نذكّر أولا بالحلول التأديبية
المطبقة الآن سنة 2010 في تونس: يُحال التلميذ المتهم بالغش
على مجلس التربية في معهده وإذا تبين بالحجة والدليل أنه قام بالغش في الامتحان يُرفت
لمدة تتراوح بين 4 و15 يوم وفي صورة إعادة الكّرة يمكن أن يُرفت نهائيا من المعهد
مع العلم أن للتلميذ حق الدفاع عن نفسه أمام المجلس لكن دون محامٍ رغم فداحة
العقوبة التي قد يتعرّض
إليها.
أطرح الآن بعض الأسباب
الموضوعية وبعض الحلول العلمية لظاهرة الغش
1. الاكتظاظ
في القسم: هل يُعقل أن نضع 40 تلميذا
في قاعة تَسع لـ20 فقط ونطلب من كل تلميذ أن لا يسرق النظر إلى ورقة زميله ؟ هل
التلميذ هو المسؤول عن الاكتظاظ في القسم ؟ ربما يكون من الأفضل توفير قاعات واسعة
لعدد قليل من التلاميذ قبل محاسبتهم علي الغش.
2. طريقة إلقاء الأسئلة: أنا أتساءل: ما ضّر لو أدخل التلميذ معه ورقة مكتوبًا عليها
أبياتا شعرية في امتحان الإنشاء أو ورقة مكتوبًا عليها بعض القواعد في امتحان
الرياضيات أو الفيزياء ؟ ربما يكون من الأفضل عدم محاسبة التلميذ علي الحفظ في
امتحان توظيف المعلومات.
3. مضمون
البرنامج أصبح قديما: لماذا نفرض على التلميذ برامج قديمة لا تراعي اهتماماته
الحالية ومن بعد نحاسبه على حفظها وفهمها ؟ ربما يكون من الأفضل استشارة التلميذ
عبر استفتاء ضيق أو واسع لمعرفة تصوراته وآماله وطموحاته قبل إعداد البرامج
المدرسية.
4. المدرسة السلوكية المنسوبة إلي واتسون وسكينر (Le
béhaviorisme de Watson et Skinner): نحن نعّلم التلميذ بالتلقين
والسؤال والجواب والجزاء والعقاب طوال حياته الدراسية ونرسم له مستقبله دون أن نشرّكه
في بنائه. نعامل التلميذ مثل ما يعامل الباحث السيكولوجي الفأر داخل المتاهة حتى
أصبح التلميذ يردد العبارة المشهورة "بضاعتكم ردّت إليكم" وهو مصيبٌ في
شعاره فهي فعلا بضاعتنا نفرضها عليه ولم يخترها بنفسه. نجحنا في خلق أجيال تقلّد
جيّدا ولا تبادر أبدا ! ربما يكون من
الأفضل تطبيق ما جاءت به المدرسة البنائية
المنسوبة إلي بياجي وفيـﭬوتسكي (Le constructivisme de Piaget
et Vigotsky) الّتي تعلّم التلميذ كيف يتعلم بنفسه خاصّة في
عالم الانترنات وعالم الموسوعات حيث يستطيع التلميذ أن يتفوّق على أستاذه في بعض
المجالات. "المدرسة البنائية المنسوبة إلي بياجي وفيقوتسكي" تعلم التلميذ
المبادرة والاستقلالية عن الأستاذ
وتفرض على المربين بجميع أصنافهم اعتبار التلميذ عقلا مستقلا، عقلا يفكّر
وينتج وله وجهة نظر محترمة وليس عقلا كالإناء الفارغ نملؤه بما نريد أو صفحة بيضاء
نخط عليها ما نشاء.
5. بيداغوجيا الأهداف (PPO :
Pédagogie Par Objectif): ترسم الوزارة أهدافها ويحضّر الأستاذ درسه
وأهداف برنامجه دون معرفة مسبقة لتصوّرات التلميذ ويقو م بإنجاز درسه على أحسن ما
يرام رغم أنف التلميذ ويكمل برنامجه غير آبه بما تعلم التلميذ. أنا أتساءل: هل
أهداف الدرسِ هي أهداف التلميذ أم أهداف الأستاذ أم أهداف الوزارة ؟ ربما يكون من
الأفضل اعتماد طريقة بيداغوجيا المشروع (Pédagogie de projet )، مشروع التلميذ، لا
مشروع الأستاذ، ولا مشروع الوزارة. أقصد مشروع البحث العلمي المشترك بين مادّتين
أو أكثر كالفيزياء وعلوم الحياة والأرض. مشروعٌ يختار موضوعَه التلميذُ وينجزه
التلميذ داخل فريق بإعانة الأستاذ ويقدمه التلميذ أمام زملائه ولا حاجة إلي حراسة
ولا عقاب وبهذه الطريقة قد نقضي على الغش وعلى الأنانية من جذورهما فينشأ التلميذ
واثقا بنفسه وبالآخرين. أروي لكم ما شاهدت بأم عيني في معهد في نانسي بفرنسا: رأيت
فريقا من تلامذة السنة ثالثة ثانوي يعني عام قبل الباكلوريا يقدّمون مشروعهم في
نهاية السنة مستعملين الوسائل الحديثة وهم يتداولون على أخذ الكلمة على المنصة،
يشرحون تجاربهم، فخِلتهم طلبة المرحلة الثالثة يدافعون عن أطروحاتهم ! اشتغل
التلامذة على المشروع عاما كاملا مع بعضهم, تبادلوا المعلومات واستشاروا أهل العلم
وقاموا بالتجارب وحدهم في المخبر ووظفوا المعلومات في حلّ مشكل واقعي مثل مشكل "تأثير
الأمطار الحامضة على النباتات الخضراء". "بيداغوجيا المشروع"
جعلتهم يعدّون أنفسهم للبحث العلمي بأنفسهم ويتدربون على العمل داخل فريق.
خلاصة القول
للغش حلول علمية يتغافل عنها
المسئولون والمربون. هؤلاء الذين لا
يطبقون إلا الحلول التأديبية على التلميذ الذي يمثل أضعف حلقة في سلسلة المسؤولين على الغش في
الامتحانات. أقرّ أن التلميذ مسؤول نسبيا على عملية الغش ولذلك وجب تأديبه لأن غياب
الانضباط (la
discipline) في مؤسساتنا التربوية هو نوع من سوء المعاملة
لتلامذتنا (L’absence d’autorité est une forme de maltraitance). لكن عندما لا تطبق الوزارة الحلول العلمية
وتكتفي بالعقاب يصبح التلميذ ضحية بعد ما كان مسؤولا جزئيا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire