mercredi 4 janvier 2023

هل غيرت أفكارُ اليساريينَ والإسلاميينَ التونسيينَ من عقليةِ المواطنِ التونسيِّ، وهل غيرت من عقلياتِهم هم أنفسِهم ؟

 

يبدو لي -والله أعلم- أن معظم اليساريين والإسلاميين التونسيين يلتقون ويتوحّدون حول الأفكار الإيجابية، الغايات، القِيم الإنسانية، مثل العدالة الاجتماعية، التضامن، التضحية، المساواة في الحقوق والواجبات، الصدق في القول والإخلاص في العمل. كلها أخلاقٌ نبيلةٌ وعاليةٌ، ثمّنها القرآن الكريم قبل ماركس بعشرة قرونٍ أو أكثر قليلاً. للأسف الشديد، هذه الأفكار السليمة بقيت سجينة الكتب، بشريةً كانت أو مقدسةً، لم تترك أثرًا طيّبًا في عقلية المواطن التونسي، ولم تغيّر من سلوكاته شيئًا يُذكَر فيُشكَر.

المفارقة الكبرى تكمن في أن اسلوكات السيئة هي التي سادت وانتشرت في مجتمعنا التونسي، مثل الأنانية، المحسوبية، الجهويات، الربح السهل والسريع دون جَهدٍ ولو يَسيرٍ، الفساد، الرشوة، تراجع الضمير المهني، إلخ: تجد اليساري والإسلامي على حد سواء من بين الأساتذة المقاولين تجار المعرفة الجشعين، أو من بين الموظفين عديمي الضمير، أو من بين المسؤولين المرتشين، أو من بين الحِرفيين الغشاشين، أو من بين الأطباء الجشعين، أو من بين القضاة والمحامين الفاسدين، إلخ. والتونسي حسب رأيي يبقى تونسيًّا، سواءً يَسّرَ أو يمّن، والطبعُ عادةً يغلب التطبّعَ !

أعتقد أن القِيم السلبية، مثلها مثل التصورات غير العلمية، تصمد بقوة ضد التنوير العلمي أو الديني أو الفكري أو الثقافي، لا تنهزم بسهولة، ولا تزول بسرعة. وأعرف أيضًا أن التحصيل العلمي لا يغير آليًّا الأخلاقَ إلى الأفضلِ.

ماذا تَعَلمَ المواطن التونسي من المجموعتين المتخاصمتين ؟

مِن اليساريين ودون تعميمٍ، تَعَلمَ الخطابَ "الصِّدامِي" (Le discours frontal) الذي غالبًا ما يوصِل إلى نتيجةٍ عكسيةٍ، وتَعَلمَ أيضًا العنفَ اللفظيَّ.

مِنَ الإسلاميين ودون تعميمٍ، تَعَلمَ الإقصاءَ لغير الإسلامي، وتَعَلمَ أيضًا التسرعَ في التكفير وعدمَ الانفتاح على الأفكار غير الإسلامية والتعصبَ الأعمَى المُضِرَّ بالهُوية الإسلامية نفسِها.

 

ما هو مصدر مخزون الكُرهِ المُتَبادَلِ للأسف بين اللائكيّين التونسيّين والإسلاميين التونسيّين ؟

يبدو لي أنه كُرهٌ موروثٌ.

كُرهٌ للآخر: وَرَثَهُ اللائكيّون التونسيّون عن فِكر الثورة الفرنسية المعادي للمسيحية (Pensée déiste non athée mais anti-théiste)، أما الإسلاميون التونسيّون فقد ووَرَثوه عن فِكر الإخوان المسلمين المصريين المعادي لـ"اللائكية الناصرية".

أدعو الطرفين إلى حلحلة موقفَيْهما المتطرّفَين وإلى محاولة كل واحد منهما الاقتراب من خصمه الإيديلوجي التاريخي، هذا لو أرادا التعايش السلمي في كَنَفِ الديمقراطية. وأدعوهم أيضًا إلى التعاملِ مع الواقع كما هو وليس من خلال النصوص النظرية على أهمّيتِها.

على اللائكيّين التونسيّين أن يطّلعوا على التجارب العَلمانية في الدول الأنڤلوسكسونية (أمريكا وبريطانيا وألمانيا) حيث يتعايش اللائكي مع المتدين في كَنَفِ الاعترافِ المتبادَل دون تنازلاتٍ مبدئيةٍ، ومن أجل كسبِ ثقة الناخب الحر، فَلْيتنافس المتنافِسون.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire