يبدو لي أن تكثيف تعلم
لغة أجنبية (في تونس، الفرنسية أو الأنڤليزية) قد يساعدنا على تطوير لغتنا العربية
ويحثنا على الإنتاج المعرفي الجيد بلغتنا ويجعلنا نتمسك ونعتز بهويتنا الثقافية
أكثر، عكس ما يعتقد دعاة التعريب الشامل والعاجل. إتقان لغة أجنبية هو السبيل
الوحيد للتعريف بتراثنا العربي-الإسلامي الغني والمتفتح على الثقافات الأخرى منذ
نشأته ونشر قِيمنا الإنسانية المميِّزة لشخصيتنا العربية قبل وبعد الإسلام دون
التفريط في إخواننا العرب المسيحيين وإبداعاتهم من جرجي زيدان إلى أمين معلوف.
ودليلي على وجاهة طرحي أن جل أدبائنا العرب يتقنون لغة أجنبية وربما بفضلها ثوّروا
اللغة العربية وأبدعوا في توظيفها من أمثال جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، طه
حسين، توفيق الحكيم، نزار قباني، إلخ.
نص هنتڤتون:
"أزْيَدَ من تسعة أعشار سكان العالم سنة 1993 لا يتكلمون الأنڤليزية (لست
وحدي، تبارك الله)، فكيف تريدون إذن جعلها لغة عالمية ؟
العربية يتكلمها 3,5% ،
الصينية Le mandarin
15,2%،
الأنڤليزية 7,6% . في الهند لا يتكلم الأنڤليزية إلا 2 إلى 4% من الهنود. كانت الفرنسية (Lingua franca) وعلى
مدى قرون في أوروبا، أي لغة تواصل ثانية مستعملة من قِبل شعوبٍ غير فرنسية مختلفة.
(...) أكثر اللغات انتشارًا في العالم هي بالترتيب التنازلي: الصينية، الأنڤليزية، الاسبانية 6,1% ،
الروسية 4,9% ،
الفرنسية (لم تَرِدْ في الجدول أصلاً)، وهي كلها لغات موروثة عن إمبراطوريات
تاريخية قوية. (...) نلاحظ اليوم أن استعمالَ أي لغةٍ وانتشارَها خارج بيئتها
مرهونٌ بازدهار اقتصادِ وطنِها الأصلي، فتخلفُ العربِ اقتصاديًّا هو السبب الأساسي
في عدم ازدهار لغتهم وقلة انتشارها في العالم. قوة الاقتصاد الياباني حثّت غير
اليابانيين على تعلم اللغة اليابانية وكذلك حدث في ألمانيا والصين. (...) يبدو أن
الصين بدأت تأخذ مكان الغرب كحضارة مهيمِنة على مستوى العالم وبالتوازي بدأت
لغتُها تُزِيحُ الأنڤليزية وتعوضها كـLingua franca
عالمية".
خاتمة: فالحل إذن انكشفْ وبانْ !
انهضوا باقتصادكم يا بني قومي تنهض لغتكم، ولم ولن تنهض أبدًا بالتعريب
الإيديولوجي القومي العربي المتعصب الشامل والعاجل خاصة في مجال العلوم، لأن وفي
هذا المجال بالذات، مجالي، التعريب الكامل يساوي التجهيل الكامل: تخيلوا طبيبًا لا
يتقن لغة أجنبية فماذا سيقرأ بعربيته وكل الإنتاج المعرفي في الطب منشور بلغات
أجنبية ؟ ينتظر الترجمة... المريضُ
يموت... وربما يلحقه الطبيب في انتظار الترجمة الشاملة الكاملة المواكبة والعاجلة،
إلخ.
لا أهدف للسخرية من دعاة
التعريب الشامل والعاجل، على العكس أشاركهم حلمهم وأدعو إلى نفس الهدف، لكننا
نختلف في الوسائل المعتمدة لبلوغ هذا الهدف (Et la fin ne
justifie en aucun cas les moyens). هم يرون الطريقَ واضحًا وقصيرًا وأنا أراه
معقّدًا وطويلاً. وخوفي عليهم وعلى الأمة العربية من عجلتهم وتبسيطهم، خوفي أن
يصلوا إلى عكس ما يتمنون، أي تقوقعُ العرب على لغتهم وعوض أن ينقذوها يخنقوها من
فرط حبهم الساذج لها. ومَن من العربِ لا يحب للغته المجد والخلود لكن "وما نـيل الـمـطـالب بالتمنـي***ولـكـن تــؤخـذ الـدنـيا
غلابـا"، مصدر غالَب عند كشكار لا يعني القوة والعنطزة والعنتريات والتهوّر
الذي يُخلّف الذل، بل يعني العقلَ والعلمَ والبحثَ والتبصرَ والصبرَ.
Référence : Samuel P. Huntington, Le Choc des civilisations, Éd. Odile Jacob,
1996, pp. 75-80
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire