ما من طاعة إلا و وراءها
معصية! نقل دون تعليق مواطن العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 10 ماي
2012.
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 105:
و تحقق له عندئذ أن ما ينفيه
الإنسان من نفسه يبقى فيها و لا يفارقها. و رأى أن في داخل كل واحد يقيم جاحد و
ضال و فاجر. و الجحود و الضلالة و الفجور على اتصال وثيق بالإيمان و الهداية و
التقى. فهي ليست أضدادها بل وجوهها الباطنة و هيئاتها الخبيثة. ذلك أن الضد من
شأنه إذا وجد أن يفسد ضده. و الحال فإن التقى لا قوام له من دون الفجور، فالإنسان
إنما يتقي ربه من نفسه، أي مما ينبعث فيها من ميل إلى الكفر و العصيان، و مما تُوسوس
به و تُحدّث. و لو انعدم الفجور لما وجد التقى. إذ ما هو الشيء الذي ينبغي للمرء
أن يتقي ربه منه، بل نفسه، فيحميها من خطرها، إن لم يكن فجوره، أي انفجار مكبوته و
انبساط باطنه. و إذا كان التقى، بما هو هيئة فاضلة للنفس، يبدو و كأنه نقيض
الفجور، بما هو نقص و رذيلة، فإن التقى لا يزيل الفجور بل يخفيه و يستره، أو يلجمه
و يكبله. فالفجور من الانفجار كما في الوضع اللغوي. و عليه فالتقوى لجام يضبط به
الإنسان فجوره و لباس يواري به معصيته. و لهذا، قال الحلاج: ما من طاعة إلا و
وراءها معصية... فبالتقى يتقي الإنسان في ظاهره ما في باطنه. فهو تقوى من جهة،
أي خوف و خشية، و هو وقاية من جهة ثانية، أي حماية وستر. و عند ذلك أيقن مما كان
قد افترضه، أي القول بأن الإنسان ليس إلا هذا التستر على عوراته و عيوبه.
هكذا، اتضح له أن الإنسان يبدل أقنعة و يتبدل بين أزمنته،
فيتقلب بين الظاهر و الباطن و يتأرجح بين الأول و الآخر و يتردد بين المكشوف و
المحجوب. و خلص من ذلك إلى القول بأن مَن نتهمهم بالضلالة و الشرك و الفجور هم
الوجه الآخر لنا، و أن اختلافنا عن الغير هو في الحقيقة اختلافنا عن أنفسنا، فما
نكرهه فيه كامن فينا، و ما يعجبنا من أنفسنا قابع فيه. فهو بعضنا و نحن بعض منه. و
هو شطرنا الإنساني. إنه ما كنّاه أو كان يمكن أن نكونه أو ما قد نكونه. و ما
وصفناه بوصف إلا كنّا ذلك الوصف.
الإمضاء
كل ما يُقال لك نصف الحقيقة، فابحث عن
النصف الآخر بنفسك.
على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
أقرأ و أكتب و أنقل و أنشر للمتعة الفكرية
و للمتعة الفكرية فقط، لا أكثر و لا أقل، و لكن يسرّني جدا أن تحصل متعة القراءة
أيضا لدى قرّائي الكرام و السلام.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire