jeudi 14 juillet 2022

تبسيط المفاهيم العلمية في القسم قد يجرّ التلميذ إلى الخطأ

 

 

يتجاذب التفكير العلمي المعاصر مقاربتان المقاربة التحليلية (Approche analytique)  والمقاربة الشاملة   أو المقاربة المنظومية (Approche systémique  ).

         يقارن "جوآل دي روسناي" المقاربتين في كتابه "الرؤيا الشاملة" (Le Macroscope) صفحة  119.

 

1.    المقاربة التحليلية

-         تعزل العناصر وتركز عليها.

-         تعتمد على الدقة في التفاصيل.

-         تبدل متغير واحد في الوقت الواحد.

-         مقاربة ناجعة عندما تكون التفاعلات خطية وضعيفة.

-         تؤدي إلى التعليم التقليدي، يعني كل مادة تعليمية على حِده.

 

2.    المقاربة الشاملة

-         تربط العناصر وتركز على التفاعلات بينها.

-         تعتمد على الإدراك الشامل للمسألة والرؤية من كل الجوانب ولا تهمل أي زاوية من الزوايا مهما كانت ضعيفة.

-         تبدّل مجموعات من المتغيرات في نفس الوقت.

-         مقاربة ناجعة عندما تكون التفاعلات غير خطية وقوية.

-         تؤدي إلى التعليم الحديث عبر تعّلمات المواد المشتركة مثلا: الربط والجمع في قسم واحد وفصل واحد بين تدريس مادتين، مثلاً: الفيزياء وتدريس علوم الحياة والأرض.

 

تكمن نجاعة المقاربة التحليلية السببية الخطية في بساطتها وسهولة استعمالها فهي مريحة ومطمئنة للإنسان لأنها ترسم علاقة خطية مباشرة بين السبب والنتيجة, مثلا: المرض نتيجة الجراثيم (قد يكون نتيجة دواء مثل مضادات الالتهاب) والسمنة نتيجة كثرة الأكل (قد تكون نتيجة قلة الحركة) والسلوكيات نتيجة الجينات (قد تكون نتيجة   التفاعل بين الجينات والمحيط).

رغم بساطتها أسهمت المقاربة التحليلية في تطور العلوم التجريبية كعلم الجراثيم وعلم الوراثة لكنها أصبحت الآن عاجزة بمفردها عن تفسير بعض الظواهر المعقدة بل أصبحت عائقا في وجه التعلم لأنها تختزل العلاقة في سبب ونتيجة وتنسى أو تتناسى العلاقة الجدلية بينهما:  مثلا: المخ يؤثّر في السّلوك والسلوك يؤثّر في المخ, المعلم يعلم التلميذ ويتعلم منه, الإنسان يلوث المحيط والمحيط الملوث يضر بصحة الإنسان, إلخ.

يعتمد بعض مدرسي البيولوجيا في تدريسهم لعلم الوراثة على المقاربة التحليلية السببية الخطية فقط. وفي هذه الحالة قد تؤدي المقاربة الخطية في تناول علم الوراثة إلى الحتمية الوراثية التي تؤكد أن كل جينة تحدد مسبقا صفة ما. ونحن نعرف أن الكائنات الحية معقدة بطبيعتها وكل عناصرها البيولوجية الداخلية متفاعلة فيما بينها ومتفاعلة في الوقت نفسه مع المحيط الخارجي. إذا كانت الحياة معقدة بطبيعتها، فهل يمكن أن يكون تدريسها مبسطًا ؟ اذا كان هذا التبسيط من أجل الضرورة البيداغوجية فالنتيجة عكسية لأن المعلومة غير العلمية ترسخ في ذهن التلميذ مثل المعلومة العلمية ويصعب تصحيحها في ما بعد كما ذكرت في فقرة "التصورات الخاطئة لا تزول بسهولة".

عندما يعتمد المدرس المقاربة التحليلية الخطية يجد نفسه مجبرا على تبسيط الشبكات المعقدة:

         نأخذ مثلا علاقة الجينات بالصفات, صحيح أن لون العينين وفصيلة الدم هما صفتان محددتان مسبقا بالوراثة وصحيح أيضا أن كثيرا من صفاتنا الشكلية كلون البشرة ومرض السمنة وغيرها مكتوبة بصفة رمزية في الجينات لكن يجب علينا أن لا ننسى دور المحيط في تشكيل هذه الصفات فالأسمر تزيد سمرته أو تنقص حسب بيئتة والسمنة مرتبطة بالحمية والحركة. لا يكمن الخطر في التحديد المسبق للصفات الجسمية الدنيا مثل لون البشرة بل يتمثل الخطر في تعميم هذه الحتمية الجينية على القدرات الذهنية فنصبح نفسر خطأً أن أفعال المرء وسلوكياته الاجتماعية هي نتيجة عوامل وراثية لا سلطة للمحيط عليها مثلما يحاول بعض العلماء إيهامنا بأنهم اكتشفوا جينة إدمان الكحول وجينة المثلية وجينة العنف وجينة الذكاء وحتى جينة الإيمان بالله (مجلة العلم  والحياة Science & Vie  عدد 1055 أوت 2005).   هذه المقاربة الخطية أنتجت في علم الوراثة إطارا للتفكير (براديـﭬم   paradigme) يُسمَّى "الكل الوراثي" (paradigme du tout génétique) الذي هيمن على التفكير عشرات السنين لكن المنظّر في البيولوجيا "هنري أتلان" تنبأ بانهياره في كتابه "نهاية الكل الوراثي ؟ نحو براديـﭬمات جديدة في البيولوجيا" الصادر في باريس سنة 1998.

تكمن غير علمية هذا الإطار للتفكير المسمى "الكل وراثي" في تأليه الجينات والتسليم بنتائجها, فالذكاء والصحة هبة من الجينات والمرض والعنف قدرٌ مسلط من قِبلِها. قد ينتج عن هذا النسق عديد المواقف غير العلمية,  فيصبح العنف والمرض والذكاء صفات وراثية وليست مكتسبة من التفاعل مع المحيط الاجتماعي. يبدو أن هذا البراديـﭬم  المتسربل بالعلم ليس حياديا لأنه  يُغلّب، في تفسيره للصفات الإنسانية، الجانب الوراثي على الجانب المكتسب. قد يؤدي الاعتماد على هذا البراديـﭬم  في تفسير أسباب المشاكل الاجتماعية كالعنف والفشل الدراسي وتعاطي المخدرات إلى الاقتصار على العوامل الوراثية فقط وإهمال العوامل الاجتماعية المكتسبة.

 

خلاصة القول

يتمثل تدريس البيولوجيا في تفسير الظواهر الطبيعية المعقدة والتركيز على التفاعلات التي تقع بين عناصرها المتعددة لذلك يحتاج المدرس إلى الاستعانة بالمقاربتين, التحليلية والشاملة, لأن كل واحدة منها تكمّل الأخرى ولا أفضلية لواحدة على منافستها.

يُعتبر مفهومَا التفاعل والتعقيد (l’interaction et la complexité) مفهومين مهمين في العلم، مفهومان يكملان مفهومَيْ الخطية والتبسيط (la linéarité et la simplification)  ويؤسسان لِـبراديـﭬم علمي جديد. هذان المفهومان الجديدان قد لا يسهّلان فك رموز مسألة علمية ما بل بالعكس قد يعقّدانها لكن في نفس الوقت يضعانها على الطريق السليم للوصول للحل العلمي. خذ مثلا الذكاء, فهو "وراثي % 100 ومكتسب%  100 " حسب المقولة الشهيرة لعالم الوراثة المشهور بنضاله الاجتماعي ومساندته العلنية لفاقدي السكن القار، العالم الجيني "ألبير جاكار": نحن نرث عن والدينا مخا بشريا يتكون تقريبا من مائة مليار خلية عصبية. تقع داخل كل خلية مليارات من التفاعلات الكيميائية. وكل خلية ليست بمعزل عن محيطها فهي تتبادل مع مثيلاتها مليارات من العناصر الكيميائية المتغيرة باستمرار وهي قادرة بمفردها على ربط عشرة آلاف وصلة عصبية مع جاراتها. نكتسب من خلال تفاعلنا مع المحيط وحسب تجربتنا الشخصية مليون مليار وصلة عصبية (10 puissance 15 synapses)   تبنيها أو تعيد بناءها خلايانا المخية بعد الولادة. لنعلم أن عدد الجينات عند الإنسان حسب آخر إحصاء سنة 2001 لا يفوق 30 ألف جينة. نسبة %  98,9 منها مكررة أو صامتة أي لا دور معروف لها الآن ونسبة   1,1 % فقط  صالحة لصنع البروتينات. نصل إلى الاستنتاج التالي: النموذج التحليلي السائد "جينة واحدة تبرمِج لصنع  بروتينة واحدة" لم يعد قادرا وحده على تفسير وجود عشرات الآلاف من البروتينات ومليارات الوصلات العصبية ومليارات الأجسام المضادة المكونة لمناعة الجسم المتطورة والمتجددة حسب تعرّض الجسم لهجومات الأجسام الدخيلة من جراثيم وبروتينات أجنبية وجزيئات معدنية ملوثة.

         أختم هدا الخطاب بطرح الإشكالية التالية: كيف ندرج المقاربة الشاملة في كل مستويات التعليم التونسي حتي لا تطغى المقاربة التحليلية وحدها على التفكير العلمي ؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire