لا يجبُ أن نشعرَ حيالَ
الغربِ، لا بعقدةِ نقصٍ ولا بعقدةِ تفوّقٍ، وإن كان ولا بد، فَحَرِىٌّ بنا، ورغم
تخلفِنا المفروضِ علينا بالقوةِ أو ربما بِسَبَبِه، أن نفتخرَ بأننا أقلُّ ظلمًا
منهم وأقلُّ بيئيًّا ضررًا، ورغم تقدمِهم المشيَّدِ جزئيًّا بسواعدِ عمالِنا
المهاجرينَ، والمموَّلِ من نهبِ ثرواتِنا الطبيعيةِ قديمًا وحديثًا (نفط، غاز،
فسفاط، إلخ.)، كان أولَى بهم (الغربيين)، أن يحسّوا بالذنبِ، وأضعفُ الإيمان كان عليهم
أن يعتذروا عما اقترفوه من ذنبٍ في حقِّنا وحقِّ أجدادِنا: احتلالٌ، استغلالٌ،
سرقةٌ، تجويعٌ، تشريدٌ، تنكيلٌ، تعذيبٌ، قتلٌ فرديٌّ وجماعيٌّ، تصفيةٌ عنصريةٌ،
عرقيةٌ، دينيةٌ، ثقافيةٌ، ولغويةٌ.
من المفارقات الكبرى: الأولى:
العرب لا يتكلمون لغتهم الأم، اللغة العربية الفصحى، فنحن لا نجدها إلا في التعليم
والكتب والثقافة، هي إذن أكثر أجنبية في وطنها من اللغات الأجنبية نفسها. الثانية:
اللغة الأولى حاليًّا في تدريس العلوم في الثانوي والجامعة هي الفرنسية وليست
العربية رغم التعريب الجزئي منذ 1975.
لو تعلمتَ لغةَ مُنتِجي العلمِ
(لغة أجنبية) لتجنبتَ الجهلَ (من دروس تجربتي في التعليم الجزائري المعرّب)، لأن العِلمَ
ليس محايدًا، بل هو منحازٌ لِمنتِجِيه الأجانب. واللغة، لا تنهضُ بالعنتريات
والبُكاء على الأطلال، بل تنتعشُ بانتعاشِ اقتصاد مستعمليها، كما انتعشت حديثًا اللغات
التركية والصينية والعِبرية. كانت العربية، لغةَ العلم والفلسفة، كانت تغطي تقريبًا
نصف العالَم في العصر الذهبي للحضارة العربية-الإسلامية، العبّاسي والأندلسِي،
وكان الطلبة الأوروبيون يهاجرون لدراستها، وستصبح إن شاء الله وشاء العربُ، ولسنا
أقل شأنًا من أعدائنا الإسرائيليين الذين أحيوا لغةً كانت على شفا حفرةٍ من
الانقراضِ.
بالتعريب الكامل والشامل قد
نسد باب الاستفادة من الفكر العالمي غير المعرّب أمام الأجيال القادمة كما فعل في
الاتجاه المعاكس كمال أتاتورك عندما غير الكتابة بالحروف العربية وسد باب
الاستفادة من الفكر الإسلامي. كانت اللغة العربية في القرون الوسطى لغة فلسفة وعلم
وأدب ، وكان يدْرُسها ويكتب بها غير العرب. اليوم تغيرت موازين القوى لغير صالحنا،
فأصبح التجديد في الرواية والشعر العربيين نفسيهما يمر كرهًا عبر إتقان لغة أجنبية
غربية، كذلك فعل المجددون طه حسين، توفيق الحكيم، ونزار قباني، جددوا بالعربية وفي
العربية بفضل إتقانهم لغةً أجنبية، ولو كانوا معرَّبين 100%
لَما طوروا العربية نفسَها. أنا
مثلاً، تصالحتُ حديثًا مع هُويتي العربية-الإسلامية من خلال قراءاتي المكثفة باللغة
الفرنسية لفلاسفة غير عربٍ وغير مسلمينَ، وأعي جيدًا أن بعض اليسارَ التونسيَّ
يصِمُ تصالُحي هذا بالعُقُوقِ، وغيرِ اليسار لا يراني في هذا الشأن قُدوةً.
خاتمة: إنما اللغة رجالٌ لو نهضوا … فإن ذهبت لغتهم ذهبوا.
إمضائي
"المثقفُ
هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"لا أقصد
فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل
أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد"
مواطن العالَم
"وَلَا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ
طُولًا" (قرآن)
Les
vices privés des capitalistes décideurs ne feront jamais la vertu publique du
peuple gouverné
تاريخ أول
نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 4 أفريل
2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire