رسالةٌ من السجن (ألمانيا 1917) بعثتها روزا إلى سُنْيَا
ليبنيخت: "تبرّمتْ حارسةُ السجن عند رؤية جندي كان يضرب حيوانًا بقسوةٍ، حيوانًا
كان يجرُّ أثقالاً لا تُطاق، سألته: أليس لديك أدنى شفقة على الحيوانات؟ وكان
جوابُه لوحده ناطقًا ومعبِّرًا: لا أحد أشفق علينا، نحن البشر. أجابها وبسمةُ لامبالاة
تعلو مُحيّاه ثم عاد يضربُ الحيوانَ من جديد.". ما عبّر عنه الجندي هو
الشعور الذي يعتري بسهولة كل الضحايا الذين يسلطون نوعًا من الانتقام على ضحايا
أضعف منهم، ضحايا لا تستطيع ردَّ الأذى.
الحيوانُ الذي عُومِلَ بهذا الشكل هو حيوانُ الجاموس.
جواميسٌ جُلِبت للحرب من رومانيا. قالت روزا في رسالتها: "نضربهم بصفة قاسية
جدًّا قبل أن نطبّق عليهم أيضًا القولة الشهيرة " ويلٌ للمهزومينْ" (Vae victis ou Malheur aux vaincus) (...) في مدينة بْرِسْلُو لوحدها
يوجد مئة من هذه الدواب، دواب لا يقدّمون لها إلا وجبةً بائسةً وهي التي كانت
متعودة على الرعي بكل حرية في مروج رومانيا النضِرة. نستغلهم دون وازع أو ضمير،
يجرّون أثقالاً وغالبًا ما يموتون وهم يجرّون.".
روزا تواصل مرافعتها: "في الأثناء، هبَّ السجناء
وتحلّقوا حول العربة، أفرغوا الحمولة قبل أن ينقلوها إلى الداخل وهم يسرِعون
الخُطَى في الساحة، أما الجندي فقد كان يذرع الساحة مُوَسِّعًا الخُطَى، اليدين في
الجيوب، مبتسمًا يدندن أغنية شائعةً. حينها
استحضرتُ في ذهني كل شريط هذه "الحرب الرائعة" (La guerre
14-18).".
روزا نفسُها هي أيضًا ضحيةٌ، سُجِنت عقابًا لها على
معارضتها لهذه الحرب الرائعة، لذلك وُلِدَ نوعٌ من التضامن العفوي بينها وبين الحيوان المقهور، بطلُ قصتنا. حيوانٌ أصبح -أكاد
أن أقول- آدميًّا وتحوّل بالنسبة لها إلى أخٍ في المعاناة، والمصائبُ لها أحكامُها: "هذا
الذي ينزف دمًا كانت له نظرةٌ ثابتةٌ، يصحبها تعبيرٌ على الوجه ظاهرٌ في عينين
سوداوَين وديعتَين كعينَيْ طفلٍ كان يبكِي. لقد كان حقًّا تعبيرَ طفلٍ سُلِّطَ
عليه عقابٌ شديدٌ وهو لا يعرف السبب ولا يعرف أيضًا كيف يهرب في هذه اللحظه ولا كيف
يتجنب هذا العنفَ الوحشيَّ. (...) كنتُ هناك واقفةً متسمِّرةً والحيوان يحدّقُ في
عينَيَّ، شعرتُ بالدموع تَسْرِي على وجنتَيَّ، كانت دموعُه هو، ولا يمكن أن نرتجف
بأكثر ألمٍ لرؤية هذا الأخ العزيز أكثر مما ارتجفتُ لعجزِي عن التخفيفِ من عذابِه
الأبكمِ.".
علّق المؤلف كارل كرُوسْ على رسالة روزا لوكسمبورﭬ، وقال: "الجسمُ، الذي ضَمَّ بين ضلوعِه روحًا بهذه
الرقّةِ وهذا الصفاءِ وهذا السُّمُوِّ، وَقَعَ جثةً هامدةً على الرصيفِ تحت ضرباتِ
أعقابِ بنادقِ رجالِ الشرطةِ (سنة 1919، في مظاهرةٍ احتجاجيةٍ ضدَّ سلطةِ أبناءِ
عُمومتِها الاشتراكيين-الديمقراطيين برئاسة Friedrich Ebert، منظمة Friedrich Ebert الألمانية هي المموّل
الحالي لأكبر أنشطة الاتحاد العام التونسي للشغل، مَوَّلَ كل ملتقيات الإصلاح
التربوي في 2016).".
(« Lettre de Rosa Luxembourg à Sonia Liebnecht », dans
« Les guerres de Karl Kraus », traduction de Pierre Deshusses, Agone,
n° 35-36, Marseille, 2006.)
Source : Le Monde diplomatique, novembre 2020, extraits de l’article « Karl Kraus, Rosa
Luxembourg et le désastre de la grande guerre. Que signifie traiter les animaux
avec humanité ? », par Jacques Bouveresse, philosophe, pp. 14 & 15.
إمضائي:
"أكبرُ مَعروفٍ أسدتْه السكك الحديديةْ للعائلة الحيوانيةْ؟ أراحتْ ملايينَ البِغالِ من حَمْلِ الأثقالِ" الفيلسوف الألماني شوبنهاور
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 5 نوفمبر 2020.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire