المبادرة الثامنة
عندما ندرس وظيفة النظر، كثير ما نغفل عن دور الأذن الداخلية (l’oreille interne). وظيفة النظر وظيفة معقّدة جدا لأنها ترتبط بجلّ المراكز المخيّة والعصب البصري والعين وعضلات العين والأذن الداخليّة والضوء والحالة الانفعاليّة للجسم. لنعلم أوّلا أن "المِهاد البصري" (le thalamus) هو عضو في المخ تلتقي فيه الأعصاب البصريّة والحسيّة المثيرة للعاطفة ويستقبل المعلومات الضروريّة للنظر، 80 % منها تأتيه من المخ مباشرة و20 % فقط تأتيه من العين.
لنفهم أكثر يجب أن نوضح دور العناصر الضرورية المتدخلة في النظر
1. المراكز المخيّة : يتدخّل عدد كبير منها في النظر ونذكر منها علي سبيل الذكر لا الحصر:
- "المراكز العصبيّة البصريّة" (les aires visuelles) التي تدرك الأشياء وتتعرّف عليها وتراها بواسطة العين.
- "غدّة تحت المهاد البصري" (l'hypothalamus) التي تمثّل ملتقى عصبيّا هرمونيّا مسؤولا علي الشبع والجوع والعطش والانفعال والتأثّر والذاكرة وضبط الحرارة ومقاومة العدوان والسلوكيّات الجنسيّة والدفاعيّة.
- "وحدة شبكيّة متوسّطة" (la formation réticulée médiane) وهي غرفة صنع الأحلام.
- "مركز عصبيّ يتحكّم في حركات العين" (Le colliculus).
2. العصب البصريّ : ينقل من العين إلي المخّ ذبذبات كهروكيميائيّة وهي عبارة عن رسالة مشفّرة لا تفكّ رموزها إلا المراكز العصبيّة البصريّة.
3. العين السليمة: يستعين بها المخ لتجميع المعلومات الواردة من العالم الخارجيّ لذالك فاقدها لا يري.
4. عضلات العين: توجّه وتضبط حركات العين مثلما نتحكّم نحن في الكاميرا لكي لا تتحرك الصورة.
5. يبدو أن دور "الأذن الداخليّة" (L`oreille interne) في النظر مغيّب تماماّ في التعليم. في الحقيقة تتمثّل مهمة الأذن الداخليّة في المحافظة علي توازن الجسم في كل الوضعيّات بما فيها توازن العين وهذا الدور المهم لا نحسّ به إلا إذا تعطّلت هذه الأذن أو تلف العصب الذي يصلها بالمخ. لنوضّح أكثر, نذكر ما ورد في محاضرة الأستاذ كليمان وهو يتحدّث عن مرض ألمّ به سابقا ويتمثّل في التهاب العصب الذي يربط بين دهليز الأذن الداخليّة والمخّ (le nerf vestibulaire)، قال : "لم أفقد السمع لأنّ هذا العصب ليس مسؤولا علي السمع. كنت أحسّ بدوار ودوخة وإغماء وتقيّء وأفقد توازني كلّما حاولت الوقوف أو قيادة السيّارة. لم أعد قادرا علي القراءة والكتابة ومشاهدة التلفاز رغم سلامة مخّي وعصبي البصريّ وعينيّ. أثناء هذه المحنة عايشتُ في الواقع ما كنت أعرفه نظريّا وتأكّدت من وجود تنسيق دائم بين العين والأذن الداخليّة وأستطيع أن أقنعكم بتجربة بسيطة: انظروا إلي السبّورة وحرّكوا رؤوسكم. هل السبّورة تتحرّك معكم ؟ طبعا لا ! لو أخذتم الآن كاميرا ووجّهتموها صوب السبّورة وحرّكتموها فسترون بعد التصوير فيلما تتحرّك فيه السبّورة كأفلام المبتدئين. جسم الإنسان إذن مجهّز بكاميرا وهي العين وبضابط توازن الكاميرا وهو الأذن الداخليّة التي تلائم باستمرار بين الصّورة والحركة. العبرة من هذا المثال ليست فقط في التّعريف بدور الأذن الداخليّة في النظر وإنما في الإشادة بقدرة المخّ البشريّ علي إصلاح العطب في العصب الجمجمي دون علاج ولا أدوية لأن الخلايا العصبيّة السليمة في العصب المصاب قادرة على بعث ألياف عصبيّة جديدة تنتشر وتتوجه نحو مكان العطب تلقائيا وتعوّض ما أتلِف من ألياف في عصب الأذن المصابة.
خلاصة القول
وظيفة النظر ليست حكرا علي العين والعصب البصري والمراكز العصبيّة البصريّة فقط, كما هو شائع عند عامة الناس وحتى عند بعض أساتذة البيولوجيا, بل تتدخّل فيها عدّة مراكز عصبيّة أخرى, مثلا : يتدخّل المركز العصبيّ القفائيّ (l'aire occipital) في معالجة الألوان والمركز العصبيّ الصدغيّ (l'aire temporal) في تعريف الأشياء التي نراها. أما المركز العصبيّ الجداريّ (l'aire pariétal) فيحدّد مكان الأشياء. يرتبط النظر أيضا بالحالة العاطفيّة التي تقع تحت مراقبة "غدّة تحت المهاد البصري" (l'hypothalamus) وهي نفسها تتأثر بما نري. أما "الوحدة الشبكية المتوسطة" (la formation réticulée médiane) فهي تلعب دورا أساسيّا في الأحلام حيث نري الصور تتحرك دون استعمال العينين. هذه الشبكة من الأعضاء التي تؤثّر في عملية النظر وتتأثّر بما تجلبه العين من معلومات خارجية, تفسّر كيف ندرك اسم الشّيء الذي نراه دون تركيز وغالبا ما لا نري الجزئيّات التي لا نعطيها أهميّة فلا نري إلا ما نريد أن نرى لأننا لا نستطيع أن نري دون تأويل ما نري.
Références bibliographiques : CLÉMENT P., MOUELHI L. & ABROUGUI M. (2006). Aster 42. Paris : INRP.
VARELA F.J. (1989). Autonomie et connaissance, Essai sur le vivant, Paris, Editions du Seuil.
عندما ندرس وظيفة النظر، كثير ما نغفل عن دور الأذن الداخلية (l’oreille interne). وظيفة النظر وظيفة معقّدة جدا لأنها ترتبط بجلّ المراكز المخيّة والعصب البصري والعين وعضلات العين والأذن الداخليّة والضوء والحالة الانفعاليّة للجسم. لنعلم أوّلا أن "المِهاد البصري" (le thalamus) هو عضو في المخ تلتقي فيه الأعصاب البصريّة والحسيّة المثيرة للعاطفة ويستقبل المعلومات الضروريّة للنظر، 80 % منها تأتيه من المخ مباشرة و20 % فقط تأتيه من العين.
لنفهم أكثر يجب أن نوضح دور العناصر الضرورية المتدخلة في النظر
1. المراكز المخيّة : يتدخّل عدد كبير منها في النظر ونذكر منها علي سبيل الذكر لا الحصر:
- "المراكز العصبيّة البصريّة" (les aires visuelles) التي تدرك الأشياء وتتعرّف عليها وتراها بواسطة العين.
- "غدّة تحت المهاد البصري" (l'hypothalamus) التي تمثّل ملتقى عصبيّا هرمونيّا مسؤولا علي الشبع والجوع والعطش والانفعال والتأثّر والذاكرة وضبط الحرارة ومقاومة العدوان والسلوكيّات الجنسيّة والدفاعيّة.
- "وحدة شبكيّة متوسّطة" (la formation réticulée médiane) وهي غرفة صنع الأحلام.
- "مركز عصبيّ يتحكّم في حركات العين" (Le colliculus).
2. العصب البصريّ : ينقل من العين إلي المخّ ذبذبات كهروكيميائيّة وهي عبارة عن رسالة مشفّرة لا تفكّ رموزها إلا المراكز العصبيّة البصريّة.
3. العين السليمة: يستعين بها المخ لتجميع المعلومات الواردة من العالم الخارجيّ لذالك فاقدها لا يري.
4. عضلات العين: توجّه وتضبط حركات العين مثلما نتحكّم نحن في الكاميرا لكي لا تتحرك الصورة.
5. يبدو أن دور "الأذن الداخليّة" (L`oreille interne) في النظر مغيّب تماماّ في التعليم. في الحقيقة تتمثّل مهمة الأذن الداخليّة في المحافظة علي توازن الجسم في كل الوضعيّات بما فيها توازن العين وهذا الدور المهم لا نحسّ به إلا إذا تعطّلت هذه الأذن أو تلف العصب الذي يصلها بالمخ. لنوضّح أكثر, نذكر ما ورد في محاضرة الأستاذ كليمان وهو يتحدّث عن مرض ألمّ به سابقا ويتمثّل في التهاب العصب الذي يربط بين دهليز الأذن الداخليّة والمخّ (le nerf vestibulaire)، قال : "لم أفقد السمع لأنّ هذا العصب ليس مسؤولا علي السمع. كنت أحسّ بدوار ودوخة وإغماء وتقيّء وأفقد توازني كلّما حاولت الوقوف أو قيادة السيّارة. لم أعد قادرا علي القراءة والكتابة ومشاهدة التلفاز رغم سلامة مخّي وعصبي البصريّ وعينيّ. أثناء هذه المحنة عايشتُ في الواقع ما كنت أعرفه نظريّا وتأكّدت من وجود تنسيق دائم بين العين والأذن الداخليّة وأستطيع أن أقنعكم بتجربة بسيطة: انظروا إلي السبّورة وحرّكوا رؤوسكم. هل السبّورة تتحرّك معكم ؟ طبعا لا ! لو أخذتم الآن كاميرا ووجّهتموها صوب السبّورة وحرّكتموها فسترون بعد التصوير فيلما تتحرّك فيه السبّورة كأفلام المبتدئين. جسم الإنسان إذن مجهّز بكاميرا وهي العين وبضابط توازن الكاميرا وهو الأذن الداخليّة التي تلائم باستمرار بين الصّورة والحركة. العبرة من هذا المثال ليست فقط في التّعريف بدور الأذن الداخليّة في النظر وإنما في الإشادة بقدرة المخّ البشريّ علي إصلاح العطب في العصب الجمجمي دون علاج ولا أدوية لأن الخلايا العصبيّة السليمة في العصب المصاب قادرة على بعث ألياف عصبيّة جديدة تنتشر وتتوجه نحو مكان العطب تلقائيا وتعوّض ما أتلِف من ألياف في عصب الأذن المصابة.
خلاصة القول
وظيفة النظر ليست حكرا علي العين والعصب البصري والمراكز العصبيّة البصريّة فقط, كما هو شائع عند عامة الناس وحتى عند بعض أساتذة البيولوجيا, بل تتدخّل فيها عدّة مراكز عصبيّة أخرى, مثلا : يتدخّل المركز العصبيّ القفائيّ (l'aire occipital) في معالجة الألوان والمركز العصبيّ الصدغيّ (l'aire temporal) في تعريف الأشياء التي نراها. أما المركز العصبيّ الجداريّ (l'aire pariétal) فيحدّد مكان الأشياء. يرتبط النظر أيضا بالحالة العاطفيّة التي تقع تحت مراقبة "غدّة تحت المهاد البصري" (l'hypothalamus) وهي نفسها تتأثر بما نري. أما "الوحدة الشبكية المتوسطة" (la formation réticulée médiane) فهي تلعب دورا أساسيّا في الأحلام حيث نري الصور تتحرك دون استعمال العينين. هذه الشبكة من الأعضاء التي تؤثّر في عملية النظر وتتأثّر بما تجلبه العين من معلومات خارجية, تفسّر كيف ندرك اسم الشّيء الذي نراه دون تركيز وغالبا ما لا نري الجزئيّات التي لا نعطيها أهميّة فلا نري إلا ما نريد أن نرى لأننا لا نستطيع أن نري دون تأويل ما نري.
Références bibliographiques : CLÉMENT P., MOUELHI L. & ABROUGUI M. (2006). Aster 42. Paris : INRP.
VARELA F.J. (1989). Autonomie et connaissance, Essai sur le vivant, Paris, Editions du Seuil.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire