قال الفيلسوف الفرنسي سارتر (1905-1980) -
فيما قال - قولَتَيْن شهيرَتَيْن:
القولة الأولى: "كل الكائنات تسبقها هُوياتُها إلا
الإنسان، فهو الكائن العاقلُ الوحيد الذي يُحدد هُويتَه بِنفسِه"
(L`Homo
Sapiens, âgé de 50 mille ans)
مثال 1: الكرسي أو الطاولة أو الشبّاك،
كائنات جامدة تسبقها هُوياتها في مخ النجار قبل صُنعِها.
مثال 2: النحلة أو النخلة: كائنات حية تسبقها
هُوياتها مُبرمجة مسبّقًا ومكتوبة بِلغة رمزية في جيناتِها (Leurs codes génétiques différents) داخل صِبغِياتِها الموروثة قبل
ولادتها وهي التي تُحدد صفاتها وسلوكاتِها طيلة حياتها (L`ensemble des chromosomes de leurs ADN).
أما الإنسان ورغم أنه ورثَ جيناته عن والِديْه فهو مختلِفٌ عن النبات والحيوان بِفَرادَتِه لأن موروثه الجيني لا يُحدد قُدراته الذهنية مثل الذكاء والعُدوانية (Ses performances intellectuelles) مع العلم أنه هو أيضًا يخضع لِقانون الوراثة وتطبيقاته المكتوبة في جيناته الموروثة
(Création divine pour les croyants, Évolution darwinienne pour les non-croyants)
وهي التي تُحدد وبصفة مسبقة صفاته الجسمية
مثل لون العينين ونوع الفصيلة الدمويه. لكن الذكاء عند الإنسان لا يُورّث كليًّا
في الجينات بل هو صفة ذهنية تنبثق مِن تفاعل الجينات مع المكتسبات (التربية
والتعليم والتجربة والخطأ، إلخ.). أما الهُوية فهي تنبثق من تفاعل الموروث الحضاري
مع المكتسب الثقافي، وهي مفهومٌ متحركٌ يتأثر بالتاريخ وليس مفهومًا ساكنًا
عابِرًا للتاريخ، وهي كالكائن الحي تأخذ مُغذيات فكرية من مصادر متنوعة (تربية،
تراث، تاريخ، جغرافيا، دين، لغة، فكر محلي ومستورد، حروب، إرهاب، فقر، غِنَى، إلخ)
وتستوعبها ثم تهضمها فتترك بصمات بيولوجية على الوصلات العصبية المُخِّيّة (Les synapses) التي تحفظ الموروث وربما تصنع
وتنتج وتبدع وتبتكر قِيمًا جديدة أكثر ثراءً وإيمانًا بِإنسانية الإنسان وأكثر
إحساسًا بِعالمية مصيره وأكثر تفتّحًا على الآخر وأكثر احترامًا للغير مهما كان
هذا الغير ما لم يعتدِ على غيره ماديًّا أو رمزيًّا.
القولة الثانية: "كل الإيديولوجيات تدعو للحرية وتطبق العدلَ عند بداية تَشكُّلِها، وما
إن تتمكن من السلطة حتى تصبح هي نفسها تقمع الحريات وتحرص على الحفاظ على سلطتها المتكلسة
وتُقنِّنُ الظلمِ وتُحاول أن تُؤبِّدَه".
Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand
elles sont faites. Sartre Jean Paul, 1948, qu’est-ce que la littérature ?
collection idées / Editions Gallimard p.193.
أعني بالإيديولوجيات، الليبرالية الرأسمالية والشيوعية وتأويل الدين
(وليس الدين المحفوظ في النصوص المقدسة) والبوذية والكونفوشيوسية وغيرها، كلها
جاءت لِتنظيم حياة البشر وهذا مكسبٌ جيدٌ وتطوّرٌ إيجابيٌّ، لكن أصحابَها ومن فرطِ تَكبُّرِهِم يدّعون
أن ليس لِسُنَنِهم تبديلا.
(L`Orgueil
de l`Homme, c. à d. L`instinct animal, primitif et réducteur)
إذا كانوا مؤمنين فهذا شِرك بِالله وفَرعَنَة
لأن سُنة الله وحدها ولا غيرها ليس لها تبديلا (النص المقدس ثابِتٌ وهو الدين أما
تأويل البشر للنص المقدس فهو إيديولوجيا والمفروض أنه يتغير مع تَغيُّرِ حياة
البشر ويتطور مع تَطوُّرِ مجتمعاتهم)، وإن كانوا ملحدين ماديين فأحرَى بهم أن
يعترفوا بِضعفِ الفرد وهو حسب فلسفتهم آتٍ مِن عدمٍ وذاهبٌ إلى عدمٍ.
يبدو لي أن بعض الفلاسفة المصابين بجنون
العظمة وبعض رجال الدين المتزمتين مِن مُبدِعِي الإيديولوجيات القديمة والحديثة
يظنون أنهم وحدهم أتوا بِما لم يأت به الأوائل ويتصورون أيضًا أن أيديولوجياتهم هي
نهاية التاريخ ولن يأتي بِأفضلِ منها بعدهم أحدٌ.
أرجو من الله أن يُجنّبنا تزمت رجال الدين
(مثل سيد قطب والمودودي -بأمانة علمية قرأتُ للأول وسمعتُ عن الثاني- وشيوخ
التلفزة) وأرجو من الفلاسفة المتواضعين المعاصرين الأحرار (Les libertaires de
Gauche)
مثل أمين معلوف وشلومو ساند وميشال أونفري -النيتشوي النزعة- أن يتفلسفوا
بِالمِطرقة ويهدِموا أنظمة زملائهم المتكبّرين الغابرين مثل كانت وهيڤل وماركس
وسارتر وهنتنڤتون وغيرهم كثيرون (Philosopher à coups de marteau, Nietzsche).
حمام الشط، الجمعة 14 أفريل 2017.