1. يقولون: "يمتلك المستقطِبون الإرهابيون الإسلاميون قدرة عجيبة
على غسل أمخاخ المسلمين العاديين غير المتطرفين".
أقول:
- علميا: يخرج قرار القتل من مخ الإرهابي وليس من فوّهة بندقيته. يبدو لي أن مخ البشر عموما (ومخ المسلم لا يمثل استثناءً بيولوجيا) ليس معدة نغسلها ونخلّصها من أغذية سامة دخلتها وليس خرقة وسخة ننظفها بالماء والصابون. المخ هو أهم وأعقد عضو بالجسم وليس من السهل غسله (On peut formater facilement un ordinateur mais il est impossible de formater un cerveau si ce dernier n`est pas prédisposé à être formaté). يتكون المخ البشري من حوالي مائة مليار خلية عصبية مخيّة (Neurone). كل خلية تتمتع بكفاءة عالية على ربط عشرة آلاف وصلة عصبية مع مثيلاتها. ينبثق من هذا التعقيد مليون مليار وصلة عصبية
(dix puissance quinze synapses émergent de l`épigenèse cérébrale).
لم يصنع العلم حتى اليوم حاسوبا يضاهي المخ البشري في قدرته العجيبة على تجميع كمٍّ هائلٍ من المعلومات
وفرزها وتبويبها واستحضارها وتوظيفها عند الحاجة. عملتُ 38 سنة وأنا أدرّس علوم الحياة والأرض ولم
أنجح في غسل مخ تلميذ واحد (Au contraire, j`ai appris que les connaissances ne
changent pas les valeurs). المخ مثل العين، لا يرى إلا
ما يشاء أن يرى.
-
فكريًّا: نشرتُ ألفَ مقال على الفيسبوك ولم أتمكن من زحزحة
قناعات قارئ واحد وكنت أطير من المتعة الفكرية لَمّا يتقاسم مقالي عشرة أصدقاء.
درّستْ دولة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي سابقا الإلحادَ في جامعاتها لمدة سبعين
حولا ومنعتْ تعليم الدين ونشره وعندما انهارت رجع جميع المواطنين السوفيات إلى دياناتهم الأصلية. احتل المسلمون
اسبانيا مدة ثمانية قرون ثم غادروها غصبا
عنهم فرجعت كما كانت قبل الاحتلال مسيحية. فتح المسلمون مصرَ وبقي الأقباط
المسيحيون خلال ثلاثة قرون يمثلون الأكثرية فيها وإلى اليوم يمثلون عُشر المصريين.
في شمال أفريقيا، لم يُسلِم كل السكان الأصليين من بربر إلا بعد ثلاثة قرون من
المقاومة. في المقابل وخلال عشريتين فقط أسلم تقريبا كل سكان الجزيرة العربية على
يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
خلاصة القول: لا يغيّر الإنسان دينه أو مذهبه أو فكره أو
إيديولوجيته بسهولة ولا ولن تستطيع أي قوة في العالم إجباره على ذلك إن لم يكن هذا
التغيير يستجيب إلى رغبة داخلية لدى الفرد أو الجماعة. لو زرعتَ نبتةً في غير
تربتِها فلن تَنْمُوَ مهما رعيتَها وإن زرعتَها في تربتها فسوف تَنْمُو مهما تواضع
المجهود. علينا إذن أن نحرث تربتنا
ونهوّيها وننقّيها من الشوائب والأدران والطفيليات بدل أن ننسب النجاحات إلى غير
أصحابها.
2. يقولون: "الدولة التونسية
دولة ضعيفة التمويل والتدريب والتسليح في مواجهة الإرهاب والتهريب والفساد فهي إذن
عاجزة ومغلوبة على أمرها ولا حول ولا قوة لها إلا بالله".
أقول: يبدو لي أن هذا
التحليل يحجب الحقيقة عن قصد وليس بريئا قائله ومروِّجه. ويبدو لي أيضا أن الدولة
التونسية بحكوماتها الخمس المتعاقبة بعد "الثورة" (الغنوشي، الجبالي،
العريض، جمعة والصيد) لا زالت تدور في فلك أمريكا غصبا عنها (أمريكا الشمالية هي
دولة ديمقراطية في الداخل وأكبر مشجعة
ومستفيدة من الإرهاب والتهريب والفساد في الخارج) فهذه
الحكومات التونسية ليست إلا كومبارس في الدراما العبثية المسماة خطأ "فوضى
خلاّقة"، وقد تكون غير جادة في محاربة الإرهاب والتهريب والفساد (من الدول الجادة أذكر الجزائر
وأذكر أيضا أمريكا نفسها لكن هذه الأخيرة للأسف الشديد جادة داخل ترابها فقط وأقل
جدية في الخارج إلا عندما تقتضي ذلك مصلحتها وليس مصلحة تونس) وهي حكومات تقريبا
تابعة وشبه مستلبة أو مسلوبة الإرادة وهي أيضا عاجزة فعلا عن مواجهة أمريكا راعية
الإرهاب العالمي فكيف لها أن تواجه الإرهاب
المحلي-الإقليمي بمفردها. هي حكومات لم تحكم يوما واحدا باستقلالية تامة في دولتها وشعبها وأجبِرت على عدم التعامل بجدية مع الإرهاب لغرض في نفس العم
سام وليس في نفس الحكام التونسيين مع اختلاف انتماءاتهم الحزبية ولم تتوفر لديها
حرية الاختيار بين مصلحة أمريكا ومصلحة تونس وذنبها الوحيد أنها لم تقاوم التبعية
ولم تصمد ضد إملاءات الدول الغربية ممثلة في البنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
ولنفرض جدلا أن إمكانات دولتنا ضعيفة فعلا، فهل إرهابنا قوي فعلا؟ وما عسانا
فاعلون لو كان إرهابنا كالإرهاب الذي
يواجهه الديكتاتور بشار الأسد في سوريا؟
ببدو لي أن الحكومات الخمس المتعاقبة بعد "الثورة" ليست جادة في
محاربة الإرهاب والتهريب والفساد وعلى سبيل الذكر لا الحصر سأسوق لكم بعض
الملاحظات الانطباعية ولا ولن أدعي الكتابة الأكاديمية (لها أهلها ولستُ منهم) ولا
أقدر عليها حتى ولو رغبت فيها لعلمي أنها لا يمكن أن تقع إلا في مؤسسات جامعية
(ولست عضوا في أي مؤسسة بحث علمي). أنا مواطن معزول اجتماعيا ومكسور الجناح ماديا.
أنا مواطن عادي يفكر بصوت فيسبوكي:
-
بعد حادثة سوسة الأخيرة قرر رئيس الحكومة مشكورا حماية شواطئ النزل التونسية.
لماذا لم يفعلها قبل الحادثة؟ ألم يتعظ من مباغتة الجنود وقتلهم في جبل الشعانبي
أو من قتلِ السياح غدرا في باردو؟
-
هجمَ بعض المئات من أنصار الشريعة على سفارة أمريكا ولم تمنعهم الترويكا ثم
منعت بعد مدة قصيرة ما يقارب العشرة آلاف منهم من إقامة مؤتمرهم بالقيروان لا بل
تجرأت واتخذت قرارا حاسما وصنفتهم كحركة إرهابية. هل تغير عدد البوليس بين
الواقعتين أم تغير موقف أمريكا من أنصار الشريعة ؟
-
أثناء الثورة، استطاع الجيش أن يصدّ عشرات الآلاف من المتظاهرين ويمنعهم من
دخول دار التجمع في شارع محمد الخامس وذلك بعد إطلاق بضع عيارات نارية في الهواء
من بنادق الجيش وأبدع البوليس في قمع مظاهرات 7 و9 أفريل 2012 وفي نفس الوقت وبنفس
الإمكانات يعجز أمننا الجمهوري عن فتح طريق وطنية أغلقها بعض المحتجين الساخطين
على الحكومة إثر انقطاع الماء الصالح للري والشراب، أو يقف مكتوفي الأيدي أمام
اعتصام قليل العدد يقطع سكة القطار الذي ينقل الفسفاط ويترك حمولة الفسفاط تمر في
شاحنات خاصة بأضعاف تكلفة النقل العمومي أو يقفل راجعا دون محاولة فك اعتصامين
مفبركين من قِبل المهربين في مدخل ومخرج مدينة فريانة.
-
يُقال أن ثلثي عمليات التهريب تقع عن طريق الموانئ المحروسة من قِبل أعوان
الديوانة ونحن نرى حكوماتنا الموقرة تشتكى من قلة الإمكانات المتوفرة للحد من
التهريب عبر الحدود مع ليبيا والجزائر. مسؤول نقابي من نقابة الديوانة صرّح في
قناة التونسية في برنامج اليوم الثامن بأن أباطرة التهريب أصبحوا يرشون أعوان
الديوانة المتعاونين معهم ويتدخلون في إدارة الديوانة لترقيتهم مهنيا ويعاقبون غير
المتعاونين بنقلهم تعسفيا.
-
مسؤول نقابي من نقابة الشرطة صرّح أيضا في قناة التونسية في برنامج
اليوم الثامن أن الشرطة توقف بعض المتهمين بالإرهاب ولكن القضاء يتساهل -على حد
قوله- في إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة.
-
حكومة الصيد
تُفشِل إضراب ستين ألف معلم وتَفشَل في نفس الوقت في فظ اشتباك صغير وقع بين قريتين
جارتين في ولاية ڤبلي، جمنة والڤلعة.
-
حكومة تعجز عن "لمّان الزبلة" فكيف نجرؤ
ونطالبها بمحاربة الإرهاب والتهريب والفساد؟
-
مجلس نواب يصادق في بضعة أشهر على عديد الاتفاقيات التي تكرس التبعية للخارج
ويمرر عشرات القوانين المجحفة في حق الفقراء، قرارات يبدو أنها مُمْلاة من قِبل
البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وفي نفس الوقت يعطّل لمدة سنوات المصادقة على
مشروع القانون الواعد بأكثر حزم في ردع الإرهابيين.
-
أنا
لا أحمِّل مسؤولية محاربة الإرهاب والتهريب والفساد للدولة
وحدها (Le pouvoir) بل أتهم المواطن التونسي
(Le micro-pouvoir) أيضا بعدم الجدية في أداء نفس الواجب. إن لدغنا الإرهاب مرة
فتبًّا له وإن لدغنا مرتين فتبًّا لنا.
-
سأكتفي اليوم بهذا القدر من الانطباعات الكشكارية الرمضانية -التي قد تجانب الحقيقة وأتمنى من كل قلبي أن تكون
كذلك- وأسألكم: هل هذا بربكم ضعفٌ في الإمكانيات
أو غيابُ الجدية في اتخاذ القرارات؟ أوضِّح للقارئ أن غيابُ الجدية الذي أقصده هو
غيابٌ جبري وليس إراديا أو اختياريا، أقول هذا ليس تقيّة وليس للتخفيف من النقد
اللاذع للحكومات التونسية بل أقوله صدقا لأنني، أولاً، أنزِّه المسؤولين التونسيين
بجميع انتماءاتهم الحزبية عن التخطيط للعمل ضد مصلحة وطنهم، وثانيا، لأنني أجهل أو لا أقدِّر بما
فيه الكفاية الضغوطات التي يتعرضون لها يوميا و"العافس على الجمرة" ليس
كالمتفرج عليها عن بعد.
إمضائي:
"المثقّفُ هو
هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي
لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على الفيسبوك: ؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire