vendredi 15 juillet 2022

خطأ التلميذ في القسم، قد يفيد المعلّم والمتعلّم

 

أنطلق دائما من نفس البحث الذي أجريته عام 2000 علي عينة تونسيّة تتكوّن من74   شخصا مستوي تعليم عالٍ.

السؤال المطروح في البحث: أعطوا تعريفا مقتضبا للخليّة العصبيّة ؟

نتائج البحث: 6 أشخاص من المستجوبين أعطوا تعريفا صحيحا وكاملا,  59 أعطوا تعريفا صحيحا لكنه ناقص, 1 أعطى تعريفا خاطئا و8 لم يجيبوا علي السّؤال. 

نستنتج من هذا البحث، البسيط والمحدود في العدد والزمان والمكان، أنّ المتخرّجين من التعليم العالي قد يخطئون في بعض الأحيان, و لا أستثني نفسي طبعا, فما بالك بالتلميذ ؟

لِننظر في وضع الخطأ في المنظومة التربويّة عموما: كتب الباحث الفرنسي "ميشال سارول" )1990( في كتابه "تساؤلات حول التقييم، صفحة 110: نقتبس منه بنوع من التصرّف  ثلاثة آراء مختلفة حول مكانة الخطأ ودوره في التعليم:

ـ العالم السّلوكيّ الأمريكيّ "سكينر" يعتبِر أن الخطأ مضرّ بيداغوجيّا.

ـ "كراودر" يقول إن الخطأ ليس ممكنا فقط بل متوقّعا في تكوين التلميذ.

ـ في نظام "لوڤو" للتّعلّم بالحاسوب, حيث يبرمج المتعلّم الكمبيوتر بنفسه, يُعتبَر الخطأ, ليس فقط ممكنا أو محبّذا, بل طريقة تربويّة تشجّع التلميذ علي اكتشاف الأشياء بنفسه.

 

تُوزَّع المساحة المخصّصة للخطأ في الدرس بين التعليم الخطّي أوالفوقيّ )من الأستاذ إلي التلميذ( والتعليم  المتفاعل )من الأستاذ إلي التلميذ ومن التلميذ إلي الأستاذ ومن التلميذ إلي التلميذ)، حيث يأخذ الأستاذ في اعتباره تصوّرات التلميذ حول موضوع الحصّة ويمكّنه من بناء معرفته بنفسه متفاعلا مع الخطأ. فالخطأ ينشّط انتباه التلميذ ويدفعه إلي إعادة التفكير والبحث عن الأسباب.

أقترح عدّة طرق لإصلاح الخطأ استنادا إلي مقال ورد في نفس الكتاب المذكور أعلاه صفحة 123 للأستاذين "ﭬرانج"  و"رفّان":

ـ يأخذ التلميذ على عاتقه إصلاح خطئه أو يستعين بزميله.

ـ يقف عمل الأستاذ عند هذا الحدّ إذا كان الإصلاح الذاتي صحيحا لتشجيع التلميذ على الاعتماد على نفسه وتوظيف معلوماته.  والمدرسة البنائيّة المنسوبة إلى "بياجي"  و"فيڤوتسكي" تحبّذ هذا التّمشّي لأنه يخفّف من وصاية الأستاذ على التلميذ.

ـ إذا كان الإصلاح الذاتي خاطئا, يقوم الأستاذ بحثّ التلميذ على الرّجوع إلي التجربة أو إلى الدرس أو يعطيه معلومات إضافية أو يسأله شفويا أو كتابيّا حتى يساعده من جديد علي البحث على الجواب الصّحيح.

 

وإذا عرفنا أن العلوم التجريبيّة تقدّمت عبر سلسلة طويلة من الأخطاء فلا نعجب من خطأ ارتكبه التلميذ في القسم أو نلومه عليه أو ننهره. عندما يخطئ التلميذ، يستفيد هو وزملاؤه أوّلا لأنهم سيعرفون الجواب الصّحيح ويستفيد الأستاذ ثانيا لأنه سيكتشف مستوي تلامذته مما يجبره على إعادةِ أو تعديلِ درسِه تماما أو تقديمِ درسٍ مغايرٍ في بعض الأحيان.

 

نرجع الآن إلى واقعنا التّونسيّ بعد عرض النّظريّات )يعيبون عليّ دائما الاستشهاد بالنّظريّات وهل هنالك عمل لا يعتمد على نظريّات مسبّقة ويبدو لي أن كل عمل تطبيقي جيد تسبقه بالضرورة نظرية علمية جيدة( وأطلب بكل لطف من زملائي التحلي بسعة الأفق لأن كل الأخطاء الّتي سأعرضها عليهم قد قمنا بها سابقا ويمكن أن نقع فيها لاحقا فلا تغضبوا منّي وخذوا ملاحظاتي على أنها وجهة نظر لا أكثر ولا أقلّ: بعض الأساتذة يحتكرون الكلمة ويستعرضون عضلاتهم الفكريّة في القسم ولا يتركون مجالا للتلميذ الجيّد حتى يتمرّن علي التجربة والخطأ ويُقصون التلميذ الذي يتعرض لصعوبات في التعلم, ليس عن قصد بل عن جهل بتاريخ وفلسفة العلوم وتعلّميّة المواد. قد يتعقّد التلميذ المقصي وينفر ويكره المادّة والأستاذ.

أعطي أمثلة علي ما سبق

ـ المثال الأوّل: في حصّة اللغة الأنڤليزيّة, يتكلّم الأستاذ أكثر من التلميذ حتى يملأ الفراغ الناتج عن عدم توفرِ مخبر مجهز بالحواسيب والسمّاعات الرأسيّة وهنا أطرح سؤالا: إذا لم نوفّر الفرصة للتلميذ كي يتعلّم النطق السّليم والتركيب الصّحيح في المعهد فأين سيتعلمهما إذن ؟

  ـ المثال الثاني: في حصّة مادة علوم الحياة والأرض, يحضّر الأستاذ الخلايا, بين صفيحتين زجاجيّتين, ويضعهما في المجهر ويضبط الرؤية ثمّ يدعو التلامذة للمشاهدة. مَن قال أن التلميذ شاهد الخلايا ولم يشاهد فقاقيع هواء وتصورها خلايا ؟ هل يكتفي التلميذ بمحاكاة الأستاذ حتى يتعلّم ؟ لماذا لا يقوم التلميذ بالتجربة من أوّلها إلي آخرها حتى وإن ارتكب خطأ ؟ ما ضرّ لو كسر التلميذ, عن خطأ, آلة مهما ارتفع ثمنها ؟  في بعض الأحيان يبرر زملائي عدم تشريكهم للتلميذ ويتعللون بكثافة البرنامج أو ضيق الوقت أوالمحافظة علي التجهيزات أوعدم انضباط التلامذة أو الاكتظاظ في القسم ورُب عذر أقبح من ذنب.

 

أرجوكم, اتركوا التلميذ يجرّب ويخطئ وسأحاول الردّ بكلّ لطف وموضوعيّة نسبية على حججكم الواحدة تلو الأخرى وردّي قد يحتمل الصواب والخطأ ككل الآراء:

ـ لنفترض أن البرنامج طويل وأنت قمت بواجبك وأنهيته في الآجال المحدّدة. قمتَ بواجبك نحو مَن ؟ نحو المتفقّد ؟ هل فهم التلامذة نصف البرنامج ؟ ما الفائدة من حشو الأدمغة دون فهم ؟ أستثني برنامج الباكلوريا لأن التلامذة مطالبون بامتحان وطني.

ـ أعلمكم أيها الزملاء الكرام بكل لطف واحترام أن التجهيزات معدّة أساسا للاستهلاك وتُخصّص لها ميزانيّة تعويض كل عام. هل بحجّة المحافظة علي مجهر أو حاسوب نحرم أبناءنا من التعلّم عن طريق التجربة والخطأ ؟ هل أجهزة المخبر أثمن من تكوين مخ تلميذ ؟  أعلمكم أيضا أن لوازم المخابر تُعوّض أما التلميذ الفاشل فلا يُعوّض وفشله قد يكلّف الشعب ثمن ألف حاسوب وألف مجهر.

 ـ التلميذ الّذي يعمل في القسم على حاسوب أو مجهر لا يجد وقتا للتهريج فينضبط بطبيعته ولا يجد مجالا للتشويش.

 ـ المواد الّتي تُجري فيها تجارب مثل علوم الحياة والأرض والفيزياء والتقنية, هي مواد تعمل بنظام الأفواج, يعني نصف القسم,  20 تلميذ أو أقلّ فهي إذن ليست أقسامًا مكتظة في أغلبها.

 

خلاصة القول

الخطأ هو"محرّك القسم" ومثيرٌ للنقاش، فالحصّة التي تخلو من الخطأ هي حصّة ميّتة لا يشارك فيها التلامذة ولا يبدون رأيهم ولن يتعلّمون عِلما ولا حريّة ولا ديمقراطيّة ولا سلوكا حضاريا بل يتربّون علي الذلّ والخنوع للآخر دون نقاش.

علينا أن لا ننسي أن القسم في المدرسة هو المكان الوحيد الذي نقول فيه للمخطئ أحسنت أمّا في الحياة العمليّة فقد يُعاقب الطّبيب أو المهندس المخطئ وذلك بفصله عن العمل وحتى مناظرات التشغيل أيضا لا يُسمح فيها بالخطأ لكثرة المترشحين.  


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire