mardi 3 novembre 2020

أفكارٌ تعارضُ السائدَ وقد تحرّكُ الراكدَ! جزء 1. مواطن العالَم

 

 

كلمة فلسفة تعني حرفيا حب الحكمة وأنا أعشق الحكمة منذ وعيت هذه الدنيا فأنا إذن فيلسوف بالقوة (بالمعنى الفلسفي لمفهوم القوة) حتى وإن لم أكن فيلسوفا بالفعل. الفلسفة هي تساؤل وتأويل وتفكير حول العالم والوجود الإنساني وهذا ما أفعله عن هواية بهدف تقصير زمن انتظار الموت.

 

أطرح الإشكاليات التالية للنقاش؟ إشكاليات لا رابط ظاهر بينها:

1.     يقولون: " لا يأتي التغيير إلا من السلطة السياسية الحاكمة ولا يصحّ النقد المعارِض إلا للسلطة السياسية الحاكمة".

أقول: كل حزب حاكم عربي يحاول تأبيد سلطته. أنا أقف مع تداول السلطة في الدولة والأحزاب وكل المنظمات من اتحاد العمال إلى منظمة حقوق الإنسان. كل حزب معارض عربي يهدف إلى تغيير السلطة التنفيذية والتشريعية.

أنا أدافع عن رؤيا فلسفية مغايرة: أنا أرى أن الدولة ليست الخصم الوحيد المباشر للشعب. قد يكون الشعب خصما لنفسه. أرى هذا الرأي -لا تقية أو تحسّبا لبطش الحاكم- و إنما لأنني أؤمن أن السلطة لا تنحصر في قمة الهرم بل هي مقسّمة ومجزأة ومبثوثة في المجتمع كله كما يؤكد ذلك الفيلسوف الفرنسي "فوكو" (Le micro-pouvoir) الذي قرأته أخيرا ولم أفهمه إلا بمساعدة أستاذ فلسفة زميل لي في معهد برج السدرية:

الوزير سلطة ورئيس المركز سلطة والأستاذ سلطة والحاجب سلطة وأي سلطة وكاتب البلدية سلطة والزوجة سلطة وأي سلطة والأب سلطة والبنك سلطة والعادات والتقاليد سلطة والدين سلطة والفقه سلطة وأبو هريرة سلطة وأي سلطة والتراث الحضاري سلطة والإعلام سلطة وأي سلطة وسائق الحافلة سلطة واتحاد العمال سلطة واتحاد الفلاحين سلطة واتحاد أرباب العمل سلطة والنقابي سلطة ورئيس الشعبة سابقا سلطة وأي سلطة وشرطي المرور سلطة والجزار سلطة وبائع الغلال سلطة والطبيب سلطة، و كل موظفي الدولة سلطة، مع تفاوت في الأدوار طبعا، وكل دور نجد فيه العادل والظالم والكفء وغير الكفء والصادق والمنافق.

فكيف نغيّر كل هذه السلطة المركبة والمعقدة؟

هل تكفي الانتخابات الديمقراطية والشفافة؟

هل بين دورة ودورة رئاسية أخرى أو تشريعية يتغيّر المجتمع العربي بعصا سحرية من متخلف إلى نامٍ متطور ومتحضّر؟

هل التغيير يتم بالعنف أم بالتعليم والثقافة وحرية الرأي وحرية الصحافة والديمقراطية والإقناع؟

هل يتم التغيير بالثورة الدموية العنيفة؟

وما ذا جنينا من الثورات العنيفة بغض النظر عن جنسيتها روسية كانت أو صينية أو جزائرية أو ناصرية أو قذافية أو صدّامية؟

جنينا أنظمة متخلفة عن التي سبقتها!

جنينا جمهوريات أتعس ألف مرة من المملكات!

هل يتم التغيير من أعلى الهرم أو من قاعدته؟  

لو قام كل مواطن من المجتمع العربي بواجبه في عمله لاستقام حال الأمة العربية ولتغيّرت السلطة أوتوماتيكيا لأن السلطة لم تأت من المريخ بل أفرادها هم إخوتنا وأبناء عمومتنا وعرب مسلمين مثلنا.

المواطنُ العربي، مواطنٌ "قتلته الردة، يحمل في الداخل ضدّه"، كما قال الشاعر العظيم مظفر النواب. نجد الأستاذ المتقاعس في عمله يشارك الأستاذ المستقيم نفس الخطاب النقدي في المقهى وفي النقابة وفي أحزاب المعارضة ويرمي كسله وفشله بنسبة مائة بالمائة على الحاكم ولا يعترف ولو بجزء بسيط من المسؤولية الفردية في الوضع المتدني للنظام التربوي التونسي الحالي.

 

2.     يقولون: "لا يكون الإنسان وطنيّا إلا عندما ينحاز لقضايا بلده العادلة".

أقول: لماذا لا ينحاز في نفس الوقت لكل القضايا العادلة في العالم بما فيهم قضية وطنه فيصبح عندئذ مواطنا عالميا. فهل هذه العالمية تكمّله وتجمّله أم تعيبه؟ يعيب مواطن العالم على المواطن الوطني ضِيقَ أفقه وانغلاقه على بني وطنه وعنصريته ضد الأجانب وإقصائه للآخر؟ فماذا يعيب الوطني على العالمي؟ تنغرس جذور مواطن العالم في وطنه كما تنغرس جذور النخلة في الأرض وتنتشر فروعه في كل أوطان العالم كما ترتفع أوراق النخلة محلقة حرة في الجو العالي النظيف، يحب المواطن العالمي ويعشق أبناء وطنه كما يحب ويعشق أبناء الأوطان الأخرى دون تمييز.

 

3.     يقولون: "خلية النحل تحكمها ملكة".

أقول: هي الملكة الوحيدة التي تملك ولا تحكم شيئا ولا تمارس أي نوع من التسلط أو التحكم، ويا حبّذا لو تشبّه بها كل الملوك والرؤساء، لأن تنظيم خلية النحل هو تنظيم ذاتي تقوم فيه كل نحلة بدورها الوراثي الجزئي الغريزي البسيط دون أن تتلقي أي أوامر من الملكة ودون انتظار جزاء أو عقاب منها. تنبثق عن هذا التنظيم الغريزي الذاتي خلية غاية في الروعة تتميز بتصميم هندسي لا يقدر على تقليده أكفأ مهندسي أمريكا. تسود خلية النحل ديمقراطية غريزية منبثقة من تطور بيولوجي دام ملايين السنين (انتقاء + تأقلم + نقلة نوعية + صدفة = Sélection + Adaptation + Mutation + Hasard). خلية النحل يحكمها نظام عمل وتوزيع أدوار دون منافسة. كل نحلة استبطنت ذاتيا الانضباط والعمل لفائدة مصلحة جميع نحل الخلية دون تمييز. نتج عن هذا التنظيم الذاتي مجتمع يحكم نفسه بنفسه بالمعنى الحَرفي وليس المجازي للكلمة. ديمقراطية لم يحلم بها أفلاطون ولا الفارابي في مدينتهما الفاضلة لكنها ديمقراطية اجتماعية غير واعية.

Ce qu`on appelle communément réflexe inné chez l`abeille : chaque abeille accomplit une tache élémentaire et de la somme de ces taches simples émerge la complexité de l`œuvre des abeilles. Ce réflexe héréditaire inné n`est pas tout à fait inné à l`origine car il est le fruit des acquis épigénétiques accumulés et transmis progressivement et génétiquement tout au long de l`évolution de l`espèce Abeille durant des millions d`années. Il parait que l`ADN de l`abeille non évoluée (il y a des millions d`années) ne comprend pas les mêmes gènes que notre abeille évoluée d`aujourd’hui (aujourd’hui = période qui pourrait englober plusieurs milliers d`années) et que la primitive n`accomplissait pas aussi rigoureusement les mêmes taches que celle de l`évoluée càd ne construisait pas la même ruche et ne produisait pas la même qualité de miel

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.


أفكارٌ تعارضُ السائدَ  قد تحرّكُ الراكدَ! جزء 2. مواطن العالَم

 

4.     يقولون: "يحب الإنسان بقلبه و يفكّر بعقله".

أقول: ينبثق الحب و التفكير من المخ و لا دخل مباشر للقلب في المشاعر و الإحساس إلا كعضو مثل باقي الأعضاء يتفاعل إيجابيا مع المخ، يمدّه بمعلومات ويأخذ منه معلومات. المخ ليس قائدَ فرقة متسلط على أفراد جوقته المتكونة من باقي الأعضاء، المخ قائد ديمقراطي يستشير باقي الأعضاء في الصغيرة والكبيرة ولا يعطي أوامر إلا في كنف التناغم والتنسيق مع باقي أعضاء الجسم، يتساوى في هذا صغيرهم مع كبيرهم. و من قال: أحب بقلبي، كمَن قال: أحب بعضلة ذراعي. و الدليل المادي التجريبي على سلامة هذا الطرح الأخير هو الآتي: لو قام طبيب بعملية زرع قلب، من شخص ميت حديثا، وهو المانح بموافقته المسبقة أو بموافقة عائلته بعد موته، إلى شخص مستفيد، فمشاعر المانح و عواطفه و أحاسيسه لا تنتقل مع قلبه إلى المستفيد الذي يحافظ على نفس مشاعره التي كان يملكها و لا زال قبل وبعد تعويض قلبه الوراثي المريض بقلب سليم. لننتظر قليلا عملية زرع المخ المستقبلية حتى نتكلم وبتحفظ عن انتقال المشاعر والتفكير من المانح الميت إلى المستفيد الحي.

 

5.     يقولون: "ما لقيصر لقيصر و ما لله لله".

أقول: نسوا أو تناسوا أن الله لا يأخذ شيئا و لا يحتاج شيئا من الأرض و البشر. كل ما خصصوه زورا لله، ماديا كان أو مجردا، قد أخذه قيصر أيضا و لم يترك للمعذبين في الأرض شيئا.

 

6.     ثقافة القوالب الجاهزة (الكليشيهات) تقول: "الاعتراف سيد الأدلة".

أقول: أما ثقافة العلم الحديث فتقول: "البصمات الجلدية (Digitale) أو الجينية (ADN) هي اليوم سيدة الأدلة". قد يعترف متهم تحت التهديد أو التعذيب بجريمة لم يقترفها لذلك قد يتغير الاعتراف بتغيير المحقق أو قد يأتي اعتراف إرادي متأخر يبطل اعترافا سابقا بالإكراه، أما الدليل الجيني فهو ثابت لا يتغير و لا يأتي بالإكراه بل نتحصل عليه باستعمال المجهر  (Microscope électronique)  و لا يمكن أن نتهم المجهر بممارسة التعذيب أو الانحياز لأحد. أنا أناهض ممارسة التعذيب مهما كانت الجريمة المقترفة ومهما كانت إيديولوجية المجرم حتى لو كان إرهابيا. بعد القبض على الإرهابي و تجريده من سلاحه، يبدو لي أنه يجب على الأمن - أثناء التحقيق معه وأثناء سجنه - أن لا يدوس على كرامة المتهم ويحترم انتماءه للجنس البشري. الدولة لا تثأر من المجرم مثل ما يفكر في فعله أي مواطن - لا أستثني نفسي - بل تسلط عليه عقوبة عادل. 

 

7.     يقولون: "بدون مجاملة" عندما يخاطب الصديق صديقه.

أقول: أطرح هنا سؤالا على محدثي و صديقي: لماذا يا صديقي لا تجاملني دون أن تنافقني ولماذا تحرمني من كلمات رقيقة تقولها لي صدقا عوض أن تقولها نفاقا لغير الأصدقاء.

 

8.     يقولون: "العمليات الاستشهادية تمثل قنبلة الفقراء النووية. العمليات التي تستهدف المدنيين والنساء و الأطفال و الشيوخ في الطائرات والمطارات (قام بها بعض اليساريين الفلسطينيون واليابانيين في السبعينات) و المقاهي و الملاهي و المتاجر و الحافلات و الطرقات (قام بها بعض الإسلاميين الفلسطينيين في التسعينات)".

أقول: لو كانت العمليات الإستشهادية كذلك لاستعملها حزب الله في نضاله ضد العدو الإسرائيلي. عدوّنا كان أحذق منا و ردّ سلاحنا إلى نحورنا حين استغل نتائج هذه العمليات وكسب من ورائها الكثير من تعاطف الرأي العام العالمي مع دعم أمريكي غير مشروط و بلا حدود و فاز السفاح شارون في الانتخابات الديمقراطية بتأييد شعبي جرّاء الدعاية التي كسبها من وراء استغلال الآثار السلبية التي تركتها العمليات الإستشهادية لدى الصهاينة الإسرائيليين و الصهاينة الأمريكيين.

 

9.     يقولون: "هم صهاينة إرهابيون".

أقول: كلام صحيح مائة بالمائة لكن هل نواجه الإرهاب بالإرهاب فنفقد قوة الحجة بعد ما فقدنا حجة القوة؟ هم إرهابيون، لذلك أناضل ضدهم بالأساليب المشروعة و لا أعمل مثلهم ولا أستعمل أساليبهم الإرهابية. هم مغتصبي أرضنا وقاتلي أطفالنا، ونحن أصحاب الأرض ولسنا مجرمي حرب مثلهم.

 

10.     يقولون: "لا أخلاق في الحرب".

أقول: لو قالها غير مسلم لعَذرته. أذكّر المسلمين بوصية أبى بكر الصديق، أول المسلمين وأول خليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم،  أوصى "أبو بكر" جيش "أسامة" قبل انطلاقه لفتح بلاد "الكفار" فقال:
 "أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له.  و سوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم اللّه عليها. وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم الله".

 

11.     يقولون: "عدونا لا يفهم إلا بالقوة".

أقول: جيد لكن ماذا في حوزتنا من أسلحة؟ عندنا صواريخ بدائية و جيوشا عربية أسودا على مواطنيها و على أشقائها، نعاجا أمام العدو. مقاومتنا، مقاومة موسمية إيديولوجية تبحث عن موقع سياسي لها في الداخل قبل تحرير الأرض المغتصبة.

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.

 


أفكارٌ تعارضُ السائدَ  قد تحرّكُ الراكدَ! جزء 3. مواطن العالَم

 

12.     يقولون: "ما أُخِذ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالقوة".

أقول: شعار عظيم و سليم و لكن أي قوة سنواجه بها إسرائيل؟ هل هي قوة الانتفاضة الفلسطينية غير المسلحة التي أربكت العدو و كبّدته خسائر في الأرواح و الأموال و العتاد وفضحت إرهابه وعنصريته في العالم أجمع و كسبت تعاطفا في العالم وحتى في داخل إسرائيل نفسها؟  هل هي قوة العمليات "الاستشهادية" بمعدل عملية كل سنة؟ هل هي مقاومة حزب الله الشعبية المدججة بالصواريخ التي لم تطلق رصاصة واحدة منذ أشهر؟ أي مقاومة شعبية تحريرية هذه التي تصمت طيلة هذا الوقت و مزارع شبعا اللبنانية ما زالت ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي؟ هل هي المقاومة السورية المقتصرة على التنديد و الشعارات و الخطب الحماسية الفارغة وهي الدولة التي لم تطلق رصاصة واحدة منذ 43 عاما رغم احتلال "جولانها" ورغم عديد الاعتداءات الإسرائيلية السافرة على مفاعلها النووي و على عاصمتها دمشق؟

 

أنا أعرف أن عدد المؤمنين باللاعنف، في أمة مستهدفة من الصهيونية و الامبريالية الأمريكية والامبريالية الأوروبية، لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة و لا تأثير يُذكر لهم على أرض الواقع العربي والإسلامي لكن يجب أن لا ننسى أن لهؤلاء العرب القلة، المؤمنين باللاعنف، سند و أسوة في غير بني جلدتهم ممن سبقوهم في استنباط أنماط المقاومة القوية غير المسلحة مثل غاندي، فيلسوف اللاعنف، الذي زعزع أركان أعتى إمبراطورية في العالم، إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس في ذلك الوقت، أربكها بنمط من المقاومة قد يبدو بدائيا و سأسوق لكم مثالا من هذه المقاومة السلمية: دعا غاندي المواطنين الهنود إلى مقاطعة شراء الملح الذي تحتكر صنعه المصانع البريطانية في الهند و قام بمسيرته الشهيرة في 12 مارس 1930 لانتزاع استقلال الهند عن بريطانيا. و بعد ما قطع 300 كلم مشيا على الأقدام هو و أتباعه، وصل يوم 6 أفريل على شاطئ المحيط الهندي. تقدّم قليلا في الماء ثم أخذ في يديه حفنة من الملح وبهذه الحركة البسيطة في ظاهرها، العميقة في رمزيتها، شجّع غاندي مواطنيه على إنهاء احتكار توزيع الملح من قبل الاستعمار البريطاني.  للمؤمنين باللاعنف أسوة أيضا في مانديلا وحزبه "المؤتمر الوطني" الذي تخلى نهائيا وقبل الاستقلال عن الكفاح المسلح وباشر المقاومة السلمية التي فضحت نظام الميز العنصري ونالت تعاطف العالم شرقيه و غربيه فسقط أقوي نظام في إفريقيا كما تسقط الفاكهة الفاسدة عندما تتخلى عنها مكرهة الشجرة الأم (بريطانيا) وتتحالف ضدها العوامل الخارجية (كل الدول الشرقية والغربية بما فيها أمريكا وكل المنظمات الدولية الحكومية منها و غير الحكومية.

 

أنا واع بأنني أجدّف ضد التيار وضد الثقافة السائدة وضد الأنا العربي المنتفخ كالطبل لكن سلاحي الوحيد هو صدق نيتي في عرض وجهة نظري الغريبة عنكم ومن اجتهد وهو غير مختص و أصاب فله أجران و أنا يكفيني أجر واحد.

 

أنا لست داعية سياسي و لا فكري، و لا أظنّ بروحي و لا أبخل بمهجتي لإنقاذ نفس بشرية من بطش الصهيونية و شقيقتيها الامبريالية الأمريكية و الامبريالية الأوروبية ولا يدخل في حساباتي دين الضحية أو لونها أو جنسها  أو موطنها، عربية أو يهودية غير صهيونية كانت أو نصرانية أو إسلامية أو بوذية أو غير مؤمنة بدين.

 

أنا مواطن بسيط و مفكر حر صادق مع نفسي، أطالب ذاتي بما أطالب به غيري في وطنه أو غير وطنه فلا تلبسوني عباءة غيري و لا تحمّلوني استسلام عباس و الأنظمة العربية فأنا معارض سلمي لسياساتهم وضد تفريطهم في حقوق الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والأردنيين والمصريين والعراقيين والمسلمين والمسيحيين العرب واليهود العرب غير الصهيونيين.

 

خلاصة القول:  أنا لا أدعي أنني أملك الحقيقة كاملة بل على العكس أنا أشك في رأيي قبل أن أشك في رأي الغير خاصة عندما يكون هذا الغير أمة عربية إسلامية عظيمة و غنية بثرواتها الطبيعية وتراثها وحضارتها ومساهماتها التاريخية في التقدم العلمي، أمة  تعد مليار و ربع نسمة. ليس من طبعي الوثوق التام مائة بالمائة في سلامة وجهة نظري أمام قوة حجة المنطق المخالف والطاغي على الساحة الإسلامية و العربية. أنا أطرح رأيي المتواضع وفي نفس الوقت أنحني  حياء وأخفض هامتي تذلّلا لكل شهداء  الاستعمار الصهيوني والامبريالي الأمريكي والأوروبي و أقول في نفسي: أيمكن أن يكون ما أطرحه ترفا فكريا وأنا ممن لم يذوقوا ويلات الاحتلال والاستيطان وهدم المنازل وحرق الأطفال بالقنابل الفوسفورية وحصار شعب بكامله وتجويعه وحرمانه من أبسط حقوق الإنسان. وأقول في الوقت نفسه: آمنت باللاعنف شريعة، ربما لأنني لم أفقد في الحروب لا أخ ولا صديق ولا قريب ولا أصل ولا فرع. رغم كل هذا الوعي بمعاناة الآخرين المعذبين، أنا مصرّ على طرح وجهة نظري الفكرية المعاكسة  وثابت على مبدأ اللاعنف لكنني  منفتح على تجاربكم و آرائكم و مستعد أن أعدّل رأيي إن اكتشفت فيه خللا نظريا ولكنني لست مسؤولا عمّن سيؤوّل كلامي خطأ. في الآخر أوجّه تحية إكبار و إجلال و احترام لشهدائنا الأبرار ولمقاتلينا الصامدين في الخنادق الأمامية، فدائيين كانوا أو جنودا مرابطين أو نساء مناضلات أو شيوخا صامدين أو أطفال حجارة أبرياء.

 

13.     يقولون: "عمليات استشهادية لتحرير فلسطين".

أقول: تصنفها الحكومات الغربية في خانة الإرهاب وأنا أحتج ضد هذا التصنيف لأن هذه الحكومات هي نفسها من بدأت و خلقت الإرهاب فليس لها الحق الأخلاقي بتجميل إرهابها المتخفي وراء "الديمقراطية" ووصمِ عملياتنا الاستشهادية بالإرهاب. أما أنا، المواطن العادي المؤمن إيمانا فكريا راسخا باللاعنف، فقد أفهم أسباب عملياتنا الاستشهادية، لكن أنعتها بالعمى السياسي و لا أبارك ترويع ركّاب الطائرات المدنية الآمنين حتى و لو كانوا كلهم إسرائيليين و لا أصفّق لقتل الأطفال و المدنيين الأبرياء مهما كان السبب و مهما كانت جنسية أو دين الطفل الضحية حتى و لو كان ابن شارون أو ابن نتنياهو. قد يكون من بين المدنيين الأبرياء المستهدفين أناسا لا يتحملون مسؤولية سياسة العدو الصهيوني مثل الأطفال و الطاعنين في السن و المعوّقين و المجانين و المتخلفين ذهنيا وعرب 48 في إسرائيل و اليهود غير الصهاينة الذين يعيشون في القدس قبل القرن 19.

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.


أفكارٌ تعارضُ السائدَ  قد تحرّكُ الراكدَ! جزء 4. مواطن العالَم

 

14.     يقولون: " كل مواطن إسرائيلي هو مشروع صهيوني منذ ولادته ". 
أقول: ما أدراكم بمستقبل البشر و الله الوحيد علاّم الغيوب و كاشف ما في الصدور. قد يصبح هذا الطفل، ابن الصهيوني، ناشطا سياسيا معاديا للصهيونية و الامبريالية الأمريكية مثل "نعوم شومسكي" الأمريكي الجنسية من أصل يهودي".

15.     يقولون: "أبناء الصهاينة المستوطنين يتحملون ما فعله آباؤهم".
أقول: المتهم برئ حتى تثبت إدانته. وقال الله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

أما المستوطنون البالغون فليسوا مدنيين و ليسوا أبرياء بل هم مغتصبون مسلحون، لذلك وجبت مقاومتهم بكل الأشكال حتى المسلحة منها وفي هذه الحالة، مسلح فلسطيني يقاوم ويواجه مسلحا مغتصِبا. أنا لا أدين هذا النوع من العنف و لا أنكر على الضحية الذودَ عن كرامتها حتى بالسلاح، لكنني أصرّ على تبني مبدأ اللاعنف و أحتفظ بحريتي الشخصية وقناعاتي في عدم ممارسة العنف في كل الحالات دون استثناء مثل ما فعل غاندي الذي تعرّض هو نفسه للعنف و لم يردّ بمثله وتعرّض أتباعه للرصاص و لم يردّوا لكن لم يجبنوا ولم يستسلموا ولم يُمضوا اتفاقيات ذل ومهانة و تفريط في الحقوق الشرعية مثل اتفاقية أوسلو التي أمضاها عرفات أو اتفاقية كامب ديفيد التي أمضاها السادات، بل قاوموا بطرق أخرى مجدية أكثر من السلاح و أخرجوا بريطانيا العظمى بجيوشها و أساطيلها.

 

16.    يقولون و يقولون... و الجولان محتل و مزارع شبعا اللبنانية محتلة و نصف الضفة الغربية مستوطنة و غزة محاصرة "فتحاويا"  و عربيا و إسرائيليا و دوليا و منفصلة بإرادة "حماس" عن شقيقتها الضفة الغربية و سيناء منزوعة السلاح و مستباحة للصهاينة يتمرّغون على شطآنها. يقولون و يقولون... و لنا عند إسرائيل 12 ألف أسير و نحن أمة تتكوّن من مليار و ربع نسمة وجيوشها تضم ملايين الجنود و باكستان تملك القنبلة النووية الإسلامية الخضراء و إيران تصنع الصواريخ و الغواصات. أمة بهذه العظمة لم تقدر إلا على أسر جندي إسرائيلي واحد لا شريك له! و تتكلمون عن المقاومة المسلحة.

أقول: مَن أنا على الخريطة السياسية أو الفكرية حتى أقول؟ أنتم الحكام العرب والمسلمون و غيرهم من المستبدين قبل الثورة وبعدها و الفقهاء المذيّلين للسلطة و أنتم أشباه المثقفين أبواق الأنظمة العربية والإسلامية و الرجعية و نُسخ المفكرين حاملي النظارات الإيديولوجية غير الشفافة وأنتم أيتها البروليتاريا الغيبية القامعة لنفسها بنفسها، غبية لأنها تؤمن أن الغِنَي مائة في المائة من الله و الفقر مائة في المائة من الله دون بذل مجهود بشري يُذكر! قلت كلامي هذا رغم عظمتكم و جبروتكم يا حكام العرب وسندي الوحيد في قولي هذا هو الصدق في القول والإخلاص في العمل وأجري على الله.

أتمنى من كل قلبي أن يكون كلامي كله تخريفا في تخريف و خطأ يتلوه خطأ وكلامكم كله صواب لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من أمامه حتى أتمتع في ما تبقى لي من عمر قصير باستقلال فلسطين وتحرير سيناء و الجولان ولواء الإسكندرون ومزارع شبعا وسبتة ومليلة المغربيتين  المفقودتين المنسيتين وطُنبْ الصغرى وطُنبْ الكبرى الإماراتيتان و إطلاق سراح الـ12 ألف أسير فلسطيني من السجون الإسرائيلية وتحرير مثلهم من المصريين سجناء السعودية ومثلهم من المصريين سجناء الداخل  ومثلهم من المعارضين السياسيين سجناء المعتقلات العربية و تعويض منكوبي الإعتداءات الإسرائيلية والامبريالية الأمريكية والأوروبية وعودة اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين إلى ديارهم وتعويضهم على الضرر المادي والمعنوي الذي حصل لهم على مدى خمسين عاما وإطلاق سراح سجناء "غوانتنامو" و"أبو غريب".

 

بعد استرجاع كل هذه الحقوق العربية والإسلامية غير منقوصة، أكون مسرورا أيضا كمواطن عالمي للإفراج عن كل رهينة غربية أو آسيوية أو عربية اختطفت ظلما في العالم أجمع.

 

 

17.     يقولون: " القنبلة النووية سلاح رادع للعدو".

أقول: هل رَدَعت القنبلة النووية الباكستانية العدو الأمريكي عندما احتل أفغانستان و أطاح بنظام "طالبان" و هذا الأخير هو صنيع نظام باكستان و ربيبه أم انبطحت الباكستان لأمريكا حماية لقنبلتها النووية من بطش الأمريكان؟ هل تستطيع إسرائيل تفعيل قنبلتها النووية في أراضي تقع على حدودها دون أن تحترق بالنار التي تريد حرقنا بها؟ استعملت أمريكا قنبلتها النووية بعيدا في اليابان الذي  يفصله عنها المحيط الهادي.

أنا أحمل بطاقة تعريف مواطن العالم و لن تتحقق هويتي و وطنيتي إلا بمدى سماحي بتحقّق هوية الآخرين و وطنيتهم فتنصهر الأولى في الثانية و تذوب الثانية في الأولى لتنبثق منهما أمميّتي و عالميّتي والحمد لله أن تخليت فكريا عن العصبية الدينية الجاهلية والقومية العنصرية الضيقة وعن  كل الإيديولوجيات و عقدة التفوق الحضاري أو الديني أو العرقي أو الجَنْدَرِي.

ملاحظة هامة: بعد نشر مقالي السابق، علّق عليه قارئ بقوله: "المتفرج فارس"، فرددت عليه قائلا: "هَبْ أنني متفرج وقد قلتها على نفسي في آخر المقال السابق (قلتُ: آمنت باللاعنف شريعة، ربما لأنني لم أفقد في الحروب لا أخ ولا صديق ولا قريب ولا أصل ولا فرع) وأنت أيضا متفرج لكن غاندي ومانديلا ليس متفرجين مثلي ومثلك بل فاعلان وناجعان أكثر ألف مرة من المقاومين الاستشهاديين. ألمانيا واليابان لم يقاوما بالسلاح أمريكا المنتصرة رغم أنهما يصنّعانه بكفاءة عالية ولا يستوردانه من عدوهم مثل ما يفعل العرب بل قاوموا بالعلم والعمل وحققوا سيادة وتقدم لا يحلمون بهما دعاة المقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية الجبانة ضد الأطفال والمدنيين الأبرياء بغض النظر عن دياناتهم وجنسياتهم".  مع الإشارة النقدية التصحيحية للمقولة المُقولَبة الجاهزة " المتفرج فارس"، مقولة تحمل شحنة كبيرة من التحقير والازدراء (Sens péjoratif) لكنها غالبا ما تكون خاطئة في وصف الواقع، فخذ مثلا: عالِم إبستمولوجي بيولوجي يتفرج على عالِم بيولوجي ولا يشارك في إجراء التجارب لكنه ينقد بكل حرية المعرفة البيولوجية من الخارج ( En dehors du paradigme-prison où se trouve le Biologiste praticien-théoricien) فيستفيد العالم البيولوجي من نقده الهدّام-البنّاء ويطوّر عِلمه ومعرفته.

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.

 


أفكارٌ تعارضُ السائدَ  قد تحرّكُ الراكدَ! جزء 5. مواطن العالَم

 

18.    يقولون: "يمتلك المستقطِبون الإرهابيون الإسلاميون قدرة عجيبة على غسل أمخاخ المسلمين العاديين غير المتطرفين"

أقول:

علميا: يخرج قرار القتل من مخ الإرهابي وليس من فوّهة بندقيته. يبدو لي أن مخ البشر عموما (ومخ المسلم لا يمثل استثناءً بيولوجيا) ليس معدة نغسلها ونخلّصها من أغذية سامة دخلتها وليس خرقة وسخة ننظفها بالماء والصابون. المخ هو أهم وأعقد عضو بالجسم وليس من السهل غسله (On peut formater facilement un ordinateur mais il est impossible de formater un cerveau si ce dernier n`est pas prédisposé à être formaté). يتكون المخ البشري من حوالي مائة مليار خلية عصبية مخيّة (Neurone). كل خلية تتمتع بكفاءة عالية على ربط عشرة آلاف وصلة عصبية مع مثيلاتها. ينبثق من هذا التعقيد مليون مليار وصلة عصبية (10 puissance 15 synapses émergent de l`épigenèse cérébrale).   لم يصنع العلم حتى اليوم حاسوبا يضاهي  المخ البشري في قدرته العجيبة على تجميع كمٍّ هائلٍ من المعلومات وفرزها وتبويبها واستحضارها وتوظيفها عند الحاجة.   عملتُ 38 سنة وأنا أدرّس علوم الحياة والأرض ولم أنجح في غسل مخ تلميذ واحد (Au contraire, j`ai appris que les connaissances ne changent pas les valeurs). المخ مثل العين، لا يرى إلا ما يشاء أن يرى.

فكريًّا: نشرتُ ألفَ مقال على الفيسبوك ولم أتمكن من زحزحة قناعات قارئ واحد وكنت أطير من المتعة الفكرية لَمّا يتقاسم مقالي عشرة أصدقاء. درّستْ دولة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي سابقا الإلحادَ في جامعاتها لمدة سبعين حولا ومنعتْ تعليم الدين ونشره وعندما انهارت رجع جميع المواطنين السوفيات  إلى دياناتهم الأصلية. احتل المسلمون اسبانيا  مدة ثمانية قرون ثم غادروها غصبا عنهم فرجعت كما كانت قبل الاحتلال مسيحية. فتح المسلمون مصرَ وبقي الأقباط المسيحيون خلال ثلاثة قرون يمثلون الأكثرية فيها وإلى اليوم يمثلون عُشر المصريين. لم يُسلِم كل السكان الأصليين من بربر شمال أفريقيا إلا بعد ثلاثة قرون من المقاومة. في المقابل وخلال عشريتين فقط أسلم تقريبا كل سكان الجزيرة العربية على يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

خلاصة القول: لا يغيّر الإنسان دينه أو مذهبه أو فكره أو إيديولوجيته بسهولة ولا ولن تستطيع أي قوة في العالم إجباره على ذلك إن لم يكن هذا التغيير يستجيب إلى رغبة داخلية لدى الفرد أو الجماعة. لو زرعتَ نبتةً في غير تربتِها فلن تَنْمُوَ مهما رعيتَها وإن زرعتَها في تربتها فسوف تَنْمُو مهما تواضع المجهود. علينا إذن  أن نحرث تربتنا ونهوّيها وننقّيها من الشوائب والأدران والطفيليات بدل أن ننسب النجاحات إلى غير أصحابها.

 

19.     يقولون: "الدولة التونسية دولة ضعيفة التمويل والتدريب والتسليح في مواجهة الإرهاب والتهريب والفساد فهي إذن عاجزة ومغلوبة على أمرها ولا حول ولا قوة لها إلا بالله"

أقول: يبدو لي أن هذا التحليل يحجب الحقيقة عن قصد وليس بريئا قائله ومروِّجه. ويبدو لي أيضا أن الدولة التونسية بحكوماتها الخمس المتعاقبة بعد "الثورة" (الغنوشي، الجبالي، العريض، جمعة والصيد) لا زالت تدور في فلك أمريكا غصبا عنها (أمريكا الشمالية هي دولة ديمقراطية في الداخل وأكبر مشجعة ومستفيدة من الإرهاب والتهريب والفساد في الخارج) فهذه الحكومات التونسية ليست إلا كومبارس في الدراما العبثية المسماة خطأ "فوضى خلاّقة"، وقد تكون غير جادة في محاربة الإرهاب والتهريب والفساد (من الدول الجادة أذكر الجزائر وأذكر أيضا أمريكا نفسها لكن هذه الأخيرة للأسف الشديد جادة داخل ترابها فقط وأقل جدية في الخارج إلا عندما تقتضي ذلك مصلحتها وليس مصلحة تونس) وهي حكومات تقريبا تابعة وشبه مستلبة أو مسلوبة الإرادة وهي أيضا عاجزة فعلا عن مواجهة راعية الإرهاب العالمي فكيف لها أن تواجه الإرهاب  المحلي-الإقليمي بمفردها. هي حكومات لم تحكم يوما واحدا باستقلالية تامة في دولتها وشعبها وأجبِرت على عدم التعامل بجدية مع الإرهاب لغرض في نفس العم سام وليس في نفس الحكام التونسيين مع اختلاف انتماءاتهم الحزبية ولم تتوفر لديها حرية الاختيار بين مصلحة أمريكا ومصلحة تونس وذنبها الوحيد أنها لم تقاوم التبعية ولم تصمد ضد إملاءات الدول الغربية ممثلة في البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. ولنفرض جدلا أن إمكانات دولتنا ضعيفة فعلا، فهل إرهابنا قوي فعلا؟ وما عسانا فاعلون لو كان إرهابنا  كالإرهاب الذي يواجهه الديكتاتور بشار الأسد في سوريا؟

ببدو لي أن الحكومات الخمس المتعاقبة بعد "الثورة" ليست جادة في محاربة الإرهاب والتهريب والفساد وعلى سبيل الذكر لا الحصر سأسوق لكم بعض الملاحظات الانطباعية ولا ولن أدعي الكتابة الأكاديمية (لها أهلها ولستُ منهم) ولا أقدر عليها حتى ولو رغبت فيها لعلمي أنها لا يمكن أن تقع إلا في مؤسسات جامعية (ولست عضوا في أي مؤسسة بحث علمي). أنا مواطن معزول اجتماعيا ومكسور الجناح ماديا. أنا مواطن عادي  يفكر بصوت فيسبوكي:

-         بعد حادثة سوسة الأخيرة قرر رئيس الحكومة مشكورا حماية شواطئ النزل التونسية. لماذا لم يفعلها قبل الحادثة؟ ألم يتعظ من مباغتة الجنود وقتلهم في جبل الشعانبي أو من قتل السياح غدرا في باردو؟

-         هجمَ بعض المئات من أنصار الشريعة على سفارة أمريكا ولم تمنعهم الترويكا ثم منعت بعد مدة قصيرة ما يقارب العشرة آلاف منهم من إقامة مؤتمرهم بالقيروان لا بل تجرأت واتخذت قرارا حاسما وصنفتهم كحركة إرهابية. هل تغير عدد البوليس بين الواقعتين أم تغير موقف أمريكا من أنصار الشريعة ؟

-         أثناء الثورة، استطاع الجيش أن يصدّ عشرات الآلاف من المتظاهرين ويمنعهم من دخول دار التجمع في شارع محمد الخامس وذلك بعد إطلاق بضع عيارات نارية في الهواء من بنادق الجيش وأبدع البوليس في قمع مظاهرات 7 و9 أفريل 2012 وفي نفس الوقت وبنفس الإمكانات يعجز أمننا الجمهوري عن فتح طريق وطنية أغلقها بعض المحتجين الساخطين على الحكومة إثر انقطاع الماء الصالح للري والشراب، أو يقف مكتوفي الأيدي أمام اعتصام قليل العدد يقطع سكة القطار الذي ينقل الفسفاط ويترك حمولة الفسفاط تمر في شاحنات خاصة بأضعاف مقابل النقل العمومي أو يقفل راجعا دون محاولة فك اعتصامين مفبركين من قِبل المهربين في مدخل ومخرج مدينة فريانة.

-         يُقال أن ثلثي عمليات التهريب تقع عن طريق الموانئ المحروسة من قِبل أعوان الديوانة ونحن نرى حكوماتنا الموقرة تشتكى من قلة الإمكانات المتوفرة للحد من التهريب عبر الحدود مع ليبيا والجزائر. مسؤول نقابي من نقابة الديوانة صرّح في قناة التونسية في برنامج اليوم الثامن بأن أباطرة التهريب أصبحوا يجازون أعوان الديوانة المتعاونين معهم ويتدخلون في إدارة الديوانة لترقيتهم مهنيا ويعاقبون غير المتعاونين بنقلهم تعسفيا.

-         مسؤول نقابي من نقابة الشرطة صرّح أيضا في قناة التونسية في برنامج اليوم الثامن أن الشرطة توقف بعض المتهمين بالإرهاب ولكن القضاء يتساهل -على حد قوله-  في إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة.

-         حكومة الصيد تُفشِل إضراب ستين ألف معلم وتَفشَل في نفس الوقت في فظ اشتباك صغير وقع بين قريتين جارتين في ولاية ڤبلي، جمنة والڤلعة.

-         حكومة تعجز عن "لمّان الزبلة" فكيف نجرؤ ونطالبها بمحاربة الإرهاب والتهريب والفساد؟

-         مجلس نواب يصادق في بضعة أشهر على عديد الاتفاقيات التي تكرس التبعية للخارج ويمرر عشرات القوانين المجحفة في حق الفقراء، قرارات يبدو أنها مُمْلاة من قِبل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وفي نفس الوقت يعطّل لمدة سنوات المصادقة على مشروع القانون الواعد بأكثر حزم في ردع الإرهابيين.

-         أنا لا أحمِّل مسؤولية محاربة الإرهاب والتهريب والفساد للدولة وحدها (Le pouvoir) بل أتهم المواطن التونسي (Le micro-pouvoir) أيضا بعدم الجدية في أداء نفس الواجب. 

-         خلاصة القول: إن لدغنا الإرهاب مرة فتبًّا له وإن لدغنا مرتين فتبًّا لنا.

-         سأكتفي اليوم بهذا القدر من الانطباعات الكشكارية الرمضانية -التي قد تجانب الحقيقة وأتمنى من كل قلبي أن تكون كذلك- وأسألكم: هل هذا بربكم ضعفٌ في الإمكانيات أو غيابُ الجدية في اتخاذ القرارات؟ أوضِّح للقارئ أن غيابُ الجدية الذي أقصده هو غيابٌ جبري وليس إراديا أو اختياريا، أقول هذا ليس تقيّة وليس للتخفيف من النقد اللاذع للحكومات التونسية بل أقوله صدقا لأنني، أولا أنزِّه المسؤولين التونسيين بجميع انتماءاتهم الحزبية عن التخطيط للعمل ضد مصلحة  وطنهم، وثانيا لأنني أجهل أو لا أقدِّر بما فيه الكفاية الضغوطات التي يتعرضون لها يوميا و"العافس على الجمرة" ليس كالمتفرج عليها عن بعد.

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.

 


أفكارٌ تعارضُ السائدَ  قد تحرّكُ الراكدَ! جزء 6. مواطن العالَم

 

20.     يقولون: "الإرهاب سببه الفقر والجهل"

أقول: يبدو لي أن للإرهاب سببان: سببه الأول هو انتشار التعليم العالي العلمي المتجاهل للقيم الإنسانية الكونية (Les connaissances scientifiques ne changent pas les valeurs morales) وسببه الثاني هو تفشي التعليم العالي الديني التكفيري السني والشيعي المتجاهل لتدريس علم اجتماع الأديان والدين المقارن (اختصاص المفكر الإيراني علي شريعتي).

أبدأ بالسبب الوهمي الأول وأحاول تفنيده دون إطالة رغم أن المسألة معقدة وتتطلب الإطالة:
- بدأ إرهاب الدولة الغربي الحديث مع بداية الاستعمار الغربي في أواخر القرن التاسع عشر. دول غربية غنية جدا ومتطورة جدا تحتل دولا فقيرة وترهب شعوبها، ومن أخطر هذه الدول الديمقراطية في الداخل الإرهابية في الخارج: أمريكا، دولة لقيطة تأسست على جثث عشرة ملايين هندي من سكان أمريكا الشمالية الأصليين، ومنذ نشأتها -من حوالي 500 سنة- شنت 200 حرب هجومية على دول ضعيفة. بريطانيا احتلت الهند وفعلت فيها ما فعلت. فرنسا استوطنت ظلما الجزائر وقتلت مليون مواطن جزائري أعزل. أغنى أغنياء العالم اليهود الصهاينة الغربيون أسسوا وموّلوا إرهاب الجماعات ثم حولوه إلى أعتى إرهاب دولة في التاريخ الحديث. ولا زالت كل الدول الغربية حتى اليوم تبيع الأسلحة المتطورة لجميع المنظمات الإرهابية الإسلامية التكفيرية الجهادية، "تبيع القرد وتضحك على شاريه"
، تزود "داعش" بالسلاح باليَمين وتدعي محاربتها بالشِمال.

- بدأ إرهاب الدولة الإسلامي التكفيري الحديث السني والشيعي مع بداية ازدهار البتردولار الخليجي والإيراني في سبعينات القرن العشرين. إيران ودول عربية خليجية غنية جدا ومتخلفة جدا (غنية بثرواتها النفطية التي خلقها الترسّب الجيولوجي عبر ملايين السنين ولم تخلقها عقول الإسلاميين التكفيريين ولا سواعدهم) بدأت تنشر في جميع أنحاء العالم الفكر الإسلامي التكفيري السني والشيعي (مولّد الإرهاب) وتؤسس منظمات إسلامية تكفيرية إرهابية (مثل القاعدة التي أسسها أغنى أغنياء السعودية وهي تابعة ومموَّلة من عدة دول إسلامية عربية وأعجمية) وتسلِح مجاهديها بسلاح أمريكي بدعوى محاربة الشيوعية.

أنهي باقتضاب بعرض السبب الوهمي الثاني:

يبدو لي أنه كلما زاد مستوى التعليم زادت القابلية والقدرة على الاطلاع على الفكر السلفي الغزير المتطرف (أكثر القادة الميدانيين للمنظمات أو الأحزاب الإرهابية هم من خِرّيجي العلوم الصحيحة والتجريبية) أما الجاهل فمِن المفارقات الكبرى أن جهله قد يحميه من التفقه في الفكر الديني التكفيري لأنه عموما لا يقرأ وإن قرأ لا يفهم لذلك يبقى طيلة حياته التكفيرية يخدم شيوخه المتعلمين ولا يخطط ولا ينفذ العمليات الإرهابية النوعية: مَن نفذ 11 سبتمبر؟ الراسخون في العلوم الصحيحة. مَن نفذ في تونس عمليات رواد ووادي الليل وباردو وبن عون وأخيرا سوسة؟ طلبة ومعلمون وأساتذة. مَن أفتى؟ الراسخون في العلوم الدينية التكفيرية. ولنا أسوة في المهندس بن لادن والطبيب الظواهري اللذان حازا -والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه- وبامتياز على الصنفين من العلوم .

Haut du formulaire

 

21.     يقولون: "رمضان: شهر إفراط في الاستهلاك وكسل في العمل واحتكار في السلع الغذائية وزيادة في الأسعار"

أقول: منذ أربعة عشر قرنا ونحن نردد هذا النقد الوجيه لأفضل شهر عندنا ورغم ذلك لم يتغير سلوك المسلمين في كل أنحاء العالم. لماذا نصرّ إذن على تغيير سلوك لا يمكن أن يتغير ولن يتغير إلا حين نخترع سيارة تتحرك دون طاقة!

يبدو لي أنه من الأفضل لنا أن نقبل واقعنا ولا نتمادى في جلد ذاتنا ونرضى بما فرضه الله علينا وهو أدرى منا بمصلحتنا ونكف عن التشكي والتباكي ونحوّل نقطة ضعفنا إلى نقطة ارتكاز فانطلاق.

كيف؟

أبدأ بتشخيص الواقع:

-         رمضان شهر صيام. هذه مسلّمة دينية لا جدال فيها.

-         رمضان شهر تنخفض فيه القدرة على العمل اليدوي والفكري. هذه مسلّمة بيولوجية لا جدال فيها ونحن لم نخلق أجسامنا الضعيفة بل الله هو الذي خلقها. فلماذا الكِبَرُ والعنادُ إذن؟ قد يسعف جسم الصائم هرمون الأدرينالين في بعض حالات الضعف لكنه لن يسعفه يوميا على مدى شهر كامل.

-         رمضان شهر يزيد فيه الاستهلاك الغذائي. هذه مسلّمة اجتماعية لا جدال فيها.

أجتهد وأقترح وأنا واع  تمام الوعي أن اجتهادي الفردي ناقص ومحدود ولن يكتمل إلا بمشاركتكم ونقدكم الهدام لفكرتي والبنّاء للمصلحة العامة:

-         إعلان رمضان شهر عطلة رسمي للعمال والموظفين والتلاميذ والطلبة (avec un double salaire pour ceux du service vital)، عطلة متحولة حتى نحول تأنيب الضمير لقلة العمل فيه إلى إحساس بالرضاء والاستمتاع بشهر راحة بعد عمل إحدى عشر شهرا.

-          التشجيع على الادخار البنكي كامل السنة استعدادا لقدوم رمضان أو تمكين كل العمال بالفكر أو الساعد في القطاع العمومي والخاص من حقهم في مرتب إضافي (13ème mois) حتى يواجهوا مصاريف رمضان. فيه يزداد استهلاك المنتوجات التونسية فينتعش رأس المال المحلي ومعه الاستثمار الوطني وتنقص البطالة وتقوى المنافسة فتتعدل وتستقر بطبعها الأسعار. يتمتع الأوروبيون بشهر راحة سنويا، يخرجون فيه للسياحة ويستمتعون ويستهلكون ويصرفون خلاله مدخرات سنة كاملة. الحمد لله أننا نرمضن في أوطاننا ونربّح فلاحينا وتجارنا، أما المحتكرون -وهم والحمد لله قلة- فـ"مَن غَشنا فليس منا"!

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.

 


أفكارٌ تعارضُ السائدَ  قد تحرّكُ الراكدَ! جزء 7. مواطن العالَم

 

22.     يقولون: ثقافة القوالب الجاهزة (الكليشيهات) تقول: "الاعتراف سيد الأدلة".

أقول: أما ثقافة العلم الحديث فتقول: "البصمات الجلدية (Digitale) أو الجينية (ADN) هي اليوم سيدة الأدلة". قد يعترف متهم تحت التهديد أو التعذيب بجريمة لم يقترفها لذلك قد يتغير الاعتراف بتغيير المحقق أو قد يأتي اعتراف إرادي متأخر يبطل اعترافا سابقا بالإكراه، أما الدليل الجيني فهو ثابت لا يتغير و لا يأتي بالإكراه بل نتحصل عليه باستعمال المجهر (Microscope électronique) و لا يمكن أن نتهم المجهر بممارسة التعذيب أو الانحياز لأحد. أنا أناهض ممارسة التعذيب مهما كانت الجريمة المقترفة و مهما كانت إيديولوجية المجرم حتى لو كان إرهابيا. بعد القبض على الإرهابي و تجريده من سلاحه، يبدو لي أنه يجب على الأمن - أثناء التحقيق معه و أثناء سجنه - أن لا يدوس على كرامته و يحترم انتماءه للجنس البشري. الدولة لا تثأر من المجرم مثل ما يفكر في فعله أي مواطن - لا أستثني نفسي - بل تسلط عليه عقوبة عادلة. 

 

23.    يقولون: " الشك طريق إلى اليقين"

أقول: يختلف التفكير الديني و التفكير العلمي و لا يلتقيان إلا في المقاصد الأخلاقية السامية و في رفض هذه المقولة. أما الأول فيرفضها لأنه مبني على اليقين من أساسه و لا يحتاج للشك كطريق للوصول إلى اليقين لأنه يقين و تسليم من بدايته إلى آخرته. أما الثاني فيرفضها لأنه يعتبر الشك طريقا إلى شك أكثر تعقيدا و ليس من مهامه و لا من أهدافه الوصول إلى اليقين فلو وصل إلى اليقين لا قدّر الله، لتوقف إنتاجه و نفى نفسه بنفسه لأنه بطبيعته دائما مُعرّض و قابل للدحض و التكذيب.

 

24.     يقولون: " الإنسان أناني بطبعه و الفنان موهوب بطبعه و العربي عنيف بطبعه و المسلم إرهابي بطبعه و الغربي متحضّر بطبعه و اليهودي بخيل بطبعه و المسيحي متسامح بطبعه وغيرها من الصفات البشرية المنسوبة خطأ إلى الطبع أو الموروث".

أقول: ماذا يعني بطبعه؟ العلم الحديث (L`épigenèse) يؤكد أن الطبع البشري الجيني موروث ومشترك بين البشر جميعا تحدده بصفة متفاوتة 46 صبغية (Chromosome) تحتوي على حوالي 30 ألف مورِّثة (Gène) أما المكتسبات فهي التي تختلف من شخص إلى آخر والنتيجة فردٌ تنبثق صفاته الذهنية -وليست البدنية- من تفاعل الموروث الجيني مع المكتسب البيئي والحضاري فسلوك الفرد إذن هو مائة بالمائة وراثي ومائة بالمائة مكتسب في نفس الوقت، تفرزه علاقات تفاعلية معقدة بين العاملين إلى درجة أننا لا نستطيع الفصل بينهما  أو تحديد نسبة معينة لمشاركة كل عامل على حده. العلم الوراثي يتساءل بإنكار: هل كُتبت هذه الصفات الذهنية برموز الشفرة الجينية على جينات البشر قبل ولادتهم؟ طبعا سيكون الجواب العلمي بالنفي، إذا كان الغربي متحضّرا بطبعه فمَن يا تُرى يرمينا بالقنابل العنقودية المحرّمة دوليا و من يحرقنا بالفوسفور الأبيض و بالنابالم؟ و إذا كان المسلم إرهابيا بطبعه فمِن أين أتانا العباقرة المسلمون أمثال أحمد زويل و فاروق الباز ونجيب محفوظ و محمد الأوسط العياري؟ و إذا كان العربي عنيفا بطبعه فمن أين أتانا الفنانون العرب أمثال نزار قباني و محمود درويش و أم كلثوم و نجاة الصغيرة و فيروز و مارسيل؟ نحن نعرف أن رموز الشفرة الجينية تكوّن موروثا مشتركا بين الكائنات الحية (Végétaux et animaux dont l`homme) وليس بين البشر فقط، فلو أخذنا مثلا الجينة البشرية المسؤولة عن صناعة هرمون الأنسولين في الجسم و أدرجناها بيوتكنولوجيا في الحمض النووي لخلية بكتيريا لَصَنعت هذه الأخيرة أنسولين بمواصفات بشرية و ليست بكتيرية. وهنا أطرح السؤال الإنكاري التالي: هل توجد جينات بشرية مسؤولة عن ظهور قدرات ذهنية كالذكاء و العنف والفن؟ إلى حد الآن لم يثبت العلم وجود مثل هذه الجينات. مع العلم أن الإنسان و القرد يشتركان في ما يقارب 99 في المائة من طبيعة و تركيب جينات الحمض النووي والفارق الواحد المتبقي من النسبة المئوية هو وحده الذي أنتج كل هذا الفرق في الذكاء بتفاعله مع المحيط نتيجة نقلة نوعية وقعت إثر خطأ كيميائي في الحمض النووي البشري لذلك لا يمكن للقرد أن يصبح بشرا حتى و لو علّمناه و درّبناه لأنه كقرد لم يرث مخا بشريا (اكتسب تطوره البيولوجي وتعقده الفيزيولوجي عبر ملايين السنين). و مع العلم أيضا أن عدد الجينات عند الإنسان لا يتخطى الثلاثين ألف و هي بهذا العدد القليل نسبيا عاجزة مثلا عن التخطيط الكامل المسبق لمليون مليار من الوصلات العصبية بين الخلايا العصبية داخل المخ البشري (L`épigenèse cérébrale fait émerger 1015 synapses entre les neurones dans le cerveau humain).

 

25.     يقولون: "ما رضا الله إلا برضا الوالدين"

أقول: كيف يكون رضا المطلق المنزّه مشروطا برضا البشر الخطائين؟ لذلك يبدو لي أننا لو عكسنا لأصبنا: "ما رضا الوالدين إلا برضا الله"."و يكفي أن نتذكر في هذا المقام قول الله تعالى معاتبا رسوله الأكرم عليه الصلاة و السلام: "... و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه . . ." (الأحزاب 33\37)". (المصدر: ألفة يوسف، شوق . . . قراءة في أركان الإسلام، دار سحر للنشر، الطبعة الأولى، 2010، 261 صفحة).

 

26.     يقولون: "ما لقيصر لقيصر و ما لله لله"

أقول: نسوا أو تناسوا أن الله لا يأخذ شيئا و لا يحتاج شيئا من الأرض و البشر. كل ما خصصوه زورا لله، ماديا كان أو مجردا، قد أخذه قيصر أيضا و لم يترك للمعذبين في الأرض و الآخرة شيئا.

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.

 


أفكارٌ تعارضُ السائدَ  قد تحرّكُ الراكدَ! جزء 8. مواطن العالَم

 

27.    يقولون: "يحب الإنسان بقلبه و يفكّر بعقله"

أقول: ينبثق الحب و التفكير من المخ و لا دخل مباشر للقلب في المشاعر و الإحساس إلا كعضو مثل باقي الأعضاء يتفاعل إيجابيا مع المخ، يمدّه بمعلومات و يأخذ منه معلومات. لا يمثل المخ قائد فرقة متسلط على أفراد جوقته المتكونة من باقي الأعضاء، المخ قائد ديمقراطي يستشير باقي الأعضاء في الصغيرة و الكبيرة و لا يعطي أوامر إلا في كنف التناغم و التنسيق مع باقي أعضاء الجسم، يتساوى في هذا صغيرهم مع كبيرهم. و من قال: أحب بقلبي، كمن قال: أحب بعضلة ذراعي. و الدليل المادي التجريبي على سلامة هذا الطرح الأخير هو الآتي: لو قام طبيب بعملية زرع قلب، من شخص ميت حديثا، و هو المانح بموافقته مسبقا أو بموافقة عائلته مؤخرا، إلى شخص مستفيد، فمشاعر المانح و عواطفه و أحاسيسه لا تنتقل مع قلبه إلى المستفيد و يحافظ المستفيد على نفس مشاعره التي كان يملكها و لا زال قبل و بعد تعويض قلبه الوراثي المريض بقلب سليم لشخص آخر. لننتظر قليلا عملية زرع المخ المستقبلية حتى نتكلم و بتحفظ عن انتقال المشاعر و التفكير من المانح الميت إلى المستفيد الحي لأن الإنسان السليم بدنيا لا يفكر مثل الإنسان المعوق و لا يعني هذا أنه يفكر أحسن منه بل هو مختلف عنه فقط.

 

28.    يقولون: "بدون مجاملة" عندما يخاطب الصديق صديقه.

أقول: أطرح هنا سؤالا على محدثي و صديقي: لماذا يا صديقي لا تجاملني دون أن تنافقني و لماذا تحرمني من كلمات رقيقة تقولها لي صدقا عوض أن تقولها نفاقا لغير الأصدقاء.

 

29.    يقولون: "النظام أساس العمل"

أقول: بكل تواضع، أعتبر نفسي من أكثر الناس انضباطا في عملي و وفيّا بالتزاماتي و حريصا على واجباتي و محافظا على مواعيدي لكنني في الوقت نفسه أعادي النظام بالمفهوم المتعارف عليه لمعنى النظام في الثقافة السائدة. النظام السائد هو نظام مركزي يسود فيه رئيس الجوقة بقية الموسيقيين و هم مسلوبي الإرادة رغم مشاركتهم الفعالة في الأداء. النظام الذي أصبو إليه هو نظام نابع من الذات و في تفاعل مستمر مع الذوات الأخرى دون الحاجة إلى قائد أو تخطيط مسبق أو عوامل خارجة تسيّرنا رغما عن إرادتنا. نظام بشري ذاتي مثل النظام السائد داخل خلية النحل لكن يتميز عن النحل بوعي البشر بما يفعلون.

 

30.     يقولون: "خلية النحل تحكمها نحلة ملكة "

أقول: هي الملكة الوحيدة التي تملك و لا تحكم شيئا و لا تمارس أي نوع من التسلط أو التحكم، و يا حبّذا لو تشبّه بها كل الملوك و الرؤساء، لأن تنظيم خلية النحل هو تنظيم ذاتي تقوم فيه كل نحلة بدورها الوراثي الجزئي الغريزي البسيط دون تلقي أوامر من الملكة و دون انتظار جزاء منها. تنبثق عن هذا التنظيم الغريزي الذاتي لأفعال النحل خلية غاية في الروعة ذات تصميم هندسي إنشائي رائع لا يقدر على تقليده أكفأ مهندسي أمريكا و تسود خلية النحل ديمقراطية غريزية منبثقة من تطور بيولوجي دام ملايين السنين و نظام محكم و توزيع أدوار دون منافسة و استبطان ذاتي حر و مستقل للانضباط للقانون. تسود داخل مجتمع النحل ديمقراطية غريزية، مجتمع يحكم نفسه بنفسه بالمعنى الحرفي و ليس المجازي للكلمة. ديمقراطية لم يحلم بها  أفلاطون و لا الفارابي في مدينتيهما الفاضلتين.

 

31.     يقولون: "لا يكون الإنسان وطنيّا إلا عندما ينحاز لقضايا بلده العادلة دون البلدان الأخرى"

أقول: لماذا لا ينحاز في نفس الوقت لكل القضايا العادلة في العالم بما فيهم قضية وطنه و يصبح عندئذ مواطنا عالميا. فهل هذه العالمية تكمّله و تجمّله أم تعيبه؟ يعيب مواطن العالم على المواطن الوطني ضِيقَ أفقه و انغلاقه على بني وطنه و عنصريته ضد الأجانب و إقصائه للآخر؟ فماذا يعيب الوطني على العالمي؟ تنغرس جذور مواطن العالم في وطنه كما تنغرس جذور النخلة في الأرض و تنتشر فروعه في كل أوطان العالم كما ترتفع أوراق النخلة محلقة حرة في الجو العالي النظيف، يحب المواطن العالمي و يعشق أبناء وطنه كما يحب و يعشق أبناء الأوطان الأخرى دون تمييز.

 

32.     يقولون: " لا يأتي التغيير إلا من السلطة السياسية الحاكمة"

أقول: من أهداف الحزب الحاكم تأبيد السلطة و أنا مع تداول السلطة في الدولة في كل المنظمات من اتحاد العمال إلى منظمة حقوق الإنسان. و من أهداف الأحزاب المعارضة تغيير السلطة التنفيذية و التشريعية و أنا أدافع علنا في المقاهي و الفيسبوك و المؤتمرات العلمية و النقابية و في نادي جدل بالاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس عن رؤيا فلسفية مغايرة. أنا أرى أن الدولة ليست الخصم الوحيد المباشر للشعب. أرى هذا الرأي - لا تقية أو تحسّبا لبطش الحاكم - و إنما لأنني أؤمن أن السلطة لا تنحصر في قمة الهرم بل هي مقسّمة و مجزأة و مبثوثة في المجتمع كله كما يؤكد الفيلسوف الفرنسي "فوكو" الذي قرأته أخيرا و لم أفهمه إلا بمساعدة أستاذ فلسفة زميل لي في معهد برج السدرية. الوزير سلطة و رئيس المركز سلطة و الأستاذ سلطة و الحاجب سلطة و كاتب البلدية سلطة و الزوجة سلطة و الأب سلطة و البنك سلطة و العادات و التقاليد سلطة و الدين سلطة و الفقه سلطة و أبو هريرة سلطة و التراث الحضاري سلطة و الإعلام سلطة و سائق الحافلة سلطة و اتحاد العمال سلطة و اتحاد الفلاحين سلطة و اتحاد أرباب العمل سلطة و النقابي سلطة و رئيس الشعبة سلطة و شرطي المرور سلطة و الجزار سلطة و بائع الغلال سلطة و الطبيب سلطة، و كل موظفي الدولة سلطة، مع تفاوت في الأدوار طبعا، و كل دور نجد فيه العادل و الظالم و الكفء و غير الكفء و الصادق و المنافق. فكيف نغيّر كل هذه السلطة المركبة و المعقدة؟ هل الانتخابات الديمقراطية و الشفافة تكفي؟ هل بين دورة و دورة رئاسية أو تشريعية يتغيّر المجتمع العربي  بعصا سحرية من متخلف إلى نامي إلى متطور إلى متحضّر؟ هل التغيير يتم بالعنف أم بالتعليم و الثقافة و حرية الرأي و حرية الصحافة و الديمقراطية و الإقناع؟ هل يتم التغيير بالثورة الدموية العنيفة؟ و ما ذا جنينا من الثورات العنيفة إن كانت روسية أو صينية أو جزائرية أو ناصرية أو قذافية أو صدّامية؟ جنينا أنظمة متخلفة عن التي سبقتها! جنينا جمهوريات أتعس ألف مرة من المملكات! هل يتم التغيير من أعلى الهرم أو من قاعدته؟  لو قام كل مواطن من المجتمع العربي بواجبه في عمله لاستقام حال الأمة العربية و لتغيّرت السلطة أوتوماتيكيا لأن السلطة لم تأت من المريخ بل أفرادها هم إخوتنا و أبناء عمومتنا و عرب مثلنا. المواطن العربي، "قتلته الردة، يحمل في الداخل ضدّه" كما قال الشاعر العظيم مظفر النواب. نجد الأستاذ المتقاعس في عمله يشارك الأستاذ المستقيم نفس الخطاب النقدي في المقهى و في النقابة و في أحزاب المعارضة و يرمي كسله و فشله بنسبة مائة بالمائة على الحاكم و لا يعترف و لو بجزء بسيط من المسؤولية الفردية.

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.

 


أفكارٌ تعارضُ السائدَ  قد تحرّكُ الراكدَ! جزء 9. مواطن العالَم

 

33.     يقولون: "الرئاسة دورتان لا ثالثة لهما"

أقول: جميل لكن هل طبقتم هذا المبدأ على أنفسكم في المعارضة و في اتحاد العمال و في البلديات و في المنظمات الحكومية و غير الحكومية؟

 

34.     يقولون: " العقل السليم في الجسم السليم"

أقول: لو عكسوا لأصابوا فالعقل السليم يحبّذ السكن في الأجسام العليلة حتى تشاركه هموم هذه الحياة السقيمة. و لكم عبرة في  هؤلاء العقول السليمة أصحاب الأجسام العليلة:

-         غاندي النبئ، جسمه هزيل لأنه نباتي لا يأكل اللحم و مشتقاته.

-         شي قيفارا، لم يمنعه مرض الربو من قيادة الثورة الكوبية صحبة فيدال كاسترو.

-         طه حسين و المعري و الشيخ إمام و سيد مكاوي، لم يسلبهم فقدان البصر القدرة على الإبداع، كل في ميدانه.

-         هوميروس (Homère)، الشاعر الأعمى، حظي بتكريم مماثل لتكريم إله. لقد خسر رؤية أشياء هذا العالَم ليكتسب أكبر بصيرة ممكنة هناك بالذات حيث كل شيء ظلام بالنسبة إلى الآخرين. (المصدر: صفحة 86 من كتاب "المثقفون و الديمقراطية"، تعريب الدكتور خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، الطبعة الثانية 1977، 152 صفحة.)

-         أوديب (Œdipe)، المصاب بالعمى، يعرف أشياء كثيرة و يعرف سر الناس. نفس المصدر السابق صفحة 86.

-         اختارت الولايات المتحدة الأمريكية رئيسا مشلولا، ثم رئيسا مصابا بالتهاب شديد في عموده الفقري.  نفس المصدر السابق صفحة 88.

-          

-         عمر المختار، الشيخ ذو السبعين حولا، لم يثنه الكِبر عن مقاومة الاستعمار الإيطالي حتى الاستشهاد.

-         العالم الأنقليزي ستيفن هاوكينق (Stephen W. Hawking) المنظّر العالمي في فيزياء الفضاء، لم يقعده شلله الرباعي عن مواصلة أعماله و اكتشافاته في علوم النسبية العامة.

 

 

35.    يقولون: "لعن الله المعصية و العاصي"

أقول: مردّدا ما قاله بعض الفقهاء العقلانيين: المعصية مفروغ منها و متفق على مضرتها للفرد و المجتمع مثل المعاصي التالية: الإدمان على الخمر أو المخدرات و الغش في العمل و احتكار السلع الضرورية للمواطن و الزيادة في الأسعار و الربح غير المشروع (خاصة في شهر رمضان شهر التقوى و الرحمة و صحوة الضمير النائم. لماذا نترك قيمنا الإسلامية حبيسة الكتب الفقهية لمدة 1401 سنة منذ موت عمر رضي الله عنه عام 23 هجري و لا نتمرّن على تفعيلها و تحيينها بهذه المناسبة الكريمة) و الكذب و النفاق و الخطاب المزدوج و الاحتراف السياسي و النقابي. أما العاصي فأمره مخالف، هو بشر ضعيف بطبيعته غير مكتمل التكوين و التربية، نستطيع بالتعليم و التأهيل تغيير تصوراته غير العلمية و غير المنطقية و غير الحضارية و غير الإنسانية و لا نيأس منه مهما كانت درجة إدمانه على المعاصي و لا نحكم عليه بمجرد ارتكابه معصية مهما كانت كبيرة أو صغيرة - "إن الكبائر عند الله كاللمم" كما قال البصيري في البردة - بل نثق في إنسانيته و مستقبله الأفضل و نحاول تكثيف و تنمية الجانب الخيري في شخصيته و تقليص مساحة الشر داخله و نأخذ بيده كما يأخذ الطبيب بيد المريض حتى يُشفى من مرضه و يقف على ساقيه و يستغني عن الدواء و المداوي. خلاصة القول: "اِلعن المعصية و لا تلعن العاصي".

 

36.     يقولون: "العنف لا يولّد إلا العنف"

أقول: و هل ولّد عنفا، عنفُ نظام "بن علي" في تونس و عنفُ نظام "مبارك" في مصر و عنف نظام "علي عبد الله صالح" في اليمن؟ هذه مقولة من المقولات "الكليشيهات" الزائفة التي أطاحت بها الثورة العربية. نجح العرب في ثوراتهم الحالية في إحياء و تفعيل إصرار الفيلسوف الهندي غاندي على مواجهة العنف باللاعنف. كلما ازداد النظام الديكتاتوري قمعا إلا و قابله الشعب الأعزل بتحدّ أقوى من أسلحة الدمار الشامل.

 

أمضي مقالي كالعادة بجملتين مفيدتين: "أنا أكتب - لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع - بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى" و "على كل مقال سيّئ نردّ بمقال جيّد لا بالعنف اللفظي أو المادي".

 

37.     يقولون: "دعاة المقاومة المسلحة ضد العدو الإسرائيلي يقولون عن دعاة المقاومة السلمية أنهم جبناء و خونة و متخاذلون و غير وطنيين بل عملاء ومتخلّون عن القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى".

أقول: أردّد ما قاله مبدع المقاومة السلمية النبي الأرضي المهاتما غاندي: "لو خُيّرت بين الجبن و العنف لاخترت العنف" وأضيف: تَستعمل المقاومة السلمية أسلحة أقوى من الأسلحة التقليدية التي يملك العدو أجودها وهو مصنعها ومصدرها حسب ما تقتضيه مصلحته. تصنع المقاومة السلمية أسلحتها بنفسها ولا تستوردها من العدو وهي متنوعة ومبتكرة ومتجددة، منها المظاهرات السلمية والعصيان المدني والمقاطعة والانتفاضة. المقاومة السلمية ليست مهنة يمتهنها بعض المحترفين السياسيين لخدمة أغراضهم المادية الخاصة بواسطة تسخير بعض المسلحين الصادقين المؤمنين بالشهادة أو بالإيديولوجيات المادية. المقاومة السلمية هي إيمان عميق بعدالة قضيتنا وثبات على المبدأ و على الأرض، مقاومة يقوم بها كل مواطن شريف غير محترف سياسة أو نفاقا. تبدو لي المقاومة السلمية أشقّ و أطول نفسا من المقاومة المسلحة لأنها تتجسم في مقاومة مسؤولة وشخصية خدمة لقضية وطنية، مقاومة تستنزف بصمت قوةَ العدوّ وتجعله يركع في آخر المشوار كما ركعت بريطانيا العظمى أمام نبي غير مسلح إلا بإرادته، اسمه الروح العظيمة غاندي، و كما ركع البيض العنصريون في جنوب إفريقيا أمام  صاحب  الـسبعة و عشرين عاما سجنا، المناضل العالمي مانديلا، و كما ركعت بريطانيا أمام الصين و غادرت "هونق كونق" تجرّ أذيال الخيبة تاركة وراءها ثروة تكنولوجية لا تُقدّر بثمن فاستفادت الصين من هذه الثروة المتروكة و قفزت قفزة عملاقة في طريق التقدم و أصبحت تنافس أمريكا اقتصاديا، و كما ركع الأمريكان الغزاة أمام العبقريتين الاقتصاديتين والعلميتين اليابانية و الألمانية اللتان أجبرتا الأمريكان دون طلقة سلاح واحدة على  معاملة أعدائهم القدامى معاملة الند للند. و من يجرؤ منا نحن العرب على نعت الشعب الياباني أو الألماني أو الهندي أو الجنوب إفريقي أو الصيني بالجبن و الخيانة أمام أعدائهم  الجبابرة؟ و هل وصلنا نحن بعنترياتنا و مقاومتنا المسلحة الموسمية إلى تحقيق بعض أهدافنا أم فقدنا بسببيهما أرضنا شبرًا وراء شبرٍ؟ نقيض المقاومة المسلحة ليس التفاوض غير المتكافئ على طريقة عرفات و عباس و مصر و الأردن، هذا النوع من التفاوض، أسميه أنا جُبنا و خيانة و استسلاما و تفريطا في الحقوق و اعترافا للعدو بالتفوق في جميع الميادين. المقاومة السلمية تحقق عكس هذا كله، هي شجاعة شخصية و قناعة صادقة بعدالة القضية و قوة حجتها، لا تنتظر الخلاص من أحد، لا من العدو ولا من السياسيين المحترفين غير الوطنيين و المتاجرين بالقضية، مسلحين كانوا أو مستسلمين.

لقد أفاق المستعمر و  اقتنع  قبلنا بعدم جدوى السلاح الحديدي الكلاسيكي و أبدله بسلاح ناعم من الخبث و الذكاء و العلم المنحاز و الثقافة الامبريالية و الديمقراطية الانتقائية و سرق منا بترولنا و أدمغتنا و عمالنا المهرة و نهب من أراضينا ثروات لم يقدر على نهبها أيام الاستعمار المسلح المباشر، أفاق العالم المستعمِر إلا الإدارة الأمريكية الحاكمة الغبية التي ما زالت تصر على احتلال البلدان بقوة السلاح.

استقل الشعب الجزائري بسرعة البرق بعد حرب تحرير دامت ثمان سنوات فقط. حرب تحرير  حرّرت الأرض الجزائرية من المستعمِر لكن منفذوها استرقّوا المواطن الجزائري جسدا وفكرا مما جعل هذا الأخير يفرّ ملتحقا بالمستعمر الفرنسي، عدو الأمس، يخدمه بفكره و ساعده وترك بلاده يسرقها أبناء وطنه ممن قادوا كفاحه المسلح باسمه دون استشارته أو مشاركته الفعالة في القرارات المصيرية.

قديما، أتت بعض المقاومات المسلحة أكلها في جو توازنات دولية ظرفية خاصة في الصين وفيتنام وكوبا والجزائر وكوريا الشمالية ولكن يا لخيبة المسعى، لقد خلّفت لشعوبها أنظمة شمولية ديكتاتورية زال أكثرها والبقية في طريقها إلى الزوال أو التغيير الديمقراطي الحتمي.

أنا أتساءل بصدق: من كان صادقا مع نفسه و يؤمن بالسلاح وسيلة وحيدة لتحرير فلسطين فلماذا لا يلتحق بالفصائل الفلسطينية المسلحة داخل غزة و يرفعه مباشرة في وجه العدو الإسرائيلي؟

جرّبتْ أنظمتُنا القومية الحروب المسلحة و للأسف لم تجلب لنا إلا العار والهزائم المتتالية في 48 و 67  و 2003.

صحيح أن للمقاومة المسلحة بريق جذاب و انتصارات مدوية كـ56 (بور سعيد بمصر) و   62 (استقلال الجزائر) و 73 (اجتياز خط بارليف على ضفة قناة السويس) و 83 (العمليات الاستشهادية الثلاث الرائعة و المشروعة التي قام بها حزب الله على ما أظن ضد الجيوش الثلاثة الغازية الأمريكية و الفرنسية و الإسرائيلية ففرّت مذعورة تحت عزم وحزم وشجاعة اللبنانيين. هذه العمليات، هي العمليات الاستشهادية الوحيدة التي لا أدينها لأن كل ضحاياها جنودا أعداء مدججين بالسلاح جاؤوا إلى أرض غير أرضهم و دون إذن من اللبنانيين فأصبحت مقاومتهم شرعية حتى وإن اختلفت مع المقاومين في الوسيلة ونضال حزب الله المسلح سنة 2000 الذي تُوِّج بخروج العدو من جنوب لبنان و إزالة دويلة "أنطوان لحد" الخائن و العميل من الخريطة اللبنانية وسنة 2006 عند الانتصار اللبناني المعنوي لكنه انتصار مكلف ماديا في الأرواح و البُنى التحتية. لم تدم هذه الآثار الإيجابية لهذه المقاومة المسلحة طويلا فرجع العدو بعدها إلى أراضينا بسلاح أشرس من القنابل، ألا و هو البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و التبعية الغذائية و الصحية و العلمية و التكنولوجية و الثقافية و الحضارية.

أنا أعي أن الوقوف بين مبدأ المقاومة المسلحة و فكرة الاستسلام ليس مريحا فكريا ولا اجتماعيا لكن ما دمنا في عالم إسلامي، أنا أطالب دعاة المقاومة المسلحة المسلمين وغير المسلمين إلى تطبيق ما يردّدونه من شعارات و ما ورد في القرآن الكريم من آيات مثل الآية التالية: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط خيل...". هل أعددنا لأعدائنا شيئا من هذا؟ طبعا لا، إذا فلماذا نمارس شجاعة كلامية لا تجلب لنا إلا الاستخفاف و الذل و الاحتقار من قِبل الأصدقاء قبل الأعداء. علينا أن نصمت و نصبر ونصابر ونعمل ونتأهل علميا و غذائيا وصحيا وثقافيا وديمقراطيا للمعركة كما فعل أعداؤنا الصهاينة ولنا من أسباب القوة ما لم يكونوا يحلمون به من عدد وثروة وحضارة وتاريخ وعمق جغرافي ولنا ما أهم، ألا وهو عدالة قضيتنا مقابل زيف قضيتهم وهذا وحده يكفي لكي نَفِلَّ في الحديد بإرادتنا وأظافرنا.

 

إمضائي:

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire