سردية خطوبة ابنتي المسلمة المقيمة بكندا من مواطن كندي مسيحي. مواطن العالَم

 

 

المرحلة الأولى بتاريخ   7 فيفري 2022

الخبر: ابنتي عبير تُقيم في كندا منذ عشر سنوات. انفصلت بالتراضي عن زوجها الأول أصيل جمنة منذ ست سنوات تقريبًا. اليوم خطبني فيها شابٌّ "مسيحيٌّ" كنديٌّ من أصل إيرلندي واسمه "شون" (Sean McCan).

الموقف من زواج امرأة مسلمة من رجل مسيحي يتضمن مجموعة من المواقف المتناقضة:

موقف 1: أرفضُ لأن الشريعةَ الإسلامية صريحةٌ وتُحرِّم على المسلمةِ الزواجَ من غير المسلمِ أما القانون التونسي فيحلله حسب ما سمعتُ. الشريعةَ تبيح للرجل ما تُحرّمه على المرأة، أي من حق الرجل المسلم أن يتزوّج من يهودية أو مسيحية بحجة أن الرجال قوّامون على النساء.

موقف 2: موقف المفكر الطاهر الحداد: كان يرفض مبدئيًّا الزواج المختلط حتى بالنسبة للرجل المسلم أيضًا لأن الزوجة المسيحية المحتملة قد تكون لها القِوامة على زوجها المسلم في عهد الاستعمار بحكم استقوائها بدين قومها، دين المستعمر المتفوق ثقافيًّا واقتصاديًّا وعلميًّا وتكنولوجيًّا وعسكريًّا.

 موقف 3: صديقي بكار عزوز، النهضاوي المهاجر، أستاذ القرآن بباريس، قال لي متأخرًا عندما أعلمته بخطوبة ابنتي أن الداعية الإسلامي السوداني أباح زواج المرأة المسلمة من الرجل المسيحي أو اليهودي.

 موقف 4: موقف شخصي حضاري كوني: انطلاقًا من قِيمة الكرم الراسخة في حضارتي العربية-الإسلامية، لم يبق لي إلا اختيارًا واحدًا وهو الترحيب بكل ضيوفنا دون تمييز ديني بل علينا تمهيد الطريق وفرشه ورودًا تحت أقدام كل قادمٍ علينا راغب في مصاهرتنا رجلاً كان أو امرأةً وكل غير مسلمٍ عندي هو مسلمٍ بالقوة أو مشروع مسلم في المستقبل القريب أو البعيد، الله أعلم (Un musulman en puissance).

موقف 4:  عادة أنا أرحّب بالزواج المختلط بين المنتسبين إلى أديان مختلفة أو حضارات مختلفة لأنه زواج يمد جسورًا بين البشر ويحبّب خلق الله في بعضهم البعض وقد كان هذا الزواج سائدًا في أوج الفتوحات الإسلامية ويُعَدُّ من العوامل المصاحبة التي ساهمت في نشر الإسلام سلميًّا.

موقف 5 (القرار الحاسم): قبلتُ به خطيبًا مسيحيًّا لابنتي المسلمة وذلك للأسباب التالية:

-         أولاً لأنني مواطن العالَم وعَلماني على الطريقة الأنـﭬلوساكسونية المتصالحة مع كل الأديان.

-         ثانيًا لأنني أرى في كل مواطن غير مسلم مشروع مواطن مسلم أو مسلم بالقوة لو تعاملنا معه بقِيم الإسلام السمحة التي تقول في القرآن الكريم: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".

-         ثالثًا لأن هذا الشاب لديه استعداد للدخول في الإسلام: هو صديق المسلمين في كندا ومعلم أطفالهم ويصوم رمضان منذ سنوات ويرفض بناء مسكن عن طريق القروض الربوية.

-         رابعًا لأن ثقتي في رجاحةِ عقلِ ابنتي كبيرةٌ جدًّا جدًّا وأعرفُ أنها ناضجةٌ وصلبةٌ ولا يَجرِفُها أي تيّار.

دعاء: السلام على مَن اتّبع الهُدَى، والسلام أيضًا على مَن لم يتّبِعْها، على أملِ أن يَهديه ربي يومًا ويتّبعُها !

 

المرحلة الثانية بتاريخ 30 أفريل 2022:

بلغني اليوم أن خطيبَ ابنتي المسيحي دخل دين الإسلام شرعيًّا ورسميًّا قبل زواجه من ابنتي المسلمة، دخله حبًّا فيها وفيه. حَدَثَ هذا في كندا، هَداهُ الله ولم يَهْدِهِ أحدٌ والحمد والشكر لله الذي جازاني على ترحيبي به قبل إسلامه أحسن جزاء وسترني أمام أهلي الذين يعتقدون أن زواج المسلمةِ من غير المسلمِ حرام حرام حرام (أراعِي شعورَهم وأحترمهم لكنني أخالفهم الرأي في تأويل مقاصد الإسلام ولن أتجاوزهم وندمت على تجاوزي السابق لهم) !

 

المرحلة الثالثة والأخيرة بتاريخ 16 جويلية 2022:

اليوم احتفلنا وفي داري بحمام الشط بخطوبة ابنتي التونسية المسلمة للشاب الكندي المسلم حديثًا. ربي يهنئهم ويسعدهم ويرزقهم بالذرّية الصالحة. آمين يا رب العالمين، رب التونسيين والكنديين والناس أجمعين.

ملاحظة موجّهة إلى أصدقائي العلمانيين بعدما قرأتُ بعض التعاليق المستفزّة (حذفتُها): أرجوكم لا تستهينوا بمعتقدات أهلكم ومجتمعكم. أنا جرّبت في عائلتي الموسّعة نوعًا من الزواج المختلط الذي لا يراعي التقاليد وكانت نتائجه النفسية كارثية على علاقة البنت بعائلتها الضيقة والموسعة رغم أن الزوح المسيحي أسلم قبل الزواج وكنتُ من المناصرين لها سرًّا و"ما يحس بالنار كان اللعافس على الجمر".

إمضائي: "إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 16 جويلية  2022.