لو لم تختلف الذوات و العقول
و الآراء، لانعدمت الدلالة و مات المعنى و لَسيطر الخواء و الاستبداد. نقل دون
تعليق مواطن العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 7 ماي 2012.
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية"، علي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 43:
فاتضح له أن لا تستقيم هوية
للأنا من دون الآخر، و أن الوعي بالذات يمر بالضرورة عبر الغير، و أيقن أن الآخر
حاضر في الذات بقدر ما هو غائب، و قريب بقدر ما هو بعيد. إذ الغير هو الوجه الباطن
لنا و هو ما كنّاه أو ما يمكن أن نكونه. و استقر عنده أن لا تشابه بإطلاق و لا
تباين بإطلاق.
و عند ذلك تبدلت نظرته
للمغايرة و الاختلاف و أدرك أن الاختلاف هو الأصل في يقظة الوعي و تجدد الفكر و
تطور الحياة. و تأيد ذلك عنده بما نطقت به الآية في صدد الاختلاف: "إن في
اختلاف ألسنتكم و ألوانكم لآيات للعالمين"، و غيرها من الآيات التي تتحدث عن
اختلاف الشعوب و القبائل، و اختلاف الذكر و الأنثى، و اختلاف الليل و النهار.
فتفكر في معاني تلك الآيات و حاول قراءتها من جديد. فانكشف له أن الاختلاف يولد
المعنى و يخلق الدلالة. فلو لم تتميز الأشياء بعضها عن بعض، لما كان ثمة إمكان لمعرفة
شيء. و لو لم تتبدل الأشياء و تتغاير لما كان ثمة تجدد و تطور. و ما لم يختلف
الناس بعضهم عن بعضهم في أجناسهم و ألوانهم و ألسنتهم، لما كان ثمة إمكان للتعارف.
و لو لم تختلف الذكورة و الأنوثة لانتفت الغرابة و الدهشة و لحلّت التفاهة و
البلادة. و لو لم تختلف الذوات و العقول و الآراء، لانعدمت الدلالة و مات المعنى و
لَسيطر الخواء و الاستبداد. فأيقن عندئذ أن الاختلاف آية من آيات الخلق و سبيل إلى
التجدد و التطور و أداة للتعارف، و أن به تتولد الدلالة و ينبجس المعنى. و هو نعمة
و رحمة.
الإمضاء
على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
أكتب و أنقل و أنشر للمتعة الفكرية و
للمتعة الفكرية فقط، لا أكثر و لا أقل، و لكن يسرّني جدا أن تحصل متعة القراءة
أيضا لدى قرّائي الكرام و السلام.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire