نص هاشم صالح
صفحة 63
لقد عانى العرب كثيرا من هذه
القطيعة عندما استيقظوا في بدايات القرن التاسع عشر ورأوا أن ذلك ظلم مجحف بحقهم.
فقد شعروا أولا بأنهم يفيقون من نوم عميق كأهل الكهف، واكتشفوا (ويا لهول الصدمة!)
أنهم يعانون من قطيعتين لا قطيعة واحدة: قطيعة مع ماضيهم الكلاسيكي المبدع الذي
كانوا قد نسوه منذ أن دخلوا في عصر الانحطاط، وهكذا راحوا يتعرفون من جديد على
كبار مفكري التراث عن طريق نشر المخطوطات. وقطيعة مع الحداثة الأوروبية التي كانت
قد حققت نجاحات صارخة في كافة المجالات منذ القرن السادس عشر أي عندما كانوا يغطون
في نوم عميق. وأراد المثقفون العرب آنذاك استدراك ما فات والعمل على كلتا
الجبهتين: جبهة تحقيق التراث ونشر مخطوطاته للتعرف عليه، وجبهة التعرف على الفكر
الأوروبي الحديث عن طريق الترجمة والتلخيص. وكان حلم النهضة جميلا على الرغم من
أنه أُجهض في نهاية المطاف. ولكن ربما كان هذا الإجهاض مؤقتا فقط. قلت إن العرب
بعد أن استيقظوا واكتشفوا أهمية تراثهم وعطائهم الحضاري شعروا بأن موقف الأوروبيين
مجحف بحقهم. فهم من جهة يريدون الأخذ عن أوروبا و اللحاق بركب النهضة والحضارة
وأوروبا من جهة أخرى لا تعترف بهم، بل وتغسل يدها من كل علاقة تأثر قد تكون حصلت
بينها وبينهم حتى في الماضي البعيد!... وبالطبع، فإن التيارات العنصرية واليمينية
في أوروبا والغرب بشكل عام تدفع في هذا الاتجاه، وتعتبر العرب عِرقا غير قادرٍ على
صُنْعِ الحضارات وليس أي له فيها أي باعْ.
المصدر: مدخل إلى التنوير الأوروبي، هاشم صالح، دار الطليعة
للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعت الثانية
2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة.
إمضائي المختصر
"لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن
يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع
لقانونه" (عبد الله العروي)
من أجل تغيير تصورات أفراده غير العلمية
إلى تصورات علمية وعلى كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري وعلى
كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 3 مارس 2012.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire