نص هاشم صالح:
صفحة 325: و بهذا المعنى فإن تكرار الحركة البروتستانتية مفيد فعلا
حتى بالنسبة للإسلام. وهذا هو معنى الإسلام القرآني، أي العودة إلى القرآن مباشرة فيما
وراء كل التراث الإسلامي المتراكم على مر العصور (1).
هامشة (1) على نفس الصفحة: وهذا ما فعله مارتن لوثر
مؤسس البروتستانتية عندما عاد إلى الإنجيل مباشرة فيما وراء التراث الكنسي والبابوي الطويل العريض ورفضه كله ما عدا ما
يتوافق فيه مع كلام الله، أي الإنجيل، وأثار في وقته أحقادا هائلة من طرف البابا
والكرادلة وكبار رجال الدين وعرّض نفسه للخطر الأعظم. ولكنه نجح في نهاية
المطاف لأنه كان يلبي حاجة تاريخية ولأن
المسيحية كانت قد وصلت إلى الدرك الأسفل من حيث التراكمات والحشو وحشو الحشو
والفتاوى التكفيرية والانتهازية التي تبيع صكوك الغفران للناس البسطاء بالفلوس. وكذلك
كانت قد فقدت مصداقيتها بسبب الانحطاط الأخلاقي لطبقة رجال الدين في أغلبيتهم
والابتعاد عن القيم العليا للإنجيل. بهذا يمكن اعتبار لوثر مفككا كبيرا ككل
الثوريين الانقلابيين في التاريخ. ولكن على الرغم من ذلك لم يَحْظَ برضا نيتشه
الذي كان يريده أن يطيح بالمسيحية كلها جملة وتفصيلا، بل واتهمه بأنه أطال من
عمرها لأنه أصلحها. ولكن لا يأخذ بعين الاعتبار أن الإطاحة بالمسيحية أو تعزيلها
كليا كان أمرا مستحيلا في القرن السادس عشر، وأن ما فعله لوثر في وقته كان أقصى ما
يمكن أن يُفعل آنذاك. لقد نظف المسيحية من الشوائب والتراكمات وحسبه ذلك فخرا، بل
واعتبره المعاصرون بمثابة إعصار هائل أو جنونا ما بعده جنون.
انتهت الهامشة نعود إلى النص:
فلو عدنا إلى
القرآن لسقط حكم القتل للمرتد من تلقاء نفسه (1).
هامشة (1) صفحة 326: يمكن اعتبار جمال البنا أحد
"البروتستانتيين" في الإسلام، ولذلك يثير عليه عاصفة من الاحتجاجات من
طرف السلفيين المنغلقين. فهو يدعو للعودة إلى القرآن ذاته فيما وراء الحديث لأنه
لا يثق بالأحاديث كثيرا. انظر كتابه: جناية قبيلة "حدثنا". كما انه ضد
حكم الردة لأنه ليس قرآنيا، وكذلك ضد الحجاب... الخ. فإن جمال البنا يمارس التفكيك
التحريري ولكن إلى حدود محسوبة ومحدودة. هذا لا يعني أنها ليست مفيدة. على العكس
انها خطوة على الطريق الصحيح.
تعليق مواطن العالَم:
يمكن قول نفس
الشيء عن القرآني التونسي المعارض الشجاع لنظام بن علي والمشاكس الشهير الدكتور
محمد الطالبي (لم يكن معارضًا لبورﭬيبة بل كان
مواليًا له وكان رئيسًا للجنة الثقافية الوطنية في عهده).
هامشة (1) صفحة 344: ينبغي أن نشيد هنا بانقلاب حسن
الترابي على مواقفه السابقة انقلابا كاملا. ففي الماضي، أي أيام المشؤوم جعفر
النميري، كان يطالب بتطبيق الشريعة حرفيا. وكان يدعو إلى تشكيل دولة إسلامية
بالكامل. بل وكان يعقد عنده مؤتمرات للأممية الأصولية تضم المتطرفين من كل أنحاء
العالم العربي والإسلامي. ولكنه الآن أصبح يقول بأن قتل المرتد غير شرعي دينيا،
وكذلك ينفي الشرعية الدينية عن الحجاب. كما
ويدعو إلى الاختلاط بين الجنسين ! من يصدق ذلك ؟ بل يقول أنه يحق للمرأة المسلمة
أن تتزوج مسيحيا أو حتى يهوديا ! وأصبح يقول أيضا بأن التكفير حرام وغير شرعي في
الإسلام لأن القرآن يقول: "والله عليم بذات الصدور" (آل عمران، 154).
فالله هو الذي يحسم هذه المسألة يوم القيامة، مسألة إيمان كل واحد منا أو عدم
إيمانه. هل يعني ذلك أنه تراجع عن تأييد الطاغية جعفر النميري عندما كفّر الشهيد
محمود محمد طه وقتله؟ بدون شك. بل ويصرح قائلا: أنا لم أقتل محمود محمد طه ولا
علاقة لي بإعدامه ! المهم عفا الله عما مضى.. فالترابي الذي كان يُرعِب الناس أيام
جعفر النميري أصبح الآن مرعوبا من قِبل الفقهاء الأكثر تطرفا منه. بل وراحوا يكفِّرونه
على مواقفه الجديدة هذه. فسبحان مغيِّر الأحوال. ولكن على الرغم من كل ذلك لا بد
من الثناء عليه لأنه تراجع عن تزمته الديني وتحجّره الفكري والعقائدي. هو أيضا أصبح من "بروتستانتي" الإسلام على
مما يبدو مثل جمال البنا، أي مسلم قرآني فقط.
المصدر: الإسلام و الانغلاق اللاهوتي، هاشم صالح، دار الطليعة،
بيروت، الطبعة الأولى 2010، 376 صفحة.
إمضائي: "إذا فهمتَ كل شيء، فهذا
يعني أنهم لم يشرحوا لك جيّدًا !" أمين معلوف
تاريخ أول إعادة نشر على النت : حمام الشط، الخميس 29 ماي 2014.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire