قرأتُ أخيرًا في كتاب علمي جدًّا (Alain
Prochiantz, 2019)، يقول فيه كاتبه: "تجربة كِبارِ السنِّ توفر للصغار وسطًا ثقافيًّا غنيًّا (un milieu
intellectuellement riche) وتساهم مساهمة فعّالة في تدريب
الصغار وتعليمهم وتمدّهم بمعلومات ثقافية مهمة خلال المرحلة الطويلة والحساسة (période critique) التي تلي الولادة، وهي
مرحلة هامة جدًّا في اكتساب المعرفة (l’importance cognitive)". المخ البشري لا يولَدُ جاهزًا بل
يجهز شيئا فشيئا مع العمر متفاعلا مع التجربة والمحيط ويغزل نسيجًا يتكون من
مليون مليار وصلة عصبية بين خلاياه. يولدُ الرضيع بِـمخٍّ صغيرٍ لا يزن إلا 10% (140غ) من الوزن
النهائي للمخ عند البلوغ (1400غ عند 15عامًا أو أكثر)، ثم ينضج بِبطءٍ وعلى مهلٍ (la maturation du cerveau)، أما القرد، ويا
للمفارقة، فمخه ينضج بسرعةٍ أكبر لأنه يولدُ بمخ متوسط يزن 50% من الوزن النهائي لمخه
عند البلوغ".
أَبنِي
على قوله وأضيفُ: ونحن أطفالاً في جمنة الخمسينيات والستينيات، تربينا داخل وسط
اجتماعي متنوع ومفتوح بالمعنى المجازي للكلمة الأخيرة والمعني الحرفي لها: كنا
نعيش مجموعة من الجيران من عروش مختلفة في زنـﭬـة حادة (impasse)، أبوابنا كانت لا توصَد أبدًا، لا نهارًا ولا
ليلاً، ندخل إلى بيوت بعضنا البعض متى نشاء ودون استئذان تمامًا كما ندخل بيوتَنا، كان بعض جيرانِنا ينشر غسيله عندنا، كنّا نجتمع
في العيدَين، الصغير والكبير، في دار كبيرنا (كان هذا الدورُ يقومُ به أبي ثم ورثه
عنه جارنا عمي نصر، عَمٌّ بالجيرة وليس عمًّا بيولوجيًّا). كنا نكوّن عائلة ممتدة
موسعة، ممتدة بالجيرة وليس بالقرابة الدموية. أطفالٌ،
كبرنا داخل وسط متنوع عمريًّا، الأكبر فينا يَنْهَى الأصغر، والأصغر يتعلم الحياة
من تجربة الأكبر. وسطٌ تعلّمي، للأسف، لم يعُد موجودًا اليومَ، وذلك لأسباب عدّة
يطول شرحها. اليوم وللأسف وفدت علينا أنماط جديدِة من العيش الغربي، أنماط متوحِّشة
غازٍية فرضتها علينا العولمة الغربية الاقتصادية والثقافية
(l’eurocentrisme).
ونحن، العرب، لم نقاومْها، ربما بسبب
ضعفنا السياسي وتبعيتنا الاقتصادية وسلبيتنا السلوكية، بل على العكس انبهرنا بها
وانسقنا وراءها ناسين أو متناسين شعار الأنتروبولوجيا المنصِف والقائل "لا
حضارة أفضل من حضارة، ولا ثقافة أفضل من ثقافة".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire