samedi 7 décembre 2013

رأي في الجمهور، رأي غير سياسي و غير متماه و غير منافق و غير مهادن: إذ الجمهور هو هو على الدوام، قوة غفل و مادة للانقياد. و جمع، لا وعي له و لا يملك زمام أمره. فأكثرهم لا يعقلون و لا يفقهون. نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

رأي في الجمهور، رأي غير سياسي و غير متماه و غير منافق و غير مهادن:  إذ الجمهور هو هو على الدوام، قوة غفل و مادة للانقياد. و جمع، لا وعي له و لا يملك زمام أمره. فأكثرهم لا يعقلون و لا يفقهون. نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار
                                                                                             
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 6 ماي 2012.

كتاب "خطاب الهوية. سيرة فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176 صفحة.

نص علي حرب:
صفحة 26:
فالجمهور أو العامة لا يدركون الأمور بالعقل و البرهان بل يدركونها بالمناسبة و التمثيل، أي بما يناسبها من الأمثلة المحسوسة و الشواهد الملموسة. و هم لا قدرة لهم على تأويل الحقائق، بل يقفون عند الظاهر و لا يتعدونه إلى الباطن. و هم لا  يتفقهون في المسائل و لا يتدبرون الأفعال، بل يقلدون في آرائهم العلماء و يطيعون في أفعالهم الرؤساء و ينفذون الأوامر دون نظر أو تدبير. و مما زاد في اقتناعه برأي الحكماء في صفات الجمهور، أنه كان ينظر إلى العوام من الناس و هم الجمهور الغالب و السواد الأعظم، فيراهم يؤلهون رؤساءهم و يجلون علماءهم و يخلعون عليهم ألقاب الآلهة، فيمجدونهم و يعظمونهم و ينزهونهم عن الضد و الند و الشريك، و يعتقدون بعصمتهم عن الخطأ و يتماهون معهم و يتعصبون لهم و يغضبون لغضبهم. بل كان يرى أحيانا أن الناس يغضبون لرؤسائهم الأموات منهم و الأحياء، أكثر مما يغضبون لله الواحد المتعالي. بل كان يرى أن الإساءة إلى الرؤساء قد تجر الخلق إلى فتنة لا تحمد عقباها. و تفكر في هذا الأمر و أمعن فيه فتقررت عنده جملة حقائق:

لقد تقرر عنده أولا أن الجمهور ليس عقلا و لا رأي له. فلا تنفع معه الحجة و لا يقنعه الدليل. بل الأنفع و الأعدل بحقه التسليم و التقليد و الانقياد. و قد وجد أن هذه الصفة لا تختص بجمهور دون آخر، و إنما تشترك فيها الجماهير عامة عند كل أمة و ملة و في كل عصر و حال. و تبين له إذ ذاك خطل الآراء التي تتحدث عن تحرر "الجماهير" و "وعي" الطبقات. إذ الجمهور هو هو على الدوام، قوة غفل و مادة للانقياد. و جمع، لا وعي له و لا يملك زمام أمره. فأكثرهم لا يعقلون و لا يفقهون. و لذلك سرعان ما تبدل الجماهير و العامة مواقفها و تنقلب على أوضاعها، فتنتقل من النقيض إلى النقيض.

على أنه رأى أن تلك الصفة هي صفة الجمهور بما هو جماعة إنسانية و كينونة جماعية، لا صفة الفرد الواحد و الكائن العاقل. إذ لم يخامره شك في أن الفرد الواحد من الناس يدرك و يعقل، فيميز بين الحق و القبح، و الخير و الشر، و النفع و الضرر. غير أنه وجد أن الجمهور، بما هو جماعة، محتاج دوما إلى رئيس مدبر عاقل يسوسه و يرعاه. و لهذا، كانت الجموع دوما آلة السلطان و موضوع السيطرة و أداة قيام الدول و نهوض الدعوات. و حتى و لو وجدت مجموعة من العلماء فإنها تحتاج، بما هي كينونة اجتماعية، إلى رئيس عاقل يدبرها و يدير شؤونها.

و تقرر عنده ثانيا أن الجماعة الإنسانية تأتمر بالغيب و تنزع إلى المتعالي و تهاب المقدس. و هي يستبد بها الوهم و يحركها الخيال و تعشق الرموز. و تبين له أيضا أن الجماعات بقدر ما تأتمر بالغيب و تحيا على نحو رمزي، فهي تميل إلى تجسيد الغائب في الهُنا و الآن و في الزمان و المكان، إذ لا بد من أن تشهد الغائب في الملموس و اليومي و المعاش. و هي بذلك النقيض من الفرد الواحد العاقل. إذ الفرد العاقل ينطلق مما هو محسوس و عيني إلى المجرد و المعقول، و إلى الكلّي و الغيبي.

...و اتضح له كذلك أن طلب البرهنة في كل أمر من الأمور الاعتقادية قد تكون له مساوئه و مضاره بالنسبة إلى حياة الجماعة. ذلك أنه إذا كانت الجماعة لا تحيا حياتها من خلال العقل وحده، و إذا كان وجودها بما هو كينونة اجتماعية ينطوي على قدر من التوهم، فإن استخدام العقل قد يفكك عرى الجماعات الإنسانية، و ذلك بقدر ما يميل العقل الباحث بالإنسان إلى تعرية الأوهام التي تغلف حياة البشر و هتك الأسرار التي تكتنف المقدسات و فك الرموز التي منها تُنسج المعتقدات و الأساطير. فالعقد الاجتماعي بين البشر محتاج إلى معتقد. و المعتقد يضرب بجذوره في اللامعقول و ينهل من الطاقة الرمزية التي يختزنها الإنسان، طاقة على الإيحاء و التخيل، و قدرته على إنتاج المعنى و خلق الدلالات.

فصح عنده ما ذكره ابن رشد في "تهافته"، و ما مفاده أن لا شريعة تقوم على العقل وحده، و أن الشرائع التي تتجاوز المعقول إلى الغيبي و الإلهي أحثُّ للبشر على الالتئام و الطاعة و الانقياد. و رجع إلى أقوال الشيخ الأكبر ابن عربي في نصوصه و حيث يؤكد أن الوهم سلطان أعظم في النشأة الإنسانية، و أن الشريعة نزهت بالعقل في التشبيه و شبهت بالوهم في التنزيه، فأثبتها و خلص منها إلى أن الإنسان يعقل بقدر ما يتوهم، و أنه لا ينفك عقل عن وهم و لا يخلو وهم من عقل.

الإمضاء
على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
أكتب و أنقل و أنشر للمتعة الفكرية و للمتعة الفكرية فقط، لا أكثر و لا أقل، و لكن يسرّني جدا أن تحصل متعة القراءة أيضا لدى قرّائي الكرام و السلام.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire