركة للتصرّف في الهنشير، لاصطدامها برفض سكّان المدينة. وذلك رغم التعهّد
الكتابي للمسيّرين بعدم تمتّعهم، وأبناؤهم، بأرباح الضيعة.
لا
بدّ كذلك من الإشارة إلى المفارقة الصارخة التي تطلّ برأسها في قضيّة الحال. فرغم
عدم الاعتراف القانوني للدولة وسلطاتها المحلّية باستغلال الجمعيّة للضيعة، الاّ
أنّها لا تمانع في أن تموِّل الأخيرة مشاريع ترميم أو بناء تقام تحت اشرافها، كما
هو الحال في حظائر البناء بالمدارس أو المهرجان الثقافي أو سوق المدينة وغيرها. بل
ربّما لا نبالغ إذا قلنا أنّ الجمعيّة صارت تتمتّع، بفضل قدراتها الماليّة
الكبيرة، بثقل سياسي وازن في المدينة. وهو ما ينضاف إلى ما لمسناه من احترام ودعم
واسعيْن من قبل العديد من الجُمنيّين، وقد تجلّيا بوضوح مرّات عدّة، كان آخرها
السنة الفارطة عند مثول رئيس الجمعيّة وعضوين من هيئتها أمام محكمة قبلّي، بعد أن
رفع ضدّهم أحد المتسوّغين السابقين قضيّة اتّهمهم فيها بـ “الاستيلاء على ملك
الغير”. ولا شكّ في أنّ السببيْن المذكورين سلفًا يفسّران إحجام السلطة حتّى اليوم
عن تنفيذ ما تراه “شرعيًا” بالقوّة، أي إرجاع الضيعة الى المتسوّغين السابقين.
مخارج تشريعيّة
ممكنة
بدأ
الواقع الجديد الذي فرضته الجمعيّة، بنجاحها في الاحتفاظ بالضيعة طيلة الأربع
السنوات الماضية، يدفع حتّى بعض المسؤولين المحلّيين إلى تبنّي وجهات نظر غير
“أرثودوكسيّة”. فرغم تحفّظه، لاحظنا في حديثنا مع السيّد حسين مقداد، المدير
الجهوي للشؤون العقاريّة، تقبّلاً ضمنيًا لفكرة إمكانيّة فسخ عقد الكراء مع
المتسوّغين السابقين. إذ ينصّ العقد المبرم معهما في فصله عدد 15 على إمكانية أن
تسترجع الدولة الأرض قبل حلول الأجل “لإنجاز مشروع مصرّح به ذو مصلحة عموميّة”.
كذلك لاحظنا في حديثنا مع السيّد فائز مسلم، المندوب الجهوي للتنمية الفلاحيّة
انفتاحًا على فكرة أن يتمّ استغلال الضيعة في شكل تعاضديّة ينشئها أبناء المدينة.
لكن
تجدُر الملاحظة أنّ ما تقوم به جمعية الدفاع عن واحات جمنة، يذكّر إلى حدّ كبير
بمفهوم “الشركة الاجتماعيّة” المنتشر في
البلدان الأنغلوساكسونية وفي ايطاليا وأمريكا اللاتينيّة. وهو يعني باختصار شركات
تخضع لقوانين السوق الرأسماليّة، لكن تتمثّل غاية وجودها في خدمة المجتمع المحلّي،
عبر تمويل مشاريع تُعنى بشكل أولويّ بالفئات الأكثر احتياجًا وتهميشًا. لكن رغم
نصّ الدستور في الفصل 12 على مبادئ “العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة
والتمييز الايجابي”، لا نجد بعد في التشريع التونسي قانونًا يشجّع على إنشاء هذا
النوع من الشركات، أو على الأقّل يسهّل الأمر على المبادرين إلى بعثها.
أسئلة
ضروريّة
رغم
أهمّية ما أنجزته الجمعية، فإنّ الأمور ليست ورديّة وهناك عدد من الملاحظات
والأسئلة التي يجدر طرحها:
لا
يمكن القول أنّ الأمر يتعلّق بتجربة تسيير جماعي على “الطريقة الاشتراكيّة”
التقليديّة. إذ لا يتمتّع العمّال بنفس صلاحيات القرار التي يمتلكها أعضاء الهيئة
المدير للجمعيّة، ولا يشاركون بشكل ديمقراطي أو على قدم المساواة معهم في اتّخاذ
القرارات التي تخصّ الضيعة. فهم يظلّون أجراء عند هؤلاء، لكن في ظروف عمل أفضل
ممّا كانت عليه من قبل. كما أنّ عددًا منهم، خاصّة من قدامى العمّال، يتذمّرون من
عدم إمكانية صرف الضمان الاجتماعي بشكل آلي من قبل مؤجّريهم بعد أن تعوّدوا على
ذلك.
كذلك،
رغم الدعم الواسع للجمعيّة سجّلنا انتقادات من بعض المواطنين الذين حاورناهم بوسط
المدينة. إذ تساءل أحدهم عن مدى شفافيّة قرارات تمويل بعض المشاريع التنمويّة، كما
انتقد عدم دوريّة الجلسات العامّة المفتوحة التي تعقدها الجمعيّة مع المواطنين
لإطلاعهم على أوضاع الهنشير، وكذلك عدم الإعلان عنها بشكل كافٍ. الأمر الذي أجاب
عليه الطاهري بقوله أنّ الجمعيّة تقدّم لأبناء المدينة كلّ سنة كشفًا بكلّ
مداخليها ومصاريفها، وأنّه يمكن لأيّ كان طلب نسخة من التقرير السنوي الذي يعدّه
خبير المحاسبات. وإن أقرّ الطاهري بأنّ الجمعية لا تدعو إلى جلسات مفتوحة إلاّ
عندما “تتطلبّ الظروف ذلك”، فانّه أكّد على أنّه يتمّ في كلّ مرّة الإعلان عنها عن
طريق سيّارة مجهّزة بمكبّر صوت، تجوب شوارع جمنة؛ وعبر تعليق إعلانات مكتوبة قرب
“العيْن”، الواقعة بوسط المدينة، حيث تجري الاجتماعات العامّة.
وفي
إجابته عن سؤالنا حول الضمانات التي ستحمي الجمعيّة، والضيعة، من تجاوزات الأفراد
المسيّرين لها، وعن حظوظ تواصل آلية “التسيير الجماعي”، قال الطاهري أنّ أهمّ ضمان
هو يقظة أبناء المدينة وتواصل التزام أعضاء الجمعيّة بالعمل تطوّعًا دون مقابل.
أمّا من الناحية العمليّة فقد أكّد لنا مخاطبنا أنّه وبقيّة أعضاء الهيئة المديرة
ينوون في أقرب الآجال التخلّي عن مهامهم وتركها لغيرهم من أبناء المدينة الراغبين
في تحمّل المسؤولية. وأضاف أنّهم لا يمانعون في أن يتواصل استغلال الهنشير بأيّ
طريقة كانت، ولو حتّى من خارج إطار الجمعيّة : “مثلا، عبر تعاضديّة البركة
المملوكة لمواطنين جُمنيّين آخرين”. المهمّ بالنسبة لـ“أفضل يساري غير متحزّب في تونس”، كما وصفه ابن المدينة
الكاتب محمد كشكار، هو “أن لا يضيع حقّ أبناء جمنة مرّة أخرى".
إمضائي
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة
والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى"
(ميشيل فابر & كريسيان أورانج، 1997)
"علَى كل مقال
يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي"
(لوموند ديبلوماتيك)
"وإذا
كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
إنتاجي بداية من سنة 1998 إلى
سنة 2016
صَدَرَ لِي:
1. Enseigner des valeurs
ou des connaissances? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique"?
(PUE: Presses Universitaires Européennes, Edition électronique)
2. Le système éducatif au banc des accusés ! «Les professeurs ne comprennent
pas que leurs élèves ne comprennent pas» (1ère édition libre + Prochaine
édition Arabesques)
3. جمنة وفخ العولمة
قريبا سَيَصْدُرُ لِي إن شاء
الله:
4. أفكر ولا أبالي (جاهزٌ
للنشر)
5. تصورات بعض المفكرين حول
العَلمانية (جاهزٌ للنشر)
6. سيرة غير ذاتية وغير
موضوعية (جاهزٌ للنشر)
7. قرأتُ فعلّقتُ (جاهزٌ
للنشر)
في سلسلة "نقد السائد":
8. نقد السائد في النظام التربوي التونسي
(مُودَعٌ لَدَى الناشرِ ”نقوش عربية“)
9. نقد السائد في أشكال التدين الإسلامي الشائع (جاهزٌ للنشر)
10. نقد السائد في التصورات
الذكورية حول المرأة (جاهزٌ للنشر)
11. الابن ”الضال“ للاتحاد
العام التونسي للشغل (جاهزٌ للنشر)
12. نقد السائد في الأحزاب
السياسية التونسية (جاهز للنشر)
13. نقد السائد في الثورة
التونسية (جاهزٌ للنشر)
Jemna
&
Révolution
Citoyen
du Monde Dr Mohamed Kochkar
Originaire
de Jemna, naissance et éducation
Jemna
&
Révolution
À mon nom et au nom de la majorité des citoyens jemniens, je remercie les amis de Jemna qui ont rédigé les articles rassemblés dans cet ouvrage : Pierre Clément, Ghassen Ben Khelifa, et
Table
des matières
Préface……………………………………………………..9
Introduction………….…………..…………………….….11
Dernières
nouvelles sur la Palmeraie de Jemna (Clément)…………………………………………………14
L’intérêt collectif devance le gain personnel. (Ben Khelifa)…………………………………………………....30
La réussite remarquable de Jemna! (
Peut-on éviter le piège d`une frénésie de productivisme
agricole ?.....................................................................52
“L`utopie est la vérité de demain”
« La trace d`un rêve
n`est pas moins réelle que celle
d`un pas »
Préface
rédigée par mon ami et ami de Jemna, Habib Ben Hmida (Prof
philo, retraité)
L`esprit de Jemna hante tout le travail de Kochkar,
il est disséminé dans tous les fragments écrits pour recréer des souvenirs
qu`il veut conserver, des plaisirs qu`il a éprouvés, ou des expériences qui
sont comme des éclairs d`une intuition retrouvée.
Jemna, une oasis du Sud Tunisien, est ressuscitée
dans ce livre comme Mythe et comme Utopie : c`est une cité où règnent
l`harmonie et le dynamisme créateur.
En effet la bonne foi de quelques uns fut comme un
éclair qui illumine le désert. Sans terreur ni violence, un petit groupe de
citoyens éclairés prit l`initiative de réformer radicalement un mode de gestion
de la grande propriété aliénant et frauduleux pour tout le village. On mit fin à
cette escroquerie en instituant l`autogestion comme solution concrète à des
problèmes concrets. Par cette décision révolutionnaire, le travail n`est ni
suspendu ni interrompu, seule la propriété a changé de sens.
Travailler sans vouloir s`approprier est devenu la
devise de quelques idéalistes à Jemna.
Par cet acte subversif et révolutionnaire on
démystifie toutes les aberrations de l`ancien
régime et on réhabilite le droit de la société civile face à l`Etat, car l`Etat
a une tendance à devenir totalitaire et à prétendre, au nom de je ne sais quoi,
déposséder les communautés de leurs terres au profit d`un seul.
L`événement
de Jemna est une leçon pratique pour toute la gauche tunisienne, celle-ci a
intérêt à prendre des initiatives qui rendent possible le changement
révolutionnaire de nos villages et de nos quartiers et dont les conséquences
réelles deviennent irréversibles dans le futur.
Le modèle de Jemna nous réconcilie enfin avec le
sens de l`histoire qui est essentiellement d`ordre moral car le progrès en tant
qu`épanouissement de chacun de nous tous suppose nécessairement un impératif
catégorique moral, sans ambiguïté.
Autrui est la vraie richesse qui conditionne le
bonheur de tous.
Introduction
Qu'est-ce qu'être « citoyen du monde » ? Qu'est-ce qu'être militant de la
« société civile » ? Qu'est-ce que "réhumaniser" l’Humanité ? Essai inspiré de la philosophie d`Edgar Morin, "Le
temps est venu de changer de civilisation", interviewé le 11/02/2016 dans
LA TRIBUNE)
Il me parait nécessaire de concilier patriotisme et
internationalisme. Aujourd'hui il est temps d’associer ces deux termes qui sont
en perpétuelle interaction. Deux concepts qui sont antagonistes pour la pensée
non complexe : patriotisme et cosmopolitisme signifiant "citoyen du
monde".
Patriotisme : N’est-ce pas en Tunisie et surtout hors-parti que se
sont développées des associations à but non lucratif qui ont formé
juste après la révolution tunisienne de 2011 une vraie force sociale et
démocratique. La régénération politique ne peut donc s'effectuer que par le
micro-pouvoir (Foucault) infra politique. Ces processus sont nés de façons
multiples dans la société civile. Partout
en Tunisie après la révolution de 2011, des associations bénévoles assainissent
et "réhumanisent" les rapports humains, irriguent le territoire
(Jemna, Zafaran, Tozeur, Dahmani, Chouiga, etc.), revivifient responsabilités
locales, solidarité millénaire et démocratie participative : ces structures
coopératives d`auto-gestion communales se développent et font la preuve de leur
efficacité : à Jemna par exemple, de formidables initiatives ont permis de
lutter contre le chômage et la pauvreté : juste après le départ précipité
du déchu Ben Ali, l`oasis de dix mille palmiers dattiers Deglat Ennour appelée
« STIL », créée à Jemna par un colon français et nationalisée en
1964, a été arrachée des mains de ses
locataires (deux entrepreneurs corrompus) par les citoyens jemniens, propriétaires originaux de la terre, après un sit-in de 96 jours. La sagesse
jemnienne a réhabilité la bonne, la saine, la juste gestion des terres
domaniales étatiques en opposition à l'exploitation capitaliste sauvage,
lucrative, et destructrice du sol et de la diversité biologique.
Cosmopolitisme: mon professeur et ancien
directeur de thèse, le français Pierre Clément m`a téléphoné pour me féliciter
de la réussite de la révolution et m`a proposé son aide. Je l`ai remercié, et
les choses en sont restées là. Trois
mois après, une association d`auto-gestion de l`oasis récupérée est née,
« L`association de sauvegarde des oasis de Jemna ». Sans-le-sou,
cette dernière a lancé un appel urgent à la solidarité en vue de financer la
pollinisation des palmiers. J`ai contacté mon professeur et, quelques jours
après, des enseignants universitaires français et genevois solidaires ont
répondu à l`appel. Deux de ces nouveaux amis de Jemna ont visité l`oasis et ont
publié en France des articles sur l`expérience révolutionnaire de Jemna.
Bref, une nouvelle conscience de citoyenneté a surgi en Tunisie après la
révolution. Elle lutte en faveur de la démocratie et de l`égalité sociale. On a
redécouvert qu`au sein de la société civile tunisienne, existe encore une
volonté à inventer des actions citoyennes alternatives sur lesquelles on peut
dorénavant s'appuyer. Ces actions pourraient nous aider à briser les chaînes qui nous aliénaient aux
lobbys des opportunistes mafieux qu`ils soient tunisiens ou étrangers.
Dernières nouvelles sur la Palmeraie de Jemna (Kébili, Sud Ouest Tunisien).
Pierre Clément (mon ami et mon ancien directeur de thèse, Début novembre 2012)
« La révolution
tunisienne n’a réussi qu’à Jemna », se plait à dire Mohamed Kochkar, originaire
de Jemna et enseignant de biologie dans un lycée de Tunis. Lors du printemps
2011 (la révolution du jasmin en Tunisie), il m’avait mis en relation avec le
Comité révolutionnaire de Jemna, qui avait pris le contrôle en janvier 2011 de
la gestion d’une importante palmeraie de cette oasis en remplaçant deux
comparses de Ben Ali : ceux-ci en avaient tiré pour eux seuls les bénéfices
durant ces dernières années, depuis le contrat datant de mars 2002. En ce
printemps 2011, le comité révolutionnaire de Jemna avait un besoin urgent de
liquidités pour assumer la pollinisation des palmiers, et permettre ainsi la
récolte 2011 de dattes.
Quand il m’a refait
visiter, il y a quelques jours, cette fameuse palmeraie (j’y étais déjà allé en
novembre 2011), Tahar, professeur de français au Lycée de Jemna et un des
principaux animateurs du Comité révolutionnaire de Jemna, a confirmé et
reformulé le propos de Mohamed Kochkar : « C’est à Jemna que la révolution
tunisienne a réussi".
« C’est encore loin d’être
définitivement gagné ! » tempérera plus tard Alaya, lui aussi jemnien et
enseignant de biologie vers Tunis.
Tahar nous a encore
remercié pour l’aide qu’on leur a apportée à un moment décisif, près de 1200 €,
ce qui a effectivement permis le financement d’une partie de la pollinisation
des palmiers, et a constitué, en plus d’un soutien moral inappréciable, une
caution qui les a aidés à obtenir des emprunts pour assumer la gestion initiale
de cette palmeraie.
A l’heure des bilans des récoltes 2011
et 2012, où en est-on ?
La réponse tient en quelques mots : une
situation financière et politique locale très positive, et une situation
juridique / administrative qui reste à clarifier.
A - La situation financière
La palmeraie récupérée
par le Comité n’est qu’une partie de l’ensemble des palmeraies de l’oasis
Jemna. Elle occupe environ 306 ha dont 185 ha sont plantés en palmiers (111 ha
pour la partie que nous avons visitée, et 74 ha pour une autre partie, moins
productive en dattes). Au total, presque 10 000 palmiers (9 967 précisément :
soit moins que ce qu’il devrait y en avoir, c’est à dire environ 100 palmiers
par ha, à cause d’une mauvaise gestion par les deux ben-ali-stes.
Un palmier rapporte
environ 100 DT par an (soit 50 € car 2 Dinars Tunisiens = 1 €. Tous les
chiffres qui suivent sont donnés en DT : il suffit de les diviser par deux pour
avoir leur équivalence en Euros.
En 2011, la récolte a rapporté 969 500
DT, et 941 000 DT en 2012 (un peu moins à cause des conditions climatiques.
Remarque : les dattes sont vendues sur
pied, et chaque acheteur s’occupe de la récolte et écoulement des dattes des
palmiers dattiers de son lot.
Conclusions
(1) L’importance des bénéfices réalisés
durant les années précédentes par les deux ben-ali-stes, qui ne louaient la
palmeraie à l’Etat que 20 000 DT / an.
(2) Les dépenses pour la gestion de la
palmeraie (irrigation, désherbage, pollinisation, plastiques de protection des
régimes, surveillance de la palmeraie, …) ont été couvertes : soit 335 752 DT
en 2011 et 368 317 DT en 2012 (dont près de la moitié en salaires : 123 868 DT
en 2011 et 256 468 DT en 2012, car il y a eu des aides et du bénévolat en 2011.
(3) Le comité révolutionnaire qui a
coordonné la gestion de la palmeraie l’a fait bénévolement. Seuls cinq voyages
à Tunis ont été financés sur la récolte, pour les aspects juridiques (voir
point B ci-dessous). Bilan : il y a actuellement 1 357 000 DT sur le compte de
la palmeraie, dont 416 000 DT bloqués pour la création de la « Société de Mise
en Valeur et du Développement de Jemna.
(4) Une assemblée générale des habitants
de Jemna va être prochainement organisée pour décider de l’utilisation de
l’argent disponible. Plusieurs options sont sur la table (voir le point -C-
ci-dessous). Cette utilisation va bien sûr dépendre de l’évolution de la
situation juridique de la palmeraie (point -B- ci-après).
B – Situation juridique
C’est le point qui
n’est pas résolu, mais qui va être décisif.
Le comité
révolutionnaire de Jemna n’a pas d’existence institutionnelle légale. Il s’est
auto-proclamé mais il est reconnu et respecté par toute la population de Jemna
car il est représentatif, il comporte plusieurs courants (il est « multicolore
»), il travaille bénévolement et il est coordonné par des personnes connues et
appréciées à Jemna. Il fonctionne de façon transparente. Il a permis l’embauche
de plusieurs travailleurs de Jemna (62 aux moments où il y a du travail,
jusqu’à 96 personnes journellement pendant 3 mois, et 14 en permanence pour
entretenir la palmeraie et la garder nuit et jour.
Il y a un an et demi,
huit représentants du Comité révolutionnaire ont été choisis et élus pour être
membres de la municipalité de Jemna.
Des porte-parole du
Comité révolutionnaire ont été reçus trois fois par le gouvernement depuis le
13 janvier 2011 (les 5 frais de déplacement qui sont les seules dépenses du
comité jusqu’à présent) pour rencontrer le Ministre de l’Agriculture et le
Ministre de la propriété foncière, et aussi pour une convocation de Tahar
devant la justice, l’un des deux ben-ali-stes ayant porté plainte (Tahar est
attaqué pour médisance, ayant publiquement dit, le 27 février 2011, « cette
bourgeoisie sauvage » en parlant des deux ben-ali-stes et pour avoir soi-disant
encouragé les gens à occuper les lieux, alors qu’en réalité en ce temps là, il
était contre ces pratiques puisque « le sang des martyres n’a pas encore séché
», disait-il … On attend à présent de savoir si le Procureur donnera ou non suite
à cette plainte, car il peut la classer sans suite.
Deux solutions juridiques sont pour
l’instant envisagées : soit l’Etat reste propriétaire de la palmeraie et peut
la louer à la Société de Mise en valeur et du développement de l’oasis de
Jemna. Soit ce terrain devient municipal et sa gestion sera alors confiée à
cette Société. Mais rien n’est encore sûr de la part du gouvernement provisoire
actuel (il y a en effet pas mal d’autres cas de terres agricoles qui ont été
annexées par des agriculteurs ou comités en Tunisie juste après la révolution),
et il est possible que soient attendus les résultats des prochaines élections
(prévues en juin 2013, mais qui seront sans doute reportées en septembre ou
octobre ?) qui doivent élire un gouvernement stable et voter la nouvelle
constitution (actuellement en préparation).
L’histoire de cette
palmeraie est aussi compliquée qu’intéressante
• Création de la palmeraie en 1937 par
un colon français, Maus de Rolley. En atteste un ouvrage de 1943 racontant la «
guerre du Sud » entre alliés et allemands : il signale ce « Bordj Merillon »
dont les bâtiments existent encore, même si en partie délabrés, et dont les
palmiers d’alors produisent encore.
• En 1956, indépendance de la Tunisie et
départ des colons. Des habitants de Jemna ont ensuite, début des années 1960,
versé 40 000 DT à l’Etat tunisien pour acheter la palmeraie, mais cet argent a
été détourné pour leur procurer des actions d’une société de transports de
Gabès et, le 12 mai 1964, l’Etat tunisien s’est approprié la terre des colons
et il en assure depuis la gestion.
• De 1974 à 2002, l’Etat en a confié la
gestion à la STIL (Société Tunisienne des Industries Laitières), société qui a
fait faillite en 2002.
• C’est en 2002 que l’Etat a loué la
palmeraie aux deux comparses de Ben Ali : la partie de 111 ha à l’un, qui était
entrepreneur des travaux publics (il est mort depuis, et c’est son fils qui
tente actuellement de poursuivre Tahar en justice) ; la partie de 74 ha au
frère d’un cadre important du Ministère de l’Intérieur sous Ben Ali , qui a été
arrêté lors de la révolution de janvier 2011 et a passé des mois en prison
(pour différents chefs d’inculpation).
C – Perspectives
Le 4 septembre 2012, les Ministres
respectifs de l’Agriculture et de la Propriété Foncière ont reçu à Tunis deux
délégués de la Palmeraie de Jemna, et ils ont promis qu’ils allaient en parler
au Conseil des Ministres restreint : ce qui a été fait, mais aucune décision
n’a été prise … Ils avaient dit en septembre que l’Etat conserverait la propriété
de la Palmeraie et en confierait la gestion au Comité de Jemna, à condition que
son statut soit revu, s’engageant en particulier à embaucher des chômeurs de
l’UDC (Union des Diplômés Chômeurs), ce qui a été engagé avec la création de la
Société de Mise en valeur et du Développement de l’Oasis de Jemna. Le groupe
initial (l’ex Comité révolutionnaire) aidera encore, à l’extérieur de cette
structure, conseillera encore, toujours bénévolement.
Dans l’immédiat, une
A.G. des habitants de Jemna va être convoquée d’ici la fin 2012. Ils attendent
que 100 à 200 habitants y participent (sur près de 10 000 habitants dans
l’ensemble de l’oasis de Jemna), pour décider de l’utilisation de l’argent
actuellement en caisse : utilisation immédiate, ou seulement après la clarification
juridique attendue ? Et quelle utilisation ? Plusieurs idées ont déjà été
formulées :
• Une aide à l’école primaire de Jemna,
qui en aurait bien besoin
• La création d’une antenne hospitalière
sur Jemna.
• Une remise en état de la maison du
colon pour y stocker mieux le matériel acquis, et peut-être même pour y
implanter une entreprise de conditionnement des dattes afin de les
commercialiser directement.
A plus long terme, une
fois le statut juridique de la Palmeraie clarifié, il s’agira de s’affronter à
des questions plus vastes liées au Développement Durable :
• Production de dattes biologiques
(actuellement, des désherbants sont utilisés) ?
• Augmenter le nombre de palmiers ?
• Développer les deux autres strates
agricoles (arbres fruitiers, et cultures maraîchères au sol) ? … si la
température de l’eau le permet.
• Réfléchir à la durabilité de
l’utilisation des eaux phréatiques.
• Ce problème des nappes phréatiques est
aussi crucial qu’inquiétant. La nappe superficielle a été assez vite épuisée
et, en 1911, un puits a été creusé (par les français) pour pomper l’eau froide
d’une nappe située à 80 m/100 m. de profondeur. L’eau jaillissait seule au
départ, puis a dû être pompée électriquement, et elle est à présent à peu près
tarie. L’eau pour irriguer les palmiers est actuellement puisée à 2 200 / 2 400
m. de profondeur (un puits à Jemna centre, un autre à 6 km) mais elle est
chaude, entre 70°C et 80°C : elle doit être refroidie (le long de canalisations
ouvertes) avant d’être utilisée pour irriguer les palmiers, mais elle y arrive
encore trop chaude pour des cultures maraîchères … De plus, il s’agit d’eau
fossile, d’une grande nappe pompée également en Libye et en Algérie (.. « Alors
pourquoi pas par nous aussi ? » nous ont-ils dit à Jemna.
D – Situation dans les oasis voisines
• A Tozeur, une palmeraie n’a pas eu en
2011 de soutien pour la pollinisation des palmiers dattiers, et la production
de dattes a dû y être stoppée … Ce contre exemple souligne l’importance du
soutien qui a été apporté en 2011 pour la pollinisation des palmiers dattiers
de Jemna.
• A Zaafrane, oasis proche de Jemna et
Douz, un Comité révolutionnaire s’est constitué sur le modèle de celui de
Jemna, avec le même type de succès … Mais, il y a tout juste quelques semaines,
les salafistes y ont pris le pouvoir, après avoir formulé des menaces … Aux
dernières nouvelles, l’Etat doit remplacer ces salafistes par une direction
qu’il va désigner … A suivre donc.
• A Jemna, le danger salafiste
n’inquiète pas : ils ne seraient qu’une vingtaine (sur les 10 000 habitants),
et plutôt de la tendance « salafistes scientifiques » (différente de l’autre
tendance, les « salafistes djihadistes »). Les huit membres de la Municipalité
actuelle de Jemna ne comportent aucun salafiste ; « trois de ses membres sont
d’Ennahda, et un des huit membres est une demoiselle » (je cite).
• on pourrait rajouter bien des
commentaires sur la situation politique actuelle en Tunisie, et la préparation
des nouvelles élections.
E - Tentative
d’analyse de ce qui fonde le prix des dattes que nous achetons
• Prix des dattes vendues sur pied (le
présent paragraphe ne concerne que la variété de dattes Déglet Nour, la seule
commercialisée dans la palmeraie dont nous venons de parler – plusieurs autres
variétés sont produites par d’autres palmiers dattiers à Jemna) : en moyenne
100 DT par palmier, ça se négocie avant la récolte, au vu de la production
estimée de chaque palmier (entre 100 et 150 kg de dattes, avec une moyenne de
120 kg). C’est la seule phase dont s’occupe le comité de gestion de la
palmeraie, si bien que toute la récolte 2012 avait été vendue sur pieds quand
nous avons visité la palmeraie début novembre 2012. Le comité s’occupe de
l’entretien de la palmeraie : irrigation, nettoyage / désherbage,
pollinisation, plastiques de protection des régimes, gardiennage.
• Chaque acheteur d’un lot s’occupe de
la récolte des palmiers de ce lot, en embauchant des journaliers pour couper
les régimes sur l’arbre (il faut un savoir-faire, et ce sont souvent des locaux
qui sont embauchés) et pour un travail moins spécialisé (pour lequel sont
embauchés des chômeurs de tous les coins de la Tunisie, dont des enfants
mineurs pour ce travail saisonnier peu rémunéré): trier les dattes, dont
plusieurs sont mal formées ou ne sont pas mûres (elles sont alors jetées, ou
gardées pour les animaux, parfois vendues pour mûrissement ultérieur). Les
bonnes dattes (les plus nombreuses) sont stockées dans des cagettes et vendues
à différents prix selon leur qualité : dattes en lames (sur branchettes) :
autour de 2 DT le kg, en plateau : 1,8 DT / kg ; ou en vrac : 1,5 DT / kg.
• Ces cagettes sont soit vendues sur un
marché de dattes (au prix indiqués ci-dessus ; on a pu voir celui de Jemna),
soit stockées dans un hangar où viendra les acheter un grossiste qui en
chargera un camion. Ce stockage rajoute environ 0,1 DT par kg de dattes, mais
nettement plus si elles sont conservées longtemps en chambre froide.
• Le grossiste conditionne ensuite les
dattes (il y a peu de lieux de conditionnement actuellement sur place à Jemna
ou dans les oasis voisines), les mettant en paquets pour exportation, ou les
vendant à des marchands qui les commercialisent dans leur échoppe. Nous avons
encore peu d’informations précises sur cette dernière phase, et sur les prix auxquels
ils écoulent leurs dattes après conditionnement.
• Sur les marchés de Tunis, ces dattes
sont enfin vendues aux particuliers entre 4 et 5 DT le kg (jusqu’à 7 DT ou plus
pendant le ramadan). Et largement plus du double quand on peut en trouver en
France chez des commerçants (en branches, vrac, ou dans des emballages, sans
parler des dattes fourrées de pâte d’amande, etc.) : par exemple 6 € (soit 12
DT) le carton d’un kg acheté hier en grande surface dans le Midi de la France.
NB : Bilan rédigé par
Pierre Clément à partir des notes qu’il a prises sur place à Jemna. Relu et
corrigé par Tahar Tahri, par Mohamed Kochkar et par Alaya Alaya.
Un
exemple à suivre : La résistance
des paysans français contre l`état (1971-1981)
Une
résistance qui a duré dix ans et s`est terminée par une victoire totale. Une
résistance qui pourrait soutenir moralement les paysans jemniens dans leur
jeune lutte contre l`avidité de certains capitalistes corrompus.
J`invite
gentiment mes compatriotes, les paysans jemniens résistants à Jemna, à lire
l`article suivant sur l`expérience de la Lutte de leurs confrères, les paysans
français de Larzac, contre l`extension abusive par l`état d`un camp militaire
sur leurs propriétés agricoles.
La lutte du Larzac est un mouvement de désobéissance civile non-violente contre l'extension d'un camp militaire sur le causse du Larzac qui dura une décennie, de 1971 à 1981, et qui se solda par une victoire
des paysans lorsque François Mitterrand, nouvellement élu
Président de la République, décida d'abandonner le projet.
L'opposition s'est
d'abord organisée autour de 103 paysans locaux qui se sont soulevés contre
l'expropriation de leurs terres après
que le ministre de la Défense Michel
Debré eut décidé
l'agrandissement du camp militaire du Larzac de 13 700 hectares. En 1973, cinq ans
après mai 1968, entre
60 000 et 100 000 personnes de différents courants convergeront vers
le Larzac pour soutenir les paysans et former un mouvement hétéroclite qui
livrera une « guerre d'usure »1 aux pouvoirs publics. Les
rassemblements et le réseautage national résultant de la convergence des luttes
au Larzac seront le terreau de ce qui sera plus tard connu comme le mouvement français. La revue Gardarèm lo Larzac (« Nous garderons le Larzac »
en occitan), qui paraît
régulièrement depuis 1975, en est un symbole. Le mouvement a aussi contribué à
populariser des figures de proue comme Lanza
del Vasto ou Guy Tarlier et, a posteriori, José Bové.
La ferme de la STIL à Jemna : quand l’intérêt collectif devance le gain
personnel. Ghassen Ben Khelifa › Jul 11, 15, traduit par Henda
Chennaoui
« La
ferme de la STIL à Jemna » nous rappelle une des questions les plus
importantes que la révolte du 17 décembre a soulevées sans pour autant réussir
à y répondre. Il s’agit, inlassablement, d’une guerre pour arracher la terre à
l’image de celle de David contre Goliath. Une guerre entre des hommes
d’affaires grands et puissants par le soutien de l’État et son autorité locale
et une communauté locale qui s’estime plus appropriée à cultiver et posséder la
terre de ses ancêtres. Ce conflit sur la possession de la terre nous ramène à
une question idéologique principale, que la révolution aurait pu soulever si
elle avait atteint ses objectifs : qui est prioritaire ? L’intérêt général ou
le profit individuel ?
Rappel des
faits
Le 12
janvier 2011, en pleine révolte populaire contre le régime de Ben Ali, des
dizaines d’habitants de Jemna se sont dirigés vers la ferme de la STIL (la
Société Tunisienne de l’Industrie Laitière) et l’ont pris de force pour mettre
fin, d’après eux, à « un long historique d’injustice ».
Avant la
confiscation des terres par les habitants, la ferme de la STIL a été louée par
l’État à des entrepreneurs privés. Quand la « légitimité
révolutionnaire » s’est imposée, les habitants de la ville ont réussi à
réaliser leur rêve et reprendre « la terre de leurs ancêtres »
rapidement et sans difficulté. De leur côté, les deux entrepreneurs ont ramené
l’armée de Kébili pour reprendre la ferme. D’après les habitants de Jemna, ces
deux hommes d’affaires sont accusés de corruption, de népotisme et de servitude
à l’ancien régime. C’est pour cette raison, peut-être, qu’ils n’ont pas bénéficié
du soutien de l’armée qui a préféré éviter de confronter les centaines
d’habitants en un sit-in 96 jours devant la ferme.
Le retrait
de l’armée et l’absence des forces de l’ordre ont aidé les habitants de Jemna à
s’installer, progressivement, dans la ferme. Soutenus par la ligue locale de
protection de la révolution, les habitants ont décidé de gérer l’oasis d’une
façon collective. Depuis quatre ans, l’Association de la Protection des Oasis
de Jemna (fondée essentiellement par les anciens membres de la ligue locale de
protection de la révolution qui s’est destituée après les élections de 2011)
supervise l’exploitation de l’oasis d’une façon complètement bénévole et par le
consentement de tous les habitants de la ville. Pour marquer la rupture avec le
passé, les nouveaux gérants de l’oasis consacrent les bénéfices de l’oasis au
profit de la communauté locale. En effet, les revenus de la ferme servent,
depuis la révolution, à payer les salaires des ouvriers qui ont augmenté en
nombre, l’optimisation de la productivité de la terre et le lancement de
projets de développement au profit des habitants de Jemna. Une gestion à
l’image d’une vraie « nationalisation populaire » à travers la
gestion collective et la démocratie participative où le pouvoir d’exploitation
d’une terre agricole a changé de camp : d’un capital privé vertical à une
société civile participative et collective. Ainsi, ce bouleversement de forces
a permis aux bénéfices d’aller directement aux poches des affamés qui ont
construit leurs propres projets et ont amélioré la qualité de leur vie.
Les origines
de l’affaire
Les origines
de l’affaire de la ferme remontent, selon les habitants, à l’époque coloniale.
En effet, l’occupant français a confisqué les terres et l’a donné à un grand
agriculteur français (comme c’était le cas de toutes les régions du pays).
Après l’indépendance, les habitants ont essayé de récupérer les terres. Ils ont
payé la moitié de la somme demandée par l’ancien gouverneur Ahmed Ballouna,
soit un montant de 80 mille dinars. Au milieu des années 60s, l’État a préféré
transformer l’argent de la communauté de Jemna en dividendes éparpillées entre
nombreux projets régionaux comme l’hôtel « Oasis » ou la Société
Commerciale et Agricole du Sud Tunisien (SCAST) qui, à l’époque, a exploité la
ferme de la STIL. Les habitants témoignent que cette décision n’a eu aucun
retour positif sur la communauté. Dix ans après, dans les années 1970, l’État a
obligé le conseil de tutelle de la région à donner les terres à la société la
Société de Développement Agricole et des Dattes (SODAD) filière de la société
STIL. Des années après, en 2002, cette société publique a fait faillite et les
autorités ont décidé de louer l’oasis aux privés via un contrat de 15 ans.
Des soupçons
de corruption
L’homme
d’affaire, originaire de Kébili, Adel Ben Amor était le premier bénéficiaire de
la location de la ferme. Il a loué la plus grande partie de la terre, soit une
superficie de 111 hectares, pour un prix qui n’a pas dépassé les 9734 dinars
(la première année). Le deuxième locataire était El Hedi Charfeddine (frère de
Zitouni Charfeddine, l’ancien inspecteur général de la garde nationale du
régime Ben Ali et un des accusés dans l’affaire des martyrs de la révolution)
qui n’a loué que 74 hectares à un prix aussi dérisoire.
Ces prix
dérisoires de location sont, selon les habitants, une preuve tangible de la
corruption entre les autorités locales et les entrepreneurs qui ont profité de
l’oasis. Cependant, le directeur régional des affaires foncières au gouvernorat
de Kébili a confirmé à Nawaat que ces tarifs sont fixés par le ministère et
appliqués par l’État sur tous les contrats de location de terres agricoles. Par
ailleurs, Il nous a expliqué que la spécificité de la région du Sud ne permet
pas d’évaluer la terre par sa production de blé comme c’est le cas au
Nord-Ouest, mais plutôt par sa production des dattes qui ont une valeur
totalement différente.
De toutes
les manières, les habitants de Jemna ne s’attardent pas trop sur la régularité
ou non du montant du loyer. Par contre, ils avancent leur argument fort basé
sur l’aspect social de leur alternative. En effet, selon les habitants, aucune
loi ne pourrait donner raison à une exploitation individuelle d’une si grande
richesse. L’oasis de la STIL permet d’implanter, dans chaque hectare, 150
palmiers. Selon les membres de l’association, chaque palmier peut ramener
jusqu’à 200 dinars de bénéfices. Selon l’association, la somme totale des
bénéfices serait égale à 3 millions de dinars par an.
D’un profit
personnel à l’intérêt collectif
Loin des
fabulations et théories révolutionnaires, les habitants de Jemna sont passés à
l’action. Depuis sa récupération, ils ont réussi à augmenter le rendement de la
ferme. En plus, ils ont doublé les bénéfices annuels qui étaient à 450 mille dinars
par an, d’après Mohsen Al Mezgheni (un des employés de l’ancien entrepreneur
locataire de la ferme, Ridha Ben Amor, fils de Adel Ben Amor). En effet, les
bénéfices actuels arrivent jusqu’à 1 million et 800 mille dinars en 2014. Il
est à noter que l’association de la protection des oasis de Jemna publie un
rapport annuel détaillé et contrôlé par un expert comptable externe.
Dans cet
esprit de transparence et de désintéressement au profit de la communauté, les
membres de l’association gérante de la ferme ne reçoivent ni salaire ni un
pourcentage des bénéfices. Entièrement bénévoles, ils gèrent l’oasis à travers
un bureau exécutif qui agit comme les conseils d’administration des sociétés.
Selon ces militants, l’argent est dépensé dans le financement de la ferme entre
achat d’équipement, paiement des factures d’eau et d’électricité et les
salaires des ouvriers. En addition à ces dépenses, l’association consacre la
plus grande partie de ses bénéfices aux projets de développement au profit de
la ville. Ali Hamza, trésorier de l’association, nous cite les projets les plus
importants : construction d’un nouveau Souk couvert au centre-ville,
construction des toilettes et d’une grande cour à l’école primaire principale
de Jemna, construction d’une salle de lecture et d’une salle des profs dans une
autre école primaire, aménagement d’un terrain de jeu public, soutien des
mosquées et de l’école coranique de la ville, financement d’un centre pour les
personnes à besoins spécifiques, soutien au festival culturel de la ville, et
entretient du cimetière de la ville. L’équipe de Nawaat s’est déplacée sur les
lieux et a vérifié ces informations auprès des bénéficiaires que nous avons
rencontrés sur terrain. En dehors de Jemna, l’association finance des
associations actives dans la région comme l’association de l’enfant autiste à
Kébili, l’association des malades du cancer à Gafsa et d’autres organisations
de la société civile.
Les
militants de l’association ont réussi à augmenter le nombre des employés de la
ferme. De 20 ouvriers permanents et 60 saisonniers qui travaillaient en 2010
sous les deux exploitants privés, le nombre a augmenté à 130 employés
permanents (entre administratifs, ouvriers agricoles et surveillants).
L’association a revu à la hausse les salaires de tous les employés. En effet,
de 10 dinars en 2011 à 13,5 dinars par jour en 2014.
La nouvelle
stratégie des gérants mise sur la qualité de la terre.
L’ancien
locataire ne s’intéressait qu’aux palmiers et à l’eau. Il ne donnait aucune
importance aux autres nécessités comme l’entretien de la terre et
l’environnement des palmiers et l’élimination des mauvaises herbes,témoigne
Ali, un ouvrier qui travaillait pour l’ancien entrepreneur.
Contacté par
Nawaat, Ridha Ben Amor, l’ancien entrepreneur, nie en bloc le fait qu’il a
négligé la ferme de la STIL. Selon lui, son entreprise a respecté le cahier des
charges de l’Agence du Développement Agricole. L’ancien entrepreneur va jusqu’à
affirmer que l’Agence du Développement Agricole considère sa gestion de la
ferme comme « exemplaire ». Cependant, voulant avoir plus
d’information de la part du délégué régional du développement agricole au
gouvernorat de Kébili, Faiz Moslem, nous n’avons pas réussi à confirmer les
dires de l’ancien entrepreneur. En effet, le délégué régional a nié sa
connaissance des rapports annuels supervisés, normalement, par une commission
nationale (constituée du gouverneur de la région, des représentants du
ministère des Domaines de l’État et des Affaires Foncières, la Délégation
Régionales du Développement Agricole et l’Agence de Promotion des
Investissements Agricoles). Faiz Moslem nous a expliqué que l’Agence de
Promotion des Investissements Agricoles est le principal pouvoir de contrôle et
de financement des entrepreneurs.
Malheureusement,
même l’Agence de Promotion des Investissements Agricoles n’a pas été capable de
nous donner plus de détails sur cette affaire. Le directeur de l’agence, Hedi
Ben Ali, récemment recruté, nous explique avec prudence qu’il n’est pas au
courant du contenu de ce dossier. Par ailleurs, il a ajouté que
l’administration de Tunis est la seule habilitée à sélectionner les
entrepreneurs privés. Concernant l’état de la ferme de la STIL, avant la
révolution, le responsable a esquivé la réponse en promettant plus de détails
qui ne sont jamais arrivés.
Les
complications juridiques
Ridha Ben
Amor qualifie les militants de l’association de défense des oasis de Jemna de
criminels guidés par Taher Al Tahri, un professeur retraité et un militant de
gauche des droits de l’homme. L’ancien entrepreneur espère encore, à travers
une plainte déposée au tribunal, reprendre la ferme de la STIL ou avoir un
dédommagement de la part de l’État. Mais le tribunal a ajourné, à maintes
reprises, le procès. Tarek Rahmouni, responsable administratif de la ferme,
assure que les militants de l’association (en majorité des profs
universitaires, des militants politiques et des enseignants de la ville) sont
confiants et croient qu’ils vont avoir gain de cause après avoir réussi le
combat sur terrain.
Cependant, la
situation juridique de l’association reste compliquée et bloque
l’épanouissement de la ferme. En effet, le contrat de location entre l’État et
les anciens entrepreneurs reste en vigueur jusqu’en mars 2017. la volonté
politique de régler la situation de la ferme est totalement absente. Mise à
part une seule et unique tentative de trouver un compromis entre l’association
et l’ancien entrepreneur afin de partager la ferme, rien n’a été proposé ou
fait au niveau des autorités.
Taher Al
Tahri se souvient avec amertume de ses multiples rencontres avec les ministres
des Domaines de l’État successifs et quelques leaders politiques (Hamma Hammami
et Moncef Marzouki) qui lui ont promis de régler la situation de la ferme par
une décision politique (comme elle a été confisquée par le régime à travers une
décision politique). D’après M. Al Tahri, tous ses interlocuteurs étaient
convaincus de la légitimité des demandes des habitants de Jemna et pourtant
« ils n’ont rien fait », se désole M. Al Tahri.
Ces
complications juridiques ont empêché l’association d’exploiter la ferme
convenablement. L’une des contraintes est l’incapacité de l’association de
couvrir les frais de la Caisse Nationale de Sécurité Sociale de ses employés
puisqu’elle n’a pas le statut juridique convenable pour le faire. Les
gestionnaires de l’association ont esquivé cette difficulté en versant
directement aux employés la somme de 1,900 millimes par jour. Cependant, les
militants de l’association n’ont pas réussi à convaincre les habitants de créer
une société pour gérer la ferme malgré leur engagement de rester bénévoles en
tant que gérants directs de l’oasis.
Cette
affaire met la lumière sur une contradiction flagrante. En effet, le refus de
reconnaître officiellement et juridiquement la gestion de la ferme par
l’association collective n’empêche pas l’État et les autorités locales de
bénéficier des aides proposées par cette même association, supposée être
« hors la loi ». Il faut noter que les différents projets de
développement et d’amélioration des infrastructures, financés par
l’association, lui ont donné un poids politique considérable dans la ville.
Ainsi, nul ne peut contester le soutien populaire et le respect dont jouissent
les militants de l’association. L’année dernière, lors du procès de la ferme
STIL, nombreux habitants ont accompagné le président de l’association et deux
de ses membres pour les soutenir face à son rival, l’ancien entrepreneur, qui
les accusent de fraude. La passivité de l’État face à cette situation
s’explique sans doute par la force de ce mouvement social qui soutient sans
condition l’association gérante de la ferme.
Des issues
législatives possibles
La réussite
de l’association dans la gestion de la ferme et le changement radical qui a
touché toute la communauté de Jemna se sont imposés sur les décideurs locaux
qui commencent à avoir une position moins orthodoxe par rapport à la situation
juridique de la ferme. En effet, malgré ses réserves
« obligatoires », Hassine Mokded, directeur régional des affaires
foncières, appuie, officieusement, la possibilité d’annuler l’ancien contrat de
location des anciens entrepreneurs. En effet, le contrat permet à l’État, à
travers son article 15, de reprendre la terre avant la fin du contrat pour
« accomplir un projet d’intérêt général ». Pareil pour le délégué
régional du développement agricole, Faiz Moslem, qui propose de continuer à
exploiter l’oasis sous forme de collectivité créée par les habitants de Jemna.
Cette
expérience de gestion collective nous rappelle, énormément, l’ancien concept de
l’entreprise sociale très répandu dans les pays anglo-saxons, l’Italie, la
Grèce, l’Espagne et l’Amérique latine. Ces entreprises à but lucratif ont la
particularité de défendre et de servir les intérêts de la collectivité. Ce
genre d’entreprises vise essentiellement l’environnement, les classes sociales
marginalisées comme les chômeurs, les jeunes et les femmes. En Tunisie, malgré
la présence de l’article 12 de la constitution qui annonce les principes de
« la justice sociale, du développement durable et de la discrimination
positive », il n’y a pas encore de lois qui encouragent la création
d’entreprises sociales.
Des
questions essentielles
Malgré
l’importance de cette expérience, il faut rappeler que tout n’est pas parfait
et qu’il y a encore du pain sur la planche pour améliorer la situation générale
de la ferme. En réalité, l’Association de défense des oasis de Jemna n’est pas
gérée d’une manière totalement participative. Les ouvriers ne jouissent pas du
même pouvoir de décision comme les membres du bureau exécutif. La prise de
décision dans la gestion de la ferme n’est pas totalement horizontale ou même
participative. Les ouvriers sont des simples employés de l’association avec
seulement des conditions de travail améliorées. Certains, surtout les anciens,
ne sont pas contents de l’impossibilité de versement des prestations sociales
auprès de la CNSS.
Certains
habitants critiquent le manque de transparence des décisions de l’association.
La rareté des assemblées générales entre les habitants et le bureau exécutif et
le manque d’informations sur le bon déroulement des affaires de la ferme ont
créé une certaine frustration chez certains habitants. De son côté, Al Tahri
explique que la ferme publie un rapport financier annuel et accessible à tout
le monde. Il ajoute que les assemblées sont rares à l’exception d’une nécessité
ou d’une urgence. Cependant, il précise que l’annonce de l’assemblée est, tout
le temps, publique et que l’association utilise les méthodes les plus efficaces
pour garantir la participation de tout le monde aux assemblées.
Concernant
la continuité de cette démarche de gestion collective et la protection de la
ferme des intérêts individualistes, notre interlocuteur nous assure que la
vigilance des habitants de la ville et l’engagement désintéressé des membres de
l’association sont les meilleures garanties. Au niveau pratique, le président
de l’association, Tahar Al Tahri, explique que le bureau exécutif compte
démissionner au profit d’autres habitants prêts à assumer la responsabilité. Il
a ajouté que les membres de l’association n’ont aucune objection sur le fait
d’exploiter la ferme sous d’autres formes et même en dehors de l’association,
« par exemple, à travers le collectif de la BARAKA qui appartient à
d’autres habitants de Jemna ». L’essentiel pour « le meilleur
militant de gauche indépendant », comme le décrit l’écrivain
Mohamed Kachkar (originaire de Jemna), est « de ne plus jamais
confisquer les droits des habitants de Jemna ».
Entrepreneuriat social : la réussite remarquable de Jemna malgré les carences de la loi ! Civil Society
Ils ne disposent d’aucun avantage fiscal, ils
ne bénéficient pas d’aides publiques, ils n’ont pas droit aux exemptions de la
TVA lors de l’acquisition des outils nécessaires à leurs activités, mais ils
ont injecté, durant ces quatre dernières années, près d’un MILLION de dinars
pour, entre autres :
—
la rénovation du marché municipal ;
— l’infrastructure
sportive au profit des habitants de la commune ;
— l’entretien du
cimetière communal ;
— la rénovation de
l’école ;
— des aides financières
au profit de multiples associations.
Pourtant, ils ne sont pas des requins de la
finance et n’exercent pas leur activité sur la base d’une quelconque loi faite
sur mesure, à l’instar de celles pour des investisseurs étrangers. Ces lois aux
nombreuses incitations fiscales et autres avantages en nature afin «
d’encourager » la création d’emplois.
Ils emploient entre 120 et 130 personnes et
se permettent le «luxe» de financer à hauteur d’un milliard de nos millièmes
des infrastructures publiques et des activités d’intérêt général.
Il
s’agit des membres de l’«Association de Défense des Oasis de Jemna», laquelle
association a repris le contrôle de la ferme « STIL ». Une « ferme » au
parcours juridique chaotique.
Occupant une partie des terres de Jemna,
cette ferme fut occupée par les colons français, puis récupérée par les
Jemniens moyennant 40 000 dinars… pour être ensuite expropriée par l’État
tunisien. À la veille du 14 janvier 2011, les citoyens de Jemna décidèrent de
reprendre ce qu’ils considèrent devoir leur revenir (pour plus de détails sur
ce parcours chaotique, cf. l’article
de mon ami Ghassen Ben Khélifa).
L’objet de cet article n’est pas de revenir
sur ce parcours, ni du reste à ce qui pourrait être reproché à l’association,
mais plutôt d’évoquer le parent pauvre des politiques publiques tunisiennes :
l’Entrepreneuriat social.
Il s’agit de cette forme d’entrepreneuriat
principalement axée sur une dimension sociale plutôt que lucrative. Un entrepreneuriat
qui ne relève ni du secteur public, ni du secteur privé, mais de la volonté et
l’engagement des membres de la société civile. Du reste, par opposition aux
deux secteurs mentionnés, l’on croise fréquemment la dénomination de «
troisième secteur » (Third Sector en anglais), voire « secteur communautaire ».
C’est une activité qui ne relève pas du travail associatif traditionnel, car
destinée également à générer des revenus ; et ne relève pas non plus de la
tradition coopérative, car l’intérêt communautaire y est nécessairement
présent. En somme – et en reprenant les critères dégagés par C. Davister, J.
Defourny et O. Gregoire(1), il s’agit d’une activité où l’on retrouve les
éléments suivants :
— Un objectif explicite de bénéfice à la communauté ;
— Une limitation de la
distribution des bénéfices ;
— Un pouvoir de décision
non basé sur la détention de capital ;
— Une activité continue
de production de biens et/ou de services ;
— Un niveau minimum
d’emploi rémunéré ;
— Un degré élevé
d’autonomie ;
— Un niveau significatif
de prise de risque économique (il ne s’agit pas ici du risque des financiers
avec en perspective de gros gains, mais d’un risque économique apprécié au
regard du gain social) ;
— Une initiative émanant
d’un groupe de citoyens ;
— Une dynamique
participative impliquant différentes parties concernées par l’activité.
Phénomène datant d’une vingtaine d’années, il
est intéressant pour les uns, relevant d’un effet de mode pour d’autres, mais
indéniablement ayant déjà rencontré de nombreux succès notamment en Italie,
France, Allemagne, Belgique, Pays-Bas, Irlande et surtout au Brésil. Aux USA,
la contribution du troisième secteur au
PIB frôle les 10 % selon Christopher Eaton Gunn. Même les Anglais s’y mettent
depuis 2002.
Malgré ces succès d’outre-mer, la Tunisie
demeure encore indifférente à l’entrepreneuriat social. L’indifférence du
législateur tunisien à l’entrepreneuriat social s’avère inversement
proportionnelle à la remarquable réussite de la société civile Jemnienne.
Faut-il insister sur le fait que nous sommes en présence d’une association qui
brasse des millions de dinars dans l’indifférence générale du cadre légal. Rien
qu’en 2014, il était question de plus d’un million et demi de dinars.
Ô oui, ces derniers temps, de très nombreuses
voix, se sont élevées à propos de l’argent brassé par certaines associations,
le moins que l’on puisse dire obscures. Mais ce qui est regrettable, c’est que
l’on n’évoque que rarement les succès de celles qui font un travail
remarquable. Et le plus inquiétant, c’est qu’il est fort à craindre que la
myopie du législateur à l’égard des associations qui font de l’entrepreneuriat
social n’engendre leur sacrifice au nom de la lutte contre les activités des
associations blanchissant de l’argent ou dont le but est de saper la
République. Et pour cause, dans le projet du nouveau code des investissements
récemment retiré, pas un mot, pas une incitation, pas un avantage, pas une
seule exemption de taxe accordée à l’entrepreneuriat social.
Le cadre légal demeure, en effet, toujours
aussi hermétique à toute incitation pour ce type d’entrepreneuriat et si avare
en matière de mécanisme encourageant son autonomie financière. Au mieux, nous
sommes toujours dans la culture de la subvention d’État, cette sorte de perfusion
qui maintient l’entreprise sociale sous une étroite dépendance de l’État et de
ses organismes publics. Or, l’exemple de Jemna démontre à l’évidence que
certains peuvent réussir là où l’État a accumulé tant d’échecs.
Certes, la réussite de l’« Association de
Défense des Oasis de Jemna » est exceptionnelle. Elle arrive non seulement à
s’en sortir financièrement, mais dégage de très importantes sommes d’argent
qu’elle réinjecte au profit de la commune. Et, manifestement, le cadre légal
associatif -faute de mieux- est très mal adapté à ses activités sociales.
Mais combien d’autres associations qui
relèvent, dans les faits, tout autant de l’entreprise sociale sont dans le
besoin d’un cadre légal qui reconnaisse leurs activités pour ce qu’elles sont ?
Ceci en leur accordant incitations et avantages dont bénéficient aujourd’hui
des entreprises dont la raison d’être est le gain d’argent. L’actuelle
injustice à l’égard des entrepreneurs sociaux ne nous semble pas avoir de
justification raisonnable.
Sans aucun doute, les nécessités du
développement régional disposent, par le biais de l’entrepreneuriat social,
d’un formidable outil pour encourager des pans entiers de la société
tunisienne, notamment à l’intérieur du pays, à se prendre en charge là où
l’État échoue depuis des décennies. Mais encore faut-il que le législateur s’y
penche… encore faut-il que l’incompétence ne prime pas sur les bonnes volontés…
encore faut-il que l’on ne sacrifie pas les entreprises sociales sur l’autel de
la lutte contre les « malversations » de certaines associations.
À
suivre…
(1).-
Cf. Catherine DAVISTER, Jacques DEFOURNY, Olivier GREGOIRE : « Les entreprises sociales d’insertion
dans l’Union européenne : un aperçu général. » WP no. 03/11, Réseau Européen EMES, European
Research Network. p. 20 à 25.
Le Sud-Ouest tunisien
(Kebili-Tozeur) : peut-on éviter le piège d`une frénésie productiviste de
la deglet nour ?
Référence: Mon
présent article est largement inspiré de l`article du journal mensuel « Le
Monde diplomatique », N° 746 - 63e année. Mai 2016, intitulé
« Les eaux fossiles sacrifiées au productivisme agricole. Le Sahara
algérien, eldorado de la tomate », écrit par l`envoyé spécial Pierre Daum,
journaliste. J`espère que les longs passages pertinents (les Sahara algérien et
tunisien appartiennent presque au même relief et au même climat), extraits
intégralement et mis entre guillemets, ne défigureront pas mon article ou le
contraire.
Nous
sommes à 500 kilomètres au sud-ouest de
Tunis, aux portes de l`immense Sahara de Douz, « le désert s`affirme
déjà ; en été, la chaleur est insupportable, et les
couleurs se limitent au jaune et au gris, parfois teinté au rose. Aucun vert,
bien sur, puisque rien ne peut pousser sur un sol saharien pauvre en matières
organiques et sous un ciel aussi avare en pluie ». Et pourtant de
magnifiques oasis sont éparpillées au hasard. « Vu du ciel, le spectacle
semble relever du prodigue : au milieu d`étendues totalement désertiques
surgissent des dizaines de cercles de verdures, symboles d`un potentiel agricole
illimité ».
La
région Kebili-Tozeur connait un développement spectaculaire de la culture de la
deglet nour (« datte de lumière »), des dizaines de milliers de
palmiers dattiers émergent chaque année. « Comment est-ce possible ?
La réponse tient à deux éléments : les engrais et les forages. La pauvreté
du sol est compensée par un recours massif aux engrais chimiques -
essentiellement de l`azote, du phosphate et du potassium (...) Quand à l`eau,
il serait erroné de croire qu`elle n`existe
pas : il suffit de creuser. S`il est sec en surface, le Sahara
abrite en sous-sol d`immenses réserves d`eau. Selon les estimations, le système
aquifère du Sahara septentrional (SASS), qui s`étend du Maroc a la Libye en
passant par l`Algérie et la Tunisie, renfermerait quelque 60 000 milliards
de mètres cubes d`eau. Des eaux pour la plupart piégées il y a plusieurs
milliers d`années et organisées en strates hermétiquement séparées. Les plus
profondes peuvent se trouver à deux mille mètres sous terre, mais les plus superficielles
sont à portée de main, à une profondeur d`entre dix et trois cents mètres. Pour
20 000 euros, n`importe qui peut réaliser son propre forage et rendre
soudain fertile son morceau de désert ». Actuellement le sud tunisien,
eldorado de la deglet nour, est une mine d`or où se réalise pour de bon le rêve
américain.
L`explosion
de la palmeraie de la région Kebili-Tozeur est beaucoup plus tributaire du
secteur privé que du secteur public. L`Etat brille par son absence, mise à part
les centaines d`hectares plantés et distribués aux ouvriers démunis à l`époque
de socialisme des années soixante par Ahmed Ben Salah, le fameux ministre
socio-démocrate de Bourguiba.
Depuis
les années soixante-dix, cette région traditionnellement connue pour sa fameuse
deglet nour, est ainsi devenue le théâtre d`une sorte de révolution verte. Dès
qu`ils accumulaient un petit pécule, les habitants de cette région plantent de
jeunes palmiers et placent ainsi leurs économies dans la datte, une culture
sûre : moins d`entretien, un rendement stable mais un prix de vente pas
toujours élève, autour de 1 euro le kilo sur le marché local. Cette frénésie de
productivisme agricole a profité seulement aux grands poissons : quelques
hommes d`affaires monopolisent
l`exportation d`une partie de la récolte à environ 5-10 euros le kilo
(10-20 dinars) et quelques commerçants grossistes revendent le reste dans les
grandes villes à 5-10 dinars le kilo.
Le
village de Jemna (mon village natal) est le symbole le plus visible de ce
phénomène d`enrichissement spectaculaire. Ce petit village alimenté, il y a 50
ans, par un seul puits artésien, en
compte aujourd`hui environ 1000 forages dont la plupart sont creusés sans
permis à partir des 40 dernières années. La plantation privée et massive de la
deglet nour, a vraiment commencé dans les années soixante-dix et depuis,
environ 50 mille nouveaux palmiers deglet nour ont été plantés autour de ce
bourgade transformé en bourg. Et depuis cette date de nouveaux riches
propriétaires ont émergé comme des
champignons (1000 palmiers deglet nour rapportent environ 180 mille dinars par
an (90 mille euros). Ces derniers n`ont pas réfléchi au legs qu`ils vont
transmettre à leurs enfants, je veux dire les
générations futures qui vont hériter d`un sol pollué et d`un sous-sol
vidé progressivement de ses réserves d`eau fossiles trop lentement
renouvelables.
Est-ce
que les norvégiens craignent Dieu plus que nous
musulmans ? Est-ce qu`ils sont plus pieux que nous musulmans ? En l`année 1975, quand ils
ont découvert les gisements de pétrole en Norvège, richesse fossile comme
l`eau, ils ont constitué un fonds et l’ont alimenté du dixième de la nouvelle
rente pétrolière, une sorte d`épargne au profit des générations futures. L`eau
est un liquide vital donc plus précieux que le pétrole, épargnons-en une partie
pour nos générations futures nous aussi !
Avant
la révolution verte, c’est-à-dire dans les années soixante, un équilibre
écologique régnait au Sud-Ouest tunisien et la localité de Jemna ne comptait
que 75 milles palmiers deglet nour : 10 mille dans l`oasis STIL créée par
un colon français, nationalisée par l`Etat d`indépendance en 1964, récupérée
par les jemniens le 12 janvier 2011 au cours de la révolution et depuis dirigée
par une association de bénévoles jemniens pour le bien de Jemna. Les 65 mille
restants appartiennent à des particuliers dont la propriété privée de chacun va
de 10 à 3000 palmiers. Dans les années 60, l`Etat avait pris l`initiative de
créer trois petites oasis (كشادة والعتيلات وبورزين) et les a distribuées aux ouvriers agricoles en octroyant à
chacun une parcelle d`un hectare (environ 200 palmiers), un petit lot qui peut
subvenir à leurs besoins modestes.
Obéissant
à une logique de profit à moyen terme (un demi siècle, la longévité d`un
palmier), cette production permet d`alimenter les marchés extérieurs et
rapporter des grandes sommes de devises. Mais elle n`obéit pas aux strictes
règles du développement durable, met en danger les ressources aquifères
fossiles peu renouvelables, et pose de graves problèmes de pollution du sol en
raison de l`usage intensif d`engrais chimiques, fongicides et pesticides.
« L`utilisation d`intrants (engrais chimiques et pesticides) existe aussi
en Europe (…) Elle obéit à des règles strictes, et est en principe très contrôlée »
Mais en Tunisie, ce contrôle est plus lâche. Face aux dangers écologiques et
sanitaires que présente le développement de l`agriculture dans la région
kebili-Tozeur, les autorités tunisiennes semblent peu réagir. « L`Etat
sait très bien que des milliers de forages sont réalisés sans la moindre
autorisation. Mais il laisse faire ». Les citoyens tunisiens, agriculteurs
et consommateurs, se plaignaient d`un système ou ils ne trouvaient pas leurs
comptes. Les producteurs vendent le kilo
à bas prix (2 dinars ou 1 euro le kilo).
Les consommateurs, surtout les citadins parmi eux, l`achètent à un prix très
élevé (10 dinars ou 5 euros le kilo). Semi-contents, quelques petits
commerçants originaires du Sud achètent directement du paysan les dattes non
encore récoltées (c`est-à-dire encore accrochées aux régimes du palmier) puis
les récoltent après et les revendent à
la saison sur le marché local et tentent d`en tirer un maximum de profit. Seuls
les parasites, hommes d`affaires exportateurs et commerçants grossistes, sont contents.
« A
cette question de l`emploi massif de produits dangereux s`ajoute celle de
l`eau. Pendant plusieurs siècles, l`agriculture saharienne a fonctionné autour
de puits (العين
الجديدة بجمنة)
et de quelques résurgences de nappes souterraines (العين
القديمة بجمنة). Les humains
ont su créer ou entretenir de merveilleuses oasis perdues dans l`immensité
désertique (الزاير), autant d`écosystèmes assurant un équilibre entre leurs
besoins et les ressources naturelles (l`eau, mais aussi le sol et l`ombre des
palmiers) par d`astucieuses techniques de cultures étagées, de recyclage de
l`eau et d`engrais naturels (déchets des animaux, de végétaux voire des
humains). Et le fellah (paysan), conscient de la valeur de ce précieux
liquide, prenait soin de l`économiser ». A Jemna et dans d`autres
localités de la région Kebili-Tozeur, « des dizaines de milliers de forages (environ
1000 dans le village de Jemna) ont totalement bouleversé les pratiques
oasiennes traditionnelles. Tout d`abord, ils ont tari peu à peu les points
d`eau ancestrales (les sources naturelles des petits oasis plantées de
palmiers divers différents de deglet nour). Avant, on forait jusqu`a 50
mètres et on obtenait un débit largement suffisant, raconte M.., foreur depuis
trente ans… Maintenant, il faut creuser à 250 mètres, voire à 300 mètres pour
obtenir le même débit ».
« La
quantité d`eau pompée en profondeur a été multiplié par dix en trente ans. Or
il s`agit d`une eau fossile, c`est-à-dire peu renouvelable. C`est comme si on
avait rempli le réservoir il y a six mille ans et qu`on roulait avec, explique
Christian Leduc, hydrogéologue à l`Institut de recherche pour le développement
(IRD). Aujourd`hui, on pompe environ 3 milliards de mètres cubes par an. Avec
une réserve de 60 000 milliards, on ne va pas tomber en panne tout de
suite. Mais il y a un danger pour l`avenir. (…) Les taux en chlorure et en
sulfate commencent à dépasser les normes de potabilité. Ces dernières années,
ces nappes ont reçu une partie des produits chimiques utilisés en abondance
dans les serres. Or elles alimentent aussi l`eau de robinet ».
A
Jemna, on assiste à un autre phénomène,
celui de la salinisation du puits artésien de Kochada (2000 mètres de profondeur et 68 g\l de
salinité, le double de la salinité de l`eau de mer), répandue sur le sol, cette
eau trop salée rend les terrains avoisinants impropres à toute culture, et
pourrait s`infiltrer et saler le sol et
provoquer à moyen terme la mort de milliers de palmiers à Jemna.
Dans
ce village économiquement prospère, le secteur agricole repose sur le travail
de centaines d`ouvriers agricoles non jemniens en grande partie (mille
séjournant à Jemna même et deux mille saisonniers), souvent jeunes non formés
spécialement pour cette besogne. Certains sont payés pour une journée de huit
heures, 20 dinars pour l`ouvrier et 15
dinars pour l`ouvrière (La discrimination sociale est basée sur la
dévalorisation non fondée du même travail effectué par des femmes) ,
mais sans qu`un mois complet soit jamais assuré (Le SMAG, salaire
minimum agricole garanti est porté à 13
dinars par jour.),
seuls quelques fortunés bon escaladeurs de palmiers peuvent gagner jusqu`à 100
dinars par jour pendant la saison de pollinisation ou la saison de la récolte,
à raison d`environ 3 dinars la montée, ils peuvent escalader environ trente
palmiers par jour. D`autres chanceux irrigateurs de nuit gagnent jusqu`à 40
dinars la nuit. Certains fidèles s`offrent comme métayers (الخمّاسة) à un
propriétaire, salariés ou contre un quart ou un demi des bénéfices, selon la
variété de palmiers cultivés. La majorité des ouvriers n`ont pas de couverture
sociale donc non affiliés ni à la CNR (Caisse Nationale de Retraite) ni à la
CNAM (Caisse Nationale d`Assurance Maladie) comme l’ont leurs camarades du
secteur public ou de certaines sociétés du secteur privé, et le moindre
accident de santé met en danger leur fragile économie. Se plaignent-ils ?
Les ouvriers de l`oasis STIL de Jemna dirigée par « l`association de la
sauvegarde des oasis de Jemna » reçoivent une indemnité en plus de leur
salaire comme compensation de la couverture sociale car le statut juridique de l`association l`empêche de verser cette
indemnité directement dans les caisses nationales. Font-ils plus attention à
leur santé, notamment dans l`utilisation des pesticides sans aucune
protection des voies respiratoires ? J`en doute fort !
Dans
une Tunisie qui peine à s`industrialiser, l`essor agricole de la région
kebili-Tozeur n`a pas entrainé de nouvelles industries dans la région,
exception faite de quelques usines de construction de coffrets plastiques pour
transporter les dattes.
A
ce rythme, la deglet nour de cette région a de beaux jours devant elle.
Paradoxalement, les générations futures de la même région ont devant eux un
avenir incertain ! Certes, la monoculture de cette variété prodigieuse se
développe et se développera, mais c`est un développement uni-variétal
deglo-centré qui se fait aux dépens d``autres variétés de palmiers dattiers (أعني كل أنواع النخل المنتِج للتمور
المختلفة عن نوع النخل المنتِج لـدڤلة النور. هذا النوع الأخير المغروس بكثافة
شرهة ومشبوهة هو النوع الوحيد المدلل والمفضل لدى جميع فَلاحِيِّ ڤبلّي وتوزر وذلك
لهدفٍ أنانيٍّ رِبحيٍّ بحتٍ وليس من أجل هدفٍ غذائيٍّ إنسانيٍّ سامٍ ونبيلٍ. دڤلة
النور ليست غذاءً أساسيا مثل الحبوب والزيت), palmiers moins commercialisables, mais plus authentiques,
plus adaptées au milieu et plus
résistantes aux maladies donc plus économes en eau et en intrants. Ce beau
palmier d. n. fertile, pourrait être à long terme victime de son succès.
Mono-cultivé pour un pur but lucratif, il va certainement coloniser tout seul
tout l`espace vital agricole, accélérant ainsi le rythme de disparition de
variétés rares indispensables au maintien d`un certain équilibre écologique
déjà menacé. Planté avec frénésie, apprécié et choyé pour ses merveilleuses
dattes de lumière, ça n`empêche que sa monoculture exagérée pourrait mettre en
danger la fertilité du sol et la potabilité de l`eau fossile peu renouvelable
des nappes phréatiques superficielles et
pourrait même accélérer le tarissement de ces ancestraux réservoirs naturels
d`eau vitale. Malheureusement, certains égoïstes paysans, avides de gain
rapide, l`engraissent, le gobent d`engrais chimiques et veillent attentivement
à le maintenir en bonne santé à l`aide de pesticides et fongicides.
Malgré
la pertinence de tous les arguments présentés ci-haut et résumant les dangers
potentiels qui pourraient dilapider progressivement le patrimoine agricole
local et menacer l`avenir des générations futures de cette région,
paradoxalement la deglet nour a de beaux jours devant elle…
Edgar Morin : "Le temps est venu de changer de civilisation et réhumaniser l`Humanité".
Signature de l`auteur de ce livre,
Citoyen du Monde Dr Mohamed Kochkar
« Pour
le critique, il ne s’agit pas de convaincre par des arguments ou des faits,
mais plus modestement, d’inviter à essayer autre chose »
(Michel
Fabre & Christian Orange, 1997).
« À
un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la
violence »
(Le
Monde Diplomatique).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire