نص هاشم صالح:
صفحة 301: وعلى هذا النحو تميز السنّة بأنهم أصحاب الخط الوسطي،
بمعنى أنهم يتبعون في كل مشكلة لاهوتية أو سياسية الحل الوسطي. فمثلا فيما يخص
حرية الإنسان أو مسؤوليته عن أعماله أم لا، نلاحظ أن جهم بن صفوان، رئيس فرقة
الجهمية، ينفي عن الإنسان أية قدرة على خلق أعماله أو اكتسابها. بمعنى آخر فإنه
مسيّر تماما لا مخيّر. أما المعتزلة فيقولون بأن الإنسان حر في اجتراح أعماله وبالتالي فهو
مسؤول عنها كليا خيرا كانت أو شرا. بمعنى آخر، فإن الإنسان حر. وبين هذين الموقفين
جاء الأشعري لكي يتخذ موقفا ويقول: صحيح أن الإنسان لا يخلق أعماله ولكنه يكتسبها.
وبالتالي فهو حر ومقيّد في آن معا، ليس حرا بالكامل كما تقول المعتزلة ولا مقيّدا
بالكامل كما تقول الجهمية.
نفس الشيء فيما يخص طبيعة
القرآن أو خلق القرآن. فالمعتزلة يقولون بأنه مخلوق، والحشوية الحنبلية تتطرف في
الاتجاه المعاكس وتقول بأنه غير مخلوق لا بحروفه ولا بكتابته ولا بكل ما هو بين
الدفتين. كلها من الله أزلية خالدة غير مخلوقة. أما الأشعري فقد أخذ موقفا وسطا
بين الأطروحتين بقوله إن القرآن هو كلام
الله الأبدي غير المخلوق، ولكن حروفه ودعامته المادية وألوانه والأصوات التي يتلى
بها كلها مخلوقة وبشرية. ولهذا السبب غضب عليه الحنابلة وهاجمه نص الاعتقاد القادري
من دون أن يذكره بالاسم كما شرحنا سابقا.
نفس الشيء يقال فيما يخص
الخلافة. فالخوارج يتطرفون في موقفهم الرافض لعلي بعد صِفِّين بل والمكفّر له لأنه
ارتكب الخطيئة القاتلة بقبوله التحكيم.
والشيعة يبجلونه ولا يعترفون إلا به كخليفة قادر على خلافة النبي. أما السنّة فيتخذون موقفا وسطا إذ يحبون أهل
البيت ويبجلون عليّا ويعتبرونه أحد
الخلفاء الراشدين وأحد المبَشرين بالجنة. وربما كانت وسطية أهل السنّة هذه
وواقعيتهم ومرونتهم هي التي أمّنت لهم الانتصار على كل الفرق الأخرى.
المصدر:
الإسلام والانغلاق اللاهوتي،
هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى 2010، 376 صفحة.
إمضائي:
"إذا فهمتَ كل شيء، فهذا
يعني أنهم لم يشرحوا لك جيّدًا !" أمين معلوف
تاريخ أول إعادة نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 28 ماي 2014.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire